التصنيفات
طب نفسي | علم النفس

الاكتئاب والاضطرابات الاكتئابية

يتضمن هذا الموضوع  الاكتئاب والاضطرابات الاكتئابية وهي من أعقد المواضيع إن لم تكن أعقدها على الإطلاق في الطب النفسي، ويعود ذلك في جزء منه إلى إمكان تقسيم الاكتئاب إلى ثلاثة أصناف.

–    شعور أو انفعال طبيعي ومثاله الحزن.
–    علامة أو عرض كارتكاس لحالة معينة.
–    مرض أو تناذر سريري يتظاهر باضطراب وجداني.

كما أن هذه الأنواع قد تتظاهر بشكل متسلسل مثلا: قد يشعر، شخص بالحزن بسبب الفقد قد يتطور هذا الشعور عندئذ إلى ارتكاس من الأسى أو الحرمان وتكون الكآبة واحدة من الأعراض أو العلامات.
وتتقدم الكآبة عندئذ إلى متلازمة سريرية كاملة من الاضطراب الوجداني الذي تضطرب فيه الوظائف الاجتماعية والجسدية والمهنية. وإن المزيد من التعقيد ينشأ من أن الكآبة كمرض بدئي يتظاهر إما بتظاهرات نفسية أو جسدية أو بالاثنين معا، بسبب إمكان تظاهر بعض الأمراض الجسدية بالكآبة كمظهر رئيسي أو وحيد للمرض (الكآبة الثانوية).

المعاني الثلاثة للاكتئاب

الكآبة كـ شعور طبيعي

إن التمييز بين الكآبة كمتلازمة سريرية والكآبة كتغير خفيف في المزاج كالحزن أو عدم السعادة هو أمر مشوش. فالحزن وعدم السعادة ليست حالات مرضية لكنها حالات طبيعية وظاهرة عامة تشكل جزءا من طبيعة ظروف وحياة الإنسان. في بعض الأوقات نكون غير سعداء مع أنفسنا ومع الناس أو مع أوضاعنا، وأحيانا قد يكون هناك القليل لنفعله لتغيير هذا الشعور.

إن الحزن وعدم السعادة الناتجان عن الإحباطات التي لا يمكن إبعادها هي مشاعر يخضع لها كل فرد. أما الكآبة كمتلازمة سريرية فهي شيء مختلف تماما والتفريق بين النوعين يظهر في هذه الطرفة إذ سئلت مجموعة من طلاب الطب عن إمكانية التمييز بين الكآبة السريرية وعدم السعادة فأجاب أحدهم: “إن الكآبة السريرية هي أن تتقدم إلى 10 جامعات فترفضك جميعها وعدم السعادة هي كونك طالبا في كلية الطب” وهذا أفضل ما يكون من التمييز.

الكآبة كـ إرتكاس للحال

هي استمرار للحالات العابرة من الحزن وعدم السعادة الموصوفة سابقا لكنها تميل للبقاء فترة أطول، وربما أكثر الأمثلة قربا للاكتئاب بسبب الحالة هو الأسى والحداد.. إن الحداد أو الحرمان هما مظهران طبيعيان. ومن الطبيعي أن نراهما بعد فقد هام خاصة بعد وفاة شخص قريب أو محبوب. والحداد هو وظيفة داعمة تفيد في تكييف الشخص مع المستقبل. إنها تفيد بفك روابط التعلق مع الشخص المفقود والبدء بعلاقات جديدة. وهي وسيلة بطيئة ومؤلمة، والمشاعر السائدة هي الحزن والشوق العميق للشخص المفقود. إن إدراك المحروم للعالم قد يأخذ شكل الحزن عند هاملت: “كم يبدو لي العالم مهترئا، مبتذلا، مسطحا، عديم الفائدة”. ورغم تلين المشاعر بالفراغ إلا أن تقدير واحترام الذات لا يزالان سليمين وهذا خط تمييز واضح بين الأسى والاكتئاب السريري. ورغم أن العالم يبدو للآسي فارغا وخاليا من المعاني فإنه لا يزال يشعر بنفسه جديرة بالاهتمام. وهو لا يعاني من مشاعر كره الذات والذنب الذي لا يغتفر وهذان الأمران يميزان الحالة العقلية للشخص الكئيب. هذا التمييز الهام ضروري في فهم الكآبة السريرية كاضطراب بينما يكون الأسى  رغم كونه انحرافا عن الحالة الطبيعية  استجابة طبيعية للفقد.

نوع آخر من الكآبة بسبب الحال التي نعيشها جميعا هي الحزن الذي يظهر عند بدء كل مرحلة جديدة من مراحل حياتنا. وحتى عندما نكون متمتعين بالسعادة الفرحة المرافقة لإنجازاتنا الجديدة وتحقيق مصالحنا واستقلاليتنا، فإننا نشعر بحزن حلو  مر لأننا نترك وراءنا كل ما يجب تركه. بمعنى آخر فالحياة ترى بشكل مراحل تطورية تتميز كل واحدة منها بالفقد والانفصال إلى جانب الربح. هذا التناقض يرى أكثر ما يرى في مرحلة الشيخوخة. وفي مجتمع وحضارة أيامنا هذه وضمن موجة التركيز الهائل في جميع الوسائل على مظاهر الجمال والشباب الزائلة فإن التقدم بالعمر يصبح وكأنه إهانة دون رحمة. والفقد في الشيخوخة كثير، فكثير من أصحاب الإنسان يموتون أو يسافرون، والتقاعد قد يجلب للشخص مشاعر عدم الفائدة وفقد المكانة. ولكن أكثر أسباب الكآبة هي الأمراض التي تصيبنا وتذكرنا بقرب نهايتنا. فمع تقدمنا بالسن يصاب الجسم بالأمراض بفقد قدراته السابقة مما يؤدي لتأثير سلبي على الحالة النفسية. قد يصاب بعضهم بالكآبة بسبب القيود الفيزيائية التي فرضها عليهم المرض، وقد يصابون بالكآبة بعد إصابة عضو ما من أعضاء الجسم أو حتى فقده كليا أو بسبب خطر المرض على الحياة نفسها.

الكآبة كـ اضطراب وجداني

إن الكآبة كحزن طبيعي أو ارتكاس على الحال نادرا ما تكون شديدة حتى تسبب اضطرابا كبيرا في العمل أو العلاقات الإنسانية أو الوظائف الجسمية، لكن الاكتئاب كاضطراب انفعالي يسبب مثل هذه الاضطرابات عادة.

يضطرب الأداء الأكاديمي بشدة وتنقص رغبة المريض في الحفاظ على العلاقات العامة كما تضطرب الوظائف الجسمية فيفقد المريض اهتمامه بالطعام ويصاب بالقمه، كذلك الحال بالنسبة للرغبة الجنسية، ويصبح النوم أمرا صعبا لا يفيد في إراحة المريض. ويصبح المريض بطيئا (تخلف نفسي حركي) أو يكون مضطربا بشدة (الهياج النفسي الحركي). مشاعر اليأس وعدم الفائدة ثابتة غالبا وقد تصل بالمريض إلى مرحلة الانتحار. وهذه هي المتلازمة السريرية الكاملة للاضطراب الوجداني.

تقسيم الكآبة إلى بدئية وثانوية

بعكس الحزن العادي كارتكاس على الحال فإن الاكتئاب البدئي كاضطراب انفعالي يبدو غير متناسب مع أحداث الحياة ومشاكلها التي تسبقه، كما أن شدة واستمرارية اضطراب المزاج تصلان إلى نقطة اليأس المرضي. وعلى عكس الكآبة البدئية فإن الكآبة الثانوية (كالهوس الثانوي) تترافق مع أمراض جسدية أو نفسية أخرى.

ولقد وصفت الكآبة الثانوية على أنها حالات من فقد البصيرة وفقد الأمل والعجز التي توجد عادة كرد فعل على الاضطرابات العقلية الوجدانية الشديدة وخاصة الفصام والكحولية.  بعد ذاك اقترح توسيع مفهوم الكآبة الثانوية إلى الكآبة المشاركة للأمراض الباطنية، والكآبة المرافقة لاستعمال الأدوية.

تصنيف الجمعية الامريكية للطب النفسي للاضطرابات الوجدانية (الانفعالية)

بشكل عام يعتبر تصنيف الجمعية الامريكية للطب النفسي أن الاضطرابات الوجدانية حالات تسير في تنوع مستمر من المعتدل وقصير الأمد والاكتئابات تحت السريرية والابتهاجات ذلك من جهة، إلى الاكتئابات التوهمية الحادة والهوس الهذياني من جهة أخرى.

1. الاضطرابات الاكتئابية

أولا: الاكتئاب الرئيس: وفيه نجد نوبة أو أكثر لاكتئاب رئيس (الاضطراب الاكتئابي الرئيس نوبة واحدة، الاضطراب الاكتئابي الرئيس المعاود). واعتبر أن %50 من الناس والذين لديهم نوبة واحدة من الاكتئاب سيكون لديهم فيما بعد نوبة أخرى. والأشخاص الذين لديهم اكتئاب معاود، يكونون أكثر عرضة ليتطور لديهم الاضطراب ثنائي القطب. ويعتبر سير الاكتئاب المعاود recurrent depression مختلفا حيث أن بعضهم لديهم نوبات يفصل بينها سنوات عديدة طبيعية، وبعضهم الآخر لديهم مجموعة من النوبات والبقية الباقية لديهم نوبات متكررة بشكل متزايد مع تقدم العمر. وفي %35-20 من الحالات يكون السير مزمنا.

ثانيا: سوء المزاج: وهو اضطراب مزمن (اضطراب عسر المزاج) في المزاج وفيه نجد قصة لمزاج اكتئابي (أو مزاج قابل للإثارة irritable في الأطفال والبالغين) وتكون الأيام التي يسيطر فيها الاضطراب أكثر من الأيام التي ليس فيها اضطراب وذلك لمدة لا تقل عن سنتين وفي السنتين الأوليين من الاضطراب لا تكون الحالة متناسبة مع معايير الاضطراب الاكتئابي الرئيس وفي بعض الحالات اكتئابات رئيسة متراكبة فوق بعضها (الاكتئابات المضاعفة).

2. الاضطرابات ثنائية القطب

إن الميزة الأساسية هنا هي وجود واحدة أو أكثر من نوبات الهوس وتحت الهوس (وعادة مع وجود قصة نوبات اكتئابية رئيسية) ويوجد اضطرابان ثنائيا القطب. والاضطراب ثنائي القطب والذي فيه واحدة أو أكثر من النوبات الهوسية (عادة مع واحد أو أكثر من النوبات الاكتئابية الرئيسية) مع أصناف فرعية هي (اضطراب ثنائي القطب هوسي، اضطراب ثنائي القطب مختلط، اضطراب ثنائي القطب اكتئابي).
أما المزاج الدوري والذي يوجد فيه نوبات تحت هوسية متعددة، وفترات متعددة من الأعراض الاكتئابية (لا تناسب معايير الاكتئاب الرئيس أو النوبات الهوسية).
في حين تعتبر الاضطرابات ثنائية القطب مع نوبات اكتئاب رئيسية كاملة ونوبات تحت هوسية، هذه الاضطرابات محتواة في الصنف الباقي من الاضطرابات ثنائية القطب (غير المصنفة في مكان آخر).

إن تصنيف الجمعية الامريكية للطب النفسي يصنف الاضطرابات الانفعالية على قاعدة وصفية مستقلة عن الأسباب سواء كانت عضوية أم نفسية أو اجتماعية ثقافية. وكما هو الحال في الهوس قسم الاضطرابات ثنائية القطب إلى: هوسية، اكتئابية، مختلطة، ويتظاهر الاكتئاب الكبير بثلاثة أشكال: بدون سوداوية، مع سوداوية ومترافق مع ذهان. تتضمن الاضطرابات الانفعالية الخاصة الأخرى اضطراب المزاج الدوري وسوء المزاج.

تصنيف منظمة الصحة العالمية للاضطرابات الوجدانية (الانفعالية)

أما منظمة الصحة العالمية WHO فصنفت الاضطرابات الاكتئابية على النحو التالي:

1. نوبة هوسية: (هوس خفيف الشدة، هوس دون أعراض ذهانية، وهوس مع أعراض ذهانية).

2. اضطرابات ثنائية القطب: النوبة الحالية هوس خفيف الشدة، النوبة الحالية هوس دون أعراض ذهانية، النوبة الحالية مع أعراض ذهانية، النوبة الحالية اكتئاب متوسط أو خفيف الشدة “دون اعراض جسمية، مع اعراض جسمية”، النوبة الحالية اكتئاب شديد “دون أعراض ذهانية، مع أعراض ذهانية”.

3. نوبة اكتئابية: خفيفة الشدة مع أو بدون أعراض جسمية، متوسطة الشدة مع أو بدون أعراض جسمية، شديدة مع أو بدون أعراض ذهانية.

4. اضطراب اكتئابي متكرر

5. اضطرابات وجدانية مستمرة (المزاج النوبي، عسر المزاج).

الأعراض المميزة للكآبة

الجدول:  أعراض اضطراب المزاج

العرض

(الحدوث)

الاكتئاب

مزاج اكتئابي

سمة مميزة قد تكون غير موجودة في 50% من الحالات

قلة اهتمام أو الرغبة في النشاط

شائعة

نقص الطاقة (المقدرة)

97%

نقص الاندفاع

شائع

اضطرابات النوم، أرق

80%

أفكار انتحارية

66%

انتحار

10 ـ 15 %

نقص أو ازدياد الشهية

شائع

فقدان وزن

يمكن أن يحدث

نقص الرغبة الجنسية

يمكن ان يحدث

التغير اليومي في الأعراض

50%

عدم المقدرة على التركيز

84%

اضطراب التفكير

50 ـ 75%

بطاءو حركية نفسية

شائع (خصوصا عند الكهول)

توهمات

يمكن ان يحدث

الهوس

مزاج نزق (سريع الانفعال) أو مزاج مرتفع

سمة مميزة

الشعور العظمة والجلال

شائع

سلوك غير ملتزم اجتماعي

شائع

متهور أو مندفع

شائع

شرود

شائع

ثرثرة

شائع

تطاير أفكار

شائع

اعتداءات

75%

محاكمة مضطربة

شائع

توهمات

75%

سأختار لإيضاح الأعراض حالة مريض هو السيد (كاسر: وهذا اسم افتراضي وليس اسمه الحقيقي). رجل أعمال عمره 42 سنة، بدأ يشعر فجأة بالانحطاط. ربطت حالته بتراجع أصاب أعماله، ولكن ليس من المعروف تماما أيهما الأسبق تدهور حالته أم تراجع أعماله. في قصة المريض نوبات كآبة خلال السنوات الست السابقة دون أن تترافق بنوب هوس. توجد قصة اكتئاب بين أفراد عائلته. الحالة الصحية للسيد (كاسر) طبيعية، وهو غير مدمن على الكحول ولا يتناول مخدرات. كان السيد (كاسر) شخصا مثابرا يمضي 14-10 ساعة في العمل لكن نجاحه لم يكن موازيا لنجاح شخص آخر لو أعطي ظروفه نفسها.

أما عن بدء إصابته، فقد حدث في البداية اضطراب في المزاج وأصبح منشغلا بنفسه وبدأ يشعر بالانحطاط والوقوع في الأحزان. لم يعد يستيقظ باكرا كعادته بذلك الاندفاع الذي كان في السابق وأصبح يعاني من عدم الاهتمام بأعماله اليومية وفقدت الأحداث طعمها ولم تعد ممتعة كما كانت في السابق.. ولم تعد الأفكار تأتي إليه بالسرعة التي كانت تأتي بها قديما.. وأصبح يعاني من عدم القدرة على التركيز.. وأخذ يشعر بالتردد، وبدأت أعماله بالتراجع.

ترافق كل ذلك بمشاعر العصبية وعدم الارتياح وبدأ يعاني من مشاعر الوحدة والفراغ وأخذ يراجع كل تلك الظروف التي قد تكون أدت لحالته العقلية الحالية وبدأ يتساءل هل تستحق الدنيا كل ذلك؟.. إلى أين أتجه؟.. هل أهتم بالعمل؟.. هل أهتم حقيقة بزوجتي وأطفالي؟.

ورافق حزنه مراجعته للماضي نقص في الاهتمام بالعام حوله  انسحاب بطيء من اهتمامه بالنشاطات الممتعة كالطعام والجنس. وعاودته فكرة أنه ليس الشخص الذي يجب أن يكون. وبدأ يكون أفكارا مضطربة تقلل من قيمته مترافقة بمشاعر انعدام القيمة والأمل وأصبح كنتيجة لذلك يعتمد بشكل متزايد على تعاطف وتطمين الآخرين.

ازداد تقربه من الأشخاص المحيطين به (أسرته). كانت زوجته تدعمه في البداية قائلة: “لا تهتم فكل شيء على ما يرام”، أي أنها حاولت ملء الفراغ الذي خلقه الاكتئاب. ورغم أنها نجحت بعض الشيء، إلا أن ذلك لم يكن كافيا. فتقديره لذاته Self esteem انحدر كثيرا وأصبح بحاجة إلى أكثر من كلمات قليلة كي يعود إلى حالته السابقة. واستمر في تراجعه وبحثه عن تطمين زوجته حتى نفد صبر زوجته فانفجرت غاضبة وأخذت تنتقده بدلا من تشجيعه. عندئذ شعر المريض أن كل ما كان يشعر به تجاه نفسه صحيح. وهذه هي الحالة التي يجد فيها المريض نفسه. حيث يشعر المريض شعورا سيئا وينقص تقديره لذاته وفي بحثه وسعيه للدعم الخارجي فإنه يدخل في النهاية في عداء مع أولئك القريبين منه كي يؤكد لنفسه مشاعر الازدراء الذاتية، ويصبح العالم عندئذ متلائما مع حاجة المريض للعقاب الخارجي.

ويزداد انسحاب المريض. هذه الانسحابية تذكرنا بتلك الملاحظة عند الأوليات بعد أن يبعدوا عن أمهاتهم كذلك مع الأطفال المصابين بالاكتئاب بعد فصلهم عن أمهاتهم. أصبح المريض الآن بحالة تسمح له بالتفكير بالانتحار. كما أن بعض الأعراض الجسمية للكآبة (أعراض نباتية) قد ظهرت. يبدو المريض حزينا متعبا (التأخر الجسمي النفسي) psychomotor Retardation. إنه لا ينام بشكل كاف حيث يستيقظ باكرا في الصباح ليمضي بقية نهاره متعبا. كما أنه يعاني من الأرق ونقص الشهية والوزن، وهنا نقول أن المريض يعاني من كآبة كبرى. ورغم كل هذه الأعراض فقد لا يذهب المريض للاختصاصي النفسي ويستمر في عمله رغم التناقص الكبير في قدراته والمظهر الكئيب الذي يبدو به.

أصبح اضطراب المزاج الآن أكثر عمقا وظهرت مشاعر الذنب والخجل والفراغ وفقد المريض قدرته على التركيز والتفكير حيث شعر بأن أفكاره مختلطة وأن قدرة تركيزه قد شلت. إن انسحابه من النشاطات الممتعة يجعل الشخص العادي يحس بأن هناك شيئا ناقصا في هذا الشخص.

المريض لم يعد الآن يطلب الدعم والتعاطف ولا يشعر بحاجة للحب والاهتمام. إنه يشعر بعدم القيمة ويشغل نفسه بالأفكار الانتحارية التي أصبحت أكثر شدة وتشغل مجمل فترة صحوه. لم يعد الآن يستطيع العمل كما كان في بداية مرضه، إنه لا يأكل شيئا ووزنه تناقص بشكل كبير. ولا يكاد ينام وإذا نام فلساعات قليلة فقط. إنه يستيقظ باكرا حيث يكون التعب والكآبة على أشدهما. وأكثر النشاطات بساطة تصبح صعبة. وهو يجند كل قدراته للقيام بأبسط المهمات. وهو يشعر بمشاعر الامتلاء المبهمة في رأسه وصدره وبثقل كبير في رجليه لا شيء أبدا يستطيع مساعدته، هذا شعور يصعب تصوره من قبل الآخرين. ويدخل المريض عندئذ في مرحلة السوداوية Melancholia.

وقد يتقدم اليأس أكثر حيث يقع المريض في حالة خبل اكتئابي Depressive Stupor، حيث يجلس المريض على الكرسي لساعات وجهه كئيب وعيناه تتطلعان نحو الأرض ويداه بين ركبتيه أو أنه يصبح هائجا يروح ويجيء في الغرفة دن هدف. وقد يجلس المريض على الكرسي ليحدث نفسه. لقد أصبح المريض في حالة ذهان اكتئابي Psychotic Depression.

وقد يبدأ المريض بالإهلاس يصبح منشدا بشكل كامل للأصوات التي يسمعها، وهي أصوات تصفه بالصفات السيئة. إنها تصف تصرفاته بأنها خاطئة وتؤكد له تلك المشاعر التي شعر بها نحو نفسه في السابق فهي تدعوه بالغبي وعديم الفائدة. وهي تجسيم لأفكاره الذاتية باحتقار نفسه وكأنها آتية من الخارج.

أكثر الأمور غرابة هي حدوث نظام من الأوهام التي تأخذ أحد الأشكال الثلاثة:

الأول: هناك تخيلات بعدم القيمة والشعور بالذنب Delusion of Worthlessness and Sinfulness هي تثير استغراب السامع لأنها تشويهات واضحة للحقيقة تتضمن تناقضا كبيرا. إن رجلا ناجحا ومحبوبا وأبا حقيقيا قد يدعي بأنه مجرم شرير اجتمعت فيه كل شرور العالم وأن البشرية ستستفيد من موته. ويلاحظ القارئ هنا ترافق مشاعر العظمة الواضحة مع احتقار الذات. قد تحدث عند المريض تخيلات العدمية Delusion of Nihilism حيث يشعر المريض أن كل شيء لا أمل فيه وليس له معنى. وقد يصبح مقتنعا بشكل كامل أنه لم يعد موجودا وأن العالم فقد فائدته وحتى أنه غير موجود. وهذا يعكس درجة التراجع النفسي التي وصل إليها المريض  لقد فقد ارتباطه مع الواقع.. هكذا يصف المريض العالم حسب محتوى تفكيره بما أنه يعتقد أنه غير موجود، فالعالم أيضا غير موجود.

وأخيرا قد يصاب المريض بالتخيلات الجسمية Somatic – Delusion قد تكون هذه الحالات تطورا للقلق الجسدي الذي ظهر في بداية الاكتئاب. وبتطور اهتمام المريض بذاته وابتعاده عن العالم الخارجي يزداد اهتمامه بمشكلات جسده. وقد يسعى المريض في المراحل الباكرة إلى المعونة الطبية. وعندما يصبح ذهانيا فإنه يغدو مقتنعا – رغم كل الدلائل المعاكسة – أن جسده مصاب بالمرض والسرطان. وقد يتصور أن أمعاءه انسدت وأنها تهترئ بسبب المرض أو أنه مصاب بمرض قلبي وأن النار تشتعل في رأسه. إن أي عضو في جسم المريض قد يصبح محور تخيلات المريض التي قد تشغله طيلة مدة صحوه.

هكذا تطور مريضنا من الكآبة الكبرى إلى السوداوية (مع فقد المتعة بالأمور الممتعة ونقص في رد فعله تجاه المحرضات السارة إضافة لسوء أعراضه الاكتئابية) وأخيرا تطور إلى الاكتئاب الذهاني (مع الخبل الاكتئابي، الإهلاسات، التخيلات، وفقد الشعور بالواقع). لقد أخذ إحساسه الداخلي بنفسه مكان إحساسه الحقيقي بالعالم الخارجي الواقعي وفقد قدرته على التمييز بين ما هو حقيقي وغير حقيقي. إن مريضنا أصبح ذهانيا لأنه يعاني من تراجع شامل وعميق في وظائفه النفسية. إنه كالطفل الصغير فقد القدرة على التمييز بين ما يجري داخله وبين ما يجري خارجه وهذا هو جوهر ولب الذهان. إن الاضطراب العميق في المزاج هو الذي يميز الذهانات الوجدانية التي وصفت عن الذهان الفصامي حيث يكون التجزؤ Fragmentation في الوظائف العقلية أكثر شمولية، بينما هو نادر في الاكتئاب أن يكون كعرض أول ورئيس قبل بداية المظاهر الذهانية.

الجدول: التمييز بين الكآبة أحادية وثنائية القطب

ثنائية القطب

أحادية القطب

قصة الهوس

موجودة

غير موجودة

نسبة الحدوث

10% منه

90% من الاضطرابات الانفعالية

علاقتها بالجنس

متساوية

الإناث: الذكور 2: 1

الشخص قبل المرض

عادة مزاجية دورية

قد تظهر ضمن مجال واسع من الشخصيات ـ وسواسية (اكتئابية – مازوشية ـ اتكالية ـ نرجسية ـ هستريائية ـ حدية).

عمر البدء

عادة قبل عمر 30 سنة

عادة بعد عمر 30 سنة

نمط البدء

فجائية غالب

تدريجية عادة

استمرار النوبات

أقصر عادة

أطول عادة

نهاية النوبات

فجائية عادة

تدريجية عادة

عدد النوبات

قد تكون عديدة

قليلة عادة

الخسارة

قد تكون كبيرة مع مظاهر ذهانية

قد تكون كبيرة مع مظاهر نفاسية

الاختلاطات

إدمان المواد وأفعال جبرية

الانتحار

الليثيوم

مفيد عادة

غير مفيدة عادة

مضادات الكآبة

قد تؤدي إلى الهوس

مفيدة عادة

بعض الاضطرابات الوجدانية الخاصة الأخرى

المميزات الرئيسية لهذه الاضطرابات هي:

1.    مرحلة مزمنة تستمر لسنتين على الأقل تبدأ في مرحلة الرشد الباكرة دون بداية واضحة
2.    اضطراب في المزاج ليس من الشدة الكافية ليصبح وصفيا لنوبات الهوس أو نوبات الكآبة الكبرى (متلازمة وجدانية كاملة)
3.    غياب الأعراض الذهانية.

يوجد اضطرابات في هذه المجموعة هما: المزاجية الدورية وسوء المزاج.

المزاجية الدورية

في المزاجية الدورية Cyclothymic Disorders نجد فترات متعددة من الاكتئاب وما تحت الهوس تفصل بينها فترات من المزاج الطبيعي أو قد تكون متداخلة فيما بينها أو متناوبة.

قدم البروفيسور أكيسكال الطبيب النفسي وزملاؤه مجموعة من القواعد الصالحة لاعتبار المزاجية الدورية، وكأنها نوع ضعيف أو مضعف من الاضطراب ثنائي القطب. وهذه تتضمن: التشابه بالأعراض في النوعين، زيادة نسبة الاضطرابات الوجدانية في الأقارب العضويين لمرضى المزاجية الدورية، كذلك زيادة نسبة المزاجية الدورية في أقارب مرضى الاضطرابات ثنائية القطب، نسبة المزاجيين الدوريين الذين يتحولون إلى الاضطرابات ثنائية القطب، وقابلية النوعين للاستجابة بالمعالجة بالليثيوم، وحدوث ما تحت الهوس عند النوعين عند المعالجة بثلاثيات الحلقة.

على كل فإن هناك عددا من مرضى المزاجية الدورية لا يبدون ذلك القرب الشديد من ثنائية القطب والذين يعتبرون أنهم يعانون من اضطرابات الشخصية الدورية Cyclothymic Personality Disorders ونحن اليوم بحاجة للمزيد من الأبحاث لإثبات ذلك.

الجدول: الأعراض المزدوجة في المزاجية الدورية

خلال فترة ما تحت الهوس هناك ارتفاع أو انفتاح أو فرط حساسية بالمزاج وعلى الأقل واحد مما يلي:

خلال المرحلة الاكتئابية هناك مزاج منخفض أو فقد للاهتمام والمتعة بكل أو تقريباً كل النشاطات المعتادة وعلى الأقل واحد من التالي:

.1 نقص الحاجة للنوم

.1 نقص النوم أو فرط النوم

.2 طاقة أكثر من المعتاد

.2 نقص القدرات أو تعب مزمن

.3 زيادة في تقدير النفس

.3 مشاعر النقص

.4 زيادة الإنتاجية، تتشارك عادة مع ساعات عمل إضافية يفرضها الشخص على نفسه.

.4 نقص الكفاءة أو الإنتاجية في العمل أو المدرسة أو المنزل.

.5 تفكير خلاّق حاد وغير عادي

.5 نقص القدرة على التركيز أو الانتباه أو التفكير بشكل جيد.

.6 الرغبة بالاجتماع مع الآخرين (رغبة شديدة برؤيتهم)

.6 انسحاب اجتماعي

.7 فرط الجنسية دون الانتباه للنتائج المؤلمة لذلك.

.7 نقص الاهتمام أو الاستمتاع بالجنس.

.8 تورط في نشاطات سارة دون الانتباه لاحتمال النتائج المؤلمة مثل السُكر والأعمال التجارية المجنونة والقيادة المتهورة

.8 نقص المشاركة في النشاطات السارة، والشعور بالذنب تجاه نشاطات الماضي.

.9 شخص لا يهد

.9 الشعور بالبطاءة

.10 أكثر كلاماً من المعتاد.

.10 نقص في الكلام.

.11 فرط تفاؤل أو المبالغة بإنجازات الماضي

.11 شعور تشاؤمي بالنسبة للمستقبل أو التفكير بالأحداث الماضية.

.12 المبالغة بالضحك واستعمال الجناس.

.12 الدموع أو البكاء.

اضطرابات سوء المزاج

في سوء المزاج Dysthymic Disorders المشكلة نفسها تشاهد هنا حيث تظهر الأعراض الاكتئابية الموجودة بالجدول، لكنها ليست كافية لتشخيص مرحلة اكتئابية كبرى. وقد أظهر البروفيسور أكيسكال عام 1983 أن مجموعة من مرضى سوء المزاج والذي أسماهم “اضطرابات سوء المزاج التحت وجدانية” Subaffective Dysthymic Disorders كان لديهم كوامن قصيرة في مرحلة حركات العين السريعة أثناء النوم تشابه المرضى الذين عندهم كآبة كبرى ويستجيبون بشكل لمضادات الكآبة. وعلى كل فهناك مجموعة أخرى من المصابين بالاكتئاب بشكل جيد مزمن (الذين أسماهم أكيسكال اضطرابات طيف الشخصية “Character Spectrum Disorders”) لديهم كوامن فترة حركات العين السريعة بشكل طبيعي وهم لا يستجيبون لمضادات الاكتئاب.

وهكذا يظهر أن اضطرابات سوء المزاج هي مجموعة مختلفة المناشئ تتألف على الأقل من أربعة مجموعات هي:

1. مريض مع اضطرابات وجدانية صريحة بشكل خفيف أو مضعف.

2. مريض مع اضطرابات جسمية، وهي مساويات للاكتئاب تظهر بشكل أعراض جسمية أكثر من اضطرابات بالمزاج.

3. مرضى باضطرابات الشخصية الاكتئابية Depressive Personality Disorders أو اضطرابات الشخصية المازوخية (المازوشية) Masochistic Personality Disorders التي تتظاهر بنقص تقدير الذات ومختلف صفات الشخصية سيئة التكيف أكثر من كونها اضطرابا بالمزاج.

4. مرضى مع قدرة سيئة على التكيف مع مزاج منخفض حيث لا نستطيع تحديد العامل المسبب بشكل واضح أو أنه غير مشخص بشكل صحيح.

اضطرابات التكيف المترافقة مع مزاج كئيب – الحداد المرضي

أهم علامات الحداد الطبيعي والحداد المرضي Pathological Mourning

الجدول: الحداد الطبيعي والمرضي

علامات الحداد الطبيعي

علامات الحداد المرضي

.1 رفض، عدم تصديق، إنكار، صدمة.

.1 استمرار الإنكار مع أسى متأخر أو غائب.

.2 حزن عميق وشعور بذنب النجاة Sarvivor, guilt ولكن تقييم الذات Self- esteem لا يزال سليماً.

.2 اكتئاب مع إصابة تقييم الذات، إنكار ومشاعر انتحارية مع تصرفات محطمة للنفس.

.3 أعراض جسمية عديدة بدون إصابة عضوية حقيقية.

.3 مرض عضوي حقيقي واعتلال صحي.

.4 إحساس بعدم الواقعية والانسحاب عن الآخرين.

.4 انعزال اجتماعي مترقٍ.

.5 غضب واستثارة.

.5 غضب وعداء دائمان يؤديان إلى حالات زورية خاصة نحو الجهاز الطبي، أو بالعكس خوف لكل تعبير عن الغضب والعداء.

.6 اضطرابات السلوك، مع شعور بعدم الارتياح، باللا هدفية، والتصرف الآلي.

.6 اضطرابات سلوك مستمرة، غالباً مع زيادة فعالية مستمرة غير مترافقة مع إحساس بالفقد والأسى.

.7 انشغال فكري بذكريات المتوفى، أحلام عن المتوفى، إهلاسات، خوف من الإصابة بالجنون.

.7 استمرار الانشغال الفكري بذكريات المتوفى لدرجة البحث عن إعادة العلاقة معه.

.8 تحقيق شخصية بعض معالم أو قدرات المتوفى.

.8 أعراض تحويلية شبيهة بأعراض المتوفى.

وأشير إلى أمر هام كثيرا وهو أنه غالبا ما يزور المريض الطبيب بسبب أمراض جسمية وأعراض تحويل تعود في سببها إلى ارتكاس أسى مرضي، رغم أن المريض غير متنبه للعلاقة بين أعراضه الجسمية والفقد السابق. وفي حالات أخرى قد تظهر أعراض اكتئاب كبير بسبب فقد قريب لكن المريض غير منتبه إلى أن سبب أعراضه الجسمية هو الفقد السابق. يجب على الأطباء السؤال بشكل روتيني عن حالات الفقد القريبة في محيط المريض.

ارتكاسات المناسبات السنوية

يجب على الطبيب أن يسأل عن الفقد في الماضي، بشكل روتيني لأن ارتكاس المناسبة السنوية The Anniversary Reaction هو أكثر شيوعا مما نعتقد. فهناك بعض الناس يصابون بالكآبة في فترة معينة من السنة ولعدة سنوات متتالية. إن تاريخ اليوم الذي تحدث فيه هذه الحالة قد يكون موعد ولادة أو وفاة الشخص المحبوب الذي فقد.. وليس من الضروري أن يكون الارتكاس اكتئابي الشكل بل أنه قد يتظاهر بشكل هجمة قلق أو أعراض تحويل أو اضطرابات نفسية جسدية. وحتى لو ظهرت مثل هذه الأعراض فإنها لا تعد كونها مساويات للاكتئاب التي وصفت قبلا وبشكل آخر فإنها أعراض جسدية تخفي وراءها الحزن والاكتئاب. إن الأعراض وتفسيراتها الدقيقة من شخص لآخر كلها تمثل بعض الصراعات التي تتعلق بشخص محبوب.

الاكتئاب التناقضي

الاكتئاب التناقضي Paradoxical Depression ويسمى أيضا “اكتئاب الترقية” وكان يسمى سابقا عصاب النجاح” وأفضل مثال عليه هو السياسي الذي يقع فريسة الاكتئاب بعد نجاحه في الانتخابات أو الموظف الذي يصاب بالاكتئاب بعد الترقية وجاءت التسمية التناقضي أو العجيب لأن الشخص يصاب به بدل أن تغمره السعادة والسرور بسبب المكسب الذي حصل عليه. إنهم الناس الذين يسمون “غرقوا بالنجاح”.

لكن كيف نفسر ذلك. لقد تحدثت عن الفقد ونقص تقدير الذات والشعور بالذنب…، وهذه كلها ليست ظاهرة هنا. ولكننا عندما نتعرف على أولئك الأشخاص بشكل أعمق ونتعرف على تاريخهم وأرضياتهم العائلية نستطيع أن نجد ارتباطا هاما. إن فكرة النجاح عند هؤلاء تشترك مع شعور عدائي أو حتى إجرامي بالفوز على بعض الأشخاص الذين ظهروا في ماضيهم وعادة ما يكونون أهلا وإخوة وهكذا فإن النجاح بالنسبة لهؤلاء الأشخاص هو مأساة حقيقية، إنه ليس نجاحا بالمعنى العادي إنه بالنسبة لهم خطيئة يجب التكفير عنها: إنه نصر مشكوك فيه. وهناك دائما خسارة في كل نجاح أو ترقية – إنه فقد أمان العمل في المرتبة الأقل. وبالنسبة إلى بعض الناس تعني زيادة المسؤولية في المرتبة الجديدة زيادة في العبء مما يؤدي إلى الاكتئاب بدل السعادة.

الأسباب

إن من أكثر الحالات أهمية وتحديا بالنسبة للطبيب والباحث في السنوات الحالية والقادمة سيكون شرح أسباب الاكتئاب وتحديد أنواعه المختلفة بناء على الأسباب.
سأكتفي هنا بالتنويه إلى أن أهم الأسباب وأكثرها قبولا تظهر في الجدول حسب النموذج والآلية المقترحة ومحتوى الفرضية. وفي مريض واحد فإن عدة أسباب قد تتداخل في إحداث الكآبة وإن اجتماع عده أسباب عند أي شخص قد تؤدي لزيادة احتمالية تشكل اضطراب اكتئابي عنده.

الجدول:  أهم نظريات أسباب الاكتئاب

النموذج

الآلية

.1 نفسي المنش

آ ـ التحليل النفسي

العدوانية الموجهة نحو النفس

فقد الأشياء والانفصال

فقد تقدير الذات

وجود شخصية بصفات مهيأة للمرض

ب ـ استعرافي

الرؤيا الاستعرافية السلبية للذات والتجارب والشخصية والمستقبل

ج ـ سلوكي

العجز المتعلم

فقد الدعم الإيجابي

د ـ وجودي

فقد معنى الوجود

.2 ثقافي واجتماعي

فقد الدور الاجتماعي أو الثقافي

آ ـ وراثي

انتقال وراثي عبر آليات متعددة

ب ـ عصبي كيماوي

فقد النواريبي نغرين والسيروتونين كوسطاء عصبية

ج ـ عصبي غدي صمّي

نقص الإفراز تحت السريري النخامي الكظري

د ـ عصبي فيزيولوجي

نقص وظيفة الجهاز اللمبي ـ الدماغ البيني تؤدي لاضطرابات في النوم والأحاسيس والنظم البيولوجي.

هـ ـ عصبي تشريحي

اضطراب البنية العصبية التشريحية

المعالجة

الأدوية المضادة للاكتئاب

لقد أدى استعمال الأدوية المضادة للاكتئاب Antidepressant Drugs لتحسين كبير في معالجة الاضطرابات الاكتئابية وإن حوالي %70 من مرضى الكآبة الكبرى الذهانية. وفي مثل هذه الحالات يضاف إليها مضاد للذهان مثل (الفينوثيازين Phenothiazine). ثم ظهرت أنواع جديدة من مضادات الكآبة وعلى رأسها مشتقات البنزوديازبين Benzodiazibin. إن مثل هذه الأدوية ذات الفارق الكبير بين المقادير الدوائية والمقادير السمية أدت إلى تناقص كبير في الأعراض الجانبية والأخطار خاصة عندما تؤخذ بكميات كبيرة عمدا في محاولات الانتحار. كما تستعمل مثبطات خميرة المونو أمينو أوكسيداز Mono amino Oksidaz بشكل عام في الاكتئاب غير النموذجي حيث تمتزج أعراض القلق والرهاب والأعراض المراقبة مع الأعراض الاكتئابية وحيث تكون الأعراض النباتية أو الجسمية للكآبة (التأخر النفسي الحركي ونقص الوزن والشهية والاستيقاظ الباكر والتعب) غائبة.

وهنا يجب على الطبيب أن ينتبه إلى الأعراض الجانبية هي ارتفاع التوتر الشرياني بعد تناول أطعمة حاوية على التيرامين مثل (الجبن، البيرة، النبيذ الأحمر، اللبن المصفى، الكبد)، كما أن الكميات الكبيرة من القهوة والشاي قد تؤدي لنوب ارتفاع توتر شرياني إذ أخذت مع هذه الأدوية. وعندما يريد الطبيب تطبيق هذه الأدوية عليه أن يفكر بالعوامل التي تحسن نسبة الاستجابة مثل الاستجابة السابقة الجيدة للأدوية عند الشخص نفسه أو عند أحد أقاربه. كما أن وجود أعراض جسمية أو نباتية يترافق عادة باستجابة جديدة خاصة بثلاثيات الحلقة. كما أن الحالة الاقتصادية والاجتماعية العالية ووجود الشخصية القهرية Compulsive personality يحسن فرصة المريض.

العلامات السيئة للاستجابة تتضمن النوبات السابقة المتكررة للاكتئاب أو الذهان ووجود اضطراب شخصية كبير.

الليثيوم

كما وصف الليثيوم Lithium في بداية هذا الجزء من الكتاب ضمن بحث الهوس فإنه يستعمل أوليا في المصابين بالاضطرابات ثنائية القطب وفائدته تقدر ب %70 من هؤلاء المرضى في تخفيف الأعراض بشكل حاد وإنقاص شدة ومعاودة الحالة. كما أن الليثيوم Lithium قد يكون مفيدا للمرضى الذين يعانون من اضطرابات ثنائية القطب المعاودة رغم أن هذه الدراسات ليست مقنعة. الدراسات الحديثة تشير إلى فائدته بالاستعمال إلى جانب مضادات الكآبة ثلاثية الحلقة في الاكتئاب المعند على المعالجة.

أدوية أخرى: كما ذكرت سابقا فإن مضادات الذهان كالفينوثيازين يمكن أن تفيد في معالجة المرضى المصابين بالاكتئاب الذهاني ويجب إشراكها بمضادات الاكتئاب كي تكون مفيدة.. إن استعمال المنشطات كالانفيتامين غير مفيدة عمليا إلا في حالات نادرة. مثلا المسن الكئيب الذي لا يستطيع تحمل الأعراض المضادة للكولين، المهدئة، والأعراض الوعائية القلبية لثلاثيات الحلقة يمكن أن يستعمل الانفيتامين بعيارات منخفضة.

ثم ظهرت الأدوية المعاصرة في العقود الثلاث السابقة والتي تعتبر انتقائية (غير نمطية) لكنها غالية الثمن بشكل عام.

المعالجة بالصدمة الكهربائية

إن القليل من وسائل المعالجة في الطب النفسي أثارت جدلا اجتماعيا أكثر مما سببته المعالجة بالصدمة الكهربائية Electroconvulsive Therapy، ويعود ذلك في جزء كبير منه إلى استعمالها الكثير من أجل معالجة عدد كبير من الاضطرابات العقلية ونتيجة للأعراض الجانبية الكبيرة التي سببتها بسبب سوء التقنية التحديرية.

نستعمل هذه الطريقة اليوم من أجل الاكتئابات الكبرى التي لم تستجب للمعالجة بمضادات الاكتئاب والمعالجة النفسية. كما أنها تستعمل بشكل نادر لمعالجة الفصام الحاد والفصام الجمودي والهوس الشديد.

تفيد هذه الوسيلة في %95-85  من مرضى الكآبة خاصة بالحالات الشديدة وهي تفيد في حوالي نصف الذين لم يستفيدوا على بإشراك مضادات الاكتئاب وظلوا يعانون من كآبة كبرى تجرى الصدمة الكهربائية ثلاث مرات في الأسبوع لمدة 4-3 أسابيع وتؤدي لتحسن سريع وواضح لأعراض الاكتئاب أحيانا من الجلسة الثالثة. هذا على خلاف مضادات الاكتئاب ثلاثية الحلقة التي تتطلب من عشرة أيام إلى ثلاثة أسابيع كي تبدأ تأثيرها التدريجي. إن التأثيرات الجانبية لهذه الوسيلة عابرة وأكثر المرضى يعانون من قصور في الذاكرة الحديثة. إن اضطرابات الذاكرة المزمنة نادرة كما هي الحال بالنسبة للتخدير العام القصير الفترة.

المعالجة النفسية

إن الأبحاث العالمية المعاصرة تتوجه بشكل متزايد نحو استعمال المعالجة النفسية Psychotherapy. إن المعلومات الجديدة تظهر أن المعالجة النفسية تملك فائدة المعالجة بمضادات الاكتئاب وأن استعمال أحدهما وحده يملك فائدة أقل مما لو استعمل الاثنان معا.

إن نوع المعالجة النفسية المستعملة يعتمد في جزء كبير على اهتمام المريض والرؤية العملية للطبيب، إن إعطاء المريض المناسب المعالجة الموجهة نحو بصيرته، والمعالجة الداعمة، المعالجة التربوية، والمعالجة السلوكية تكون كلها مفيدة ويظهر أن استعمال عدة وسائل من الوسائل السابقة عند مريض واحد قد زاد بشكل كبير نسب النجاح في المعالجة.

الاستشفاء

إن لزوم الدخول للمشفى في الاكتئاب هو أقل منه في الفصام والهوس ويقدر أن نسبة الحاجة للمشفى هي (%6) بالنسبة للمكتئبات و(%3) للمكتئبين.

إن المرضى الذين يحتاجون للمشفى يعانون في العادة من أفكار وتصرفات انتحارية أو أنهم فاقدو القدرة على التعامل مع المشكلات في العالم الخارجي. وتكون فترة البقاء قصيرة حيث يعاد المريض إلى محيطه الاجتماعي الأصلي بعد أن يستعيد وظائفه وقدراته السابقة.

الإنذار

إن فترة المرض بالنسبة للمريض الذي لم يتلق أي معالجة نفسية أو دوائية هي9-6 أشهر بين إصابته البدئية وعودته إلى وظائفه العادية. وباستعمال وسائل المعالجة الدوائية أو النفسية تكون فترة المرض أقصر وتتراوح بين أسابيع إلى عدة أشهر.

ورغم العلاج فإن %15-10 من المرضى المصابين بالاكتئاب يعانون من شكل مزمن مع عقابيل قصور اجتماعي ووظيفي. ويكون ذلك أكثر احتمالا إذا تكررت النوب.

إن المعاودة في الاكتئاب وحيد القطب عالية تصل ل (%50) وهؤلاء الأشخاص المصابون بالاكتئاب لديهم عامل خطورة كبير لحدوث اضطرابات ثنائية القطب أكبر من أولئك المصابين بنوبة كآبة كبرى واحدة فقط. إن نسبة الذين دخلوا إلى المشفى بسبب الاكتئاب ولديهم ميول انتحارية هي (%15).. لذلك على السريري أن ينتبه إلى أي مريض يعطي قصة كآبة سواء كانت عرضا لارتكاس للحال أو جزءا من تناذر كامل لاضطراب مقنع بأعراض جسمية. كما أن على السريري أن يتذكر أن الاضطراب الاكتئابي قد يتظاهر بشكل مقنع بأعراض جسمية كشكوى وحيدة.

تأليف: عبد الرحمن إبراهيم