التصنيفات
الطب البديل والتكميلي

الاستعداد لممارسة التأمل ج2

بالرغم من أن البعض يمارس التأمل أثناء ممارسة نشاط آخر كالمشي مثلاً، فإن معظم الممارسات تتم في وضع الجلوس. ففي أثناء السكون وتركيز العقل، نتمكن من إيقاف الأنشطة الجسمانية والعقلية المركبة والتي تشاغلنا طوال الوقت. تتضمن الممارسات التأملية وضعيات أو جلسات محددة يعتقدون أنها تساعد في تهدئة العقل. وتبين الرسومات تنويعات من الجلسات وأكثرها شيوعاً جلسة زهرة اللوتس وجلسة البورمي. وتوضح بعض التماثيل واللوحات الفرد وهو جالس إلى سطح ماداً إحدى ساقيه لأسفل وثانياً الأخرى إلى جسده بحيث تقابل باطن القدم فخذ ساقه الممدودة. ويتبين من تنوع التصاوير أن لكل معلم جلسته المفضلة. والمحتمل أنهم قد توصلوا إليها من خلال التجربة والخطأ، تماماً كما ستقوم أنت بذلك عن قريب. كما أن هناك وضعيات كثيرة للذراعين والساقين والقدمين. وأنت هنا كذلك بحاجة إلى أن تبحث عن شيء مريح لك. ولنقم أولاً بتناول مكان ممارسة التأمل.

مكان التأمل

هناك عدد من الأمور التي يمكنك أن تقوم بها لإيجاد مكان جيد من دون إنفاق الكثير من المال أو تغيير أسلوب حياتك.

•    اختر مكاناً يساعد على تهدئة عقلك. سيظل هناك على الدوام ضجيج خافت، إلا أن بوسعك إغلاق التليفزيون أو المذياع أو الاستيريو. ويمكن لعينك أن تجد دوماً مكاناً لتوجه إليه انتباهها، إلا أن الأفضل أن يكون الأثاث بسيطاً بديكوراته.
•    جهز طاولة فوقها مزهرية أو صور أو أشياء أخرى لها معنى بالنسبة لك. سيؤدي هذا إلى تهيئة المكان للتأمل، ويساعد في تخصيص حيز في هذا الوسط يدعم ويعكس الحيز الذي تنميه داخل نفسك.
•    إذا كنت تستقطع بضع دقائق من يومك المشحون، فقم بحمل شيء معك يكون مرتبطاً بحالة التأمل. ويمكن أن يكون أي شيء يساعدك على الاسترخاء بسرعة وسهولة.
•    حدد مكاناً في جسدك تشعر معه بالأمان والاسترخاء خلال عملية التأمل. ركّز بعقلك هناك لبضع دقائق حتى تمركز ذاتك.

هناك المزيد عن هذا الموضوع في الفصل 21.

الملابس

تساعد الملابس الواسعة المريحة في ممارسة التأمل. تشتمل معظم ممارسات التأمل على خلع الحذاء على أنه بإمكانك الإبقاء عليه أثناء التأمل من فوق كرسي. اعرف درجة حرارة الغرفة عندما تبدأ في التأمل. فحتى في الأيام الدافئة تجد نفسك شاعراً بالبرودة بعد جلوسك ساكناً لفترة. وإذا كنت ترتدي طبقات من الملابس أو تضع أي شال خفيف، فسيكون لديك الخيار في أن تضيف أو تخلع عنك من الملابس ما يحافظ على راحتك.

ومع اكتسابك للخبرة، فإنك ستعرف ما يناسبك من الملابس. وقد ترغب في شراء ملابس معينة لممارسة التأمل. ويجد البعض أن للألوان المختلفة للأقمشة تأثيرات مختلفة على عملية التأمل ذاتها. وعليك بشكل عام أن تتفادى الأقمشة التي تسبب الحكة والأقمشة الخشنة وتلك التي تحدث حفيفاً عند الحركة والأقمشة غير المنفذة للهواء. كما أن الأقمشة لابد ألا تنعقد أو تتشابك عند جلوسك.

اختيار وضعية التأمل

ذكرت في الفصل السابق أن الاسترخاء العقلي من بين أهم الفوائد التي ستحصل عليها من التأمل. وللوصول إلى ذلك نحتاج إلى إيجاد جلسة يمكن أن نداوم عليها طوال فترة التأمل. فبعض الجلسات أكثر راحة من غيرها. لا يتمكن كثيرون من المداومة على جلسة اللوتس الكاملة أو النصفية لفترة طويلة. وأمامنا احتمالات أخرى. ولسوف أصف بعض الجلسات التأملية التقليدية، وجرب أنت كلاً منها. فإذا ما وجدت إحداها غير مريحة، فعليك أن تجرب غيرها حتى تستقر على وضع ترتاح له. وقد تجد نفسك بعد زمن من ممارسة التأمل قادراً على المداومة على جلسة أكثر صعوبة. تذكر أن الهدف ليس أن تبدو بشكل معين بل أن تصل بجسدك وعقلك إلى حالة الاسترخاء. كما تذكر أن تقف ببطء. فقد تكون ساقك أو قدمك “مخدرة”، وبالتالي فلن تسندك إلا بصعوبة.

جلسة اللوتس

اجلس على الأرض أو فوق سجادة غير سميكة. ضع ساقك اليسرى على فخذك اليمنى بحيث يكون باطن القدم لأعلى. ثم ضع قدمك اليمنى بشكل مماثل فوق فخذك اليسرى. يجب أن يكون فخذاك وركبتاك ملامستين للأرض. انتصب بظهرك وضع يديك على فخذيك أو ركبتيك. البعض يمد الذراعين باستقامة ويضع ظهر رسغيهما أو ذراعيهما على الركبتين مع تشكيل دائرة بواسطة الإبهامين والسبابتين مع فرد بقية الأصابع. وهناك وضعية أخرى تقوم على إراحة الذراعين معاً إلى جوار الجسد، مع ملامسة ظهور الأصابع لبعضها البعض، أو بوضع أصابع إحدى اليدين فوق الأخرى مع تلامس الإبهامين.

جلسة اللوتس النصفي

تشبه هذه الجلسة جلسة اللوتس الكاملة، فيما عدا أن إحدى القدمين فقط تكون على الفخذ المقابلة والقدم الأخرى معتمدة على الأرض.

جلسة السيزا

في هذه الجلسة توضع الركبتان على الأرض مع الجلوس على الكعبين. يمكنك أن تستخدم أيضاً وسادة وثيرة مستديرة تسمى “الزافو” Zafu أو كرسياً صغيراً للجلوس عليه. إذا كنت تستخدم كرسياً، فاختر نوعاً يسمح لك بوضع قدميك أسفله، مع وضع ركبتيك على الأرض أو على “الزابوتان” Zabuton (وسادة مربعة كبيرة). ضع يديك على فخذيك. وهناك وضعية لليد تُستخدم غالباً عند جلسة السيزا وفيها تتشابك الأصابع لتكون بداخل راحتيك، ثم تمد أطراف الأصابع بحيث تتلامس، مع وضع إبهاميك معاً. وبعدها تسند اليدان على الفخذين. يمكنك أن تضع ركبتيك مباشرة على الأرض في تلك الجلسة. قد يكون ذلك غير مريح في البداية، ولكن كاحلاك سيتكيفان مع مرور الوقت، ولن يصبح الوضع سيئاً كما يبدو في البداية.

الجلوس مع تشابك القدمين

يمكن تنفيذ هذه الجلسة على سجادة نحيفة (رقيقة) أو على الأرض مباشرة. بالنسبة لمن يجد هذه الوضعية غير مريحة، فهناك وسادة تسمى “الجومدين” gomden صُممت خصيصاً لهذه الجلسة، وهي وسادة صلبة للغاية ترتفع ست بوصات عن الأرض. كما يمكنك أيضاً استخدام وسادة “الزافو” أو وسادة على شكل هلال. اجلس على الوسادة وظهرك منتصب وضع ساقاً فوق الأخرى أمامك على الأرض. أنا شخصياً أفضّل استخدام شيء أسند عليه كاحلي قليلاً. أرجح جسدك قليلاً يميناً ويساراً حتى تثبّت جسدك فوق الوسادة، وضع يديك وراحتيك على فخذيك. يجب أن يبقى الجزءان العلويان من ذراعيك في وضع رأسي. افرد أصابعك بشكل مريح، أو استخدم وضعية مريحة أخرى ليديك. يجب أن تثبت يديك في مكان واحد لا يتغير.

جلسة البورمي

هذه الجلسة وتنويعاتها أكثر راحة من الجلسة السابقة. اجلس فوق “الزافو” أو أية وسادة أخرى وظهرك مستقيم لأعلى. وبدلاً من تشبيك ساقيك معاً، ضع إحدى القدمين أمام الأخرى. وبذلك لن يكون هناك ضغط من ساق على الأخرى. ثبّت جلستك، واختر وضعية يد تناسبك.

جلسة الجثة

هذه ليست مزحة. فهناك فعلاً جلسة بهذا الاسم. وقد تسهل عليك الجلسة إذا ما قمت بفرد بطانية والرقود عليها. لا تنفذ الجلسة على السرير لأنه أكثر نعومة وجالب للنوم. تمدد على ظهرك ومد ساقيك وقدميك إلى جوار بعضهما براحة. قد تحتاج إلى إسناد ظهرك إلى منشفة أو وسادة صغيرة. أرح ذراعيك ويديك إلى جانبك. أرح رأسك على البطانية. أغلق عينيك ولكن ظل في حالة يقظة.

هل أفتح عيني أم أغلقهما؟

تسمح أساليب التأمل المختلفة بهذا أو بذاك. سيسمح لك إغلاق عينيك بمنع الصور البصرية الموجودة حولك من تشتيت انتباهك، إلا أنه قد يكون من المجهد أحياناً الحفاظ على عينيك مغلقتين. ومن عيوب إغلاق العينين أيضاً أنك تميل إلى النوم. ومن السهل عادة أن تبقي عينيك مفتوحتين، ناظراً لأسفل تجاه نقطة تبعد ست أقدام أمامك على الأرض. فترتاح عيناك في مثل هذه الوضعية بحيث لا تحتاج إلى بذل جهد في إبقائهما مغلقتين أو مفتوحتين بالكامل.

نصائح تجعل التأمل أكثر راحة

•    في بداية الجلوس، قم بالتأرجح من جانب لآخر فوق كرسيك أو وسادتك. يساعد هذا على تثبيت مؤخرتك في وضع مريح، ويمثل قاعدة ثابتة لجلستك. كما يساعد أيضاً على تموضع الأمعاء داخل الجسد. جرب هذا ولاحظ أن جوفك أصبح أكثر استقراراً وراحة.
•    بعد ذلك ادفع بطنك للأمام واسترخِ. ويسهم ذلك في تحقيق جلسة منتصبة وتفادي السقوط أو الميل للأمام.
•    بدلاً من التركيز الحاد، عليك بإرخاء عينيك. ستلاحظ عندها أنك ترى الأشياء القريبة منك شيئين. ولو كان تركيزك على بعد ستة أقدام أمامك ولأسفل، فقد تلاحظ أن حواف الأشياء مشوشة قليلاً.
•    لامس بلسانك سقف حلقك. يسهم ذلك في تقليل تدفق اللعاب. وتبعد اللسان عن الحركة.
•    اسمح لذقنك بالميل قليلاً تجاه حنجرتك. يسهم ذلك في إراحة الفكين وعضلات الوجه.

الجلوس

إذا كنت قد مارست التأمل من قبل، فإن هذا التدريب لن يكون ضرورياً. وإن لم تكن قد مارسته، فعليك أن تترفق بجسدك وأنت تجرب تلك الجلسات المختلفة.

1. اقرأ التعليمات الخاصة بكل جلسة مرة أخرى.

2. جرب كل جلسة لترى إمكانية قيامك بها.

3. تخير جلسة أو اثنتين مريحتين.

4. استخدمها عبر كل تدريبات هذا الكتاب.

الجلوس ساكناً لفترة طويلة يُسبب لي الألم

ما لم يكن جسمك يتمتع بدرجة عالية من المرونة، فإنك ستجد أن جلسات التأمل تضغط على مفاصلك وعضلاتك، وهو ما يسبب بعض الألم. وقد تجد أن ساقيك أو قدميك مصابتان بالخدر، ويؤلمك أن تحركهما. ويتعب ظهرك أو تتعبك ركبتاك من الجلوس في وضع تشابك القدمين. فمثل كل نشاط آخر، عليك أن تدرّب جسدك على التأمل. وهو ليس بالنشاط الذهني فقط. ففي كل يوم تمارس فيه التأمل تجد أن ظهرك يقوى، وتكتسب ركبتاك المرونة، ولا تتخدر قدماك.

فلو مارست التأمل لبضع دقائق، فلن تعاني من تعب جسماني. ولو داومت على التأمل، فلن تحتاج إلى النهوض وسط فترة التأمل للتريض قليلاً.

يمكننا تحمل الألم عندما نمارس لعبة أو نتعلم مهارة ما. والعديد من الناس يذهبون إلى صالة الجمنازيوم ويتدربون حتى الإحساس بالألم كي يتمتعوا بأجساد سليمة رشيقة. والأمر نفسه ينطبق على التأمل. فالألم البسيط الذي تشعر به سيشتت انتباهك في البداية، ولكن لا تجعل ذلك يحرمك من الفوائد التي تعود في النهاية على جسدك وعقلك.

لاحظ أنه في كل مرة تنشّط فيها عقلك، يحتمل أن تجد تجاوباً وجدانياً. لا توجد أهداف محددة، ولا يوجد مسار مباشر هنا. قد تبدي رغبة في تعلم الاسترخاء وتجد أنك ترخي عضلاتك لا عقلك، والعكس صحيح. وفي يوم تنجح في تخفيض نبضات قلبك وضغط دمك، وفي يوم آخر تفشل في ذلك. التأمل يمنحك مجموعة من الفرص:

•    أن تنتبه إلى عقلك.
•    أن تقيم علاقة ودودة مع نفسك.
•    أن تنغمس في مستوى حدسي.
•    أن تتيح لنفسك امتلاك التبصر.

ملخص

ليس من الضروري أن يكون المكان الذي تتأمل فيه مفروشاً بأناقة. المهم أن يكون مريحاً ومنظماً وهادئاً مع ارتداء ملابس مريحة. بعد ذلك، اختر جلسة مريحة ثم اجلس أو ارقد ساكناً.

والآن وقد تعلمت الجلسات المختلفة للتأمل، فإن الفصل التالي يتناول عنصرين مهمين في التأمل، وهما التركيز والإدراك.