التصنيفات
صحة ورعاية الطفل

الاعتراف بمشاعر الطفل: مبادئ التربية ج2

سلوكيات الطفل تعبر عن مشاعره وإحساسه. وعندما يسيء الطفل السلوك معنى ذلك أنه شعر بالإحباط أو الغيرة أو الغضب أو الخوف أو الحزن.. فهناك علاقة وثيقة بين مشاعر الطفل وسلوكه، مشاعر إيجابية تؤدي إلى سلوك إيجابي ومشاعر سلبية تؤدي إلى سلوك سيء أو سلبي.

لذلك من أهم مبادئ التربية الإيجابية، الاعتراف بمشاعر الطفل والتركيز على دوافع سلوكه، من أجل تقويمه دون الإساءة لشخصيته. هذه المعادلة التي تبدو صعبة تجعلني أطرح عدة تساؤلات وهي: ما معنى تقبل مشاعر الطفل؟ وكيف يتنكر المربي دون قصد منه لمشاعر الطفل؟ وكيف يتم التوازن بين احترامك لشخصية الطفل وتقبلك لمشاعره السلبية وتقويمك لسلوكه؟.

ما معنى الاعتراف بمشاعر الطفل؟ يقصد بذلك تقدير مشاعره وأخذها بعين الاعتبار. الاعتراف بمشاعره تعني أنك تقف في صفه ولست ضده. اعترافك بمشاعره وتقديرها يجعل استماعه لحلولك وكلامك أمراً ممكناً، ويجنبك الدخول في صراع معه. إنها طريقة تجعل التواصل بينكما إيجابياً ومفتوحاً.

قال رامي: أنا لا أرغب في الذهاب إلى المدرسة، قالت أمه: يبدو أنك غاضب، قال: ضربني زميل لي في الساحة، قالت له: لا بد أن ذلك أزعجك، قال: ضربني لأنني دفعته دون قصد مني، قالت له: ربما اعتقد أنك دفعته وأنت قاصد، قال: سأسأله غداً إن كان هذا ما فهمه..

وعندما نسي هشام سترته في حافلة المدرسة لم تعنفه أمه بقولها أنت مستهتر ودائماً تفعل ذلك، بل قالت له: أمر عادي أن ينسى أي شخص أحد أغراضه، وهذا يجعله يشعر بالإحباط والارتباك.. هل تعتقد أن السائق قد احتفظ بها إلى أن يراك غداً؟ شعر هشام بالارتياح وقال: سأسأله صباح الغد عنها..

عندما يكون الطفل منزعجاً أو حزيناً أو قلقاً.. فهذا ليس وقتاً مناسباً للومه أو توبيخه أو تقديم نصيحة له، بل الطريقة السليمة هي أن تتقبل مشاعره وتستمع إليه. مثال ذلك: قال فارس: أنا أكره المدرسة، من الخطأ أن تقول له: يجب ألا تكره المدرسة، يجب أن تحبها. أو قال سعد: الجرح يؤلمني، لا تقول له: إنه مجرد جرح بسيط يجب ألا تشعر بالألم. في مثل هذه المواقف أنت لم تتقبل مشاعر الطفل، وبالتالي فأنت تخلق مواقف عناد ومقاومة وصراع مؤذية ومحبطة للطفل وللعلاقة بينكما. الطفل هنا يفكر ولسان حاله يقول: أنتم الكبار لا تفهمون ما أشعر به، استمعوا إليَ أولاً بدلاً من تعنيفي.

لماذا يجد الكبار صعوبة في تقبل مشاعر الأطفال؟.

عندما كان الكبار أطفالاً لم يجدوا من يستمع إليهم ويتقبل مشاعرهم، فهم نتاج الماضي ويميلون للحديث مع الأطفال بنفس الطريقة التي كان يتحدث معهم آباؤهم ومدرسوهم..

تقبل مشاعر الطفل تجعله يشعر بالارتياح والاطمئنان إليك، فيميل إلى التعبير عن إحباطه وقلقه ويصبح أحسن حالاً لأنه وجد من يفهمه ويتقبل ما يشعر به، فيعينه ذلك على التفكير في حلول للمشكلة بدل البكاء والغضب من المشكلة نفسها، كما يساعده على التواصل مع مشاعره السلبية والإيجابية.

كيف ينكر المربي دون قصد منه مشاعر الطفل؟

عندما يشعر الطفل بالغضب أو الغيرة أو الحزن أو الخوف.. ويعمل المربي على إكراهه لإخفائها أو كبتها أو إنكارها أو الخجل من التعبير عنها، الطفل في مثل هذه الحالات يفقد الإحساس بكل المشاعر السلبية والإيجابية على حد سواء، يفقد القدرة على التواصل مع مشاعر الحب والإثارة والفضول، وكذلك يفقد القدرة على التواصل مع مشاعر الألم والغيرة والحزن.. وعندما تكون هناك مساحة للتعبير عن المشاعر السلبية بطريقة مقبولة دون الإساءة للأخرين، يستطيع الطفل التخلص منها دون أن يصاب بالاكتئاب أو الحقد أو الكراهية، وفي هذه الحالة يمكنه الاستمتاع بالمشاعر الطيبة بشكل كامل.

يتضح إنكار المربي لمشاعر الطفل بعدة طرق وهي:

– إنكار وجود الشعور. كقولك للطفل يجب ألا تشعر بهذا الشعور.. قال لك لا أريد أن أنام وحدي أشعر بالخوف، فترد عليه قائلاً: يجب ألا تخاف أنت كبير.. إنها إجابة محبطة وفيها إنكار لشعوره بالخوف. الجواب الصحيح هو: أنا أقدر شعورك سأجلس معك قليلاً لتطمئن..

– الدفاع عن الطرف الآخر. مثال: تشاجر رامي مع أخيه، لا تقول له أنت الكبير لا تؤذي أخاك الصغير، حاول أن ترى الموضوع من وجهة نظره بقولك أنا أفهم كم أنت غاضب من أخيك، ربما لوسألته أن يعطيك تلك اللعبة لكان الحال أفضل من أن تأخذها دون إذنه.

– مقارنة الطفل بالآخرين. على سبيل المثال، اشتكى الطفل وقال: لقد تعبت لا أريد أن أجمع الألعاب، فتجيبه: انظر إلى أخيك إنه يجمع ألعابه دون أن يزمجر، أو انظر إلى صديقك لا يغضب مثلك تعلم منه. في هذه الحالة ستنمي لدى الطفل مشاعر الغيرة والإحباط.

– التعاطف المبالغ فيه. مثال، طفلك تعرض لإساءة من أحد أقرانه، لا تبالغ في قولك له: يالك من مسكين أنا سآخذ لك حقك منه. هذا الرد يقوي لديه الإحساس بمشاعر الإحباط والألم ويضعف من ثقته بنفسه. لا تبالغ في إظهار مشاعر غضبك وأسفك، بل واجه الأمر بهدوء واضعاً مشاعره بعين الاعتبار دون تحريضه على الطرف الآخر، في هذه الحالة ستنمي إحساسه بالحقد والكراهية هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى ستمارس عليه حماية زائدة تشعره بأنه لا يمكنه الدفاع عن نفسه، وهناك من يقوم بذلك نيابة عنه، فالمطلوب هو تقوية شخصيته ليواجه مثل تلك السلوكيات.

– إخبار الطفل بما يجب أن يشعر به. مثال، قولك لطفلك: كان يجب عليك أن تراعي شعور أخيك بدلاً من الاستهزاء به، أو يجب أن تحب أخاك، هنا يقول الطفل لنفسه: لا بد أنني كريه وسيء نظراً لشعوري هذا..

– الرد على الطفل بسخرية أو باستهزاء. من أمثلة ذلك، قولك للطفل يالك من طفل مزعج، أو أنت لا تطاق دائماً تؤذي أخاك وتتعدى عليه.

– طرح الأسئلة. جاء سعيد من المدرسة منزعجاً لأن معلمته وبخته على نسيانه عمل الواجب، وبدلاً من أن تقدر أمه مشاعره بدأت في طرح الكثير من الأسئلة عليه، من قبيل: لماذا نسيت عمل الواجب؟ ولماذا عندما سألتك هل لديك واجب لم تجبني؟ وفي رأيك ما هي نتائج هذا الإهمال؟..

– توجيه النصائح. عندما شعر هشام بالإحباط نظراً لأن فريقه في الرياضة خسر، بدلاً من أن تعترف أمه بمشاعره، تسرعت وأخذت تقدم له مجموعة من النصائح ليفوز في مرات قادمة. عندما يكون الشخص في حالة قلق وانزعاج من أمر ما فذلك ليس وقتاً مناسباً لتقديم النصائح، في هذه الحالة تقديم النصائح لا يفيد، وقد تؤدي إلى غضب أكبر، وكأن لسان حال الطفل يقول: لا تملي عليَ ما يجب أن أقوم به. قبل التفكير في الحلول أنت تحتاج إلى سماع كل ما يمكن سماعه من الطفل، بتقبلك لمشاعره تكون قد ساعدته على التفتح معك ليخرج كل ما عنده من قلق وخوف، عندها تقدم مقترحات تساعده بها على إيجاد حلول لمشاكله، مقترحات بصيغة هل تعتقد أن الفوز يجب أن يكون دائماً؟ أو هل ترى أن فوز الآخر يمكنه أن يؤزم علاقتي به؟ هنا تعطي الطفل حرية في قبول أو رفض مقترحاتك ليفكر في الحل الأنسب ويتواصل مع مشاعره السلبية..

– استخدام أساليب التهديد والعنف. كقولك: إن لم تكف عن الصراخ سوف أقوم بضربك، أو أن تقوم بضربه فعلاً دون أن تفهم مشاعره التي دفعته لذاك التصرف. في هذه الحالة تزعزع ثقة الطفل في حبك وتقبلك له وفي ثقته بنفسه.

تعتبر الطرق السابقة والتي تؤدي إلى إنكار مشاعر الطفل، طرقاً فاشلة في التواصل. والصحيح هو أن تقبل وتعترف بمشاعره، تقبل ألمه وقلقه وخوفه وغيرته وإحباطه وغضبه.. يقول رامي: أنا لا أرغب في هذا الطعام، فتجيبه أمه: يجب أن تأكله، إنه أسلوب استفزازي ففيه تجاهل لشعور رامي، عليها أن تقول: يبدو أن هذا الطبق لم يعجبك لا بأس لا تأكله الآن اتركه إلى أن تشعر برغبة في أكله. أو تشاجر رامي مع أخيه، تقول له أمه: توقف وإلا ضربتك، أسلوب غير سليم يتضمن تهديد بالعقاب، الصحيح أن تقول له: لا بد أن سوء تفاهم حصل بينك وبين أخيك، ثقتي كبيرة في قدرتكما على حل الموقف.

يحتاج الأطفال إلى سماع قبول مطلق لمشاعرهم، تعبيرهم عنها يعطيهم الدافع ليتعاملوا مع مشكلاتهم ويجدوا الحلول لها.

عندما تحترم مشاعر طفلك فأنت تساعده على التفكير السليم لحل مشاكله ومواجهتها، وتصبح قدرته على الاستيعاب والتركيز أكبر. وهذا يدفعني إلى طرح السؤال الثالث، وهو:

كيف يتم التوازن بين احترامك لشخصية الطفل، وتقبلك لمشاعره السلبية، وتقويمك لسلوكه؟

المشاعر السلبية هي طبيعية وجزء من تكوين الإنسان لا يمكن أن نلغيها من حياتنا أو حياة أطفالنا، والتواصل معها ضروري لنستطيع الاستمتاع بالمشاعر الإيجابية. وقد بينت معنى تقبل مشاعر الأطفال والاعتراف بوجودها، كما بينت كيف يعمل المربي دون قصد منه إلى إنكار وجودها، وبالتالي قد يدفع الأطفال إلى كبت مشاعرهم السلبية فيتراكم لديهم الإحساس بالظلم والغيرة والحقد والعدوانية، وتضعف ثقتهم بأنفسهم نظراً لاعتقادهم بأنهم مخطئون في أحاسيسهم وغير مقبولين من والديهم والآخرين.

التواصل مع الأحاسيس السلبية شيء ضروري من أجل بلوغ الطمأنينة الداخلية، لكن طريقة التعبير عنها هو الذي يحتاج إلى توجيه وتدريب. فليس معنى اعترافك بغضب طفلك من أخيه أن تسمح له بضربه أو الإساءة إليه.

قد يبدو للبعض أنه إذا تقبلنا مشاعر الطفل، معنى ذلك أننا نساعده على التمادي في تلك المشاعر السلبية والتعبير عنها سلوكياً. فهناك فرق بين المشاعر والسلوك، يعني لو أنت قبلت شعور ابنك بالغضب فليس معنى ذلك أنك سمحت له بالإساءة للآخر. مثال، عندما تشاجر سعيد مع أخيه، قالت له أمه: لقد كنت غاضباً من أخيك حتى أنك حاولت ضربه، لكن أنت تعلم أنني لا أسمح لك بضربه، أو أن يضربك هو.

إذا تشاجر أحد أطفالك مع أخيه، تعطي كلاً منهما فرصة ليشرح وجهة نظره، ثم تقوم أنت بالتعبيرعن وجهة نظر كل منهما كما فهمتها. عن طريق الاعتراف بغضب كل منهما من الآخر يصبح من الممكن حل النزاع بينهما. فالطفل يتفهم وجهة نظر الكبار، عندما يتقبل الكبار مشاعرهم.

اعترافك بغضب الطفل أو انزعاجه أو حزنه أو غيرته.. يتطلب منك أن تضع الحدود لسلوكياته غير المقبولة. تأديب الطفل عملية أساسية في التربية الإيجابية، ونحن دائماً عندما نؤدب الطفل نحترم شخصيته، فأساليب التأديب تعتمد على وجود قواعد وقوانين عادلة وحازمة ومحترمة (كما سيتضح في المبحث القادم). التأديب معناه، تعليم الطفل كيفية التصرف من خلال وضع حدود وضوابط لسلوكياته، إنه يعني التقدير والمكافأة والتشجيع، ويعني الحزم والسيطرة العادلة.

التوازن بين احترامك لشخصية الطفل وتقويمك لسلوكه، يتطلب منك التركيز على سلوكه لا على تقييم شخصيته، الشخصية محترمة لا تهان. لا تقول له: أنت كسول لأنه لم يحصل على نقطة جيدة في الامتحان، أو أنت قذر لأنه رمى الأوساخ على الأرض. بل قل: لا بد أنك حزين لأنك حصلت على نقطة سيئة في الامتحان، لا بأس ضاعف مجهودك والأمور ستصبح أفضل. أو الأوساخ لا ترمى على الأرض، لا بد أنك فعلت ذلك دون قصد منك، تصرفك أزعجني، اجمع الأوساخ وضعها في سلة المهملات في المطبخ.

ما الذي يدفع الطفل إلى أن يسيء السلوك؟

يدفعه إلى ذلك مشاعره السلبية كالغيرة والغضب والألم والإحباط.. فيسيء التصرف ليلفت نظر والديه له. شعر بالغيرة من أخيه المولود حديثاً، فأصبح لديه نكوص في سلوكه بعد أن كان قد تعلم التحكم في عملية التبول، عاد من جديد للتبول، أو حاول ضرب أخيه. في مثل هذه الحالات التربية الإيجابية توضح لك: أن أساليب الصراخ واللوم والعنف لن تفيد، وستزيد من تفاقم السلوكيات السلبية وإلى كبت مشاعر الغيرة والغضب والإحباط، فيتزعزع تقدير الطفل لذاته ويفهم بأنه غير مقبول لديك. التربية الإيجابية تبين لك كيف تتعامل مع طفلك بحكمة، عليك أن تفهم دوافع سلوكه السيء، عليك أن تجعله يتواصل مع إحساسه السلبي بالغيرة أو الغضب، فتقدر مشاعره وتعترف بها «أفهم كم أنت غاضب»، تضع الحدود لسلوكه السيء باستخدام السلطة الحازمة، ومساعدته على اكتشاف طرق متنوعة للتعبير عن مشاعره السلبية بالرياضة والرسم والكتابة، والتشجيع على التعاون والتركيز على السلوك الإيجابي للثناء عليه.. عندما تعترف بمشاعر الطفل السلبية يرتاح ويطمئن إليك، فالرسالة التي تصله منك هي: «أنت من حقك أن تشعر بالغيرة او الغضب أو الإحباط، وأنا أحبك وأتقبلك رغم ذلك، لكن ليس لديك الحق في التصرف بطريقة تسبب الأذى للآخرين جسدياً أو شعورياً»، فيخرج كل ما يفكر به من سلبيات، ويتعلم كيف يتصرف بشكل أفضل.

الغرض من التأديب هو أن تجعل الطفل يفكر في سلوكه الخاطئ، وليس في سلوكك أنت.. ولسان حالك يقول له: أنت لست طفلاً سيئاً، بل أفعالك هي السيئة لا أنت. فنحن نركز على تقييم السلوك لا على تقييم الشخصية.

من أكبر الأخطاء التي قد يرتكبها المربي هي، أنه يربط الخطأ بشخصية الطفل فيقول له: أنت طفل سيء بدل تصرفك سيء، أو أنت طفل كسول بدل إهمالك لعمل الواجب لا يعجبني. نحن لا نطالب بتجاهل أخطاء الطفل، بل نطالب ببناء علاقة طيبة يتعلم فيها الطفل كيف يستفيد من الخطأ حتى لا يقع فيه مرة أخرى، وأن يشعر بالمسئولية.

شخصية الأطفال مقدسة لا تُمس بسوء، نحن نتقبلها بجميع عيوبها، لكن نضع الحدود للسلوك السيء بعد أن نفهم دوافعه، ونضع الدوافع في ميزان الاعتبار والأهمية.

تأليف: د. فاطمة الكتاني