التصنيفات
جهاز المناعة

داء القلب والسكتة وداء السكر: الأمراض الأكثر فتكاً: الضرر الناتج عن الالتهاب ج4

يعتبر داء القلب والسكتة وداء السكر أمراضاً مدمرة. في الولايات المتحدة، أدت هذه الأمراض جمعاء إلى مقتل تقريباً ضعفي عدد الأشخاص الذين توفوا كل سنة من جراء السرطان على جميع أشكاله.

تحدث هذه الأمراض أضرارها في الجسم من خلال تجويع خلايا أجسامنا سواء أكان عبر خنق مخزون الدم (في حالة داء القلب أو السكتة) أو إفساد آثار ارتفاع معدل السكر في الدم (في حالة داء السكر). عادةً، تنمو هذه الأمراض ببطء، بدون أن تسبب أعراضاً علنية إلا بعد مرور عقود عندما تكون قد تطورت إلى حدّ الخطورة.

إنّ الخسران الفيزيولوجي الذي نظن أنه جزء من العملية الطبيعية للتقدم في السن هو حقاً نتيجة الضرر في جهاز الدوران. تحتاج كل خلية في الجسم إلى الأكسجين لتعيش ويتم نقل هذا الأخير عبر الدم. فتموت الخلية إنْ عجز الدم عن الوصول إليها، بسبب إنسداد في الوعاء الدموي. ويختلف ذلك بحسب مكان الخلية في الجسم. إذا إنسدّ شريان قلبي ومات عدد كبير من الخلايا في القلب، نسمي هذه الحالة نوبة قلبية. وإذا إنسدّ وعاء دموي في الدماغ وماتت الخلايا فيه، يُطلق على هذه الحالة اسم السكتة. إنْ تضررت الأوعية الدموية في أصابع القدم من جرّاء آثار داء السكر، عندئذٍ تموت الخلايا في أصابع القدم وتصاب هذه الأخيرة بالغنغرين.

إذا أصيب وعاء دموي بالانسداد بشكل جزئي، لا تموت الخلايا ولكنها تتوقف عن العمل بطريقة مثلى لأنها تعاني جزئياً من الاختناق. فتضعف قوتنا وأجسامنا ونوعية حياتنا. تسلبنا هذه الأمراض شيئاً فشيئاً قدرتنا على القيام بالأمور التي نحبها. فالأعمال المنزلية البسيطة تجعلنا نلهث، ونعاني من مشاكل في الذاكرة واضطراب في العقل. كما ويضعف نظرنا ونصاب  بعجز جنسي ونشعر دائماً بالتعب. على الرغم من أننا نعتقد أن هذه الأعراض هي مجرد مؤشرات على التقدم في السن، إلا أنها محتومة. تعتبر هذه الأعراض طبيعية فقط لأن الكثيرين يعانون من داء الشرايين.

علمنا منذ وقت طويل أن علم الوراثة يساعد على تحديد خطر تعرضنا للمرض. إنْ كان أفراد عائلتك يميلون إلى الإصابة بنوبات قلبية في سن مبكرة، فعلى الأرجح أنك أيضاً في خطر الإصابة بنوبة قلبية في سن مبكرة. ولكن علم الوراثة يحدد ما قد يكون وليس ما يجب أن يكون. خذ بعين الاعتبار أنواع الكلاب. يتمتع بعض أنواع الكلاب مثل الدوبرمان والتيرير بمزيج من الجينات التي تمنحهما مميزات خاصة ومنها خاصية العدائية. ولكن عند ترويض هذه الحيوانات بالشكل الصحيح، يمكنها أن تكون مطيعة. تميل دائماً إلى العدائية أكثر من الأنواع الأكثر إذعاناً جينياً مثل كلب الصيد من نوع الباست بدون أن تكون كذلك مستقبلياً. بشكل مماثل، ليس من الضروري أن يعاني الأشخاص المعرضين جينياً للإصابة بداء القلب، السكتة أو داء السكر من هذه الأمراض ولكن يتوجب عليهم العمل بجهد أكبر لتجنبها أكثر من هؤلاء الذين لا يحملون هذه الجينات.

ماذا تعني عبارة “العمل بجهد أكبر”؟ جميعنا علمَ أن الحفاظ على سلامة الشرايين وتجنب الإصابة بداء السكر يعني ممارسة الكثير من الرياضة والحفاظ على وزن معتدل وتناول وجبات صحية. نعرف ذلك. ولكننا لم نعرف قط سبب نجاح هذه التوصيات. أصبحت الصورة الآن أوضح. ففي غضون السنوات القليلة الماضية، اكتشف العلماء أن الالتهاب هو صلة الوصل.

داء القلب والسكتة

من الشائع التفكير بداء الشريان التاجي والسكتة كمرضين منفصلين. في النهاية، يحدث الأول في الصدر والآخر في الرأس. إلا أنهما مرتبطان بشكل وثيق. فكلاهما ناتج عن نقص في تدفق الدم بسبب إنسداد في وعاء دموي. وعلى الرغم من إمكانية حدوث انسداد تام في جزء واحد من الجسم (مسبباً نوبة قلبية أو سكتة)، إلا أن العنصر المشترك أي التصلب العصيدي يجعل الشرايين أكثر تضيقاً وصلابة في كل الجسم. إنْ كنت مصاباً بالتصلب العصيدي، فإنّ تعرضك لنوبة قلبية أو سكتة هو مسألة حظ.

التهاب القلب

نادراً ما كان يحدث داء الشريان التاجي. عندما كان يتم استقبال مصاب بانسداد في شرايين القلب في مستشفى حوالى العام 1900، كان الأطباء المعاودون والمقيمون ينقضون على المريض المسكين ظناً منهم أنها قد تكون الحالة الوحيدة التي سيشهدونها أبداً طيلة فترة مزاولتهم للطب. ولكن مع تغيّر مجتمعنا، بدأ يظهر داء القلب. ومع نهاية القرن العشرين، كان داء الشريان التاجي المسبب الرئيسي لوفاة الرجال والنساء في الولايات المتحدة. واليوم، يبقى داء الشريان التاجي المرض الفتاك الأول.

ينبض القلب تقريباً مرة في الثانية. مع كلّ ضخة، يترك الدم الجهة اليمنى من القلب وينتقل إلى الرئتين حيث يأخذ الأكسجين ويفرّغ ثاني أكسيد الكربون. يُضخ الدم الآتي من الرئتين من الجهة اليسرى من القلب إلى بقية الجسم حيث يسلِّم الأكسجين ويأخذ الفضلات في شكل ثاني أكسيد الكربون. إنْ توقف القلب عن الخفقان حتى لبضع دقائق، تموت خلايا الجسم شيئاً فشيئاً بسبب النقص في الأكسجين والمواد الغذائية.

وإنْ لم تحصل العضلة القلبية على ما يكفي من الأكسجين، يصاب البعض بألم صدري يدعى الذبحة. يحدث ذلك عندما تصبح شرايين القلب ضيقة من جرّاء المرض أو عندما تصبح الشرايين صلبة لدرجة عجزها عن التوسّع كما تفعل عادةً عندما يُطلب المزيد من الدم. مثلاً، يمكن أن تكون الذبحة مستقرة أو غير مستقرة. تحدث الأولى في نمط يمكن التكهن به مثل الذبحة التي تستحثها التمارين الرياضية والتي تقع خلال ممارسة الرياضة ثم تزول بعد الاستراحة. أما الثانية فتحدث بشكل غير متوقع بتواتر متزايد ويمكن الشعور بها أحياناً في حال الاسترخاء. إنّ الذبحة غير المستقرة هي حالة خطرة جداً غالباً ما تحذر مسبقاً عن الإصابة بنوبة قلبية.

عندما ينسدّ شريان في القلب بشكل تام، تحدث نوبة قلبية ويموت ذلك الجزء من العضلة القلبية التي يزودها الشريان المسدود بسبب نقص في الأكسجين والمواد الغذائية. تكون النوبة القلبية مميتة إنْ ماتت عضلة البطين الأيسر (الذي يضخ الدم الغني بالأكسجين إلى الجسم) بنسبة 40% وما فوق، في حال وجود اضطراب في نظم القلب بسبب نقص في الأكسجين، إنْ تمزقت العضلة القلبية أو إذا تضررت البنى الحيوية.

النوبة الدماغية

هناك نوعان من السكتة: النوع الأول ناتج عن إنسداد في وعاء دموي في الدماغ (سكتة إقفارية)، والثاني ناتج عن تسرب الدم من جرّاء تفجّر وعاء دموي (سكتة نزفية). في الحالتين، يحدث الضرر في الدماغ بسبب انقطاع تدفق الدم إلى خلايا الدماغ. تسبب السكتات النزفية المزيد من الضرر إنْ ضغط الدم المتسرّب من الوعاء على الدماغ. إنّ السكتات الناتجة عن الانسداد ـ أي السكتات الإقفارية ـ تشبه النوبات القلبية التي بدأ الأطباء يطلقون عليها اسم النوبات الدماغية.

يعتمد نوع الضرر الذي تسببه السكتة على الجزء من الدماغ الذي أصيب بالانسداد ويتوقف مدى الضرر على عدد خلايا الدماغ التي لم يصلها الدم ومدة بقائها بلا دم. مثلاً، تجد في الجهة اليسرى من الدماغ جزءاً مسؤولاً عن الكلام. إنْ ماتت خلايا عديدة في هذا الجزء من الدماغ بسبب نقص الأكسجين، يمكن أن يفقد الشخص القدرة على الكلام. إلا أنه قد يفهم كل ما يقال بدون التمكّن من الإجابة لأن هناك منطقة مختلفة من الدماغ مسؤولة عن فهم الكلام. ولكن إنْ مات عدد كبير من الخلايا، يعجز الدماغ عن الاستمرار في وظيفة تنظيم الجسم وتحدث الوفاة.

ومثلما الذبحة عبارة عن إشارة تحذيرية من إمكانية وقوع مشاكل قلبية وشيكة، قد يصاب المعرضون للسكتة الوشيكة بنوبات إقفارية عابرة أو سكتات صغيرة. إنّ النوبات الإقفارية العابرة هي اضطرابات مؤقتة في تدفق الدم لا تدوم طويلاً بما يكفي لحصول ضرر دائم. وأعراضها مثل أعراض السكتة ويمكن أن تشمل التنمّل أو ضعف في الوجه، الذراع أو الساق؛ الاضطراب العقلي؛ صعوبة في التكلّم أو فهم الكلام؛ الدُوام؛ صعوبة في النظر؛ أو فقدان التوازن. ولكن الفرق الوحيد هو أن أعراض النوبات الإقفارية العابرة تختفي بسرعة نسبياً عادةً في غضون ساعة. (بما أنه يستحيل التفريق بين السكتة والنوبة الإقفارية العابرة، من المهم معالجة كل أعراض السكتة كحالة طوارىء. لا تنتظر أبداً لتعرف إنْ كانت الأعراض ستختفي بنفسها. توجه فوراً إلى المستشفى.)

يُقدّر بأن حوالى ثلث الأشخاص الذين يتعرضون لنوبة إقفارية عابرة سيصابون بسكتة قوية في المستقبل. في عالم الطب، يعتبر هذا التوقع خطراً ويجب أن يكون دعوة تحذيرية لاتخاذ تدابير وقائية. لا يمكن أبداً استبدال خلايا الدماغ التي تموت خلال حدوث السكتة. العلاج الوحيد للسكتة هو تناول الأدوية لفتح الوعاء الدموي (والتي يجب أخذها في غضون ثلاث ساعات من بدء الأعراض) وإعادة التأهيل لمحاولة التغلب على بعض العجز الذي خلفته السكتة.

دور الالتهاب

من أحد الجوانب الأكثر إرعاباً لداء القلب والسكتة أنه يمكن حدوثهما بشكل مفاجىء بدون أي تحذير. كل عام، تقع في الولايات المتحدة حالات وفاة مفاجئة من جرّاء مشاكل قلبية لمئات الآلاف من الأشخاص الذين كانوا سابقاً أصحاء. عادةً، يحدث ذلك للرجال في منتصف العمر والذين أصيبوا بداء الشريان التاجي بدون أن يتم تشخيصه أو الاشتباه بالإصابة به سابقاً.

عندما تأتي الأمراض مثل داء القلب والسكتة من العدم فتصبح الأسباب الرئيسة للوفاة وعندما تصيبنا وتفتك بنا بشكل مفاجىء، يصبح من الإلزامي اكتشاف الأسباب وإتخاذ التدابير الوقائية. يتأتي معظم ما نعرفه من إحدى دراسات القلب الأكثر شهرة ودقة وهي دراسة فرامينغهام التي استمرت لعقود في بلدة فرامينغهام في ولاية ماساتشوستس. ذهب المحققون إلى البلدة وتسجل أشخاص من مختلف الأعمار في دراستهم وراحوا يجمعون المعلومات حول ضغط دمهم ومعدلات الكولسترول والدهن في الدم وتدخين السجائر وغيرها من المسائل الصحية. مع مرور الوقت، تمكن المحققون من معرفة مَن أصيب بداء القلب ونوع العوامل التي جعلتهم مختلفين عن الذين لم يصابوا بالداء. وجدوا أن الأشخاص يتعرضون لداء القلب إنْ كانت نسبة الكولسترول مرتفعة في دمهم، إنْ كانوا يدخنون أو عرضةً لدخان السجائر أو إنْ كان ضغط دمهم مرتفع. كما أن الكسل (أو ما يسميه العلماء أسلوب الحياة القعودي) يزيد نسبة الخطر فيما أن ممارسة الرياضة بانتظام تحمي من داء القلب. كذلك، وُجد أن العمر يشكّل عنصر خطر مهم. مع تقدّم المرء في العمر، تزيد نسبة تعرضه لداء الشريان.

ما أظهرته هذه الدراسة وغيرها من الدراسات هو أن ما من تغيّر واحد منذ العام 1900 وحتى العام 2000 أدى إلى ظهور داء القلب والسكتة كمرضين فتاكين رئيسين. ولكن كل ابتكارات القرن العشرين سببت تغييراً في أسلوب الحياة. حلّ ركوب المركبات محلّ السير على القدمين. وأصبح نصف عدد السكان من البالغين مدمني سجائر مع بداية العام 1950. كما أن المأكولات السريعة الغنية بالدهون أخذت مكان الفواكه والخضار في النظام الغذائي.

ولكن هذه الأنواع من الدراسات محدودة لأنها لا تطلعنا على الآليات الضمنية لمدى ارتباط عوامل الخطر والمرض. لمَ يؤدي الكسل إلى داء القلب؟ لمَ تجعلنا الدهون في النظام الغذائي أكثر عرضةً لتصلب الشرايين؟ على الرغم من اكتشاف أن معدل الكولسترول المرتفع يزيد خطر الإصابة بمشاكل قلبية، إلا أن الكثيرين ممن عانوا مشاكل قلبية لم يسجلوا قط معدلات مرتفعة للكولسترول. لذا، مع أن الكولسترول يرتبط بداء القلب، إلا أنه لا يمكن أن يشكل السبب الوحيد. عندما تعمّق العلماء في البحث لاكتشاف ما جرى في الجسم وأدى إلى التصلب العصيدي، تفاجأوا لإدراك أن الالتهاب كان على رأس لائحة الأسباب الرئيسة.

اللويحة الهشة والنوبة القلبية

شمل البحث الأولي للالتهاب إطعام الحيوانات نوعاً من الطعام المعروف بإطلاقه للتصلب العصيدي ثم دراسة التغييرات التي تحدث في جدران الوعاء الدموي لدى الحيوانات. (علم أحياء البشر والثديات هو ذاته. مثلما يؤدي القلب الوظيفة نفسها لدى كل الثديات، إنّ آليات الوظائف الفيزيولوجية الأساسية الأخرى بما في ذلك الالتهاب هي نفسها لدى البشر والثديات الأخرى.) اكتشف الباحثون أن التصلب العصيدي يبدأ عندما يلتصق نوع من الكريات البيضاء يدعى الوحيدة بجدران الشريان ثم ينتقل إلى داخلها. لا أحد يعرف تماماً سبب بدء هذه العملية ولكن يُعتقد أن نوعاً من الإصابة التي تطلق الالتهاب في الجسم، وتضرر الأوعية الدموية يؤديان إلى هذا المرض.

ما إنْ تدخل الوحيدات إلى الجدار، تطلق خلايا العضل الأملس مواد كيميائية التهابية تدعى سيتوكين تحوّل الوحيدات إلى نوع مختلف من الخلايا اسمها البلاعم. تلتهم هذه الأخيرة الدهن (بما في ذلك الكولسترول) فتصبح رغوية الشكل، من هنا جاءت تسمية الخلايا الرغوية. وتتكتل هذه الخلايا الرغوية الغنية بالدهون مسببةً تلماً دهنياً في الشرايين وهي الإشارة الأولى للمرض. كما أنها تفرز مواد كيميائية إضافية تستمر في عملية الالتهاب. مع الوقت، تتشكل مادة صلبة معروفة باللويحة الليفية من الخلايا الرغوية، الخلايا العضلية، النسيج الضام، الكولاجين وغيرها من الخلايا المرتبطة بالالتهاب.

لا يرى الجسم اللويحة على أنها جسم مؤذٍ. بالنسبة إلى الجسم، إنها تحاول معالجة الضرر الأساسي الذي أصاب جدران الوعاء الدموي. ولكن يتعذر التحكم بعملية المداواة وبدلاً من ترميم الضرر والتوقف، تكثر رواسب اللويحات وتصبح أكبر وتنتشر نحو الخارج على طول جدران الوعاء.

إذا تكتل ما يكفي من اللويحات في مكان واحد، يتكون حائل صلب يمكن أن يعوق تدفق الدم ويسبب نوبة قلبية أو سكتة. ولكن في أغلب الأحيان، تتشكل الجلطات عند تمزق رواسب اللويحات أو تفجرها. ومثل السدّ في النهر، يمكن أن تسدّ الجلطة تدفق الدم وتسبب نوبة قلبية أو سكتة. ثم، نجد أن الالتهاب يلعب دوراً مزدوجاً لأنه يستهل عملية تكوّن اللويحة ثم يجعلها هشة وعلى الأرجح يؤدي بها إلى الانقسام وتشكيل جلطات. لهذا السبب، كثيراً ما تحدث حالات النوبات القلبية بشكل مفاجىء ومباغت وبدون أي تحذير. ليس من الضروري أن تسد اللويحات الشرايين تماماً. يكفي أن تنفجر لويحة هشة واحدة في الوقت غير المناسب.

ما إنْ عرف العلماء أن الالتهاب كان عاملاً أساسياً في داء الشرايين حتى راحوا يبحثون عن واسمات الالتهاب وهي مؤشرات كيميائية تدل على وجود الالتهاب. حالياً، إنّ الواسمة الأكثر فعالية هي البروتين التفاعلي C. يكشف فحص الدم عن ارتفاع معدل البروتين التفاعلي C متى كان هناك التهاباً في الجسم مهما كان السبب وأيّ كان الموقع. وقد أظهرت الدراسات أن لدى المصابين بالذبحة غير المستقرة أي النوع المؤدي إلى حدوث نوبة قلبية، معدلات مرتفعة جداً من بروتين C التفاعلي. بالنسبة إلى الأصحاء، تشير معدلات البروتين C التفاعلي المرتفعة في الدم إلى ارتفاع نسبة خطر التعرض للنوبة القلبية والسكتة فالوفاة. وحتى المعدلات المرتفعة من البروتين C التفاعلي بشكل طفيف أظهرت أنها تضاعف خطر حدوث مشاكل قلبية وعائية في المستقبل مثل النوبة القلبية. كما أن عدداً من واسمات الالتهاب الأخرى بما في ذلك الإنترلوكين 6، عامل ألفا لنخر الورم، والتصاق الجزيئات، أظهرت كلها أنها تنكهن بوقوع مشاكل تاجية وسكتة في المستقبل.

أظهرت دراسة بعد دراسة أن التصلب العصيدي بغض النظر عن الجزء الذي يصيبه في الجسم مرتبط بالالتهاب. كما أن الالتهاب في أي جزء من الجسم مرتبط بالتصلب العصيدي في أجزاء مختلفة من الجسم. ما من جزء واحد ملتهب على الشريان يتناسب وموقع اللويحة. حيث يتواجد المرض، يكون الالتهاب منتشراً.

مصادر الالتهاب

بالطبع، ما إنْ نعلم أن الالتهاب يسبب تصلب الشرايين، يكون السؤال التالي: ما الذي يؤدي إلى التهاب الشرايين؟ ما إنْ نعلم الجواب، سنعرف ما نفعله للتخفيف من حدة الالتهاب وكيف نتجنبه. إنّ النظرية الأكثر شعبية حول مسببات الالتهاب بشكل عام هي فرضية الاستجابة إلى الإصابة. هذا يعني أن الالتهاب في الشرايين، كالالتهاب في أي جزء من الجسم، يحدث بسبب إصابة أو أذية. الالتهاب هو وليد محاولة الجسم حماية نفسه إلا أن العملية تتعقد وتشكّل طبيعة الالتهاب الزائدة جزءاً من المشكلة. وقد تكون مسببات هذا النوع من الإصابة الخمج، التدخين، تلوث الهواء والكولسترول.

الخمج

من المقترح أن عدداً من الجراثيم تسبب على الأرجح الالتهاب في داء الشريان التاجي ولكن في البحوث العلمية، لم يتم الكشف عن فيروس أو بكتيريا معينة ذات صلة مباشرة بالموضوع. أظهرت دراسة أن كلما وُجد المزيد من الأجسام المضادة في الدم، كلما زاد خطر الإصابة بداء الشريان التاجي ولكن لا أحد يعرف السبب أو ما يعنيه ذلك. قد يكون العدد الضخم للأجسام المضادة مؤشراً للالتهاب بدلاً من تحديد جراثيم معينة أو الإشارة إليها كمسبب للالتهاب.

ويُحتمل وجود أثر تفاعلي: قد لا يؤدي الخمج وحده إلى الالتهاب وداء الشرايين ولكن إنْ إجتمع الخمج والتهيّج من التدخين معاً، قد يكون الالتهاب هو النتيجة. من جهة أخرى، تم التوثيق بوضوح بأن داء اللثة أو التهاب حوالى السن يرتبط ارتباطاً وثيقاً بداء القلب. عندما يلاحظ الطبيب أن المريض أصيب فجأةً بداء اللثة، أصبح الآن من واجب الطبيب إحالة المريض إلى طبيب العناية الأولية للخضوع لفحص عام للجسم. أيعقل أن تكون الجرثومة المسببة لالتهاب حوالى السن مسؤولة عن داء القلب أيضاً؟ أو هل يرتبط الالتهاب المزمن بداء القلب ما يجعل جهاز المناعة في الجسم أقل فعالية فيفقد قدرته على ضبط الجراثيم في اللثة؟ حالياً، لا أحد يعلم ولكنه سيكون موضوعاً شيّقاً للبحوث المستقبلية.

التدخين

إنّ دخان السجائر مهيِّج معروف ويحتوي على مواد مسببة للالتهاب. تثبت الأدلة بشكل كبير أن التدخين يزيد خطر الإصابة بداء الشريان التاجي، النوبات القلبية والسكتة. كما أن عدداً من الدراسات أظهرت أن غير المدخنين الذين يتعرضون لدخان السجائر هم في خطر متزايد للإصابة بالنوبات القلبية. في الواقع، أظهرت دراسة سويدية نُشرت عام 2001 أن الزواج من مدخّن يزيد خطر تعرّض الشريك غير المدخّن لنوبة قلبية بنسبة حوالى 58% في حال التعرّض لدخان 20 سيجارة يومياً.

تلوث الهواء

مثل دخان السجائر، يعتبر تلوث الهواء مهيِّجاً وقد تم ربطه بالنوبات القلبية. أجريت دراسة في لندن عام 1997 ونظرت في 373،556 من الحالات التي أدخلت إلى المستشفى فوجدت أنه سُجلّت زيادة في الإصابة بالنوبة القلبية في الأيام التي كان فيها الهواء ملوثاً بالدخان الأسود، أكسيد النيتروز، أحادي أكسيد الكربون أو ثاني أكسيد الكبريت. فكان الاستنتاج أن حالة واحدة من أصل 50 حالة إصابة بالنوبة القلبية التي تم معالجتها في مستشفيات لندن ناتجة عن تلوث الهواء الخارجي وأنه يمكن الوقاية من وقوع ستة آلاف حالة سنوياً في المملكة المتحدة من خلال تنقية الهواء. في الولايات المتحدة، قال العلماء في مجلس الدفاع عن الموارد الوطنية إن الإقامة في مدينة تعاني من مشكلة تلوث الهواء يمكن أن تقصّر الحياة بمعدل سنة إلى سنتين بسبب تلوث الهواء وحده. (وأبلغوا عن المدن ذات الهواء الأكثر تلوثاً وهي لوس أنجلوس، نيويورك، شيكاغو، فيلاديلفيا وديترويت.) كما أن العاملين في مناطق ذات نسبة مرتفعة من تلوث الهواء معرضون لخطر الإصابة بنوبة قلبية. في بعض الأماكن، يموت العديدون من زملاء العمل من جرّاء داء القلب مما يجعل العمال يطلقون على المصانع إسم “زقاق النوبة القلبية”. أظهرت دراسة سويدية أخرى نُشرت كذلك عام 2001 أن العمال المعرضين لدرجة عالية من عوادم المحركات وغيرها من منتجات الإحتراق هم في خطر الإصابة بنوبة قلبية أكثر من العمال غير المعرضين بضعفين.

الكولسترول

خلافاً لما يظنه البعض، لا يعتبر الكولسترول عاملاً سيئاً. يُستخدم الكولسترول في الجسم لفرز بعض المواد الضرورية مثل الفيتامين د وبعض الهورمونات. ولكن، تظهر المشاكل عندما يكثر الكولسترول من النوع الخاطىء. هناك نوعان أساسيان من الكولسترول: البروتين الشحمي المنخفض الكثافة والبروتين الشحمي العالي الكثافة. يكمن الفرق في كيفية عملهما في الجسم. فالأول يوزع الكولسترول على كل أنحاء الجسم لجعله متوفراً للاستعمال. إنْ كان هناك ما يكفي من الكولسترول لاحتياجات الجسم، يتم التخلص من الكمية الزائدة، في الشرايين غالباً. لذا، إنْ احتوى الجسم على معدلات مرتفعة من البروتين الشحمي المنخفض الكثافة، سيتكتل المزيد من الكولسترول في الأماكن غير المناسبة مثل الأوعية الدموية. أما البروتين الشحمي العالي الكثافة فيحمل الكمية الزائدة من الكولسترول من كل أنحاء الجسم إلى الكبد حيث يتم تفكيكها. من الجيد أن يكون هناك معدلات مرتفعة من البروتين الشحمي العالي الكثافة لأن الكولسترول يؤخذ من الأوعية الدموية ويتم التخلص منه بطريقة ما.

إنّ المعدلات المرتفعة من البروتين الشحمي المنخفض الكثافة تلعب دوراً كبيراً في بدء عملية الالتهاب كلها وتشكّل على الأرجح أحد الأسباب الأساسية لاستمرار اللويحة في الانتشار. لا يؤمن الكولسترول “الغذاء” للخلايا الرغوية وحسب بل من المحتمل أنه كذلك مهيِّج يحسّن الالتهاب. يظن العديد من العلماء الآن أن أفضل طريقتين للوقاية من التصلب العصيدي ومعالجته هما ضبط الكولسترول في الشرايين عبر تقليص معدلات البروتين الشحمي المنخفض الكثافة وزيادة معدلات البروتين الشحمي العالي الكثافة وضبط الالتهاب. هناك طريقة لضبط الكولسترول ألا وهي تغيير النظام الغذائي والعوامل الأخرى لأسلوب الحياة التي تنظم كمية الكولسترول في الجسم.

غالباً ما يُعطى المصابون بمعدل مرتفع من البروتين الشحمي المنخفض الكثافة مجموعة من الأدوية المعروفة بالستاتين والتي من شأنها تخفيض معدلات الكولسترول في الدم (من هذه الأدوية: ليبيتور، ميفاكور، زوكور وبايكول.) ولكن صرحت نتائج البحوث مؤخراً بأن هذه الأدوية قد تتمتع بفائدة مزدوجة لأنها تخفف أيضاً واسمات الالتهاب في الدم. قد يعود النجاح العظيم الذي حققته أدوية الستاتين في تخفيف نسبة الإصابة بداء الشريان التاجي إلى خاصياتها المضادة للالتهاب. لهذا السبب، قد تكون مناسبة لأشخاص أكثر مما اعتقده الأطباء سابقاً.

حلقة متصلة

سيكون من السهل نسبياً السيطرة على التصلب العصيدي إنْ كان سببه تلوث الهواء ودخان السجائر والكولسترول. ولكن يبدو أن العملية تتغذى من ذاتها. فما إنْ يبدأ الالتهاب حتى يُحدث سلسلة من ردود الفعل الفيزيولوجية التي تسبب التهاباً إضافياً. ومع كل طبقة إضافية من الالتهاب، يصعب تفادي ردود فعل الجسم أكثر فأكثر.

مثلاً، بالإضافة إلى التدخين وتلوث الهواء والكولسترول، نعلم أن خطر تعرض الشخص لداء القلب أو السكتة يزيد إنْ كان هذا الشخص يعاني من الوزن الزائد، ارتفاع ضغط الدم أو مصاباً بأحد الأمراض المنيعة للذات (مثل الذأب الحمامي الجهازي أو التهاب المفاصل الرثواني)، التهاب حوالى السن أو داء السكر. ندرك أن الوزن الزائد والإصابة بداء اللثة وبداء منيع للذات، كل ذلك يزيد معدل الالتهاب في الجسم؛ وأن خسارة القليل من الوزن تخفف الالتهاب؛ وأن خسارة القليل من الوزن تخفف كذلك خطر الإصابة بنوبة قلبية أو سكتة. كل الأمور مرتبطة ببعضها البعض.

من الممكن أن تكون هذه الروابط سبب مرضنا والقضاء علينا في النهاية. يشبه الأمر وجود دودة شريطية في أحشائك. كلما أكلت، كلما كبرت الدودة وكلما شعرت بالجوع، كلما أكلت، وهكذا دواليك إلى ما لا نهاية. إنْ كان المرء مصاباً بداء القلب، يعاني من زيادة في الالتهاب، مما قد يسبب التعب أي عدم الشعور بالنشاط كالسابق، مما يؤدي إلى زيادة الوزن ويُحدث المزيد من الالتهاب في الجسم، الأمر الذي يغذي داء القلب وإلى ما هنالك. قد يكفي كسر صلة وصل واحدة في سلسلة الالتهاب لاستعادة صحتك من جديد. بالطبع، إنّ تخفيف الكثير من الالتهاب سيعجّل من تحسّن الصحة.

داء السكر

يعتبر داء السكر من أكثر الأمراض إرعاباً التي يسببها الالتهاب والتي أسيء فهمها. مثلما تحتاج كل الخلايا في جسمنا إلى الأكسجين لتعيش، تحتاج كذلك إلى الطاقة التي تتلقاها على شكل سكر غير مركب (بسيط) وهو الغلوكوز. ينتقل هذا الأخير في أرجاء الجسم في مجرى الدم. إنّ هورمون الأنسولين الذي يفرزه عضو بطني هو البنكرياس يلتصق بالمستقبِلات على سطح الخلايا ليسمح بانتقال الغلوكوز من الدم إلى الخلايا.

يمكن أن يحدث أمران أساسيان للجسم. أولاً، قد لا يفرز البنكرياس ما يكفي من الأنسولين لتأمين الغلوكوز لجميع الخلايا. هذا ما يحدث في داء السكر من النمط 1 وهو داء منيع للذات حيث يدمر الجسم خلاياه المنتجة للأنسولين في البنكرياس. وثانياً، يمكن أن تصبح خلايا الجسم مقاومة للأنسولين. وهذا ما يحدث في داء السكر من النمط 2. يتم إفراز الكثير من الأنسولين ولكنه غير فعال.

تشبه العملية بأكملها آلية القفل والمفتاح. تخيل أن للخلية قفلاً والأنسولين هو المفتاح الذي يسمح للغلوكوز بالدخول. بدون مفتاح الأنسولين (كما في حال داء السكر من النمط 1)، لا يمكن فتح القفل. كذلك، إنْ لم ينفع مفتاح الأنسولين، لن يفتح القفل. وفي حال داء السكر من النمط 2، يبدو الأمر كانسداد القفل. وفي الحالتين، تبقى الآثار هي نفسها على الجسم. إنْ لم يتمكن الأنسولين من مساعدة الخلايا على امتصاص الغلوكوز، عندئذٍ، تموت الخلايا.

كذلك، إنْ عجزت الخلايا عن إخراج الغلوكوز من الدم، عندئذٍ ترتفع كمية الغلوكوز أكثر فأكثر. هذا هو المقصود عندما يقول المصابون بداء السكر إنّ نسبة السكر في دمهم مرتفعة. وعلى الرغم من أن ارتفاع نسبة السكر في الدم لا يبدو خطراً، إلا أنه كذلك. فكمية الغلوكوز الزائد تضرّ الأوعية الدموية. إنّ المتضرر الأول هو الأوعية الدموية الصغرى أي الشعيريات الصغيرة. فإنْ تضررت الأوعية الدموية الحساسة للعين، يمكن أن يؤدي ذلك إلى العمى. وإنْ تضررت الأوعية الدموية للكليتين، يمكن أن ينتج عن ذلك داء الكلية أو فشلها. كذلك، يمكن أن تتضرر الأعصاب مما يؤدي إلى التنمّل أو الألم حيثما يحلّ الضرر مع أنه قد يحلّ في أكثر أجزاء الجسم بعداً عن القلب أي القدمين. كما ويمكن أن يضرّ الغلوكوز بالأوعية الدموية الأكبر. قد يكفي هذا الضرر لإطلاق رد فعل التهابي في الأوعية الدموية ويعرضنا لداء الشريان التاجي والنوبة القلبية والسكتة.

في المراحل الأولى لداء السكر من النمط 2، تبلغ الخلايا التي تعاني من النقص البنكرياس عن حاجتها إلى المزيد من الأنسولين. إلا أن كل الأنسولين الجديد لا يساعد الخلايا (لأن القفل مسدود) فيبقى محتجزاً في مجرى الدم. تؤدي الكمية الزائدة من الأنسولين في الدم إلى ارتفاع ضغط الدم، معدل منخفض من البروتين الشحمي العالي الكثافة ومعدلات مرتفعة من نوع معين من الدهون يدعى ثلاثي الغليسريد في الدم. إنّ ردود فعل الجسم هذه شائعة جداً لدرجة أن هذه المجموعة من الاضطرابات تدعى متلازمة مقاومة الأنسولين وتتكهن بإحداث داء السكر من النمط 2 وداء القلب. في الواقع، أظهرت دراسة أجراها باحثون في جامعة سانفورد أن حتى الذين يتمتعون بوزن طبيعي ولديهم مقاومة للأنسولين هم معرضون لخطر الإصابة بداء القلب. ما إنْ يبدأ داء السكر، يزداد الخطر بسرعة. أظهرت الدراسات ككل أن الرجال المصابين بداء السكر معرضون للموت المبكر من جرّاء مشاكل قلبية وعائية أكثر من غير المصابين به بضعفين. أما بالنسبة إلى النساء، فأثر داء السكر مماثل مما يجعلهنّ معرضات للموت المبكر من جرّاء مشاكل قلبية أكثر من غير المصابات بداء السكر بحوالى ثلاث مرات.

لا أحد يعلم أسباب مقاومة الأنسولين وداء السكر من النمط 2، ولكن الوزن الزائد يشكّل عامل الخطر الأعظم الوحيد. يُعتقد أن الدهن في الدم يمكن أن يجعل الخلايا تتغير بطريقة تستجيب فيها إلى الأنسولين. اقترح بعض العلماء أن الإصابة بالتهاب مزمن ذي درجة منخفضة قد يزيد خطر الإصابة بداء السكر من النمط 2. عندما تعتبر أن الوزن الزائد يزيد من الالتهاب، قد تكفي الحالة الالتهابية المنخفضة الدرجة لإعداد الجسم لداء السكر. غالباً ما يتكون الداء القلبي الوعائي أولاً بشكل مثير للاهتمام مما يزيد نسبة الإصابة بداء السكر. إنّ التفسير المحتمل هو أن شيئاً ما في الجسم يعرض المرء لكلا الدائين: داء القلب وداء السكر. تعتبر البدانة ومقاومة الأنسولين وعلم الوراثة عناصر شائعة محتملة والآن يمكننا إضافة الالتهاب إلى اللائحة.

روابط

قد يكون الالتهاب المزمن المنخفض الدرجة للأوعية الدموية الرابط المشترك في الأمراض الفتاكة كلها. يرتبط كلّ من البدانة، داء القلب، السكتة وداء السكر بشكل معقد لدرجة تجعل من الصعب على العلماء الفصل بين ردود فعل الجسم السببية. ما الذي وقع أولاً، البدانة أو داء القلب؟ داء القلب أو داء السكر؟ داء السكر أو البدانة؟ تتطور كل هذه الأمراض ببطء شيئاً فشيئاً. يستحيل مراقبة تطورها اليومي وبالتالي يستحيل تحديد لحظة تحوّل الجسم من الصحة إلى المرض.

كذلك، على الأرجح أن هناك العديد من الروابط الأخرى التي لم يتم الكشف عنها بعد. وداء اللثة هو خير مثال. كما أشرنا سابقاً، من المعروف أن المصابين بداء اللثة هم أكثر عرضةً للإصابة بداء القلبي الوعائي من غير المصابين به. قد يكون الخمج الذي يسبب داء اللثة كافياً لإطلاق نوع الالتهاب المسبب لداء القلب. أو قد يعني الالتهاب المنخفض الدرجة والمرتبط بداء القلب إحداث تغيير في الاستجابة المنيعة للجسم مما يسمح للجراثيم في الفم بإفساد اللثة. ولكن خذ بعين الاعتبار أن داء اللثة مرتبط أيضاً بالبدانة وداء السكر. إنّ المصابين بداء السكر معرضون للإصابة بداء اللثة أكثر من غير المصابين به. كما أن معالجة داء اللثة تساعد المصابين بداء السكر على ضبط معدل السكر في الدم بشكل أفضل ربما عبر تحسين حساسية الأنسولين. قد يعني ذلك أن الالتهاب المزمن في الفم يمكن أن يصيب الجسم بكامله. علاوةً على ذلك، عندما درس العلماء في اليابان البدانة وداء اللثة، اكتشفوا أن الذين يعانون من كميات ضخمة من الدهون في أجسامهم، سجلّوا أعلى معدلات في الإصابة بداء اللثة. عُرف رابط داء اللثة في السنوات الخمس الماضية فقط.
على الأرجح أنه سيتم اكتشاف علاقات أخرى فيما يستمر العلماء في البحث عن رابط الالتهاب.

تأليف: د. ويليام جويل ميغز