هناك سؤالان حاسمان يجب أن تتم الإجابة عنهما عند النظر فيما إذا كانت هناك ضرورة لاتباع مقاربة باضعة لاعتلال القلب. أولا، يجب أن تسأل، هل سيطيل هذا الإجراء حياتي؟ إذا كان الإجراء مرجحا لأن يمنع نوبة قلبية في المستقبل أو يوقف أخرى فورا، منقذا بذلك عضلة القلب، إذا فالإجراء يشير بوضوح إلى إطالة حياتك.
إذا كانت الإجابة عن السؤال الأول هي لا، فيجب إذا أن تسأل أيضا، هل سيحسن هذا الإجراء نوعية حياتي؟ إذا كنت تختبر ألما صدريا ملحوظا أو انزعاجا أو أعراضا أخرى مرتبطة بالقلب خلال أدائك لنشاطاتك اليومية الطبيعية، فمن المؤكد أن الألم قد أثر بالفعل على نوعية حياتك وعادة ما يكون من المستحسن اللجوء إلى إجراء باضع. إذا كنت رياضيا وكان ألم الصدر يعرقل قدرتك على التمرن بنفس النشاط المعهود، فقد يتعين عليك إذا أن تنظر في اتخاذ إجراء باضع لتخفيف الألم، حتى لو لم يكن واضحا بأنه سيطيل حياتك.
من شأن برنامج الوقاية أن يقي مرضاي من الوصول إلى المرحلة التي يحتاجون فيها إلى إجراء باضع. ولكن إذا كنت قد وصلت إلى تلك المرحلة بالفعل بسبب القليل جدا من الوقاية بعد فوات الأوان، فقد يكون الإجراء الباضع مطلوبا ويحتمل أن يكون منقذا للحياة. ومع ذلك، من الممكن أحيانا أن يتم عكس ألم الصدر الناشئ عن انسداد تاجي وتحسين القدرة على ممارسة الرياضة البدنية عن طريق الأدوية وتغييرات أسلوب الحياة وحدهما. سيساعدك هذا الموضوع على أن تعمل مع طبيبك لتتخذ قرارك حين يتم النظر في اتخاذ إجراء باضع.
الإجراءات الباضعة Invasive Procedures بإدخال أدوات جراحية داخل الجسم
من أجل أن تفهم على نحو أفضل متى يكون القيام بإجراء باضع أمرا أساسيا ومتى لا يكون، أنت تحتاج أولا إلى القليل من المعلومات الأساسية بشأن ما يشتمل عليه التصوير الوعائي، ورأب الوعاء، وجراحة المجازة.
التصوير الوعائي الباضع
نظر فترة إلى التصوير الوعائي الباضع على أنه المعيار الذهبي لتشخيص التصلب العصيدي. وهو لا يزال حتى اليوم الطريقة الأفضل لتقييم الانسداد المئوي للشريان التاجي، ولكن كما ناقشنا سابقا، هناك الكثير جدا مما يتعلق باعتلال القلب عدا عن الانسداد المئوي. في كثير من الأحيان هناك ميل لمعالجة التصوير الوعائي بدلا من معالجة المريض. وهو ما يقود إلى الفتح غير الضروري لمناطق ذات انسداد جزئي والتي لا تعيق تدفق الدم بشكل ملحوظ ولا تمثل خطرا لتمزق لويحي مستقبلي ونوبة قلبية.
كيف يتم إجراؤه؟ في التصوير الوعائي الباضع، يقوم طبيب القلب بإقحام قثطار داخل شريان، عادة في منطقة الأربية (ولكن أحيانا في الذراع). يتم إدخال القثطار بحذر عبر الشريان الفخذي وللأعلى عبر الشريان الأبهر (الأورطي) إلى أن يصل إلى الشرايين التاجية الواقعة حيث ينشأ الشريان الأبهر من البطين الأيسر (حجيرة القلب الرئيسية الضاخة). يتم حقن صباغ عبر القثطار إلى داخل الشرايين التاجية ويتم تسجيل صور أشعة إكس. تظهر الصور الناتجة عرض القطر الداخلي للشرايين التاجية حيث يتدفق الدم (تدعى هذه المنطقة باللمعة أو جوف الأنبوب). إذا كان هناك تضيق في قطر الوعاء، يتم قياسه لتحديد مقدار الانسداد (ومع ذلك، لا يظهر التصوير الوعائي اللويحات المغروزة داخل جدران الأوعية). وبالاعتماد على ما يتم كشفه، قد يوصى برأب الوعاء أو جراحة المجازة لإعادة تدفق الدم.
رأب الوعاء
منذ أن تم إجراؤها لأول مرة في العام 1977، اعتبرت عملية رأب الوعاء البديل الأقل بضعا لجراحة المجازة. يتم إجراء رأب الوعاء لتخفيف ألم الصدر بفتح الانسداد المسيء الذي يعرقل تدفق الدم إلى جزء كبير من عضلة القلب. عندما يكون ألم الصدر موجودا ويكون جزء كبير من عضلة القلب قد تضرر (وهو شيء يجب أن يحدده طبيب قلب)، فإن إجماع الرأي إذا على فتح الوعاء المسيء عن طريق رأب الوعاء هو فكرة سديدة. أما إذا كان جزء صغير فقط من عضلة القلب متضررا، فإن الوصفة الطبية المشتملة على تغييرات أسلوب الحياة والأدوية تكون ملائمة عادة. وفي الحالات التي يريد فيها المريض أن يكون خاليا من الألم ولكنه لا يريد أن ينتظر تغييرات أسلوب الحياة حتى تحدث تأثيرا، فقد لا يزال رأب الوعاء خيارا ملائما. ولكن تذكر بأن الدليل الطاغي يظهر بأن فتح انسداد مزمن لتخفيف الألم لن يمنع نوبة قلبية مستقبلية أو يطيل الحياة.
كيف يتقارن معدل النجاح لرأب الوعاء ببرنامج جدي من أدوية تخفيض الكوليسترول عند التعامل مع الانسدادات المزمنة؟ في دراسة شهيرة تعرف بتجربة AVERT، تم تقسيم المرضى المصابين بالاعتلال التاجي الخفيف إلى المعتدل إلى مجموعتين. أعطيت إحدى المجموعتين جرعة قصوى من عقار الستاتين، أتورفاستاتين (ليبيتور) لتخفيض الكوليسترول لديهم، بينما خضعت المجموعة الثانية لرأب الوعاء مع دواء (يمكن أن يشتمل على ستاتين) وفقا لرأي طبيبهم. عندما نشرت النتائج في مجلة نيو إنغلند للطب في العام 1999، دهش أطباء القلب عندما علموا بأن المرضى الذين كانوا يتناولون جرعات عالية من عقاقير الستاتين كانوا أحسن حالا من أولئك الذين خضعوا لرأب الوعاء. كما أن المرضى الذين تمت معالجتهم بالأدوية كان دخولهم إلى المستشفى أقل، كما أن عمليات رأب الوعاء وجراحة المجازة التي أجريت لهم كانت أقل مما حصل للمجموعة الثانية التي خضعت لرأب الوعاء.
إن الدليل ضد استخدام رأب الوعاء لمنع نوبة قلبية لدى أولئك الذين يعانون من اعتلال قلبي مزمن هو دليل قوي. ففي العام 2005، نشرت مجلة الجمعية الطبية الأميركية circulation تحليلا لعدة دراسات تقارن رأب الوعاء بالعلاج الطبي. قاموا بدراسة عامة على ما مجموعه 2950 مريضا بالقلب. خضع 1476 مريضا من هؤلاء لرأب الوعاء، وتلقى الباقون علاجا غير باضع مثل العلاج الدوائي والمداخلة الحميية. والنتيجة: مقارنة بالمعالجة الطبية المعتدلة، لم تخفض عملية رأب الوعاء معدل الوفيات أو خطر الإصابة بنوبة قلبية خلال فترة المتابعة مع هؤلاء المرضى المصابين بالاعتلال التاجي المزمن.
كيف يتم إجراؤه؟ في عملية رأب الوعاء يتم إدخال قثطار بحذر إلى داخل الشريان التاجي بنفس الطريقة الموصوفة في التصوير الوعائي. ومع ذلك، يتم دفعه إلى الأمام عبر الشريان المصاب إلى المنطقة المحتوية على الانسداد المراد فتحه. ثم يتم إدخال سلك بطرفه بالون إلى داخل القثطار، ويتم وضعه في وسط الانسداد. يتم نفخ البالون لضغط اللويحة على جدار الشريان وتوسيع فتحة الشريان، ثم يزال البالون وتترك اللويحة عادة في مكانها بأنبوب شبكي سلكي يدعى إستنت (قالب). صحيح أن الدورة الدموية إلى القلب تستعاد، إلا أن وجود الإستنت لا يمنع اللويحة من التكون في مكان آخر في نفس الشريان أو في شرايين تاجية أخرى.
جراحة المجازة
الاسم الرسمي لها هو ترقيع مجازة الشريان التاجي coronary artery bypass grafting، أو CABG، ولكن معظم الناس يسمونها ببساطة جراحة المجازة. في الحقيقة كانت جراحة المجازة اختراقا في معالجة اعتلال القلب، إلا أن قدرتها على إطالة الحياة مقارنة بتخفيف ألم الصدر كانت مثار بحث من قبل دراسات تقارنها بالمقاربة الطبية غير الباضعة.
كيف يتم إجراؤها؟ في هذا الإجراء وبعد أن يتم تخدير المريض، يشق الجراح الصدر وهو تعبير يستخدم للإشارة إلى عملية النشر عبر القفص الصدري) وفتح تجويف الصدر بواسطة الفوارش (جمع فارشة أي ناشرة). ثم يوضع المريض على جهاز الرئة – القلب كي يصار إلى تسكين القلب أثناء الجزء الحاسم أو الحرج من العملية (يقوم بعض الجراحين حديثا بإجراء المجازة على القلب الخافق بدون مضخة).
حالما تتم تهيئة المريض، يحصد وريد عادة بقطر أنبوب مص (شاروقة) من جزء آخر من الجسم، عادة من الرجل. يتم ربط أحد طرفي الوريد بالشريان الأبهر (الوعاء الدموي الرئيس الذي يتجه من القلب إلى بقية الجسم)، ويربط الطرف الآخر بالشريان وراء موقع الانسداد.
طريقة أخرى لتحويل المسار عن الانسداد هي استخدام شرايين في صدرك تسمى الشرايين الثديية الداخلية. يمكن أيضا استخدام الشرايين الكعبرية من ذراعك. متى ما كان الأمر ممكنا تقنيا، فإن جراحة المجازة المنجزة باستخدام الشرايين هي أفضل من تلك المنجزة بالأوردة لأن الشرايين أقل احتمالا بكثير لأن تنسد.
يتم الآن إحداث تطورات مثيرة في إجراء جراحة المجازة الأقل توسعا (بما في ذلك الروبوتية).
متى يكون هناك مبرر لرأي ثان؟
إذا كان طبيبك يقول بأنك تحتاج إلى عملية رأب وعاء غير طارئة أو جراحة مجازة وأنت لا تشعر بأن لديك أعراضا هامة، فأنا أوصي بأن تلتمس رأيا ثانيا من طبيب قلب متخصص بالوقاية وليس بالإجراءات. اتصل بالمستشفى أو بمركز طبي رئيسي، واطلب أن يحيلوك إلى طبيب قلب لا تدخلي (لا يستخدم العلاجات الباضعة)، ويفضل أن يكون واحدا مهتما بطب القلب الوقائي. إن الطبيب الذي يمارس الطب الوقائي سيأتي بمنظور مختلف لحالتك وقد يكون لديه أفكار بشأن المعالجة غير الباضعة.
المضاعفات
يمكن لكل من الإجراءات التي تمت تغطيتها في الصفحات السابقة أن تؤدي إلى مضاعفات، بما في ذلك النوبة القلبية أو السكتة الدماغية. وفي حين أن هذه المضاعفات نادرة في التصوير الوعائي غير الطارئ وغير شائعة في رأب الوعاء الاختياري، إلا أنها أكثر احتمالا بكثير لأن تحدث في جراحة المجازة. وعلاوة على ذلك، يمكن لجراحة المجازة أن تتسبب بنقص الوظيفة المعرفية وأحيانا بالخرف لدى أناس معينين، وهي مضاعفة أعتقد بأنها تقدر بأقل مما تقتضيه الحقيقة.
بطبيعة الحال، كلما كان طبيب القلب أو الجراح في أي من هذه الإجراءات أكثر خبرة، كلما كانت النتائج أفضل. يمكن أن يتفاوت معدل المضاعفات على نحو واسع اعتمادا على شدة مرض الشخص ومهارة الطبيب الممارس. قبل أن تخضع لأي إجراء باضع، تأكد من أن تناقش بشمول احتمال حدوث مضاعفات مع طبيب القلب أو الجراح الذي تتعامل معه.
قصص من مهنتي
الآن وقد أصبحت تعرف أكثر بشأن كيفية إنجاز هذه الإجراءات، دعنا نلقي نظرة على تاريخ الحالات المرضية لبعض المرضى. قمت بتنظيم هذه الحالات على أساس الأعراض، من حالات لاعرضية إلى حالات حادة الأعراض، كي أساعد في وضع طب القلب الباضع في المنظور الصحيح. تم تغيير أسماء المرضى كما غيرت بعض التفاصيل. قد تميز نفسك في واحدة منها. إذا حدث ذلك، أنا آمل بأنك ستتخذ إجراء فوريا وتناقش أي أعراض قد تكون لديك مع طبيبك.
ماذا لو لم يكن لديك أعراض أو كانت أعراضك لانموذجية (لانمطية)؟
يجب أن يكون الهدف الأول لطب القلب الوقائي هو معالجة العوامل الخطرة بأبكر وقت ممكن بحيث لا تكون هناك ضرورة أبدا إلى إجراء باضع. ومع ذلك، هناك هدف مهم آخر هو خفض عدد عمليات جراحة المجازة ورأب الوعاء التي تجرى على أولئك الخالين من الأعراض أو أولئك الذين لديهم أعراض لا نموذجية.
يعني انعدام الأعراض حرفيا أنك لا تعاني من انزعاج صدري، أو قصر في النفس، أو غيرهما من الأعراض المرتبطة بالقلب وذلك عندما تكون مرتاحا أو أثناء بذلك لجهد ما. ولكن تذكر بأن القلب لدى بعض الناس لديه القدرة لأن ينتج شبكة من الأوعية الدموية الجانبية؛ أي الروادف. في مثل هذه الحالات، قد تكون الشرايين التاجية الرئيسية الثلاثة لشخص ما مسدودة إلى حد كبير ومع ذلك لا يختبر أي أعراض. وهنا تبرز أهمية تفريسة القلب واختبار الدم المتقدم اللذين أصفهما في الخطوة 3.
الأعراض اللانموذجية (اللانمطية) هي آلام صدرية أو أعراض أخرى لا تشير إلى وجود تقييد في تدفق الدم عبر شرايينك التاجية. على سبيل المثال، الآلام الصدرية الحادة الزائلة التي تستمر لثوان فقط وتحدث في وضع الراحة ولكن ليس في وضع الجهد هي ليست سمة مميزة لتدفق دموي غير واف إلى قلبك. وكما سأشرح لاحقا، هناك سمات لقصر النفس تشير بقوة إلى أنها ليست من اعتلال قلبي أو رئوي هام. لا يستطيع سوى طبيبك أن يحدد إذا كان ألم صدرك نمطيا أو لانمطي، ولهذا لا تحاول أبدا أن تشخص بنفسك أي ألم صدري جديد، سواء أكان سريع الزوال أم لا.
دعوني أخبركم بقصص ريتشارد، وريتا، وجوش، وجو.
هل يجب أن أخضع لتصوير وعائي؟
تلقيت رسالة مؤخرا من صديقي ريتشارد الذي يعيش في مدينة نيويورك. كان طبيبه قد ألح عليه أن يخضع لتصوير وعائي في أقرب وقت ممكن، وأراد ريتشارد نصيحتي. رددت فورا على اتصاله وأنا أحسب بأن ريتشارد لا بد أن يكون ممددا في وحدة العناية القلبية في مستشفى ما، وهو متألم وموصول بوحدةIV. تخيل دهشتي عندما أخبرتني زوجته أنه لم يكن في البيت أو في المستشفى وإنما في ملعب التنس؛ يلعب. وفكرت، “همم، لا أظن بأن التصوير الوعائي هذا ملح لهذه الدرجة”.
عندما تكلمت مع ريتشارد لاحقا، أخبرني بأن طبيبه قد أوصاه خلال الفحص الطبي الروتيني العام أن يخضع لتفريسة قلب (تصوير CT الوعائي غير الباضع ذو الـ 64 شريحة 64-slice CT noninvasive angiogram) ليرى إن كانت هناك أي انسدادات في شرايينه التاجية. وافق ريتشارد على الخضوع للإجراء. وبعد تفريسة القلب، أخبره الطبيب بأن هناك بالفعل ما بدا مثل انسداد في واحد من شرايينه التاجية وأنه يجب أن يخضع لتصوير وعائي باضع للحصول على تشخيص أكيد. أخبرني ريتشارد بأن الطبيب كان يحثه فعليا على إجراء التصوير الوعائي الباضع. وسألني: “ماذا يجب أن أفعل؟ هل يجب أن أخضع لتصوير وعائي؟”
وبما أنني كنت أعرف بأن ريتشارد كان لتوه في الخارج يلعب التنس، فقد شككت بأن الأجابة ستكون “لا!” ولكنني أردت أن أتأكد، ولهذا جمعت منه بعض المعلومات الأخرى. استجوبته كالتالي: “كيف تشعر؟ كيف هي قدرتك على ممارسة الرياضة؟ هل عانيت من أي ألم صدري؟ أو أي قصر في النفس بصورة غير ملائمة؟” وكانت إجاباته كالتالي: “أشعر بأنني في صحة ممتازة. لعبت لمدة ساعة مباراة تنس فردية، لا مشكلة. لم أعان من ألم صدري أو قصر في النفس. لا شيء مختلف عن المعتاد”. ولكن ريتشارد كان لا يزال قلقا. ففي اليوم التالي مباشرة جاء إلى ميامي مسافرا بالطائرة ومعه صور تفريسة القلب.
في العيادة، أخضعت ريتشارد لاختبار الإجهاد التمريني النووي وقد حرق عمليا طاحونة الدوس (يحدد الاختبار الذي أصفه لاحقاً إذا كان تدفق الدم عبر الشرايين التاجية يمكن أن يزيد بما يكفي ليغذي على نحو واف عضلة قلبك الكادة). أشار اختبار الإجهاد في حالة ريتشارد بأنه يملك قدرة تمرينية ممتازة مقارنة بمعظم الناس وبأنه كان في بنية رائعة على نحو خاص لرجل في التاسعة والستين من عمره. لم يكن يعاني من انزعاج في الصدر أو قصر في النفس على نحو غير ملائم، وكان تدفق الدم إلى عضلة قلبه طبيعيا تماما، حتى أثناء الجزء الأصعب من الاختبار.
عندما تفحصت صور تفريسة القلب لريتشارد، كانت مسألة وجود انسداد أو لا قابلة للمناقشة. ولكن حتى لو كان الانسداد موجودا بالفعل، فإن فتحه أو تحويل المسار عنه لا يمكن أن يحسن من أعراض ليست موجودة أساسا. كما أن إجراء كهذا لن يخفض خطر إصابته بنوبة قلبية. وبما أن جراحة المجازة أو رأب الوعاء كانا في رأيي غير ضروريين، فلم يكن هناك ما يستدعي خضوع ريتشارد لتصوير وعائي باضع. لا بد أن إجابتي ريتشارد للسؤالين اللذين أطلب من الجميع أن يفكرا بشأنهما ستكونان “لا” و”لا”.
ليست محظوظة جدا
توضح قصة ريتا سيناريو آخر شائعا جدا. ريتا امرأة في الستين من عمرها خضعت لاختبار الإجهاد التمريني النووي مع طبيبها الخاص لأنها كانت تختبر آلاما صدرية سريعة الزوال وغير إجهادية. لم تكن ريتا تعاني من هذه الآلام خلال تدريبها الرياضي اليومي أو عندما تشعر بأنها مجهدة تحديدا، ولكنها كانت تشعر بها في أوقات لا يمكن توقعها.
أظهرت ريتا قدرة تمرينية جيدة جدا خلال اختبار الإجهاد ولم تختبر أي انزعاج في الصدر. بقي مخطط كهربائية القلب أو الـ ECG (الذي يقيس النشاط الكهربائي للقلب) طبيعيا خلال الاختبار. ومع ذلك، فقد أظهرت الصور النووية من الاختبار دليلا على احتمال وجود انسداد.
أرسلها طبيبها لإجراء تصوير وعائي باضع، والذي كشف وجود تضيق في شريانها التاجي الأمامي المنحدر الأيسر. وتم إجراء رأب الوعاء لفتحه، وأخبرت ريتا بأنها كانت محظوظة لخضوعها لهذا الإجراء لأنه على الأرجح قد جنبها نوبة قلبية.
شعرت ريتا بداية بأنها بصحة جيدة (كما كانت تشعر قبل الإجراء). ولكنها بعد شهرين بدأت تختبر شدا صدريا خلال هرولتها اليومية، والذي كان يختفي عندما تتوقف عن الركض. لم تختبر ريتا من قبل انزعاجا في الصدر خلال هرولتها. قال طبيبها بأنه يحتاج لإجراء تصوير وعائي آخر للتحقق من موقع رأب الوعاء.
تبين للأسف بأن الشريان الذي أجري عليه رأب الوعاء قد أصبح الآن مسدودا بنسبة 80 بالمائة نتيجة لعودة التضيق، وهو مضاعفة شائعة لهذا الإجراء. تحدث عودة التضيق عندما يشفى موقع اللويحة المحطمة مكونا ندبة كبيرة تقيد تدفق الدم. خضعت ريتا لرأب وعاء آخر لاستعادة الدورة الدموية الجيدة التي كانت موجودة قبل أن تخضع للإجراء الأول.
لم تكن ريتا محظوظة بقدر ريتشارد. ففي حين أنها شكت من آلام صدرية سريعة الزوال، إلا أن أي طبيب كان يجب أن يعرف بأنها، بلا شك، ليست من قلبها. إذا، ماذا يجب أن تكون الإجابتان عن السؤالين في حالة ريتا؟ تذكر بأن القدرة التمرينية الممتازة لريتا ما كان يمكن لها أن تتحسن برأب الوعاء أو بجراحة المجازة. ولأن وظيفة قلبها كانت طبيعية، فلم يكن بالإمكان إطالة عمرها سواء برأب الوعاء أو بجراحة المجازة. إذا، الإجابتان عن كلا السؤالين في حالة ريتا، لو أنهما طرحا عليها، ستكونان “لا”. في الواقع، إن عملية رأب الوعاء الأولى التي خضعت لها لم تكن ضرورية أبدا.
إن تاريخ الحالات المرضية مثل حالة ريتشارد وريتا هو شائع الحدوث. غالبا ما يتم سؤالي لإعطاء رأي ثان من قبل مرضى طبقت عليهم مقاربات باضعة تمت التوصية بها عندما لم يكن لديهم أية أعراض أو كانت لديهم أعراض لانمطية ليست ناشئة عن انسداد. البحث واضح تماما بأنه إذا كان المرضى خالين من الأعراض أو لديهم أعراض لانمطية ويملكون قدرة تمرينية جيدة ووظيفة قلبية جيدة، فليس هناك من ضرورة لرأب الوعاء أو لجراحة المجازة.
نتيجة كالسيوم تتجاوز الـ 500
دعوني أخبركم عن مريض آخر هو جوش والذي مضى على متابعتي له الآن سنوات عديدة. عندما كان جوش في أواخر العقد الخامس من عمره، خضع لتفريسة قلب ووجد بأن نتيجة الكالسيوم لديه تتجاوز الـ 500، وهي قيمة مرتفعة جدا بالنسبة لعمره. خضع جوش لاختبار الإجهاد التمريني الذي أظهر امتلاكه لقدرة تمرينية ممتازة: لم يختبر آلاما صدرية ولم يكن هناك انخفاض في تدفق الدم في الشرايين التاجية لديه. كان هذا متماشيا مع حقيقة أنه كان يتمرن بانتظام وبصورة نشيطة إلى حد ما.
ورغم أن جوش قد تمت طمأنته من قبل طبيبه بأنه يمكن أن يعالج بدون إجراء باضع، إلا أنه كان نوعا ما مصابا بوسواس المرض. ولهذا السبب، أصر على التصوير الوعائي ليتأكد فعليا بأن كل شيء يسير على ما يرام. وقد وافق طبيبه، والنتيجة هي: ثلاثة شرايين مسدودة بنسبة 75 بالمائة. وبالرغم من أن وظيفة القلب لدى جوش كانت طبيعية، كما أظهر اختبار الإجهاد، إلا أنه خضع مع ذلك لجراحة مجازة ثلاثية.
عندما انتقل جوش إلى فلوريدا الجنوبية بعد سنة من خضوعه للجراحة وأتى لرؤيتي، اطلعت على تاريخه الطبي وناقشت الجراحة. وبعد أن تعمقت معرفتي به قال: “دكتور، لم أكن بحاجة إلى تلك الجراحة، أليس كذلك؟” وكان جوابي: “لا يا جوش، لم تكن بحاجة لها”. وشرحت له بأنه بالنظر إلى قدرته التمرينية الجيدة التي كانت لديه قبل خضوعه للجراحة ونتائجه الممتازة في اختبار الإجهاد، فإن تدفقا وافيا من الدم كان يصل إلى عضلة قلبه. ومن أجل أن يحدث ذلك، لا بد أنه قد نمى شبكته الخاصة من الأوعية الدموية لتحويل المسار عن الانسدادات (الدورة الدموية الجانبية التي شرحتها سابقا). غالبا ما تكون هذه الأوعية الجانبية (الروادف) صغيرة جدا لأن ترى على الصورة الوعائية، وهو السبب في أن طبيب جوش لم يعلم بشأنها.
أخبرت جوش بأن جراحة المجازة ضرورية في ثلاث حالات واضحة. أولا، إذا كان الخناق المقيد لأسلوب الحياة (ألم الصدر) موجودا ولا يمكن تخفيفه بتغييرات أسلوب الحياة أو الأدوية أو رأب الوعاء. ثانيا، عندما يكون الشريان التاجي الرئيسي الأيسر، أي منبع الجهاز الدوراني للقلب، مسدودا بشكل ملحوظ. وثالثا، عندما يكون الخناق الصدري موجودا وهناك انخفاض ملحوظ في وظيفة حجيرة القلب الرئيسية الضاخة (البطين الأيسر) ويظهر أن الشريان الأيسر المقوس، والشريان الأمامي المنحدر الأيسر، والشريان التاجي الأيمن، تحتوي جميعها على انسدادات. لم تتطابق حالة جوش مع أي من هذه المعايير الثلاثة، حتى مع الانسدادات (تذكر بأنه لم يكن يعاني من ألم في الصدر)، وهكذا لم تكن الجراحة في حالته ستطيل حياته أو تحسن من نوعيتها.
لحسن الحظ أن جراحة جوش كانت ناجحة وبدون أية مضاعفات رئيسية وقد بقي بصحة جيدة متبعا برنامجا وقائيا جسورا. أشعر بالأسف لأن تفريسة القلب الأولى التي خضع لها جوش هي ما جعلته يتجه أسفل المنحدر الزلق وصولا إلى المداخلات الباضعة. كان ذلك استعمالا غير ملائم لتفريسة القلب. ولكن تفريسة قلبه أشارت على نحو صحيح إلى ما لديه من تصلب عصيدي وإلى كونه عند خطر عال للإصابة بنوبة قلبية. وقد أكدت الصورة الوعائية هذا الأمر. الدرس هنا هو أنه بعد أن أظهر اختبار الإجهاد تدفقا دمويا ممتازا إلى قلبه ووظيفة قلبية طبيعية، لم تكن هناك ضرورة للمضي إلى ما هو أبعد من ذلك. كان يجب ببساطة أن يتبع تدابير أسلوب حياة وقائية وأن يعالج بجدية بواسطة الأدوية عند هذه المرحلة.
مضاعفات غير متوقعة
للأسف، إن مريضا آخر كان قد خضع لجراحة المجازة لم يصب نجاحا في النهاية بقدر جوش. هذا المريض هو جو الذي زار طبيب قلب لأول مرة لأنه أصبح قلقا بسبب قراءة ضغط دمه المرتفعة التي قيست له في عيادة طبيبه. لم يكن جو يعاني من ألم في الصدر أو أية أعراض أخرى، وقد استمر بالعمل وممارسة الرياضة بصورة نشيطة رغم كونه في الخامسة والستين من عمره. طلب طبيبه إجراء اختبار إجهاد تمريني نووي. ورغم أن قدرته التمرينية كانت ممتازة، إلا أن مشكلة صغيرة في تدفق دمه كانت مثار شك. بعد ذلك، خضع جو لتصوير وعائي أظهر وجود ثلاثة انسدادات تزيد نسبة كل منها عن 70 بالمائة.
وكما هو الحال مع جوش، كانت وظيفة القلب لدى جو جيدة، ومع ذلك فقد خضع هو أيضا لجراحة المجازة. ولكن الفرق الكبير هو أن تعافي جو التالي للعملية الجراحية تعقد بسبب مشاكل نظم القلب التي استلزمت زيارات عديدة من طبيبه على مدى عدة شهور. وفي النهاية، حلت مشاكل نظم القلب، ولكنها لم تكن مشكلة جو الكبرى. فبعد الجراحة، لم يعد جو أبدا نفس الرجل الذي كان قبل جراحة المجازة. فكما تبين لاحقا، كان جو آخذا في الإصابة بالخرف التصاعدي والذي أدى في نهاية الأمر إلى تقصير حياته وإفساد نوعيتها. وكما ذكرت سابقا، الوظيفة المعرفية المتناقصة وحتى الخرف هما من المضاعفات المعروفة لجراحة المجازة، رغم أن عدد الناس الذين يختبرون هذه المشاكل يصعب تحديده كميا. ومع ذلك، تمثل هذه المضاعفات مخاوف يجب أخذها بعين الاعتبار عند اقتراح الجراحة على أي إنسان، وخاصة على شخص لا يختبر أعراضا أو لديه أعراض لانمطية ونوعية حياة جيدة.
ماذا لو كانت لديك أعراض مزمنة خفيفة؟
تشمل الأعراض المزمنة الخفيفة انزعاجا في الصدر (خناقا)، أو قصرا في النفس، أو أعراضا أخرى مرتبطة بالقلب والتي تحدث على نحو متوقع إلى حد ما عند القيام بمجهود واضح أو غيره من أشكال الإجهاد. قد تحدث هذه الأعراض وأنت تحمل حقيبة أوراق ثقيلة في المطار بينما تندفع مسرعا للحاق بطائرة. أو قد تحدث وأنت تعدو بأقصى سرعتك وراء كرة خلال لعبة تنس. سيكون النمط الأعراضي الإجمالي ثابتا، عادة على مدى فترة تستغرق أسابيع أو أشهر أو حتى سنوات (إذا تم تجاهله).
في حالة الأعراض الخفيفة، هناك صعوبة أكثر لإثبات ضرورة اللجوء إلى مقاربة باضعة. ولكن من المهم هنا أيضا الإجابة عن نفس السؤالين: هل ستعمل المقاربة الباضعة على إطالة حياتي؟ وهل ستحسن المقاربة الباضعة نوعية حياتي؟ مرة أخرى، دعنا نلقي نظرة على تاريخ بعض الحالات المرضية الواقعية.
خطأ كبير
كانت كارول أستاذة جامعية في الثانية والستين من عمرها عندما خضعت لتفريسة قلب أشارت إلى نتيجة كالسيوم مرتفعة. كانت قد اختارت عدم أخذ عقار ستاتين لأنها كانت متخوفة من أنه سيؤذي كبدها. كان نظامها الغذائي سيئا إلى حد ما ولم يكن نظام تمارينها الرياضية متساوقا في أحسن الأحوال.
خلال زيارتها لنيويورك لحضور مؤتمر أكاديمي شتوي، قررت كارول أن تهرول في السنترال بارك. وبعد أن ركضت لنحو 10 دقائق، شعرت بشد وألم في منتصف صدرها. تلاشى كلا العرضين عندما استراحت، ولكنهما عاودا الحدوث في اليوم التالي لدى بذلها لنفس المجهود في الطقس البارد. فكرت على الفور بأن ذلك قد يكون خناقا، ولكنها عادت إلى ميامي ولم تخبر طبيبها بما حصل معها، وقد كان هذا خطأ منها. فكما قلت سابقا، الشخص الذي يعاني من ألم صدري يجب دوما أن يتصل بطبيبه ليناقش الأمر معه.
بسبب مخاوفها، قررت كارول أن تتبع حمية ساوث بيتش، وبدأت تتمرن على طاحونة الدوس بصورة منتظمة. فقدت نحو 14 كلغ، وزادت لياقتها البدنية، وشعرت بأنها أفضل حالا من أي وقت مضى. وفي الصيف التالي، وأثناء فحصها السنوي أخبرت طبيبها بما حدث معها في نيويورك في الشتاء الفائت. أخضعها طبيبها لاختبار الإجهاد التمريني النووي لتقييم أعراضها السابقة. أظهرت كارول خلال الاختبار قدرتها التمرينية الجديدة والمحسنة، ولكنها أيضا اختبرت شدا صدريا أدنى عندما كانت تركض على مستوى أعلى التلة في نهاية اختبار الإجهاد. أشارت صورها النووية إلى وجود مشكلة ما في تدفق الدم، رغم أن وظيفتها القلبية كانت طبيعية.
أجري لها تصوير وعائي كشف عن وجود ثلاثة أوعية مسدودة. ومن ثم خضعت لجراحة المجازة مع بعض المضاعفات المميتة تقريبا، ولكن لحسن الحظ اجتازت كارول العملية بنجاح، وهي الآن بصحة جيدة جدا وتتناول أدوية قلب وقائية.
لكن، هل كانت عمليتها الجراحية ضرورية؟ أولا، هل كانت مرجحة لأن تطيل حياتها؟ الإجابة هي “لا”. كانت وظيفتها القلبية جيدة بالفعل، كما كانت قدرتها التمرينية ممتازة فعلا. ثانيا، هل كانت الجراحة ضرورية لتحسين نوعية حياتها؟ مرة أخرى، الإجابة هي “لا”. فهي لم تعان أبدا من أية مشاكل متعلقة بنظام تمرينها الرياضي اليومي أو غيره من النشاطات الأخرى. من المرجح أنه بمجرد معالجة كارول بالتدابير الوقائية التي تبنتها بالفعل، بالإضافة إلى أدوية القلب الوقائية التي أصبحت تتناولها بعد الجراحة، فإن أعراضها كانت ستزول من تلقاء نفسها وكان من الممكن تفادي الجراحة.
التغلب على الجينات السيئة
حالة كيفن هي حالة أخرى جديرة بالاعتبار. كان كيفن في الخامسة والخمسين من عمره عندما أتى إلي وهو يختبر أعراضا خفيفة إلى حد ما. كان واحدا من أولئك المرضى، والذي بسبب تاريخه العائلي باعتلال القلب، تبنى أسلوب حياة صحيا قبل غيره ببضع سنوات في محاولة منه للتغلب على جيناته السيئة. تضمن هذا استئناف العدو التنافسي والاشتراك في الماراثونات بعد أن أتم الخمسين من عمره.
شعر كيفن خلال تدريبه بضغط في الصدر كان يحدث عادة بعد أن يكون قد ركض لعدة أميال وغالبا عندما كان يعدو صعدا. وكان يخف لدى إبطائه ووصوله إلى سطح مستو. تكرر حدوث هذا الألم على مدى شهر كامل.
رغم أن كيفن كان قد علم قبل عدة سنوات من اختباره لأية أعراض بأن لديه نتيجة كالسيوم مرتفعة ومستوى مرتفعا نوعا ما من كوليسترول LDL الضار، إلا أنه لم يكن راغبا في تناول دواء لتخفيض الكوليسترول لديه. علاوة على ذلك، كان مستوى كوليسترول HDL المفيد لديه عند الحد الأدنى للمستوى الطبيعي؛ ليس بالشيء الذي ستتوقعه لدى عداء ماراثون (عادة ما تكون مستويات الـ HDL لعدائي المسافات الطويلة أعلى من القيم القياسية). لم يرغب كيفن في معالجة هذا الأمر أيضا.
كنت شبه متأكد بأن ألم كيفن كان خناقا سببه انسداد في واحد من شرايينه التاجية. فمخطط كهربائية القلب ECG والصور النووية من اختبار الإجهاد أكدا ذلك. ومع هذا، كانت قدرته التمرينية ممتازة.
ما الذي يجب فعله؟ هل سيؤدي فتح الانسداد إلى إطالة حياته؟ استنادا إلى دراسات رأب الوعاء المعتبرة، كانت الإجابة “لا”. ولكن كيفن كان حالة خاصة. فالدراسات على رأب الوعاء لم تشمل عددا كبيرا من عدائي الماراثون الذين ربما يكونون مصابين بالتجفاف ومنهكين بالكامل في نهاية سباق؛ وهما عاملان يمكن أن يهيئا عداء لنوبة قلبية. هل سيحسن رأب الوعاء نوعية حياته؟ الإجابة هنا كانت “نعم”. فبغض النظر عما إذا كان كيفن سيدخل أبدا سباق ماراثون آخر، إلا أن ممارسة الرياضة كانت أساسية لاستمتاعه بحياته اليومية. والأكثر من هذا أنني كنت مقتنعا أنا وهو بأن نظام تمرينه الرياضي قد ساعده في التغلب جزئيا على الجينات السيئة لعائلته. كان من المهم فعلا أن يستمر بمتابعته.
خضع كيفن بالفعل لتصوير وعائي، وتبين وجود انسداد نسبته 80 بالمائة في شريانه التاجي الأمامي المنحدر الأيسر، وخضع على إثر ذلك لعملية رأب الوعاء. واليوم عاد كيفن إلى عدوه ووافق على تناول الأدوية لتساعده في التغلب على جيناته السيئة. والآن إنه يقترب من الستين، لا يزال بصحة جيدة وأنا أتوقع لصحته الجيدة ونوعية حياته الممتازة أن تستمرا. كيفن هو مثال لحالة طبية استدعت فيها الأعراض الخفيفة، برأيي، حلا باضعا.
هناك نقطة إضافية واحدة أحب أن أؤكد عليها هنا بشأن الإجهاد وممارسة الرياضة البدنية. أنا أنصح مرضاي الذين يعانون بالفعل من الاعتلال التاجي، بالإضافة إلى أولئك المعرضين لخطر الإصابة به، أن لا يضطلعوا بتمارين رياضية قوية أو تنافسية إذا لم يكونوا لائقين بدنيا لها. يمكن للحالات التنافسية، سواء في نزهة جماعية أو في ملعب التنس أو ملعب كرة القدم أن تؤدي غالبا إلى إغراء الشخص غير المؤهل صحيا لأن يجهد نفسه أكثر من اللازم. هل تميز نفسك؟
المشكلة في هذه الحالات هي أنها تسبب إطلاق دفعات كبيرة جدا من الأدرينالين في مجرى الدم. يمكن لهذا أن يتسبب في تحول تمزق لويحي غير مؤذ عادة إلى نوبة قلبية. كان كيفن رياضيا مدربا، ولن تتسبب دوراته الرياضية المنتظمة في نفس الإطلاق المفاجئ للأدرينالين الذي سيحدث إذا حاول شخص غير مدرب أن يجاريه في الركض خلال سباق عدو. ليس التمرين الرياضي هو السيئ، فالرياضة البدنية المنتظمة هي حاسمة للصحة الجيدة. ولكن التغيير المفاجئ في مستوى النشاط هو ما يمكن أن يؤدي إلى مشاكل. المغزى: تحدث إلى طبيبك قبل البدء بأي نوع من برامج التمارين الرياضية، ولا تقم بتمارين رياضية ذات مستويات لست مدربا لها.
ماذا لو كانت أعراضك معتدلة إلى وخيمة؟
الأعراض المعتدلة المرتبطة بالقلب هي تلك التي تحدث أثناء قيامك بالنشاطات الطبيعية للحياة اليومية أو عند بذلك لقليل من الجهد. وبالتباين مع آلام الصدر الخفيفة (الخناق) الموصوفة سابقا، فمن شأن هذه الأعراض أن تحدث أثناء مشيك في المطار بدون حقائب أو خلال السياق الطبيعي للعبة تنس، عندما لا تكون حتى تركض جاهدا وراء كرة. الأعراض الوخيمة تعني بأن آلام الصدر تحدث حتى مع مجهود أو إجهاد أقل. دعنا نلقي نظرة على حالة روجر كمثال لشخص يعاني من أعراض وخيمة.
اختبار مضلل
في أحد الأيام، حسبت بأنني كنت أرى مريضا جديدا سيكون حالة روتينية. كان روجر في الخامسة والخمسين من عمره وكان يتناول دواء ستاتين لسبع سنوات بسبب مستواه العالي من الكوليسترول. كان يمارس الرياضة عادة عدة أيام في الأسبوع من خلال صفوف التمارين الهوائية (spinning classes) في صالة الألعاب الرياضية، ولكنه أنقص روتينه المعتاد في موسم العطلات الناشط في شهر كانون الأول. وعندما عاد إلى صفوف التمارين الهوائية مجددا في كانون الثاني، شعر بانزعاج صدري لدى ممارسته للقليل من الرياضة البدنية.
في الواقع، كان روجر قد خضع لاختبار إجهاد تمريني في تشرين الثاني السابق وكانت نتائجه طبيعية. ولهذا عندما اتصل بطبيبه في كانون الثاني ليخبره بشأن انزعاجه الصدري، أخبره الطبيب بأنه لم يكن قلقا بسبب نتائج ذلك الاختبار الممتازة.
جاء روجر لرؤيتي في شهر شباط، وقال بأنه كان يختبر انزعاجا صدريا لدى مشيه ببساطة من المصعد إلى مكتبي. لم يكن قد مارس الرياضة منذ محاولته في كانون الثاني بسبب هذه الأعراض. في الحقيقة، إن أعراضه هذه المرة كانت دالة جدا على وجود انسداد هام حيث إنني أرسلته مباشرة إلى مختبر القثطرة من أجل صورة وعائية.
أظهرت صورة روجر الوعائية انسدادا ملحوظا في شريانه التاجي الرئيسي الأيسر بالإضافة إلى انسدادات في شرايينه التاجية الرئيسية الثلاثة تتجاوز نسبتها الـ 70 بالمائة.
ما كانت الخطوة التالية؟ هل ستطيل جراحة المجازة أو رأب الوعاء حياته؟ الإجابة: نعم رنانة للجراحة. كما ذكرت سابقا، يعتبر انسداد الشريان التاجي الرئيسي الأيسر إشارة واضحة على وجوب إجراء جراحة المجازة. وفي حين أن هذا القرار كان قد اتخذ بالفعل لإنقاذ حياته، فماذا عن السؤال الثاني؟ هل ستشكل المقاربة الباضعة أي فرق في نوعية حياة روجر؟ كانت هذه أيضا إجابة سهلة. كان روجر في وضع بائس وغير قادر على القيام بنشاطاته المعتادة لمدة شهرين تقريبا. من الواضح أن الجراحة ستساعد.
لقد مرت خمس سنوات منذ جراحة روجر، وهو الآن في حالة صحية جيدة جدا. ولكن هناك بضعة دروس أخرى يجب تعلمها من حالته. أولا، عندما أجريت تفريسة قلب قاعدية لروجر بعد عمليته الجراحية، تبين أن نتيجة الكالسيوم لديه كانت تتجاوز الـ 1000 بمقدار لا بأس به. وبالتالي، فقد كان واضحا لي أن حجم مشكلته كان يمكن أن يتم تحديده في وقت أبكر، قبل اختباره لأعراض، لوأن تفريسة القلب أجريت له في وقت أبكر (أنا أوصي بواحدة لمعظم الرجال بدءا من سن الأربعين).
ثانيا، رغم أن مستويات روجر من كوليسترول LDL قد تمت السيطرة عليها بشكل جيد بواسطة عقار ستاتين لسبع سنوات ورغم أسلوب حياته الجدير بالإعجاب، إلا أنه استمر في مراكمة اللويحات إلى أن تسبب تمزق لويحي ظاهر في أعراضه الأولى. مرة أخرى، كان من الممكن التوقع بهذا في وقت أبكر بكثير من خلال اختبار الدم المتقدم وتفريسة القلب. وعندما حصلت أخيرا على نتائج اختبار الدم المتقدم بعد فوات الأوان لمنع إجراء الجراحة، ظهر أن الـ HDL لدى روجر كان منخفضا وأن حجم جسيمات الـ HDL كان صغيرا تماما. كان روجر بمثابة نوبة قلبية تنتظر الحدوث.
يتناول روجر اليوم وصفة من النياسين، وقد تحسن مستواه الإجمالي من HDL وكذلك حجم جسيمات HDL على نحو هائل. كانت حالة روجر تقتضي إضافة توليفة من الأدوية بالإضافة إلى تغييرات أسلوب الحياة للتغلب على جيناته السيئة. وأنا أتوقع بأن روجر سيعيش حياة طويلة وممتعة.
ماذا إن كانت أعراضك حادة؟
هناك أوقات تكون فيها المقاربة الباضعة ملائمة وضرورية وحتى منقذة للحياة وبالتالي لا تستدعي أي تأخير. عندما يختبر مريض ما الظهور السريع للانزعاج الصدري وتستمر الآلام لدقائق عدة ويحدد الطبيب بأن هذه الآلام هي على الأرجح نتيجة انسداد، يكون الإجراء الفوري لصورة وعائية أساسيا لإيجاد اللويحة المتهمة المسؤولة. يتبع هذا عادة استعادة تدفق الدم عن طريق فتح الشريان برأب الوعاء أو أحيانا بتحويل المسار عنه بجراحة المجازة. إن قرار القيام بإجراء باضع يجب أن يتم اتخاذه من قبل طبيب قلب. سيتبين بالطبع أن نسبة من الصور الوعائية هي طبيعية، ولكن الإجراء يستحق خطر القيام به إذا كان بالإمكان وقف نوبة قلبية فورا.
كبديل للفتح المباشر لانسداد حاد، يمكن استعمال دواء كابح للتجلط مثل منشط مولد البلزمين النسيجي (tPA). يستخدم هذا الدواء على نحو شائع في المستشفيات التي لا تملك مختبرات قثطرة طارئة ضمن مبانيها. وفي حين أنه ليس فعالا بنفس الدرجة، إلا أنه بديل جيد لرأب الوعاء أو جراحة المجازة ويمكنه أن يقضي على جلطة الدم المسيئة.
من المهم جدا للرجال والنساء الذين يختبرون سلسلة من الانزعاجات الصدرية الجديدة والمستمرة تحديدا، أن يلتمسوا على الفور مساعدة طبية. قد تكون هناك إنذارات كاذبة، ولكن زيارة الطبيب حاسمة من أجل إعاقة نوبة قلبية متلفة أو مميتة احتمالا. إذا كنت تظن بأنك تختبر نوبة قلبية، فالوقت مهم جدا. الحالتان التاليتان هما في صميم هذا الموضوع:
لم يكن عسر هضم
أخبرت مؤخرا عن الموت المفاجئ لطبيب متدرب شاب داهمته نوبة قلبية في البيت. علمت لاحقا بأنه كان قد اختبر آلاما صدرية مختلفة خلال الأسبوع السابق لموته. يقال إنه كان يعالج نفسه بالأدوية المضادة للحموضة لاعتقاده الخاطئ بأنه يعاني من عسر هضم. من الواضح أن لويحة طرية قد تمزقت كما هو معهود في المتلازمة التاجية الحادة، واستمرت الجلطة في إعادة التشكل والتبدد إلى أن نمت أخيرا، وسدت كليا واحدا من شرايينه التاجية الرئيسية، وهو ما أدى إلى موته المأساوي الذي كان بالإمكان الحؤول دون حدوثه. كما علمت أيضا بوجود تاريخ عائلي باعتلال القلب لهذا الطبيب، ولكنه لم يخصص الوقت أبدا للخضوع لفحص قلبي جيد. إنها حالة مأساوية!
نهاية سعيدة
اختبر صديقي توماس نهاية أكثر سعادة، وكان قد باع شركته وتقاعد في سن الخامسة والستين. وكي يتأكد من أنه سيستمتع بتقاعد صحي، خضع توماس لفحص طبي شمل اختبار الإجهاد التمريني مباشرة قبل انتقاله لجنوب فلوريدا. وقد أخبر بأنه اجتاز الاختبار بنجاح عظيم ولديه قلب رجل في الخمسين من عمره.
مسلحا بمعرفته، لم يستطع توماس أن يصدق بأن ألم الصدر والشد اللذين اختبرهما فجأة أثناء قيامه بتمرين معتدل على طاحونة الدوس بعد أسبوعين من خضوعه لاختبار الإجهاد يمكن أن يكونا من قلبه. ومع ذلك، توقف عن التمرين، وذهب إلى البيت واستراح.
وبما أنه لم يعان من ألم إضافي في البيت، فقد عاد توماس إلى طاحونة الدوس في اليوم التالي واختبر نفس الآلام. ولكنها هذه المرة حدثت أثناء تأديته لتمرين خفيف. وخلافا لليوم الذي سبقه، ترافق الألم مع عرق بارد وضعف.
أصبح توماس قلقا فعلا، وأخبر زميله المتمرن الذي صادف أنه طبيب بما كان يجري معه. استدعى الطبيب سيارة إسعاف كما استدعاني فورا. وبينما انتظرت وصول توماس إلى المستشفى، أعلمت مختبر القثطرة أن يكون مستعدا لحالة طارئة. ولدى وصوله، أشار مخطط كهربائية القلب ECG بوضوح إلى أن توماس كان بالفعل يختبر نوبة قلبية. وفي مختبر القثطرة، تم فتح انسداد حاد في شريانه التاجي الأيمن بنجاح عن طريق رأب الوعاء، مما أعاد تدفق الدم بسرعة إلى عضلة قلبه. كان التلف القلبي الناتج في حالة توماس في حده الأدنى، وقد عاد توماس إلى حياة تقاعده النشيطة والصحية والسعيدة. بعد عشر سنوات، ومع اتباعه لبرنامج وقائي جدي يشتمل على كثير من الرياضة البدنية وحمية جيدة وأدوية، أنا سعيد بأن أقول إن توماس لا يزال في حالة صحية جيدة.
قم بإجراء!
أنا آمل أنني بسردي لكل هذه القصص قد أقنعتك بأن أي ظهور جديد لانزعاج صدري يجب أن يؤخذ بجدية ويتم العمل عليه فورا. تذكر بأنه حتى لو كان الألم يزول تلقائيا، فهذا لا يعني بأنك سليم. ليس هذا هو الوقت لتطلب رأيا ثانيا.
تأليف الدكتور آرثر أغاتستون