أنت الآن تعيش فى جسمك، فى اللحظة الحاضرة. والحياة تحدث فقط فى اللحظة الحاضرة، إلا أنه من السهل جدًّا أن يتشتت انتباهك، وأن تُنتزع من داخل نفسك، وأن تفقد رؤية أهم الأمور، وتركيز انتباه متفتح فى اللحظة الحاضرة هو الدقيقة الأولى من الدقائق الخمس المفيدة الخاصة بك.
إن كل ما تفعله بعد الوصول إلى الحضور من خلال الانتباه الواعى يصبح أكثر ثراءً وحيوية، وفى الواقع، قد تشعر بأنك أكثر ثراءً وحيوية؛ حيث إن ممارسة الانتباه الواعى هى بوابتك للحظة الحاضرة.
أنت تملك بالفعل كل ما تحتاج إليه كى تكون واعى الانتباه. إن الانتباه الواعى هو القدرة البشرية الأساسية للوعى باللحظة الحاضرة، والانتباه الواعى لا يعنى التفكير. إنه فى الواقع يتحقق أثناء عمليات التفكير، عندما ينتبه إلى الرؤى، والأصوات، والأحاسيس أثناء حدوثها.
ينشأ الانتباه الواعى عن الانتباه المتعمد بطريقة غير انتقادية، ولطيفة، واختيارية لكى تجرب الحياة المتدفقة فى اللحظة الحاضرة.
إن كون المرء حاضرًا ومنتبهًا يتضمن أيضا الثقة وتعلم الاسترخاء داخل مشاعر الهدوء والرحابة التى بداخلك، وتجربة إحساس أعظم بالسلام والراحة، لحظة بلحظة.
وستجد فيما يلى إرشادات من السهل إتباعها من أجل التنفس بانتباه واعٍ، والاهتمام بانتباه واعٍ للأحاسيس التى تتدفق فى جسمك.
عد إلى هذه الإرشادات لممارسة الانتباه الواعى عدد المرات التى تريدها، وعاملها كأصدقاء لك، وتعلم أن تثق بنفسك كى تصبح منتبها بوعى إلى حد أكبر فى كل لحظة من لحظات حياتك.
ممارسة الانتباه الواعي
على الرغم من أنك تملك بالفعل قدرة طبيعية على الانتباه الواعى، إلا أنه من المفيد أن تنمى هذه القدرة كنوع من المهارة، من خلال الممارسة.
إنك تمارس الانتباه الواعى ببساطة من خلال اتخاذ القرار بأن توجه الانتباه بشكل غير انتقادى، وعن طيب نفس فى أغلب الأحيان، وفى مواقف مختلفة، ثم يلى ذلك توجيه الانتباه بشكل فعلى.
وبالنسبة للانتباه الواعى، فإنك لا تتمرن لكى تصبح متقنا له؛ ولكنك تتعلم معنى أن تكون منتبها بوعى (أو غير منتبه بوعى)، وأن تثق بنفسك حتى يمكنك أن تكون منتبهًا بوعى فعليا، مهما كان حجم التحديات التى تواجهها، وعند ممارستك للانتباه الواعى بشكل متزايد، ستجد فى الغالب أنه يفيض، متزايدًا ونافعًا إياك فى لحظات ومواقف أخرى حيث يكون كل من الحضور والوعى الزائدين مفيدين ومقبولين.
إرشادات للتنفس بانتباه واعٍ
1. يمكنك ممارسة التنفس بانتباه واعٍ فى أى وضع، سواء كان الجسم ساكنًا أو متحركًا.
2. قد ترغب فى غلق عينيك لتقليل تشتيت الانتباه، إذا كان يمكنك فعل ذلك بسلام.
3. ابدأ من خلال تذكر أنه أثناء جلسة التأمل هذه، أنت لست مضطرا للتسبب فى حدوث أى شىء، أو أن تصبح أى شخص آخر يختلف عما أنت عليه بالفعل. ويمكنك الثقة فى أن لديك بالفعل كل ما تحتاج إليه لكى تكون منتبهًا بوعى.
4. والآن، عليك أن تركز انتباهك بشكل لطيف على مكان فى جسمك يسهل فيه عليك الشعور بالأحاسيس المرتبطة بعملية التنفس أثناء دخول وخروج النفس من جسمك، وقد يكون هذا المكان هو طرف أنفك، أو فمك، أو صدرك، أو بطنك، أو أى مكان آخر، واجعل انتباهك يستقر فى ذلك الموضع.
5. اجعل انتباهك مركزًا على الأحاسيس المباشرة المرتبطة بعملية التنفس، وليس لزاما عليك أن تتحكم فى تنفسك بأى شكل من الأشكال، وإذا كون عقلك أى صورة أو فكرة عن التنفس، اصرفها عن ذهنك، وقم بلطف وبصبر بإعادة انتباهك إلى الأحاسيس المادية المرتبطة بالشهيق والزفير والسكون، أو التوقف القصير بينهما، وهذا تمرين خاص بالوعى وليس بالتنفس أو التصور.
6. وعندما يستقر انتباهك ويصبح أكثر حساسية، ابدأ فى ملاحظة الأحاسيس المتغيرة والمختلفة. لاحظ، على سبيل المثال، ارتفاع وانخفاض تجويفك البطنى أو صدرك، أو برودة وسخونة النفس، وهدوئه أو اضطرابه. استرخ ودع النفس يأتِ إليك. تمرن على ترك وقبول كل إحساس كما هو. ودع كل إحساس مرتبط بالتنفس يحملك ويثبتك بثبات وعمق أكثر فأكثر فى اللحظة الحاضرة.
7. وحين يشرد عقلك أو حين يصرف شىء ما انتباهك بعيدًا عن الأحاسيس المرتبطة بالتنفس، فطمئن نفسك إلى أنك لم تفعل شيئًا خاطئا. إنها ببساطة كيفية تحرك العقل. قم بالاستجابة لهذه الحركة ثم عُد بصبر إلى الانتباه إلى التنفس، اسمح للنفس التالى بالدخول. لست فى حاجة إلى محاربة الأفكار، أو الأصوات، أو أى من مصادر صرف الانتباه. وليس هناك حاجة أيضا لاتباعها.
8. استمر فى التمرين بهذه الطريقة: دع التنفس يدعمك؛ تحل بالطيبة والصبر على حركات عقلك والأحداث الأخرى؛ كن منتبها وحاضرا من أجل هذا النفس فقط، ذلك الذى يحدث الآن.
9. أَنْهِ جلسة التأمل من خلال تحويل انتباهك عن الأحاسيس المصاحبة لعملية التنفس، وفتح عينيك، والتحرك بشكل متمهل، إذا شئت.
إرشادات من أجل الانتباه الواعي بالأحاسيس الجسدية
1. يمكنك ممارسة الانتباه الواعى للأحاسيس الجسدية فى أى وضع، متحركا أو ساكنًا.
2. أبق عينيك مغلقتين بلطف، إذا كان يمكنك القيام بذلك بسلام وإذا كان سيساعدك على التركيز.
3. كما هى الحال فى كل تمرينات الانتباه الواعى، وفى وقت جلسة التأمل، تذكر أنك لست مضطرًا للتسبب فى حدوث أى شىء، أو أن تصبح أى شخص آخر يختلف عما أنت عليه بالفعل. ويمكنك الثقة فى أن لديك بالفعل كل ما تحتاج إليه من أجل الانتباه الواعى.
4. استحضر انتباهك بلطف إلى تجربة الشعور بأحاسيس جسمك. قم بتجميع انتباهك فى الأماكن التى يسهل عليك الإحساس بها إلى أقصى درجة، ربما كان ذلك ذراعيك أو ساقيك، أو الضغط واحتكاك ظهرك بالمقعد، أو الإحساس بالهواء على بشرتك العارية.
5. استرخ ودع الأحاسيس تأتِ إليك.
6. وحين يستقر انتباهك ويصبح وعيك أكثر حساسية، قم بتلقى الأحاسيس المختلفة المتدفقة عبر جسمك. قم بملاحظة الثقل، والضغط، والاهتزازات، والجفاف أو الرطوبة، والانقباضات والانبساطات، وقد تفضل تركيز انتباهك فى أجزاء أو مناطق معينة من جسمك وملاحظة الأحاسيس فيها، أو يمكنك التمرن على نقل انتباهك بانتظام من جزء إلى آخر من أجزاء الجسم إلى أن تتصل بجسمك بالكامل.
7. حين تبرز أمامك أية أفكار أو حكايات حول جسمك، أو أى من مصادر تشتيت الانتباه الأخرى، فاعلم أنك لست مضطرًا لمحاربتها، كما أنك لست مضطرًا لاتباعها والاهتمام بها. فقط دعها تتلاشَ، وقم بإعادة انتباهك إلى الأحاسيس المباشرة، واسمح لتلك الأحاسيس بأن تأتيك كما هى، وعندما يشرد ذهنك، ولا يهم عدد المرات، فثق بأنك لم ترتكب خطًأ، وتحل بالصبر والطيبة مع نفسك.
8. وحين يصبح انتباهك أكثر استقرارًا، اجعله لطيفًا ومعتدلاً. لاحظ أى ميل إلى التمسك بإحساس ما، أو التخلص من إحساس آخر. تخل عن أية نزعات إلى الثبات أو معارضة أية أحاسيس، وقم بإعادة تركيزك إلى التجربة المباشرة.
9. وعند استعدادك لإنهاء تمرينك، قم بصرف تركيزك عن الأحاسيس، وافتح عينيك، وتحرك بتمهل، إذا أردت القيام بذلك.
النية الصادقة
إن عقد نية صادقة وسيلة لوضع نفسك فى اتجاه قيمة أو هدف مهم. فى الواقع، إن النية تسبق كل التحركات الموجهة إلى أهداف معينة فى أجسامنا البشرية، لذا من الجيد أن نتعلم كيفية تحديد النية، والتمرين على عقد نوايا تتسم بالذكاء.
اعلم أنه يمكنك أن تكون ماهرًا أو غير ماهر عند عقد النية.
على سبيل المثال، لن يكون من المهارة أن تعقد النية على عدم شعور جسمك بالألم، أو على عدم الشعور بالضيق أبدًا، وتوقع أنك يمكن أن تحقق ذلك فعليًّا كهدف.
عند قيامك بعقد النية، كن حريصًا على ألا تختار نية غير واقعية أو أن تضغط على نفسك لكى تقوم بتحقيقها، فسوف يكون ذلك مثالاً على النية التى تتسم بعدم المهارة، وفى الواقع تعد وسيلة للانتقادات القاسية، ونقد الذات، وربما اليأس من قدرتك على القيام بأى شىء بنجاح.
فالنية التى تتسم بالمهارة أكثر فاعلية إلى حد كبير.
والنية التى تتسم بالمهارة تشبه إلى حد كبير دليل استرشاد، فهى تذكرك بوجهتك وتضعك فى الاتجاه الصحيح، على الرغم من أنها تعترف بأن التغييرات المهمة تستغرق وقتا، كما هى الحال فى أية رحلة، ويعد كل من الصبر والطيبة، والعطف تجاه نفسك أصدقاء أعزاء لنيتك الذكية.
إذن فعلى الرغم من أن عقد النية على عدم الإحساس مطلقًا بالألم لا يتسم بالواقعية، إلا أن الاتجاه المعقول هو أن تشعر باسترخاء أكثر داخل جسمك، وأكثر مهارة فى التعامل مع أى ألم تشعر به.
والنية التى تتسم بالذكاء لا تتطلب نتائج فورية أو رائعة. بل حينما تظهر التحديات والشكوك، تصبح النية التى تتسم بالذكاء ببساطة أكثر عزيمة، وطيبة، وصبرًا.
العمل بإخلاص
إن العمل بإخلاص يعنى القيام بشىء ما بحيث توظف له كل انتباهك وطاقتك المتاحة، وهو أيضًا يعنى أن تبذل قصارى جهدك. فإذا قمت بالفعل بتأسيس انتباه واعٍ وعقدت النية، فستكون قد وضعت بذلك أساسًا متينًا للعمل بإخلاص.
ومرة أخرى، من الحكمة دائما أن تتعامل بمهارة وبتفهم مع نفسك.
وقد تجد أن الأمر يتطلب منك بعض الممارسة لكى تصبح أكثر إخلاصًا، حتى لمدة خمس دقائق. فكل شىء نقوم به يُؤَدَّى دون انتباه تام أو تفانٍ وذلك لعدة أسباب. ويمكن التغلب على عادتى عدم الانتباه وعدم التواصل، إلا أن ذلك قد يتطلب بعض الجهد، وبعض الصبر، وبعض العزيمة لتهزأ من نقاط ضعفك.
إن العمل بإخلاص قد يسير على نحو أكثر سلاسة، إذا استطعت التصرف دون الانشغال بالنتائج. بمعنى آخر، قم بذلك فقط.
على سبيل المثال، إذا كنت تمارس تمرينًا يهدف إلى زيادة السلام والاسترخاء فى جسمك، فلا ترهق نفسك بالتحقق باستمرار لترى “هل نجح الأمر بعد؟” ولكن، استرخ، وقم بالتمرين فقط، ملاحظًا بانتباه واعٍ ما يحدث.
أينما كان المكان الذى يأخذك إليه التمرين الذى اخترته فهو مكان جيد. فقط قم بالتمرين، بانتباه واعٍ، ونية، وإخلاص قدر المستطاع، وسوف تتعلم فى الغالب شيئًا مفيدًا، أو ربما تكتشف شيئًا بداخلك يحتاج إلى الرعاية والاهتمام، أو قد تمر بتجربة عميقة الثراء أو فقط تحصل على بعض المرح.
وأخيرًا، إذا وجدت أنك تشعر بالحماقة، والحرج، أو الارتباك، أو أى شعور آخر غير معتاد أثناء العمل بإخلاص فى ممارسة التمرينات، فإن ذلك أمر جيد. إن تلك المشاعر فى الغالب ما هى إلا انعكاس لبعض الأفكار أو الآراء الداخلية التى مازلت متمسكًا بها. تذكر أنك لا تستطيع أن ترتكب خطًأ مادمت تبذل قصارى جهدك. إن ممارسة الخمس دقائق المفيدة الخاصة بك ليس عرضًا أو منافسة!
لذا دع كلًّا من الفضول، والطيبة، والعطف، والصبر، والفكاهة تصاحبك عند استكشافك لكل تمرين، وامنح لنفسك مساحة للتحسن والتعلم.