من الآثار الخطيرة التي تؤثر في سلوك الطفل على وجه الخصوص من خلال البرامج التي
تبثها القنوات التلفازية والفضائية؛ تسهيل ارتكاب الجريمة عن طريق وسائل العنف
المتعددة والجرائم باختلاف أنواعها من خطف وقتل وسرقة مما يدفع الأطفال والمراهقين
إلى المحاكاة. فمن دراسة ميدانية منشورة في اوراق العمل التي قدمت الى اللقاء
الثاني لمشروع الشراكة التربوية الإعلامية الذي أشرت إليه في مقالتي السابقة.. وجد
أن الأطفال الذي يقضون وقتاً طويلاً في مشاهدة برامج العنف في التلفزيون لديهم ميول
عدوانية بنسبة أكبر من الأطفال الذين لا يشاهدون العنف فيه.
وكما تؤكد دراسة محمد السنعوسي أن عرض برامج العنف والجريمة بكثافة عالية سوف يؤدي
إلى تعليم الأطفال بعض الخبرات التي تقودهم في النهاية إلى الجنوح وارتكاب الجريمة
وإلى تمثيل العنف كقيمة اجتماعية تطبع سلوكهم واتجاهاتهم ومواقفهم نحو المجتمع.
بل إن أحد الباحثين أكد أن برامج التلفزيون لا تقدم الإنحراف للأطفال والشباب من
خلال الأفلام والتمثيليات فقط، ولكن من خلال الإعلانات التجارية أيضا فيقول د. محمد
كامل عبدالصمد حول هذا أنه لابد من رقابة على الإعلانات التي تبث على الشاشة بدون
رقابة فعلية بينما كان من المفروض أن تكون هناك لجنة متابعة تشكل من إخصائيين
اجتماعيين ونفسيين لتقرير صلاحية هذا الإعلان أو ذاك أو عدم صلاحيته.
وتأثير الاعلانات في التلفزيون على الطفل من خلال العديد من الدراسات تؤكد تأثيرها
في زيادة رغبة الأطفال والغالبية العظمى منهم في شراء السلع والمنتجات التي تظهر في
هذه الإعلانات ويطلب نسبة كبيرة منهم من أهلهم شراء هذه السلع بل ويفضل عدد كبير
منهم المنتجات والسلع المعلن عنها على مثيلاتها من السلع الأخرى.
وماهو سلبي أيضا هو أن غالبية الاعلانات التجارية الغذائية وفق دراسات عربية متعددة
تحمل في طياتها الكثير من السلبيات التي لا تتوافق مع خطط بث الوعي الغذائي التي
تهتم بها أجهزة الدولة.. كما تتعارض هذه الإعلانات مع الرغبة الأسرية والتربوية
لتوجيه الأطفال لإتباع القواعد الغذائية الصحيحة.
وفي جانب آخر من الأضرار الصحية لهذه البرامج التلفازية فمن دراسات لعدد من
الباحثين الأمريكيين نشرتها سهام القحطاني في دراستها المنشورة في الكتاب نفسه؛
ذكروا أنه كلما زادت مشاهدة الأطفال للتلفزيون بين سن عام وثلاثة أعوام زاد خطر
إصابتهم بمشكلات في قدرتهم على الانتباه والتركيز عند سن السابعة ووجدوا أن كل ساعة
يوميا يقضيها الطفل قبل سن المدرسة في مشاهدة التلفزيون تزيد خطر اصابته بمشكلات في
الانتباه بنسبة 10٪ تقريبا فيما بعد.
والدراسة نفسها التي نشرتها الأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال تشير أيضا الى ضعف
الانتباه لدى الأطفال من جراء الإفراط في مشاهدة التلفزيون والتي تشمل البدانة
والسلوك العنيف وقال فريدريك زيمرمان من جامعة واشنطن في سياتل وأحد معدي هذا البحث
إنه من المستحيل تحديد ماهو الحد الآمن لمشاهدة التلفزيون للأطفال الذين تتراوح
أعمارهم بين عام وثلاثة أعوام وأضاف ان كل ساعة تحمل خطراً إضافياً.
وخطورة الافراط في المشاهدة لهم أن العمر مهم لأن نمو المخ يتواصل خلال هذه
السنوات. ولهذا مهم ملاحظة الآباء والأمهات وتوعيتهم بالحد من مشاهدة اطفالهم
الصغار وقاية من حدوث خلل في الانتباه لدى اطفالهم الذي يظهر في ضعف القدرة على
التركيز وصعوبة التنظيم.
ووضحت دراسة اجريت على 1345 طفلاً أن مشاهدة التلفزيون لمدة ثلاث ساعات يومياً جعلت
الأطفال أكثر عرضة للإصابة بالاضطراب بمقدار 30٪.
ناهيك عن الإصابة بالبدانة عندما يبلغون سن الرشد بل وسيصابون بالكوليسترول.
وذكر باحثون في الجامعة الوطنية الأسترالية في كانبيرا أن الأطفال الذين يقضون
ساعات طويلة في المنزل متسمرين أمام شاشة التلفزيون وألعاب الفيديو والحاسوب أكثر
عرضة للإصابة بقصر النظر وضعف البصر من غيرهم.
وقد وضح د. إيهاب رمضان إستشاري المخ والأعصاب والصحة النفسية أن الأطفال الذين
يقضون حوالي 7 ساعات يومياً أمام البرامج الكرتونية التي تخاطبهم تعرض الطفل إلى
آثار نفسية سيئة حيث ان التعرض لموجاته الكهرو مغناطيسية تسبب للأطفال القلق
والاكتئاب والشيخوخة المبكرة وأوضح أن الحل لا يمكن أن يكون في البعد عن التلفاز
نهائياً ولكن لابد أن يكون وفق نظام محدد ولابد من تشجيع التواصل العاطفي والنفسي
بين الأسرة الواحدة والتركيز على إعطاء الطفل وتعليمه القيم الاجتماعية وتعريفه
الصواب والخطأ.
بل إن جلوس الآباء مع أطفالهم لمشاهدة البرامج التلفزيونية نفسها ليس حلاً بل
الأفضل كما يقول خبير التربية الألماني إيكويور جينس هو توجيه اهتمام الأطفال نحو
أنشطة أخرى لشغل وقت الفراغ.
ما استعرضته هنا باختصار هو عن السلبيات وهذا لا يعني أن هناك إيجابيات للبرامج
المفيدة للأطفال.. ولكن خطورة الآثار السلبية على الطفل والمراهق تدعو الجميع للحرص
والاهتمام وكما ذكر الأمريكي جيري ماندر في مؤلفاته عن أربع مناقشات لإلغاء
التلفزيون الذي أودعه خلاصة تجربته في حقل الإعلام أنه (ربما لا نستطيع أن نفعل أي
شيء ضد الهندسة الوراثية والقنابل النيوترونية، ولكننا نستطيع أن نقول (لا)
للتلفزيون ونستطيع أن نلقي بأجهزتنا في مقلب الزبالة حيث يجب أن تكون ولا يستطيع
خبراء التلفزيون تغيير ما يمكن أن يخلفه هذا الجهاز من تأثيرات على مشاهديه، هذه
التأثيرات الواقعة على الجسد والعقل لا تنفصل عن تجربة المشاهدة ويكمل: (إنني لا
أتخيل إلا عالماً مليئاً بالفائدة عندما أتخيل عالماً بدون تلفزيون إن ما نفقده
سيعوض عنه أكثر بواسطة احتكاك بشري أكبر، وبعث جديد للبحث والنشاط الذاتي).
هذا رأي خبير أمريكي حول هذا الجهاز..!! وهو بالطبع رأي غير قابل للتطبيق.. ولكن
ماهو قابل للتطبيق هو كيف نستثمر هذا الجهاز وبرامجه فيما يعود بالفائدة للطفل
والمراهق والشاب.. والجميع