يوازي نمو جهاز مناعة مستقل لدى الطفل الاستقلالية التي تؤمنها قابلية التحرك المكتشفة والبراعة المتزايدة في استعمال أصابعه وإبهاميه. يتجه اكتشاف الأشياء الصغيرة نحو تطور جديد. إنه يلتقط الشيء، ويدير، ويبحث عنه، وينقله من يد إلى أخرى، ويضربه، ويضعه في فمه، ويُسقطه ثم يلتقطه من جديد.
يتعزز التوق ليس فقط إلى اكتشاف العالم، لكن أيضاً إلى معالجته أي إحداث تغييرات في البيئة. يتكوّن إحساس جديد بالاستقلالية. قد يبتعد طفلك عن الملعقة كلما حاول أحد إطعامه مصراً على حملها بنفسه وتناول الطعام بنفسه. قد يكون هذا التغيير مفاجئاً أو يحصل بشكل تدريجي. قد يكون شيئاً يريده دائماً أو شيئاً يريده بالإضافة إلى إطعامك إياه. في الحالتين، يكبر طفلك!
تعتبر الحبوب الغذاء الأول الذي يختبره طفلك بنفسه. قدمي له حصة أو حصتين في البداية فيما يعتاد طفلك على هذه التجربة الجديدة. إنها تنهرس بسرعة في الفم. في حال استنشق الطفل حبة بالصدفة، يساعد الثقب في منتصف الحبة على الوقاية من الاختناق. (عندما حلت حلويات Life Savers محل السكاكر الكروية، أنقذت العديد من الأرواح بالفعل، ولكنني ما زلت أحبذ أخذ السكاكر من الأطفال).
كما أن قطعاً صغيرة من الموز الطري أو الجزر المطبوخ يمكن أن تشكل غذاء آخر يتناوله الطفل بنفسه. أؤيد فكرة وجود نوع من الفاكهة، والخضار، والحبوب. ولكن قد يعلن الطفل إضرابه معارضاً اختيار أمه لمأكولاته ومطالباً باختيار مأكولاته بنفسه.
فرصة ممتازة
إنه الوقت الذي فقد فيه الجيل الأخير الغذاء الصحي. وجد الأهل أطفالهم يرفضون المأكولات الخاصة بهم. ولم يعلموا ماذا أو كيف يطعمون أطفالهم الأعزاء. لم يودوا أن يشعر أطفالهم بالجوع. لذا، كانت الأغذية التي تذوّقها معظم الأطفال عبارة عن بسكويت هشّ، ومالح، ومهدرج جزئياً، ومؤلف من الدقيق الأبيض، وملون بتلوين صناعي، بالإضافة إلى السكاكر المحلاة، ومشروب الذرة المنكّه الغني بالفركتوز. يتناول الأطفال هذه الأغذية بلا اعتراض! عبر تعريف براعم الذوق لدى الأطفال على هذه النكهات المكثفة صناعياً، نكون قد أبعدنا قدرتهم على تقبّل النكهات المتنوعة في الفواكه، والخضار، ومنتجات الحبوب الصحية. لقد أسقطوا الفواكه والخضار من أنظمتهم الغذائية. اعتقد العديد من الأهل أنه سيكون من الأسهل تعويد أطفالهم على تناول الخضار عندما يكبرون. إنه اعتقاد خاطئ. فالعادات تتأصل على المدى الطويل. مهدنا لهم طريق الفشل من خلال المأكولات التي يريدونها وكيفية تخزين أجسامهم واستخدامها لهذه المأكولات.
عندما يكون طفلك في مرحلة الاكتشاف عبر وضع أي شيء تقريباً في فمه بلا مبالاة، يكون الوقت مناسباً لتزويده بالمأكولات الصحية المتنوعة أي ليس الأشياء التي تلاطفينه ليتناولها، ولكن الأشياء التي يكتشفها، ويتذوّقها، ويستمتع بها. إنه يتقبل الآن التنوع أكثر من أي وقت آخر في حياته. ولكن التنوع بحسب مفهومه له.
إنه العمر المناسب للانتقال إلى المأكولات الصحية. بالنسبة للعديد من الأطفال، أفضل طريقة لفعل ذلك هي بواسطة فطيرة الموفينية أو علبة مكعبات الثلج. يمكن أن يضم كل جزء نكهة لذيذة. غطي كل النكهات بقماشة أو منديل. أو احجبي الدراق تحت طبقة من الإجاص. أحب استخدام حصة أو اثنتين من صلصة التغميس. ومن الخيارات الأخرى أذكر صلصة التفاح، واللبن، والفاكهة، والخضار المصفاة.
قد تحتوي الحصص الأخرى على مكعبات البطاطا الحلوة (سهلة التسخين أو الوضع في المايكروويف)، إجاص مقطّع إلى مكعبات صغيرة، قطع صغيرة من الموز، جزر مطبوخ جزئياً (مقطع طولياً أو دائرياً)، فاصولياء خضراء مطبوخة ومقطعة، تفاح مقطع طولياً، كيوي مقطّع، قطع صغيرة من الجبن، أفوكادو مقطّع، قليل من العنب، دراق مقطّع، قطع صغيرة من خبز الدقيق المحمص أو حبوب الشوفان. تخيلي كل الخيارات المحتملة!
شاركي طفلك في وجبة (أو أكثر) لتشهدي كيف تحصل عملية الغمس. قد يحب الجبن مع صلصة التفاح، الجزر مع البازيلاء المهروسة أو الدراق مع اللبن. قد يضع أصابعه وحسب في صلصة التفاح ويُنتج فوضى. وقد يجرب خلطات تعترضين عليها. لا بأس بذلك.
يحب بعض الأطفال أن تسمّي الأشياء التي يتناولونها. استخدمي حصصاً تودين التخلص منها، تخزينها أو إعادة استخدامها بطريقة أخرى.
دعيه يحدد الكمية التي يريد أكلها. طالما أن خياراته صحية، لا تحاولي إرغامه على تناول أكثر أو أقل. ودعيه يختار المُفضّل لديه من بين الخيارات. أحرصي على تأمين بعض الخضار، والفواكه، والحبوب على الأقل. إن فضّل الحبوب على الخضار، زيدي كمية وتنوع حصص الخضار في المستقبل، وقلّصي كمية الحبوب وتنوعها.
يجب أن تذوب المأكولات التي تقدمينها بسهولة في الفم (مثل الحبوب) أو أن تكون طرية (مثل الموز)، مطبوخة (مثل الجزر، والبازيلاء أو السبانخ)، أو مقطعة طولياً (مثل التفاح) ليسهل بلعها. يمكن طهي التفاح أيضاً. قطِّعيه إلى مكعبات أو قطع صغيرة وضعيه في المايكروويف لثلاث دقائق تقريباً. رشِّي عليه بعض القرفة أولاً إذا أردتِ. عندما يبرد، يصبح وجبة شهية يمكن أن يتناولها الطفل بيده. لا يحتاج التفاح إلى إضافة السكر. إنه حلو بما يكفي ليكون تحلية لذيذة حتى بدون السكر.
عندما يستعدّ الطفل لتذوق العنب، يجب أن يكون هذا الأخير مقطعاً للتخفيف من خطر التعرّض للاختناق. تعدّ القشرة الجزء الأصعب على طفلك لبلعه. في البداية، قد تحتاجين إلى تقشير العنب لطفلك.
تذوّق الطعام من طبقك
عندما نمنح الطفل تغذية جيدة، فإننا نمنحه الغذاء الأساسي الذي يصبح العينين اللتين ننظر إليهما، والركبتين اللتين تنجرحان، والعظام التي تعزز جسمه النامي، ودماغه الفضولي، وقلبه الذي ينبض بهدوء ليلاً نهاراً طيلة سنوات. ولكننا لا نستطيع منح شيء ليس بحوزتنا.
في مرحلة ما خلال هذه العملية تقريباً في الشهر التاسع، يرغب معظم الأطفال بتناول أيّ شيء يتناوله أهلهم (أو الآخرين). إنه جزء حساس من نمو الطفل لأن طفلك سيتبع أنماطك الصحية. لن ينفع أن تأكلي طعاماً غير صحي وتقدمي لطفلك الخضار.
ما زلت أذكر وجه طفلي الصغير الشجاع. كنت أحتسي كوباً من القهوة عندما ألحّ طفلي على احتساء القليل منها. رفضت بحجة أن مذاقها مقرف. ولكنه أصر بشدة فسمحت له باحتساء القليل. بدا على وجهه علامات الصدمة، والقرف، وخيبة الظن. جحظت عيناه وامتلأتا بالدموع. ثم ابتسم قائلاً، “أريد المزيد”.
ذكرني ذلك بإحدى المرات عندما دخنت سيجارة قدمها إليّ ولد في رحلة كشفية. عادةً ما تكون رغبة الأطفال في التقليد في هذه المرحلة عميقة وفعالة.
بالطبع، إنّ طفلك فرد جديد يطلب بعض المأكولات التي لا تأكلينها. لن يقبل بكل الأغذية التي تتناولينها. مع ذلك، استغلي قوة التقليد لتجعلي عادات تناول الأكل الصحي طبيعية لطفلك. عدة مرات، رأيت أطفالاً يقبلون تناول طعام جديد فقط لأنه كان على طبق الأم أو الأب أولاً ثم تم نقله إلى طبقهم.
ولكن من المهم ألا يبدو الأمر كمحاولة إقناع ليتناوله. إنْ كنت تواقة لجعله يتناولها، فالأمر ليس جيداً، ولكنه جيد للطفل. غالباً ما يكون الطفل حساساً جداً تجاه أي ضغط في ما يتعلق بذلك حتى لو كان دقيقاً.
عندما يطلب طفلك الطعام من طبقك، سيكون من الطبيعي جعل الطعام عبارة عن فواكه وخضار طازجة، مصادر البروتين والكلسيوم. وعندما يود تذوق ما تشربينه، فليكن شراباً صحياً له (إنّ شرب الحليب أمامه سيجعله تواقاً إلى تذوقه في شهره الثاني عشر). لا تضيعي الفرصة عبر السماح لطفلك بتناول أغذية البالغين مثل رقائق البطاطا، والبطاطا المقلية، والسكاكر.
طفلك الذوّاق
عندما تقدمين الوجبات أكان من طبقك أو على كرسيه العالي، من ملعقة تمسكينها أو من أصابعه، استغلي الفرصة لإنتاج خلطات جديدة معدّة فقط لطفلك.
يتلهّف الطفل إلى تذوّق المأكولات الجديدة إذا مُزجت بنكهات أخرى يستمتع بتناولها. كما أنها طريقة للحفاظ على المأكولات التي تريدينها في نظامه الغذائي. يحتاج الطفل إلى التنوع والاستمرارية. الأمر مفيد خاصة لإيجاد طريقة لإضافة الفواكه و/أو الخضار إلى كل وجبة. وستحتاجين إلى ذلك لتحقيق الهدف النهائي بتقديم خمس حصص من الفواكه أو الخضار يومياً.
إذا كان طفلك يحب حبوب الشوفان، جرّبي تقديمها مع المشمش المقطّع، حبات التوت أو فاكهة أخرى. وإذا كان يحب الباستا، جربي تقديم الباستا التي يعلوها الجزر أو البازيلاء. يمكن أن تكون البطاطا المهروسة لذيذة مع البازيلاء، الجزر المقطع أو الفاصولياء الخضراء. أو اطبخي البطاطا المهروسة من البطاطا العادية واليقطين (كم هي لذيذة!). إنْ كان بسكويت غراهام الهشّ المفضل لديه، حاولي إضافة الموز أو الأفوكادو المهروس إليه أو المشمش أو البرقوق أو صلصة التفاح. يمكن أن تكون وجبة منشطة بالإضافة إلى المعكرونة والجبن. جربي المعكرونة والبازيلاء أو الجزر.
أكانت الوجبات بمثابة كنوز مقدمة لطفلك أو نسخة أخرى عن وجباتك، من الرائع أن تشاركي طفلك المأكولات اللذيذة نفسها. غالباً ما لا يستغرق طهو مأكولات لذيذة للجميع وقتاً طويلاً. إن كنت ستعدّين مكعبات البطاطا الحلوة لطفلك، أضيفي جوزة الطيب قبل طهوها لتقديم وجبة لذيذة. تقترح الوالدتان اللتان صممتا برنامج Fresh Baby إضافة الزنجبيل أو القرفة لإضفاء نكهة غريبة. كما ولديهما وصفة لصلصة اليقطين (مثل صلصة التفاح) كطريقة لذيذة للحصول على المواد المغذية البرتقالية.
يمكنك إيجاد الخلطات التي تنفع طفلك وعائلتك. الاحتمالات كثيرة. ضعي لائحة بالمأكولات التي يحبها طفلك. ويمكن أن تكون مجموعات الأهل المشاركة على شبكة الإنترنت مصدراً جيداً للتنويع في وصفات الطبخ.
وحتى في مرحلة مبكرة، إنّ اصطحاب طفلك إلى السوق والسماح له بمشاهدتك فيما تطبخين يجعل العملية كلها أكثر متعة (وأكثر فعالية). كما أنه تواق إلى تعلم المزيد عن عالم الطعام.
لن يبقى الأمر على حاله إلى الأبد. ففي الفترة التي يدرج فيها الطفل عادةً خلال النصف الثاني من السنة الثانية، يصبح الذوق محدوداً بشكل جذري. أعتقد أن السبب في ذلك هو التهاء الوالدين (ربما بمولود جديد) فيُترك الطفل ليقوم بالاكتشاف بنفسه. قد يصادف الأطفال الفضوليون أشياء خطيرة. لقد زرعوا شكاً في ما يتعلق بالنباتات أو اللحوم الجديدة التي اكتشفوها. ربما ما زال يحمل أطفال اليوم قليلاً من هذا الشك. مثل الحساسية تجاه الحيوانات الأليفة، إن جسم الطفل يتعلم ما هو آمن عندما يكون أصغر سناً. الطفل معدّ لرفض النكهات غير المألوفة جداً لديه. قبل حدوث ذلك، من الجيد إدخال نكهات جديدة يحب طفلك التعرف إليها. (بالطبع لا يمكنك إطعامه بعضها إلا بعد بلوغه السنة على الأقل).
إنه الوقت المناسب ليألف طفلك الطعام الصحي أي عندما يصبح تواقاً إلى التنويع والتكرار وعندما يدخل كل شيء في فمه بمحض إرادته. (إلا بالطبع إذا كنت تحاولين إقناعه بذلك).