قبل عدة أعوام فقط كانت أمراض مثل السكري من النوع الثاني وارتفاع ضغط الدم
والتهاب المفاصل وحصوات المرارة كلها تعرف بين البالغين لاسيما بين كبار السن، ولكن
هذا المفهوم لم يعد سائداً اليوم مع تزايد أعداد الأطفال الذين يصابون بها، وتأثير
الإصابة بهذه الأمراض على الأطفال كبير حيث ينتظر المصاب بأي منها حياة من الألم
والمعاناة بالإضافة إلى ارتفاع تكاليف العلاج والعناية الطبية للمصابين بها في
طفولتهم وشبابهم.
ويواجه الأطفال والآباء وأطباء الأطفال مستوى من التحديات لم يعرف من قبل.. تحديات
في معرفة الطريقة التي يمكن بها التعرف على مثل هذه الأمراض في وقت مبكر والطريقة
المثلى للتعامل معها في حالة الأطفال.
ويقول مارتن وابيتش أستاذ الغدد الصماء والسكري والبدانة في قسم الأطفال بالمستشفى
التابع لجامعة أولم الألمانية إن «أسباب هذه الأمراض ترجع إلى عدم ممارسة الرياضة
البدنية وسوء الرعاية الغذائية والبدانة» وأفاد وابيتش بأن نسبة 15 في المئة إلى 20
في المئة من الأطفال في ألمانيا يعانون من زيادة الوزن أو البدانة بسبب ضعف اللياقة
البدنية وسوء التغذية.
ويوصي أطباء الأطفال بخضوع الأطفال الذين يعانون من زيادة الوزن لاختبارات لقياس
ضغط الدم ونسبة الكوليسترول. ويقول إن «وجود تاريخ مرضي في العائلة يساعد في زيادة
فرص الإصابة بالمرض. إذا ما كان مرض السكري منتشراً في العائلة فإن هذا يعني أن
الطفل يحمل الجينات المسؤولة عن الإصابة بالمرض» ولا يمكن للاختبارات الطبية
التقليدية معرفة هذه الأمور لذلك فقد تظل هذه الأمراض مختفية لأعوام وتظهر لدى
الطفل فجأة ما لم تجر له فحوص خاصة.
وينصح وابيتش الأبوين أن يطلعا الطبيب المختص على التاريخ المرضي للعائلة ويطالباه
بإجراء هذه الفحوص الطبية للطفل الذي يعاني من زيادة في الوزن. ومن الصعب بالنسبة
للعين غير الخبيرة اكتشاف الأعراض الأولى للمرض. فمرض السكري من الدرجة الثانية
يتسلل بهدوء لجسم المريض دون أي أعراض ملحوظة، وفي ألمانيا يعتقد أن هناك 15 ألف
طفل مصاب بالسكري يخضع 500 فقط منهم للمتابعة الطبية.
يقول ولفرام هارتمان رئيس الجمعية الألمانية لطب الأطفال إنه «على مدار الاعوام
العشرة السابقة ارتفعت نسبة الأطفال الذين أصيبوا بمرض السكري من الدرجة الثانية
عدة مئات في المئة». وغالبا ما يكتشف المرض الذي يؤدي إلى تدمير شبكية العين
والكليتين ويؤثر على الدورة الدموية في الأطراف في مرحلة متأخرة يصعب علاجه معها.
وهو ما يحدث مع المصابين بمرض ارتفاع ضغط الدم ومشاكل خلايا الدم التي يمكن أن تؤدي
إلى تصلب الشرايين والأزمات القلبية والسكتات الدماغية على المدى البعيد فلا يمكن
اكتشافها لفترات طويلة إذا لم يخضع المريض لفحوصات دقيقة. وعلى العكس فإن مشاكل
العظام مثل ضعف عظام الركبة أو آلام المفاصل يمكن ملاحظتها واكتشافها بسهولة بسبب
الألم الذي تسببه للمريض حيث تعد مؤشرات عامة لاحتمال الإصابة بالتهاب المفاصل.
وقال هارتمان إن «كل طفل أو شاب يجب أن يكون لديه قدرة على السير لمسافة خمسة
كيلومترات. إذا لم يتمكنوا من ذلك فيجب معرفة السبب» وقال وابيتش إن اثنين في المئة
من الأطفال الذين يعانون من البدانة المفرطة مصابون بحصوات بالمرارة، ويتطلب اكتشاف
ذلك تفسيرا دقيقا للأعراض، وأضاف انه «إذا اشتكى طفل يعاني من البدانة من آلام
مستمرة في أسفل المعدة فانه يتعين على طبيب الاسرة أن يجري فحصا بالموجات فوق
الصوتية».
كما أن اكتشاف الاعراض المرتبطة بالكبد المدهنة والتي يمكن أن تؤدي إلى التليف
الكبدي هو أمر أكثر صعوبة فإن «أعراضه الأولى تتمثل في فقدان عام للطاقة وشكوى
مستمرة من التعب والإرهاق» حسبما يفيد وابيتش.
واكتشاف أي من هذه الأمراض يعني حتمية البدء في تناول الأدوية ولكن أطباء الأطفال
وغيرهم من الأطباء الذين يتعاملون مع المرضى صغار السن لا يتمتعون بخبرة كبيرة في
التعامل مع مرض السكري من الدرجة الثانية أو تشكل حصوات المرارة لدى الأطفال.
كما أن هناك مشكلة أخرى تتمثل في انه لا يوجد دواء يتم تناوله عن طريق الفم متوفر
لعلاج مرض السكري خاص للأطفال. وينبه هارتمان إلى ان «جميع العقاقير والأدوية لا
تصلح إلا لمن هم أكبر من 18 عاما.. وهذا يعني إننا حين نصف أياً من هذه العقاقير
لطفل أقل من 18 عاما فإن نتائجه ليست مضمونة».
ويؤكد جميع الخبراء أن تغيرا في نمط حياة الطفل المريض يجب أن يصاحب تناول العقاقير
يشمل حمية طبيعية متوازنة تدريجية لإنقاص الوزن وتناول الأطعمة الصحية وممارسة
الرياضة.
ويرجع أغلب الخبراء المشكلة إلى بيئة المنزل الذي يعيش فيه الطفل فإذا كانت عادات
والديه الغذائية سيئة ولا يمارسان الرياضة ويعانيان من زيادة الوزن فانه من الصعب
أن يتعود الطفل على عادات مختلفة، ويرى وابيتش أن المشكلة تتفاقم لدى الطبقات
المتدنية اقتصاديا وبين عائلات المهاجرين حيث من الصعب توفير العناية الصحية
والمعلومات إليها.
د ب أ