الالتهاب هو حقا مسألة حياة أو موت. إنه يبقينا على قيد الحياة كما أنه يجعلنا نهائيا في عداد الأموات. وبدونه، قد يموت المرء بعيد الولادة فتتآكل الجسد كمية من البكتيريا والفطريات والفيروسات. إلا أنه يشكل كذلك أساس معظم الأمراض التي تفتك بالبشرية. فمثلما يدمر الجراثيم، يمكنه أن يدمر أيضا أعضاء جسدنا، من الأوعية الدموية إلى القلب فالرئتين والدماغ.
يشكل الالتهاب مثلا ممتازا لتآزرية يينغ يانغ التي تعمل على مستوى علم الأحياء. تعتمد الصحة على المدى الطويل، على إبقاء القوى المؤيدة للالتهاب والمضادة له متوازنة. إلا أن معظم الأشخاص من خارج عالم التطبيب يعرفون القليل عن هذه العملية المهمة. إن طلبت من عشرة أشخاص أن يعرفوا الالتهاب، فعلى الأرجح أنك ستتلقى عشر إجابات مختلفة. ما يعرفه الأفراد يعتمد في أغلب الأحيان على كيفية تفسيرهم لتعليقات أطبائهم بعد تشخيص لداء مرتبط بالالتهاب.
بالطبع، قد يبدو الالتهاب في عيادة الطبيب مختلفا جدا لدى مرضى مختلفين. تشمل الأعراض الشائعة للالتهاب تورم المعصم، ألما في الحلق، حرقة في المعدة، طفحا مثيرا للحكاك، أنفا راشحا، جروحا مخموجة، نفطات، وكعات، نزفا في اللثة، إنتفاخ القدمين ومفاصل حساسة للألم. إن التهاب المفاصل الرثواني أو الرثياني، الفصال العظمي، الذأب الحمامي الجهازي، التصلب المتعدد، داء المعى الالتهابي، النفاخ، داء السكر من النمط 1، التهاب اللثة، والقرحة، جميعها اضطرابات التهابية. أما ردود فعل الجسم تجاه الالتهاب الحاد فتسبب الشقيقة، الربو، الأرج، ومتلازمة المعى المتهيج. كذلك، يرتبط الالتهاب بالاكتئاب، الوسن والتعب. وتبين أن بعض أنواع السرطان والتصلب العصيدي، داء القلب، السكتة، داء ألزهايمر وداء السكر من النمط 2 كلها ناتجة ولو جزئيا عن الالتهاب. وقد ظهر مؤخرا أن هذا الأخير يساهم في التسبب بالبدانة والتقدم في السن.
وهذا يعني أننا نحتاج جميعا إلى فهم الالتهاب من أجل الاستفادة من كل ما يقدمه لنا الطب ولكي نعيش حياة أطول وأكثر سلامة بقدر الإمكان. نحتاج إلى أخصائيين في الطب لمساعدتنا على معالجة أمراض معينة وضبطها ولكننا نحتاج كذلك إلى إدراك واقع تفشي الالتهاب وبذل الجهود للحفاظ على توازن آثاره في جسدنا. إن علمنا ما يسبب الالتهاب وما يخففه، عندئذ سنعرف أيضا كيفية تغيير عوامله. كما أننا سندرك كيفية الضبط أو السيطرة على الأمراض الالتهابية التي ربما نواجهها أصلا وسنعرف ما نفعله لخفض نسبة خطر الإصابة باضطرابات متعلقة بالالتهاب.
داء كامل الجسم
على الرغم من أن مجتمع الطب أدرك منذ وقت طويل وظائف الالتهاب ودوره في التسبب ببعض الأمراض أو تعزيزها، إلا أن العلماء بدأوا الآن فقط باستيعاب أثر الالتهاب على كامل الجسم. نحن كأفراد لسنا مؤلفين من مجموعة أعضاء تغلفها البشرة فحسب. إن أجسامنا عبارة عن أجهزة معقدة تتفاعل فيها كل خلية وتتواصل وتنسق مع كل خلية أخرى في الجسم. ويحمل مجرى الدم الأكسجين الذي يدخل إلى رئتيك لتغذية الخلايا في دماغك، أصابعك، أصابع قدميك، معدتك، بشرتك وعظامك. كما أن الموسيقى التي تصل إلى مسامعك تثير الخلايا العصبية في دماغك. بدورها، تقوم هذه الأخيرة بإطلاق المواد الكيميائية التي يمكن أن تؤثر في مزاجك. أما المأكولات الغنية بالبروتين التي تتناولها فتتفكك لتصبح مركبات أصغر حجما من شأنها توليد الخلايا أو إصلاحها في كامل الجسم. وبشكل مماثل، إن آثار الالتهاب على جزء معين من الجسم يمكن أن يكون لها مضاعفات على أجزاء أخرى من الجسم.
يبدو أن مفهوم ردة فعل الالتهاب على كامل الجسم منطقي وتؤكد الدراسات الطبية أن للالتهاب آثارا على نطاق واسع في الجسم. ما زالت الأسباب الدقيقة والآليات الفيزيولوجية خلف الروابط مجهولة ولكن لم يعد العلماء يفكرون بالالتهاب كظاهرة موضعية. الالتهاب شامل. وهذا يعني أنه لم يعد بوسعنا تقبل فكرة أن الالتهاب في جزء من الجسم معزول نوعا ما عن الأجزاء الأخرى. إن أسقطت نقطة حبر في كأس من الماء، في البداية يظهر اللون بحدة في مكان واحد ولكن سرعان ما ينتشر في الماء كلها. وهكذا، إن أصاب الالتهاب جزءا معينا من الجسم، ستتفشى المواد الكيميائية الفيزيولوجية في الأجزاء الأخرى على حد سواء. أي أجزاء في الجسم تتعرض للإصابة، ما مقدار الضرر الحاصل ومن الأكثر عرضة تبقى أسئلة تحتاج إلى الإجابة عليها.
أصبح الدليل القوي لرابطة الالتهاب متوفرا في التسعينات من القرن العشرين على الرغم من أن كل الاكتشافات تقع في خانة العلاقة المتبادلة. هذا يعني أن الباحثين اكتشفوا أن العامل X مرتبط إلى حد ما بالعامل Y ولكن العلاقة الدقيقة مجهولة. هل يؤدي العامل X إلى العامل Y أو هل يؤدي العامل Y إلى العامل X، أو هل من عامل آخر يؤدي بالعاملين X وY إلى الحدوث بشكل متزامن؟ مثلا، من أبرز الاكتشافات أن المصابين بالتهاب اللثة (داء حوالى السن) هم أكثر عرضة للإصابة بالتصلب العصيدي، وهو داء يتسبب فيه الالتهاب المزمن بتصلب جدران الشرايين عبر بناء لويحة. لذا، إن المصابين بالتهاب باللثة هم أيضا مصابون بالتهاب في شرايينهم. أيهما بدأ أولا؟ هل يؤدي التهاب اللثة إلى التهاب الشرايين، أم أن هذا الأخير يؤدي إلى التهاب اللثة؟ أو ربما هناك عامل آخر جيني وبيئي لم يتم اكتشافه بعد يزيد من حدة الالتهاب في اللثة والشرايين. هذا ليس بسؤال تافه. يزيد التصلب العصيدي من خطر الإصابة بنوبة قلبية والوفاة. إن علمنا مكان نشوء الالتهاب، قد نتمكن من منعه من الحدوث أصلا أو اعتراضه قبل أن يؤدي إلى المرض. لو كان صحيحا أن التهاب اللثة يؤدي إلى التهاب الشرايين، لأصبح علم حفظ الصحة الفموية ذا أولوية عظمى فيؤمن عندئذ أطباء القلب عينات مجانية من خيوط تنظيف الأسنان وتتسابق شركات الادوية لإيجاد علاج لداء حوالى السن.
شبكة من العلاقات
هناك احتمالات بأنه لن يتم عزل أي من العلاقات السببية بسهولة. يشمل الالتهاب مئات العمليات الكيميائية والبيولوجية المختلفة وله آثار غير متوقعة على أعضاء غير متوقعة. خذ بعين الاعتبار فكرة أن النساء المصابات بداء حوالى السن هن عرضة لخطر وضع وليد قبل الأوان بوزن أقل من الوزن الطبيعي أكثر من هؤلاء غير المصابات بالداء. يطرح العديد من النظريات حول سبب احتمال حدوث ذلك. في هذه الحالة، نعلم أن وضع الخديج لا يسبب داء اللثة ولكن هل من الممكن أن يؤدي داء اللثة إلى تغيير ينتج عنه أخيرا ولادة قبل الأوان؟ يعتقد بعض العلماء أن هناك على الأرجح مواد سامة أطلقتها البكتيريا في الفم مما يؤثر في انتاج الهورمونات المتعلقة بالحمل. وهناك إفتراض آخر ألا وهو أن مواد السيتوكين (مواد كيميائية في الجسم لها صلة بالالتهاب) تنتقل من الفم لتعبر مجرى الدم وعندئذ قد تدخل إلى المشيمة لتؤثر على الحمل. ويطالعنا احتمال آخر بوجود عامل آخر (أو مجموعة عوامل) مسببة لداء اللثة ومشاكل في الحمل.
والآن، لنأخذ بعين الاعتبار أن داء حوالى السن مرتبط أيضا بداء السكر. إن المصابين بهذا الأخير معرضون للإصابة بالتهاب اللثة أكثر من غير المصابين به. كما أن معدلات الإصابة بداء حوالى السن لدى المصابين بداء السكر الذين يسيطرون على معدل السكر في الدم تكون أكثر انخفاضا من تلك لدى الذين يعجزون عن السيطرة على معدل السكر في الدم. مجددا، إن العلاقة السببية بين الاثنين مجهولة ولكنهما مرتبطان ببعضهما البعض.
إذا، ندرك أن داء اللثة مرتبط بداء القلب، الوضع قبل الأوان وداء السكر.
ولكن إن سبرنا أغوار علم الطب، نلاحظ وجود المزيد من الترابط. على سبيل المثال، أظهر الباحثون أن النساء اللواتي يضعن خدجا قبل الأوان هن في خطر متزايد للإصابة بداء القلب في وقت لاحق من حياتهن (داء القلب مرتبط بالوضع قبل الأوان)، وأن المصابات بداء السكر هن أكثر عرضة من غير المصابات به لوضع خدوج قبل الأوان (داء السكر مرتبط بالوضع قبل الأوان) وأن هناك علاقة وثيقة بين داء القلب وداء السكر ـ مقارنة مع الأصحاء، من الممكن أن يتعرض المصابون بداء القلب لداء السكر وأن يتعرض المصابون بداء السكر لداء القلب. عندئذ، يتضح لنا أن العلاقات ما بين هذه المشاكل الصحية الأربع معقدة ومتعددة الإتجاهات.
علاقات الترابط موجودة والالتهاب بكل وسطائه الكيميائيين يشكل عاملا مشتركا. مجددا، لا يعرف الطب بعد كيفية ارتباط اضطراب بآخر. عند الكشف عن هذه المعلومات، ستؤمن نقطة انطلاق لتطوير أدوية وخطط علاج هادفة. ولكن بالنسبة إلى الشخص العادي، إن طرح الأسئلة حول سبب وكيفية حدوث عملية الترابط أقل أهمية من مجرد إدراك أنها تحدث. جميعنا يعلم ان هناك رابط بين السماء الملبدة بالغيوم والمطر. لا نحتاج إلى معرفة كل شيء عن أنماط الطقس وعمليات الحمل الحراري والأجهزة الحرارية ودوران الأرض لندرك أن من المحتمل تساقط الأمطار في يوم غائم أكثر من تساقطها في يوم مشمس. ما إن نعلم بوجود العلاقة، نأخذ تدابير لتجنب التبلل مثل حمل مظلة في الأيام الغائمة. بشكل مماثل، في حال أقررنا بوجود العلاقة بالالتهاب بدون معرفة تفاصيل كيفية عملها، نستطيع إتخاذ تدابير لنخفف معدل خطورة الالتهاب في أجسامنا ومنع سلسلة من الأمراض بالترسخ.
خطورة الالتهاب
وهكذا يصبح السؤال: من يقلق حيال الالتهاب؟ والجواب السهل هو أن جميعنا يقلق. فالاضطرابات الالتهابية شائعة جدا وفي النهاية سنختبر جميعا داء رئيسيا أو أكثر يتعلق بالالتهاب. ولكن ستستفيد بعض المجموعات من الأشخاص من اتخاذ تدابير فورية للسيطرة على الالتهاب:
1 – من يعاني من معدل مرتفع في الكولسترول، ضغط الدم أو أي مؤشر إلى داء القلب. إحدى أقوى شبكات الترابط بين الأمراض التي تم اكتشافها حتى الآن هي علاقة الالتهاب بداء القلب وبشكل خاص داء التصلب العصيدي، الداء المسبب للوفاة في أنحاء العالم أكثر من أي سبب آخر. يؤدي التصلب العصيدي إلى نشوء لويحة في شرايين المصابين به مما يسبب إحصار الوعاء الدموي. إن عجز الدم عن التدفق حول الإحصار، يموت نسيج القلب فينتج عن ذلك نوبة قلبية. فكرنا بالتصلب العصيدي كمشكلة تتعلق بالمعدلات المرتفعة للكولسترول فركز العلماء على كيفية خفضها كهدف علاجي أساسي. من المعروف الآن أن الكولسترول يلعب دورا ثانويا ويلعب الالتهاب الدور الأساسي. يقر الباحثون بأن الالتهاب يسبب التصلب العصيدي عبر جذب الكريات البيضاء وكولسترول البروتين الشحمي المنخفض (الخفيض) الكثافة والصفيحات (أجزاء من الخلايا التي تلعب دورا في تخثر الدم) بشكل كيميائي إلى جدران الشرايين. يطلق على نشوء هذه المواد اسم اللويحة. عندما تتكتل هذه الأخيرة، تضغط على الشرايين مسببة المزيد من الضرر الذي يؤدي بدوره إلى المزيد من الالتهاب. ويكون داء القلب هو النهاية المحتومة إلا إذا تم كسر الحلقة.
2 – المصابون بداء السكر. عرف العلماء منذ وقت طويل أن داء السكر من النمط 1 ناتج عن رد فعل التهابي منيع للذات ينقض على خلايا البنكرياس المنتجة للأنسولين ويدمرها. تقترح دراسات حديثة احتمال ارتباط داء السكر من النمط 2 بالالتهاب. وجد الباحثون في دراسة أجريت على نطاق واسع في إسكتلندا أن المعدلات المرتفعة لواسمة التهابية تدعى البروتين التفاعلي ج تكهنت بالإصابة بداء السكر من النمط 2 في غضون خمس سنوات. وفي دراسة أخرى أجراها باحثون في كارولينا الشمالية، وجد أن الأشخاص ذوي المعدلات المرتفعة من كريات الدم البيضاء المتعلقة بالالتهاب (مع أنها ضمن المستوى الطبيعي) معرضون لخطر الإصابة بداء السكر من النمط 2 أكثر من الأشخاص ذوي المعدلات المنخفضة. من الممكن اعتراض الكثير من حالات داء السكر من النمط 2 عبر السيطرة على عمليات الالتهاب.
3 – من يعاني من زيادة مفرطة في الوزن. ليس من المفاجىء أبدا أن يكون داء السكر مرتبطا بالالتهاب لأننا نعلم أن داء السكر من النمط 2 متعلق بالبدانة. تنتج الخلايا الدهنية مواد كيميائية التهابية وتخفف خسارة الوزن من المقدار الكلي للالتهاب في الجسم. عندئذ، يحدث الوزن الزائد عبء التهاب إضافي على الجسم. يفسر هذا الترابط لماذا أصحاب الوزن الزائد معرضون أكثر لخطر الإصابة بداء القلب وداء السكر من النمط 2.
4 – من في عائلته تاريخ مع داء القلب، السكتة، داء السكر أو داء ألزهايمر. تبين أن لهذه الأمراض مركبا وراثيا قويا. يشير الافتراض الحالي الأساسي إلى أن البعض معرضون وراثيا للإصابة بهذه الأمراض. أن يكون المرء معرضا للإصابة بمرض ما لا يعني أن يقع بالتأكيد ضحية المرض. عادة ما يكون العامل الدافع ضروريا. لذا، في حالة الأشخاص المصابين بالوراثة بداء القلب يمكنهم مثلا أن يخففوا من خطر الإصابة بالاضطرابات المتعلقة بالقلب من خلال ممارسة الرياضة بانتظام والمحافظة على وزن معتدل وتجنب التدخين؛ بعبارة أخرى، من خلال إتباع أسلوب حياة مضاد للالتهاب. عبر الحد من عدد دوافع الالتهاب في حياتهم، قد يتمكن الأشخاص المعرضون لخطر الإصابة بهذه الأمراض بالوراثة من منع حدوثها كليا.
5 – من يعاني من اضطراب منيع للذات مثل التهاب المفاصل الرثواني، الذأب أو التصلب المتعدد. تظهر الاضطرابات المنيعة للذات من ردود فعل الالتهاب الخارجة عن السيطرة. يستهدف الجسم خطأ نسيجا عاديا ليدمره كما يفعل لتدمير فيروس أو خلية سرطانية شاذة. وتمتاز هذه الاضطرابات بالتهاب حاد طويل الأمد. ليس من المفاجىء أن يتعرض المصابون باضطراب منيع للذات لخطر الإصابة بأمراض أخرى متعلقة بالالتهاب ـ يكون رد فعل الالتهاب قويا فيصيب أجزاء مختلفة من الجسم. مثلا، أظهرت الدراسات أنه مقارنة مع الأصحاء، فإن المصابين بالتهاب المفاصل الرثواني أو الذأب الحمامي الجهازي معرضون أكثر لخطر الإصابة بالداء القلبي الوعائي، والمصابين بالتصلب المتعدد معرضون أكثر لخطر الإصابة بداء السكر من النمط 1 والمصابين بالذأب أو متلازمة شغرن معرضون أكثر لخطر الإصابة بداء الغدة الدرقية المنيعة للذات. على الرغم من أن الاقتراحات المخففة للالتهاب المذكورة في هذا الكتاب لن تعالج اضطرابا منيعا للذات، إلا أنها قد تساعد على الحد من خطر الإصابة ببعض الأمراض الالتهابية الشائعة الأخرى مثل التصلب العصيدي.
6 – من يعاني من لثة ملتهبة أو داء حوالى السن. إن الكثير من إشارات الالتهاب الفيزيولوجية مخفي عنا. وبدون معدات طبية خاصة، لن نتمكن من رؤية نشوء اللويحة في الشرايين، خلايا الكبد الملتهبة أو حشد المواد الكيميائية المتعلقة بالالتهاب في الدم. إلا أننا نستطيع رؤية اللثة. فتشكل هذه الأخيرة المؤشر الأكثر وضوحا لعدم توازن الالتهاب في الجسم ويكون من الحكمة الانتباه إلى ذلك. إن أمرا بسيطا كالإرهاق النفسي الذي نعاني منه في حياتنا يمكن أن يؤثر على تطور داء اللثة الذي كما قلنا سابقا يرتبط بداء القلب، داء السكر وأمراض التهابية أخرى.
7 – من يشعر بالتعب أو الوهن بشكل دائم. يشعر الكثيرون بالإحباط لإحساسهم بالتعب طيلة الوقت ولكن عند الخضوع للفحص الطبي، يعجز الأطباء عن معرفة ما خطبهم. حيث يوجد تعب يوجد التهاب. قد يكون ذلك بسبب حالة معقدة لم يتم تشخيصها بعد أو التهاب مزمن ذي معدل منخفض وقد بدأ للتو بإحداث ضرر فيزيولوجي. ستزيد عوامل الالتهاب المخففة من معدلات الطاقة وربما تمنع حدوث المزيد من الأمراض الخطيرة.
8 – من يبلغ من العمر ما فوق الأربعين. تتغير استجابات أجسامنا إلى الالتهاب أو الأذى مع كل التغيرات المألوفة المرتبطة بالتقدم في السن. يتعلق التهاب كامل الجسم المزمن (الجهازي) بخطر الوفاة المتزايد، مهما كان السبب. وللأسف، تصبح أجسامنا مهيأة بشكل متزايد للإصابة بالالتهاب فيما نتقدم في السن لأننا نميل إلى إفراز المزيد من المواد الكيميائية المؤيدة للالتهاب والقليل من تلك المضادة له. هذا يعني أن احتمال الإصابة بالالتهاب يصبح أكبر مع التقدم في السن. تحدث هذه الأنواع من التغيرات في التقدم بالسن حتى لدى الأشخاص الذين يحرزون “تقدما ناجحا في السن” أي الذين حافظوا على صحة سليمة وقوية مع تقدمهم في السن. يعتقد العلماء أن تغيرات التقدم في السن ليست مرتبطة بتدهور في عملية الالتهاب بقدر ما هي متعلقة بإعادة صياغة جهاز يتعلم التكيف مع تغيرات ضرورية لتقدم ناجح في السن. سوف نتمكن من الحفاظ على صحة سليمة بشكل أفضل من خلال فهم التغيرات التي تطرأ عند التقدم في السن وكيفية تكييف سلوكنا استجابة إلى هذه التغيرات. علاوة على ذلك، قد نتمكن من تأخير أو تجنب العديد من العوامل التي تجعلنا نتقدم في السن قبل الأوان عبر ضبط الالتهاب من خلال تناول الأدوية أو إجراء تغييرات على أسلوب الحياة. لا مفر من التقدم في السن ولكن يمكن تأخير الانحلال الفيزيولوجي.
9 – من يعيش أو يعمل في بيئة مثيرة للالتهاب. اكتسبنا خلال العقدين الماضيين معرفة جديدة حول مدى تشجيع بعض الأشكال البيئية على إصابة أجسامنا بالالتهاب. تشكل المباني القذرة بيئة غير صحية تؤدي إلى الإصابة بالالتهاب. وتضم هذه المباني تهوية ضعيفة مما يسمح لمزيج معقد من المواد الكيميائية العضوية مثل المذيبات، العطور، منتجات التنظيف ومبيدات الهوام بالتكتل في الهواء الداخلي مسببا الالتهاب.
10 – من يعاني من الاكتئاب والقلق. إن الذأب الحمامي الجهازي (المعروف أيضا بالذأب) هو عبارة عن داء ذي نمط خاص من الالتهاب الذي يصيب المفاصل، البشرة وأعضاء أخرى. كان عارض سابق من الاكتئاب أو الذهان من أحد المعايير التشخيصية السريرية للذأب. من المعتقد أن التهاب شرايين الدماغ أو حتى الدماغ بحد ذاته يؤدي إلى أمراض نفسية لدى المصابين بالذأب. كما أن هناك ارتباطا وثيقا بين الأرج وهو داء آخر مرتبط بالالتهاب والاكتئاب. حاليا، يتم اختبار مضادات الالتهاب في تجارب سريرية كعلاج جديد للاكتئاب.
علاج الالتهاب
لا يمكننا أن نمحو الالتهاب في الجسم. لن نريد أن نفعل ذلك. فالالتهاب مركب أساسي من جهاز المناعة الذي يحمينا من حالات الخمج الخطرة ويشفي جروحنا. ولكن من الممكن أن يعمل الالتهاب بشكل مؤذ وهذا ما يفعله أحيانا. لماذا؟ أحيانا، تؤدي جيناتنا بأجهزة المناعة في جسمنا إلى المبالغة في ردة فعلها ولهذا السبب غالبا ما تصاب عائلات بأمراض منيعة للذات (أو ذاتية المناعة). وأحيانا، يكون سلوكنا الخاص هو السبب. إن الصحة السليمة نعمة نستخف بها في أغلب الأحيان. نحن كبشر نختار أحيانا الأغذية غير الصحية ونأكل كثيرا ونفرط في الشرب ونسهر حتى ساعة متأخرة وننام قليلا من الوقت ونتجنب ممارسة الرياضة. وبالكاد تلاحظ التغييرات الفورية في أجسامنا بسبب هذا السلوك. ولكننا بذلك وعلى المدى الطويل نمهد الطريق للالتهاب المزمن مما يسبب التغيرات في أجسامنا والتي في النهاية تؤدي إلى الوفاة.
أحيانا، تعوق العوامل الخارجية عملية الالتهاب. فالبيئة التي نعيش فيها اليوم ليست البيئة نفسها منذ مئة عام ناهيك عن مئات آلاف السنين عند بداية تطور الإنسان. إن الملوثات التي نتنفسها في الهواء والمياه التي نشربها والمواد الإضافية التي نتناولها في المأكولات بالإضافة إلى التغيرات الجوية التي تسببها التكنولوجيا الحديثة تؤثر جميعا في الالتهاب في أجسامنا. ظهر حاليا في الولايات المتحدة وباء الربو لدى الأطفال (التهاب الرئتين). يشكل تلوث الهواء بما في ذلك جزيئات الهواء والجسيمات في عادم الديزل والمواد التنفسية المهيجة مثل الأوزون أحد الأسباب على الأقل. كما يظهر وباء البدانة لدى الأطفال والذي يعتقد أن سببه هو العوامل المرتبطة بأسلوب الحياة. ليس عليك أن تتعمق في عالم الطب لتكتشف أن الأطفال الذين يعانون من الوزن الزائد معرضون إلى حد كبير لخطر الإصابة بالربو. هل من الممكن أن يكون ذلك مثلا آخر على رابطة الالتهاب؟ هل من المحتمل أن يكون الالتهاب المزمن المنخفض الدرجة الذي يسببه الوزن الزائد، العامل الذي يجعل الأطفال أكثر عرضة إلى تلوث الهواء وبالتالي يثير داء الربو؟ ما هي الأمراض الأخرى المتعلقة بالالتهاب التي يتعرض لها هؤلاء الأطفال؟ إن علامة الالتهاب تؤكد على أن إصابتهم بالالتهاب المزمن بسبب وزنهم الزائد قد تؤدي في النهاية إلى إصابتهم بداء القلب وداء السكر من النمط 2. بالطبع، هناك عدد مخيف من الأطفال في الولايات المتحدة الذين يصابون بداء السكر من النمط 2 وهو اضطراب عرف في ما مضى بداء السكر الذي يصيب البالغين لأنه نادرا ما أصاب الأطفال.
إننا نعيش في بيئة توقعنا في شرك الالتهاب. علينا أن نتكيف معها لنعيش حياة سليمة بقدر الإمكان. منذ أربعين عاما، لا أحد تقريبا استخدم المنتجات الواقية من الشمس. أما اليوم، فيستعمل الكثيرون هذه المنتجات يوميا لأننا أدركنا واقع الضرر الذي يمكن أن تسببه الشمس للبشرة ولأن العالم تغير عما كان عليه منذ أربعين عاما. لقد تدهورت طبقة الوزون مما يعني أن ساعة واحدة من التعرض لأشعة الشمس هي أكثر خطورة اليوم مما كانت عليه في أواسط القرن العشرين. لقد تأقلمنا مع الأمر. بالطريقة نفسها، نحتاج إلى التفكير بشكل مختلف عن الالتهاب عبر إدراك الروابط وتطبيق علاج الالتهاب.
لا أعني اعتراض الالتهاب كله في الجسم ولا تجنب الأمراض كلها أو معالجتها. يعمل علاج الالتهاب على أساس خفض نسبة خطر الإصابة بالمرض عبر تغيير العوامل التي هي ضمن طاقتنا. يتعلق الأمر بتغيير العوامل الصغيرة في حياتنا كطريقة لموازنة العوامل المتعذر ضبطها في البيئة. يتعلق الأمر بإدراك العلاقات بين الأمراض كي نعلم متى تكون أجسامنا غير متوازنة ومن ثم بتركيز انتباهنا على إعادة ترسيخ السيطرة. ويتعلق الأمر كذلك بالإقرار بأن الجسم نظام متكامل تتعطل وظائفه أحيانا. قد يكون التخفيف من حدة الالتهاب الطريقة الوحيدة الفضلى للمساهمة في إعادة النشاط إلى الجسم مجددا.
تأليف: د. ويليام جويل ميغز