حينما تنفجر قنبلة نووية، فإن انبعاث تلك الإشعاعات الجبارة يقدح حدوث عاصفة نارية من الجذور الحرة الجذور الحرة التي تسحق كل شيء في طريقها، وتزيله من الوجود. ليست تلك الجذور الحرة وابلاً من الشظايا المنبعثة من القنبلة، ولكنها في واقع الأمر إلكترونات هاربة من مكانها، ومكونة سلسلة من التفاعلات المدمرة الناتجة من انفجار القنبلة النووية.
لكن لا يوجد في خلايا الجسم قنابل ذرية. إلا أن سلسلة التفاعل التي تحرضها وتقدمها الإلكترونات، تحدُث بشكل مستمر، في كل مكان في جسمنا، وفي كل وقت.
كما لاحظنا سابقاً، تَستَغلّ خلايانا ذرات الأكسجين من أجل إنتاج الطاقة في داخل المتقدرات. أحد النواتج الثانوية لهذه العملية هو التكوين المستمر لعدد هائل من الجذور الحرة. وهذه النواتج تمثل تهديداً ليس فقط للمتقدرات، ولكن أيضاً لباقي مكونات الخلية.
بشكل مبسط جداً، تعتبر الجذور الحرة، إلكترونات تحررت من ذرات الأكسجين أثناء إنتاج الطاقة. لا تحب الإلكترونات أن تبقى وحيدة، وبالتالي تبحث عن إلكترونات حرة أخرى لتتزاوج معها. تكرار هذا النشاط لعدد لا نهائي في عدد كبير جداً من الخلايا، يؤهب لحدوث سلسلة من التفاعلات المدمرة والتي تبدأ من الذرات والجزيئات المجاورة لهذه التفاعلات، ومع مرور الوقت تدمر النسيج، بل ربما في نهاية المطاف تؤدي إلى أذية كامل العضو.
تتالى تسلسل هذه الحدثيات، كما يتتالى وقوع أحجار الدومينو Domino effect، وُضعت كنظرية منذ ثلاثين عاماً من قبل دينهام هارمان Denham Harman M.D, PhD وهو باحث في جامعة نبراسكا. مثلت أهم النظريات التي قدمت لشرح عملية الشيخوخة. تشرح نظريته إن العلاقة بين الجذور الحرة وحدوث الشيخوخة. أن الجذور الحرة هي العوامل المسببة لكل مرض معروف تقريباً، وكذلك آلية الشيخوخة نفسها.
إرهابيون داخل أجسامنا
يمكن اعتبار الجذور الحرة كإرهابيين يقطنون أجسامنا. فهي تهاجم جزيئات (DNA)، فتفقدها وظيفتها، وتؤدي أحياناً إلى طفرات فيها، وقد ينتج عن ذلك حدوث السرطان. كما تهاجم تلك الجذور الحرة الأنزيمات وجزيئات البروتين مسببة فوضى في نشاطات ووظائف الخلية. وأخيراً يمكن أن تهاجم الأغشية الخلوية.
تؤثر الجذور الحرة على طبقة الخلايا المبطنة للأوعية الدموية، مما يؤدي إلى سماكة الشرايين وتصلبها، وهذا بدوره يؤدي في النهاية إلى هجمات من الذبحة الصدرية والاحتشاءات وسكتات دماغية strokes. بالنسبة للأذية التي تحدثها الجذور الحرة في البروتينات الموجودة في النسيج الضام Connective tissue فيمكن أن تُسبب تيبُّساً في الجسم.
يمكن تشبيه الأكسدة التي تحدثها الجذور الحرة في أنسجة الجسم، بأكسدة المعادن التي تسبب صدأها، أو أكسدة الدهون، مثل الزبدة، وتؤدي إلى تزنخها.
بجانب العمليات الطبيعية داخل الجسم التي تؤدي إلى تكوين كمية كبيرة من الطاقة المؤكسدة والمخرِّبة، يمكن أيضاً أن تزداد الجذور الحرة إلى مستويات تمثل عبئاً زائداً، وذلك بسبب نمط الحياة التي يحياها الفرد، وكذلك بسبب عوامل بيئية. وتشمل هذه العوامل تناول الخمور، والتلوث الجوي، والتلوث الكيميائي، واستعمال المعالجات الكيميائية. واستعمال بعض العقاقير، والتعرض المفرط لأشعة الشمس، والتعرض لمبيدات الحشرات، والضغط العاطفي، والمأكولات المدخنة أو المشوية، وأخيراً التدخين.
يردّ الجسم بهجوم مضاد. ويحارب هذه الجذور الحرة بوساطة مجموعة من المركبات تسمى مضادات الأكسدة antioxidants. تصنع خلايا جسمك هذه المركبات، ويمكن أيضاً أن تحصل عليها من الطعام، وبشكل خاص من الفواكه، والخضروات، أو من المركبات التي تضاف إلى الطعام. ولا تحدث الجذور الحرة أذيتها للأنسجة إلا حينما لا تتوفر مضادات الأكسدة بالمستويات المناسبة لشن هذا الهجوم المضاد.
مضادات الأكسدة Antioxidants
جزيئات تحول الجذور الحرة إلى مواد كيميائية غير ضارة مثل الأكسجين والماء، يقال إن مضادات الأكسدة هي مواد خالبة أو ملتهمة للجذور الحرة، وبالتالي تعادل مفعولها الضار
وضع دينهام هارمان منذ عدة سنوات نظريته التي تقول بأن بعض الفيتامينات مثل فيتامين E وكذلك فيتامين C، يمكن أن تبطل مفعول نشاط الجذور الحرة، وبالتالي تبطئ من تسارع عملية الشيخوخة، وذلك لأن هذه المواد الغذائية لها نشاط مضاد للأكسدة. ولقد بين (هارمان) في أبحاث تالية، ولأول مرة، أن إطعام بعض المركبات المضادة للأكسدة للثدييات يمكن أن يطيل من عمرها.
لقد أصبح لدينا الآن قدرٌ ضخمٌ من الدلالات العلمية التي تبين أن هؤلاء الناس الذين يتناولون طعاماً غنياً بالمواد المضادة للأكسدة أو يتضمن قوتهم دعماً غذائياً من تلك المركبات، يعيشون فترة حياة أطول، ويتمتعون بصحة أوفر.
يقول لِسْتر باكر (Lester Packer PhD) من جامعة بيركلي في كاليفورنيا: “يمكن أن تُوقِفْ أو حتى تعكس الكثير من المشكلات المترافقة مع الشيخوخة، (التي يمكن أن تجعل الحياة بائسة)، حينما تعاني أجسامنا من فرط في إنتاج الجذور الحرة، ولا يقابلها إنتاج كمية كافية من مضادات الأكسدة “.
مضادات الأكسدة فائقة القدرة Super Antioxidants
لقد تم التعرف على مئات من مضادات الأكسدة حتى الآن، وكان يعتقد سابقاً أن كل واحد منها يعمل باستقلالية عن الآخر. إلا أن العلماء في مخبر باكر الشهير عالمياً، اكتشفوا أن مجموعة من مضادات الأكسدة تلك تعمل بالتشارك بعضها مع بعض، وبالتالي يقوي مفعول أحدها مفعول الآخر.
لقد وجد أن هذه المجموعة من مضادة الأكسدة فائقة القدرة تشمل الانزيم المساعد Q10 والجلوتاثيون، وحمض الليبويك، وفيتامين C وفيتامين E، وقد أطلق باكر على هذه المجموعة “شبكة مضادات الأكسدة Network antioxidants”.
لشبكة مضادات الأكسدة، قدرات خاصة تميزها عن باقي أنواع مضادات الأكسدة “، هذا ما كتبه باكر في كتابه (معجزة مضادات الأكسدة)، الذي نشرته مؤسسة وايلي سنة 1999.” هذه الشبكة ذات فعالية خاصة في إبطاء آليات الشيخوخة، وتدعم مقدرة الجسم على محاربة المرض. تعتبر شبكة مضادات الأكسدة درعاً واقياً للجسم ضد القوى الضارية التي تسرع من عملية الشيخوخة قبل أوانها، وتختلس سنوات عزيزة من أعمارنا “.
لابد للحصول على فيتامين C و E من الطعام، حيث لا يصنعهما الجسم بداخله. ولكن وجد أن الحصول على هذين الفيتامينين من الطعام للوصول إلى المستوى المثالي للمفعول المضاد للأكسدة يكون شبه مستحيل. في الوقت نفسه، تتناقص مقدرة الجسم على تصنيع الانزيم المساعد Q10، والجلوتاثيون وحمض الليبويك مع تقدمنا في السن. وعلى هذا الأساس يقول باكر: “من أجل الأسباب السابقة، يجب تناول هذه المركبات كمواد للدعم الغذائي. إن٪ 70 من الأمريكيين يموتون قبل الأوان من أمراض تتسبب من، أو يُؤهب لها نقص في شبكة المواد المضادة للأكسدة”.
لماذا يعتبر الانزيم المساعد Q10 ذا أهمية خاصة؟
عبر المحيط، ومن داخل معمل باكر لأبحاث المواد المضادة للأكسدة في كاليفورنيا، استطاعت مجموعة من العلماء الاستراليين في معهد أبحاث القلب، أن تلقي الضوء على بعض مميزات الانزيم المساعد Q10 التي أعطته تلك الأهمية الخاصة.
استطاع هؤلاء العلماء تحت إشراف رولاند ستوكر (Ronald Stocker, Ph.D)، أن يتوصلوا إلى اكتشاف رائع، هو أن فيتامين (E) يكتسب طاقة كبيرة ويصبح نشيطاً حينما يكتسب أو يتخلص من الجذور الحرة.
يعلق ستوكر على هذا الأمر: “يصبح فيتامين (E) كالفحم المشتعل، ويمكن أن يخرب الجزيئات الأخرى، إلا إذا أُعيد مرة أخرى إلى الحالة المستقرة، ويتم ذلك بمركبات أخرى موجودة ضمن سلسلة التفاعلات التي تنهي هذا الفحم المشتعل، وتعيد فيتامين (E) إلى حالته المستقرة، هذه المركبات هي الانزيم المساعد Q10 وفيتامين (C).
لقد بين هؤلاء الباحثون في المعهد الاسترالي أيضاً أن الانزيم المساعد Q10 هو مضاد أكسدة أولي، يحمي أكسدة الشحميات خفيفة الكثافة (LDL) والتي يطلق عليها أحياناً الكولستيرول الخطر. ففي إحدى الدراسات التي أجريت على مجموعة من البالغين الشباب سنة 1992. وُجد أن الانزيم المساعد Q10 خلق مقاومة هائلة ضد تخريب الشحميات خفيفة الكثافة بالأكسدة، حيث إن كثرة أكسدة هذا المركب تؤدي إلى تضيق الشرايين بسبب تكوين العصائد، وهذا بدوره يؤدي إلى نوبات من الذبحة الصدرية أو الاحتشاء.
لقد جاء في دراسة أخرى أُجريت في إيطاليا بعد ذلك، ونشرت في حوليات الأكاديمية القومية للعلوم في الولايات المتحدة (Proceeding of the National Academy)، تشير إلى احتمال أن يكون الانزيم المساعد Q10 – في واقع الأمر – أكثر فاعلية من أي مضاد أكسدة آخر في منع أو إحصار أكسدة الشحميات خفيفة الكثافة (LDL).
العامل العظيم الواقي للمتقدرات Mitochondria
على مر السنين، تراكمت البراهين التي خرجت من أروقة المعامل، ونتيجة كثير من الدراسات السريرية بينت أن إضافة العامل كيو في الغذاء تؤدي إلى طيف واسع من الحماية ضد نشاط الجذور الحرة. وأظهرت الأبحاث أن الانزيم المساعد Q10 لا يحمي فقط الشرايين، ولكن أيضاً نسيج الدماغ، والكبد، والعضلات، والأعصاب، وأجهزة الجسم الأخرى.
يمكن إرجاع معظم قدرة الانزيم المساعد Q10 إلى وظيفته العظيمة ضد الأكسدة داخل أغشية المتقدرات، حيث يتم هناك معظم عمليات استخراج الطاقة الحيوية.
منذ سنوات خلت، حينما كوّن دنهام هارمان دنهام هارمان نظريته عن الجذور الحرة وتأثيرها على إحداث الشيخوخة، وضع الفكرة القائلة بأن الجذور الحرة التي تتكون داخل المتقدرات “لها القدرة على قتلنا”. وبناءً على هذه الفكرة، أكد على أهمية دخول مضادات الأكسدة إلى هذه المتقدرات.
اليوم برهن كثير من الأبحاث على صحة هذه الفكرة. وفي حقيقة الأمر أصبحت أمراض وإصابات المتقدرات أحد المواضيع التي تستحوذ على كثير من الاهتمام في مجال الأبحاث الطبية، وأصبح ينظر إلى هذه الأمراض على أنها السبب الرئيسي لكثير من الأمراض التنكسية.
بجانب هذا الاهتمام العلمي المتزايد والذي أطل علينا، كان هناك اهتمام موازٍ من أبحاث الانزيم المساعد Q10 وذلك بسبب مشاركتها المركزية في مجريات أحداث المتقدرات.