التصنيفات
صحة ورعاية الطفل

الانضباط: إيجاد بدائل فعّالة للعقاب عند تربية الأولاد

نجد عند الأطباء شعار “قبل كل شيء، لا تسبب أذية”. يحتاج الأهل لقاعدة مشابهة لمساعدتهم على تذكر أنه أثناء عملية فرض الانضباط على أولادهم عليهم ألا يسببوا لهم الأذية لصحتهم العاطفية.

إن جوهر الانضباط هو إيجاد بدائل فعالة للعقاب.

كانت الآنسة ثروت على وشك إعطاء درسها الأول في مدرسة للأولاد الجانحين. كانت خائفة جداً. وبينما كانت تمشي برشاقة نحو الطاولة ترنحت ووقعت على الأرض. ضج الصف عندها بضحكات مرحة. بدلاً من فرض العقاب عليهم لأنهم ضحكوا عليها، نهضت الآنسة ثروت ببطء، وأصلحت وقفتها ثم قالت، “هذا هو درسي الأول لكم: بإمكان المرء أن يقع على وجهه ومع هذا فهو ينهض مجدداً”. ساد الصمت بعدها،لأن الرسالة وصلت.

كانت الآنسة ثروت انضباطية حقيقية، كما يمكن لكل الآباء أن يكونوا عندما يستعملون قوة الحكمة بدلاً من التهديدات والعقاب للتأثير على سلوك أولادهم.

عندما يعاقب الوالدان أولادهم، فإنهم يغضبون. إنهم لا يستطيعون الإصغاء ولا التركيز في حين أنهم مليئون بالغضب ومغمورون بالحقد. في عملية فرض الانضباط ينبغي تجنب كل ما يولد الغضب. يجب تشجيع كل شيء يحفّز الثقة واحترام الفرد لذاته وللآخرين.

ماذا يحدث عندما يقوم الأهل بإغضاب أولادهم؟ إنهم يبدأون بكره أنفسهم وأولادهم. إنهم يرغبون بالانتقام. إنهم يمتلئون بأوهام الانتقام. عندما عوقب رامي، وهو في السابعة، وأهين من قبل والده، انسحب إلى عالم التصورات حيث انشغل بترتيب جنازة والده.

لماذا يلجأ الأهل لإغضاب أولادهم؟ ليس بسبب أنهم غير رحماء، لكن بسبب أنهم لا يتمتعون بالمهارة. إنهم لا يعرفون التصريحات الهدامة التي تفوّهوا بها. إنهم يلجأون إلى التأديب لأن أحداً لم يعلمهم كيفية التعامل مع وضع صعب بدون مهاجمة الأولاد.

روت إحدى الأمهات الحادثة التالية: في أحد الأيام عاد ولدها فريد إلى البيت من المدرسة، وما أن فتح الباب حتى بدأ بالصراخ: “أنا أكره معلمتي. لقد صرخت بوجهي أمام أصدقائي. قالت إنني أشوش الصف بكلامي، ثم عاقبتني بإرغامي على الوقوف لكامل الحصة. لن أرجع أبداً للمدرسة”.

أربك غضب الابن والدته التي سارعت لقول أول شيء خطر على بالها: “تعرف جيداً بأنه عليك إطاعة القواعد. لا يمكنك التكلم عندما تشاء. إنك تُعاقب عندما لا تصغي. آمل بأنك قد تعلمت درسك”.

بعد سماع ردة فعل أمه على مشاعره المضطربة، غضب فريد عليها أيضاً.

كان باستطاعتها بدلاً من ذلك قول ما يلي: “كم من المحرج أن يكون عليك الوقوف بالقاعة! وكم هو مهين أن يصرخ أحدهم عليك أمام أصدقائك! ليس مستغرباً أن تكون غاضباً. لا أحد يحب أن يُعامل بهذه الطريقة”، كان من شأن رد فعلها المتعاطف الذي يعكس مشاعر فريد الغاضبة أن يخفف غضبه ويجعله يشعر بالتفهم والحب.

يقلق بعض الأهالي حول إمكانية أن يفسر اعترافهم بغضب ولدهم وتوفير الإسعاف الأولي العاطفي له، بأنهم غير مهتمين بسوء سلوك ولدهم. ولكن فيما يخص والدة فريد، فإن سوء سلوكه كان في المدرسة وتعاملت معلمته معه. شعرت الوالدة بأن ابنها يحتاج إلى تعقيب متعاطف وقلب متفهم وليس إلى توبيخ إضافي. ولدها يحتاجها ليتغلب على اضطرابه. إن التعاطف، وهو قدرة الوالدين على تفهم ما يشعر به ولدهم، هو عنصر مهم وقيّم في تربية الولد.

منذ وقت قريب قال لي صاحب متجر إلكترونيات، “سمعتك تناقش موضوع الانضباط وأنا لا أوافقك”. بسط راحة كفّه وأضاف بفخر، “هذه طريقتي بعلم النفس”.

سألته إن كان يطبّق نفس طريقة (بسط اليد) هذه عند إصلاحه حاسوب أو جهاز ستيريو أو جهاز تلفاز. أجابني “أوه، كلا. تلك الأشياء تحتاج إلى المهارة والمعرفة. إن تلك الأشياء هي أجهزة معقدة”.

الأطفال يحتاجون هم أيضاً إلى أهل ماهرين وعارفين، يفهمون أن طريقة بسط راحة الكف (الصفع) لا معنى لها بالنسبة إليهم كما هي الحال بالنسبة للكمبيوتر. إنها تفشل بالوصول إلى هدفها. لا نجد ولداً يقول لنفسه بعد أن يتعرّض للعقاب، “سأتحسن. سأكون أكثر مسؤولية، أكثر تعاوناً لأنني أريد أن أرضي هذا البالغ الذي يعاقبني”.

يتطلب الانضباط الدقة، مثل الجراحة – لا جروح عشوائية، ولا هجمة لا مبالية. روت أم هذه السخافة الشائعة التالية وهي تؤكد التحدي الذي نتعرض له: “أصبحت واعية لهذه الإشكالية الشخصية: أنا أستعمل عادة نهجاً أحاول استئصاله من أولادي. أنا أرفع صوتي لإنهاء الضجة. أنا أستعمل القوة لإنهاء عراك. أنا قاسية بالنسبة لولد غير مهذب وأقوم بتوبيخ ولد يستعمل لغة بذيئة”.

إن سوء السلوك والعقاب ليسا نقيضين كي يلغي أحدهما الآخر. على العكس من ذلك، إنهما يولّدان ويقويان بعضهما البعض. العقاب لا يردع سوء السلوك. إنه يجعل المعتدي أكثر مهارة في الإفلات من الاكتشاف. عندما يجري تأديب الأولاد فإنهم يميلون لأن يكونوا أكثر حرصاً، وليس أكثر طاعة أو مسؤولية.

شكوك الوالدين: الحاجة إلى طرق أفضل

ما الفرق بين نهجنا ونهج الأجيال السابقة بالنسبة لتأديب أولادنا؟ حقق أهلنا وأجدادنا ما حققوه بفعل السلطة، وما نفعله نحن نفعله بتردد. حتى عندما كانوا على خطأ، فقد تصرفوا بثقة. أما نحن، فعندما نكون على صواب، نظهر أننا نتصرف بشك. من أين أتى ترددنا بالنسبة لأطفالنا؟ حذّرنا علماء نفس الأطفال بشأن العواقب الوخيمة لطفولة تعيسة، ونحن قلقون للغاية بأننا يمكن أن ندمر أطفالنا للأبد.

الحاجة إلى المحبة

يحب معظم الآباء أولادهم، لكنه من المهم بأن لا يكون لديهم تلك الحاجة الملحة ليكونوا محبوبين من أولادهم كل دقيقة من اليوم. أولئك الذين يحتاجون الأولاد لتبرير زواجهم أو إضفاء الأهمية على حياتهم هم مخطئون. بسبب خوفهم من خسارة محبة أولادهم، فإنهم لا يجرأون على حرمان أطفالهم من أي شيء بما في ذلك التحكم بالبيت. وما أن يستشعر الأولاد جوع والديهم للحب، حتى يقوم الأولاد باستغلال ذلك دون رحمة. إنهم يصبحون طغاة يحكمون خدماً قلقين.

تعلم العديد من الأطفال كيف يهددون آباءهم بحجب محبتهم عنهم. إنهم يستخدمون الابتزاز بكل وضوح وذلك بقولهم، “لن أحبك إذا…” لا تكمن الكارثة بتهديد الولد، ولكن بحقيقة شعور الوالدين بالتهديد. بعض الآباء يتأثرون حقيقة بكلمات ولدهم: إنهم يبكون ويرجون طفلهم بأن يستمر في محبته لهم، ويسترضونه عن طريق التسامح المبالغ فيه معه. إن هذا مدمر للآباء والأطفال على حدٍّ سواء.

طلبت نهى، وهي في الرابعة عشرة، ذات مساء وبعد تناول طعام الغداء أن تزور بيت صديقتها للعمل على مشروع مدرسي. عندما كرر والدها القاعدة البيتية، “لا خروج في الليل أثناء أيام الدراسة”، جادلت نهى بأن هذه الزيارة تتعلق بفرض مدرسي بيتي وليست زيارة اجتماعية. تراجع الوالد وغادرت نهى البيت بعد أن وعدت أن تعود قبل العاشرة والنصف.

هاتفها والدها عندما لم ترجع في العاشرة والنصف. أعلمت نهى والدها، “لقد قررت البقاء طيلة الليل هنا”. استشاط الوالد غضباً. وبعد مجادلة حامية، أمرها بالعودة للبيت. لم يكن والد نهى على علم بأنه كسر قاعدته الخاصة، قام بإرسال رسالة لابنته مفادها أنه إذا كانت القواعد معرضة للخرق فالوعود خاضعة لنفس الأمر. في اليوم التالي قامت بالتباهي أمام والدها: “باستطاعتي أن أحملك دائماً على القيام بما أريده. أستطيع إقناعك بأي شيء”.

حيّر هذا الحادث الوالد لأنه تكرر أكثر من مرة. لم يستطع أن يفهم لماذا يستطيع وضع القواعد بسهولة بينما من الصعب جداً عليه أن ينفذها. كان عليه أن يوافق مع نهى بأنها تستطيع إقناعه بأي شيء.عندما أدرك كم تعرض للأذى من قبل نهى، وكم يحتاج محبتها له، أصبح بإمكانه أن يقول “لا” ويعنيها.

السماح والسماح المبالغ فيه

ما هو السماح وما هو السماح المبالغ فيه؟ إن السماح هو موقف القبول بطفولية الأطفال. إن ذلك يعني أن الأطفال هم أطفال، وأن قميصاً نظيفاً لن يبقى كذلك طويلاً، وأن الركض بدل المشي هو وسيلة الطفل الطبيعية للتنقل، وأن الشجرة موجودة لتسلقها، والمرآة موجودة لنسخر أمامها.

إن جوهر السماح هو في قبول الأولاد كأشخاص يتمتعون بحقوق قانونية كي يكون لهم مختلف المشاعر والرغبات. إن الحرية كي يرغب الأولاد بأشياء خاصة بهم هي مطلقة وغير مقيدة. كل المشاعر والتصورات، كل الأفكار والرغبات، كل الأحلام وكل الحاجات بغض النظر عن المحتوى هي مقبولة، ومحترمة ويسمح بالتعبير عنها بكل الوسائل المناسبة. السمك يسبح، الطيور تطير، والناس يشعرون. لا يستطيع الأطفال التحكم بالكيفية التي يشعرون بها، لكنهم مسؤولون عن الطريقة التي يعبرون بها عن تلك المشاعر. هكذا هم غير مسؤولين عن مشاعرهم ولكن فقط عن سلوكهم. السلوك الهدام غير مسموح به، وعندما يحدث هذا السلوك على الوالدين التدخل لإعادة توجيهه إلى قنوات لفظية وأقنية رمزية أخرى. إن الأقنية الرمزية المسموح بها هي رسم لوحات (دون المستوى)، والركض حول البيت، وتسجيل الرغبات المريضة في آلة تسجيل، ونظم قصائد لاذعة، وكتابة قصص عنيفة، إلخ… السماح هو، بشكل مختصر، القبول بالسلوك الخيالي والرمزي. السماح المبالغ فيه هو إجازة كل الأفعال غير المرغوبة. السماح وقبول كل المشاعر يجلبان الثقة وطاقة متزايدة للتعبير عن المشاعر والأفكار. السماح المبالغ فيه يجلب القلق وطلبات متزايدة للامتيازات التي لا يمكن منحها.

إسمح بالمشاعر لكن حدد الأفعال

إن حجر الزاوية لمثل هذا النوع من الانضباط هو التمييز بين الرغبات، المشاعر، والأفعال. نحن نضع الحدود على الأفعال، لكننا لا نقيّد الرغبات أو المشاعر.

تحتوي معظم مشاكل الانضباط على قسمين: المشاعر الغاضبة والأفعال الغاضبة. يجب التعامل مع كل قسم بشكل مختلف. يجب تمييز المشاعر ومعالجتها، بينما علينا تحديد الأفعال وإعادة توجيهها. في أوقات معينة يكفي أن نميز مشاعر الطفل لتنقية أجواء التفاهم:

الوالدة: “يبدو أنك غاضب هذا اليوم”.

رامي: “بالتأكيد أنا غاضب”.

الوالدة: “إنك تحس بالحقارة في داخلك”.

رامي: “أنت قلتها”.

الوالدة: “إنك غاضب من أحدهم”.

رامي: “نعم، منك”.

الوالدة: “لماذا لم تخبرني عن ذلك؟”.

رامي: لم تصطحبيني معك لمباراة كرة السلة للأطفال، في الوقت الذي قمت فيه باصطحاب أخي”.

الوالدة: “هذا ما جعلك غاضباً. أراهن بأنك تقول في نفسك، إنها تحبه أكثر مما تحبني”.

رامي: “نعم”.

الوالدة: “لا شك بأنك تشعر حقاً بهذه الطريقة أحياناً”.

رامي: “حقاً إنني أفعل ذلك”.

الوالدة: “أتعلم يا عزيزي، عندما يكون عندك هذا الشعور، تعال وأخبرني”.

في أوقات أخرى يجب وضع الحدود. عندما أرادت مريم، وهي في الرابعة، أن تقطع ذيل هرتها “لترى ما يوجد بداخله” تقبل والدها حشريتها العلمية، لكنه حدّ من فعلها بطريقة قاطعة: “أعلم بأنك تريدين أن تري كيف يبدو من الداخل. لكن على الذيل أن يبقى في مكانه. دعيني أرى إن كنت أستطيع أن أجد لك صورة كي أريك كيف يبدو من الداخل”.

وجدت أم تامر ابنها، وهو بعمر الخامسة، يعبث على جدار غرفة الجلوس. كان ردّ فعلها الأول ضربه. لكنه بدا خائفاً لدرجة لم تستطع معها أن تضربه. بدلاً من ذلك، قالت له: “لا، تامر، يجب عدم الرسم على الجدران، الأوراق نعم. إليك ثلاث ورقات”. ثم بدأت أمه بتنظيف الجدار. تأثر تامر لدرجة أنه قال لها، “أنا أحبك، أمي”.

قابل هذا مع تشويه مماثل في بيت آخر: “ماذا تفعل؟ ما خطبك؟ ألا تعرف أنه من غير المفروض أن تقوم بتوسيخ الجدران؟ ببساطة لا أعرف ما الذي أستطيع فعله معك”.

المناهج المساعدة وغير المساعدة للانضباط

هناك فرق كبير بين المناهج المساعدة والمناهج غير المساعدة للانضباط. في عملية تأديب الأولاد، يمنع الأهل أحياناً الأفعال غير المرغوبة، لكنهم يتجاهلون الدوافع التي تتسبب بهذه الأفعال. يجري وضع الممنوعات وسط مجادلة غاضبة وغالباً ما تكون غير متماسكة، غير ثابتة، ومهينة. أبعد من ذلك، يفرض النظام في وقت يكون فيه الأطفال أقل قدرة على الإصغاء، وبكلمات غالباً ما تثير مقاومتهم. في أكثر الأحيان يُترك الأطفال مع انطباع ملزم بأنه ليس فقط أفعالهم المحددة التي تتعرض للنقد، بل أنهم أشخاص سيئين.

في المناهج المساعدة، عندما نؤدب أطفالنا يجب أن نركّز على مساعدتهم بسلوكهم وبمشاعرهم. يسمح الآباء لأولادهم أن يعبروا عن مشاعرهم، لكنهم يحددون ويوجهون الأفعال غير المرغوبة. توضع الحدود بطريقة تحفظ احترام الذات للأولاد كما لأهاليهم. على الحدود أن لا تكون اعتباطية ومتقلبة، لكن عليها أن تكون تثقيفية وتسمح ببناء الشخصية. تطبق الحدود بدون عنف أو غضب زائد. إن تذمر الأطفال من الممنوعات هو متوقع ومفهوم. يجب أن لا ننزل بهم عقاباً إضافياً لأنهم تذمروا من الممنوعات.

من الممكن أن يؤدي الانضباط إذا طُبق بهذه الطريقة إلى القبول الطوعي من الأولاد بالحاجة إلى فرض وتغيير بعض التصرفات. الانضباط الأبوي بهذا المعنى يمكن أن يؤدي إلى الانضباط الذاتي. بواسطة التماثل بالأبوين وبالقيم التي يجسدونها، يستطيع الأطفال أن يبلغوا المعايير الداخلية للانضباط الذاتي.

مناطق الانضباط الثلاثة: مشجعة، مسموحة، وممنوعة

يحتاج الأطفال إلى تحديد واضح للسلوك المقبول وغير المقبول. إنهم يشعرون بأمان أكثر عندما يعرفون حدود الفعل المسموح به. نميل إلى الاعتقاد بأن سلوك الأطفال يقع ضمن ثلاث مناطق مختلفة:

تتألف الأولى من السلوك المرغوب فيه والمسموح به، تلك المنطقة حيث تعطى “نعم” بوفرة وبسخاء. المنطقة الثانية تشتمل على السلوك غير المسموح به لكنه يُسمح به لأسباب محددة. مثل هذه الأسباب يمكن أن تشمل:

1. مهلة للمتعلمين. لا يخضع سائق يحمل رخصة متدرب للعقوبة لأنه أضاء إشارة اليمين في حين أنه استدار لليسار. مثل هذه الأخطاء يُسمح بها على أمل التحسن في المستقبل.

2. مهلة للأوقات الصعبة. بعض حالات الإجهاد الخاصة – الحوادث، المرض، الانتقال إلى منطقة سكنية جديدة، الانفصال عن الأصدقاء، الموت أو الطلاق في العائلة – تستدعي مهلة إضافية. أننا نمنحها تحسساً منا بالأوقات الصعبة والتأقلم مع الظروف الجديدة. إننا لا ندعي بأننا نحب هذا السلوك. في الحقيقة، يوضح هذا السلوك أن موقفنا قد سُمح به فقط بسبب الظروف الاستثنائية.

تشمل المنطقة الثالثة السلوك الذي لا يمكن أن يُسمح به أبداً ويتعين إيقافه. إنه يشمل السلوك الذي يعرض صحة ومصلحة العائلة للخطر وكذلك مصلحتها المادية والمالية. تشمل المنطقة أيضاً السلوك الممنوع من قبل القوانين، الأخلاق أو التي تتعارض مع قبول المجتمع. من المهم جداً أن نكون مانعين في المنطقة الثالثة كما نكون سموحين في المنطقة الأولى.

فكرت طفلة بأن أباها يفتقد المعايير الصحيحة لأنه سمح لها بأن تبقى خارج البيت في وقت متأخر من الليل. فقد ولد آخر احترامه لوالديه لأنهما فشلا في منع أصحابه الذين أوشكوا على تدمير ورشته بلعبهم الوحشي.

لدى الأطفال الصغار صعوبة حقيقية بالتعاطي مع نزعاتهم غير المقبولة اجتماعياً. يجب على الوالدين أن يكونوا حلفاء لولدهم في نضاله للسيطرة على هذه النزعات. عن طريق وضع الحدود، يستطيع الوالد أن يقدم مساعدة لولده. هذه الحدود تحمل رسالة صامتة إلى جانب منع السلوك الخطر: عليك أن لا تكون خائفاً من نزعاتك. لن أسمح لك بالذهاب بعيداً جداً. إنك بأمان.

تقنيات لوضع الحدود

يعتمد الناتج في عملية وضع الحدود – كما في التثقيف – على العملية نفسها. يجب أن يكون الحدّ معرفاً حتى يكون بإمكانه أن يُعرّف الطفل بوضوح عن (أ) ما هو الشيء الذي يعتبر سلوكاً غير مقبول. (ب) ما هي البدائل المقبولة. ليس بإمكانك أن ترمي الصحون، لكن بإمكانك أن ترمي الوسائد. بلغة أقل تمسكاً بالقواعد لكنها أكثر فعالية: الصحون ليست للرمي، بينما الوسائد يمكن أن ترمى. أخوك يجب أن لا يُجر، بينما دراجتك يمكن جرّها. يفضّل أن يكون الحل شاملاً على أن يكون جزئياً. هناك فرق واضح، مثلاً، بين رشّ أختك بالماء أو عدم رشّها. إن حداً يصرّح بما يلي، “بإمكانك رشّها قليلاً، طالما أنك لا تبللها كثيراً”، هو دعوة إلى سيل من المشاكل. مثل هذه العبارة المشوشة تترك الطفل بدون قواعد واضحة لأخذ القرارات. يجب أن يُعبّر عن الحدّ بشكل صارم، حتى يحمل رسالة واحدة فقط للطفل: “هذا المنع هو حقيقي. إنني أعني ما أقول”. عندما يكون الآباء غير متأكدين عما ينبغي فعله، فمن الأفضل أن لا يفعلوا شيئاً غير التفكير وتوضيح مواقفهم. في عملية وضع الحدود، يضيع الأب المراوغ في مجادلات لا تنتهي. الممنوعات التي تستحضر ببطء وبشكل غير متقن، تصبح في النهاية تحدياً للأولاد، وتسبب معركة نوايا لا يمكن لأحد أن يربحها.

يجب أن يُعبّر عن الحدّ بطريقة تقلل السخط إلى أدنى مستوى، وتحفظ في الوقت نفسه احترام الذات. إن عملية وضح الحدود نفسها، باستعمال كلمة “لا”، يجب أن توحي السلطة وليس الإهانة. يجب أن تتعاطى مع حادثة محددة، وليس مع سجلّ متزايد. فيما يلي مثال على ممارسة غير مرغوب فيها:

ذهبت ندى، وهي في الثامنة، مع أمها إلى المتجر الكبير، وبينما كانت أمها تتسوق، جالت ندى حول واجهة الألعاب واختارت ثلاثة ألعاب. عند عودة أمها، سألتها ندى بثقة، “أيّ من الألعاب أستطيع أخذها معي إلى البيت؟” ردت أمها، وكانت قد أنفقت الكثير من المال على فستان لم تكن تحتاجه حقاً، “المزيد من الألعاب؟ تملكين ألعاباً أكثر تزيد عن قدرتك على اللعب بها. إنك تريدين اقتناء كل شيء ترينه. حان الوقت لكبح شهيتك”.

بعد مضي دقيقة على ذلك، حاولت الأم وقد أدركت مصدر غضبها أن تسترضي ابنتها وترشوها بشراء آيس كريم لها. لكن النظرة الحزينة بقيت على وجه ندى.

عندما يطلب الطفل منا شيئاً يتعين علينا رفضه، فبإمكاننا على الأقل أن نوفر له الشعور بالارتياح كي يرغب به. وفّر له في عالم الخيال على الأقل ما لا تستطيع تحقيقه في عالم الواقع. إنها طريقة أقل إيذاءً لقول كلمة “لا”. هكذا كان بإمكان والدة ندى أن تقول، “أنتِ ترغبين بأخذ بعض اللعب إلى البيت”.

ندى: “هل أستطيع أن أفعل ذلك؟”.

الوالدة: “ماذا تظنين؟”.

ندى: “أظن لا. لماذا لا؟ أريد لعبة حقاً”.

الوالدة: “لكن يمكنك أن تشتري بالوناً أو آيس كريم. قرري أنت ما تفضلينه”.

لربما ندى تختار شيئاً. لربما استرسلت ندى في البكاء. على الأم أن تتمسك بقرارها وبالخيارات التي قدمتها على أية حال. بإمكانها أن تُظهر تفهمها مرة ثانية وذلك بالقيام بعكس رغبات ابنتها لامتلاك الألعاب – لكن يجب أن يُحافظ على الحدّ: “أنت ترغبين لو كان بإمكانك أن تأخذي لعبة واحدة على الأقل. تريدين ذلك كثيراً. بكاؤك يخبرني كم أنك ترغبين كثيراً بتلك اللعبة. كم كنت أتمنى لو أن بمقدوري أن أشتريها لك هذا اليوم”.

عندما تعلن ابنة أنها لا تريد الذهاب إلى المدرسة، فإننا نستطيع القول، بدل أن نلّح، “عليك الذهاب إلى المدرسة. على كل طفل أن يذهب إلى المدرسة. إنه القانون. لا أريد أن يأتي مسؤول الغياب إلى بيتنا”، إن رد الفعل الأكثر تعاطفاً هو بمنح الآمان في الخيال على الأقل: “كم ترغبين لو أنك لا تذهبين إلى المدرسة اليوم. بدلاً من ذلك أنت تودين لو كان هذا اليوم الجمعة بدلاً من السبت ولو أنك تلعبين مع أصدقائك. تتمنين لو كنت تستطيعين النوم على الأقل. أنا أعرف. ماذا تريدين للفطور؟”.

لماذا يكون المنح في عالم الخيال أقل إيلاماً من الرفض الصريح؟ لأن رد فعل الأم المفصّل يُظهر بأنها تتفهم شعور ابنتها. عندما نشعر بأن الآخرين قد فهمونا، فإننا نشعر بمحبتهم. كيف سيكون شعورك إذا كنت تنظرين بإعجاب إلى فستان موجود في واجهة متجر ألبسة مرتّب، ويأتي من تحبين ويقول لك، “ما خطبك؟ إلى ماذا تنظرين. أنت تعرفين بأنه لدينا مصاعب مالية. ما من طريقة لشراء شيء مكلف كهذا”. من المستبعد أن تولّد كلمات من تحبين مشاعر الحب عندك. ستجعلك كلماته تشعرين بالغضب والانقباض.

لكن ماذا لو اعترف برغبتك وقال، “أوه، يا عزيزتي، كم كنت أتمنى لو أنني بإمكاني شراء فستان جميل كهذا. أتخيلك ترتدينه مع الجواهر المناسبة وقبعة مخملية. كم ستبدين جميلة. سأكون فخوراً كوني مرافقك حتى في أبهى الحفلات”.

للأسف، لا يتيح لك أيّ من ردود الفعل هذه شراء الفستان. لكن رد الفعل الثاني لا يوقع الأذى على الأقل، ولا يسبب الامتعاض، وهكذا فيحتمل أن يقوي مشاعر المحبة.

زرتُ منذ عدة سنوات مدرسة ابتدائية في قرية إنويت في ألاسكا، حيث قمت بترفيه الأولاد وذلك بعزف الهارمونيكا لهم. عندما انتهيت تقدم إليّ طفل وقال، “أريد الهارمونيكا التي معك”. كان باستطاعتي أن أجيب، “لا، لا أستطيع إعطاءك الهارمونيكا. إنها الوحيدة التي أملكها، وأنا أحتاجها. بالإضافة إلى ذلك، فإن أخي قد أعطاني إيّاها”. كان الطفل سيشعر بالإحباط، وسيتلاشى الشعور الاحتفالي للمناسبة السعيدة. بدلاً من ذلك، قمت بمنح الولد في الخيال الشيء الذي ليس باستطاعتي أن أعطيه في الواقع، وذلك بقولي له، “كم كنت أتمنى لو كان عندي هارمونيكا لأعطيك إيّاها”. جاء طفل آخر بعد ذلك بنفس الطلب، وهكذا فقد أجبت، “كم كنت أتمنى لو كان عندي اثنين منها لأعطيها”. أخيراً، جاء الأولاد الستة والعشرون إلي. اكتفيت بإضافة الأعداد، وأنهيت بقولي “كم كنت أتمنى لو كان عندي 26 هارمونيكا، لأعطي واحدة لكل منكم”. لقد أصبحت لعبة ظهر أن الأولاد يستمتعون بها.

بعد أن قمت بوصف الحادثة في الجريدة التي أكتب فيها، كتب محرر إحدى المجلات، “عندما يتحتم عليّ رفض مقالة، فإنني أبدأ كلمات الرفض بـ “كم كنت أتمنى لو أننا نستطيع نشر مقالتك”.

طرق مختلفة للتعبير عن حدود معينة

هناك طرق للتعبير عن الحدود التي تثير المقاومة وطرق أخرى تستدعي التعاون، مثلاً:

1. يعترف الوالد برغبة الولد ويصوغها بكلمات بسيطة: “أنت ترغب بالذهاب إلى السينما هذه الليلة”.

2. يعبر الوالد بوضوح عن الحدود على فعل معيّن: “لكن القاعدة في بيتنا هي “لا سينما في أيام الدراسة”.

3. يشير الوالد إلى طرق يمكن فيها تلبية الرغبة ولو جزئياً: “باستطاعتك الذهاب إلى السينما ليلة الجمعة أو ليلة السبت”.

4. يساعد الوالد ولده على التعبير عن بعض الامتعاض الذي يمكن أن ينشأ عند فرض الممنوعات، ثم يقوم بالتعاطف:

“من الواضح أنك لا تحب القاعدة”.

“كنت تتمنى لو لم توجد مثل هذه القاعدة”.

“كنت تتمنى لو أن القاعدة تنص على، “كل ليلة هي ليلة مخصصة للسينما””.

“عندما تكبر وتحصل على بيتك الخاص فمن المؤكد بأنك ستقوم بتغيير هذه القاعدة”.

ليس من المحتم أو من الممكن أن نعبر عن الحدود بهذه الطريقة. من الضروري في أوقات معينة أن نصوغ الحدّ أولاً ثم نعكس المشاعر لاحقاً. عندما يكون طفل على وشك رمي حجر على أخته، يجب على الأم أن تقول، “ليس عليها، إرمه صوب الشجرة” ستقوم بفعل الصواب إن هي حددت اتجاه الشجرة للطفل. باستطاعتها فيما بعد أن تعالج المشاعر وتقوم باقتراح بعض الطرق الأخرى غير المؤذية للتعبير عنها:

“بإمكانك أن تكون غاضباً قدر ما تشاء على أختك”.

“قد تكون هائجاً. يحتمل أن تكرهها في أعماقك، لكن لن يكون هناك إيذاء”.

“بإمكانك إلقاء الحجارة على الشجرة، إذا كنت ترغب في ذلك”.

“بإمكانك أن تقول لي أو تُظهر لي كم أنت غاضب، إن كنت ترغب في ذلك”.

يجب أن يتم التعبير عن الحدود بلغة لا تستثير احترام الطفل لذاته. تلقى الحدود عناية أكبر حين يُعبّر عنها باختصار وبشكل غير شخصي. عبارة “لا سينما بأيام الدراسة” تستثير سخطاً أقل من “أنت تعرف بأنك لا تستطيع الذهاب إلى السينما في أيام الدراسة”. “إنه وقت النوم” تُقبل أسرع من “إنك أصغر من أن تستطيع السهر. توجه إلى السرير”. “انتهى وقت مشاهدة التلفزيون اليوم” هي أفضل من “لقد أمضيتم ما يكفي من الوقت أمام التلفزيون، أطفئ الجهاز”. عبارة “لا صراخ على بعضكم البعض” تُطاع بتقبّل أكثر من “من الأفضل لك أن تتوقف عن الصراخ عليه”.

تُقبل الحدود بطواعية أكبر عندما تشير إلى الغاية من الشيء: “الكرسي للجلوس، وليس للوقوف” هي عبارة أفضل من “لا تقف على الكرسي”. “المكعبات هي من اجل اللعب، وليس من أجل الرمي” هي عبارة أفضل من “لا ترمِ المكعبات” أو “أنا آسف لا أستطيع السماح لك برمي المكعبات، إنها خطرة”.

يحتاج الأطفال لمنافذ صحية لطاقاتهم

تنشأ العديد من مشاكل الانضباط مع الأولاد الصغار بسب تقييد النشاطات البدنية. مثلاً:

“لا تركض – ألا تستطيع المشي مثل طفل عادي؟”.

“لا تقفز”.

“قف مستقيماً”.

“لماذا عليك أن تقف على رجل واحدة في الوقت الذي تعرف فيه أنك تملك اثنتين؟”.

“سوف تقع وتكسر رجلك”.

يجب عدم المبالغة بتقييد النشاطات الحركية للأطفال، يجب على الأولاد أن يركضوا، يقفزوا، يتسلقوا، يثبوا، إلخ، من أجل صحتهم الذهنية والبدنية على السواء. إن القلق على سلامة المفروشات مفهوم، لكنه يجب أن لا يأخذ أولوية على صحة الأولاد. إن منع النشاطات البدنية عن الأطفال الصغار يتسبب بتوتر عاطفي، يمكن أن يُعبّر عنه بالعدوانية.

إن ترتيب بيئة مناسبة للتصريف المباشر للطاقة عن طريق النشاطات العضلية هو شرط – وغالباً ما يتم تجاوزه – ذا أولوية للانضباط الجيد للأطفال ومن أجل حياة أسهل للوالدين. يحتاج الأطفال إلى اللعب النشيط. هناك العديد من الفرص لنشاطات الأولاد البدنية: اللعب بالكرة، القفز على الحبل، الركض، السباحة، التزلج على الجليد، لعب البايسبول، القيام بألعاب الجمباز، الدراجة الهوائية. أصبحت المدارس أكثر وعياً لحاجة الأطفال للنشاطات البدنية ولذا فإنها توفر الرياضة المنظمة خلال وبعد أوقات المدرسة بالإضافة إلى برامج تثقيفية رياضية.

الفرض الواضح للانضباط

يتجاوب الطفل عادة عندما تكون مشاعر الوالدين عن الممنوعات شديدة الوضوح، بعد صياغتها بلغة غير هجومية. ومع هذا، فالطفل يخرق القواعد من وقت لآخر. يبقى السؤال، ما العمل عندما يتخطى الطفل إحدى الممنوعات المعلنة؟ تتطلب العملية التثقيفية أن يتمسك الآباء بدور البالغ اللطيف ولكن القوي. وفي رد الفعل على الولد الذي يخرق أمراً ممنوعاً، فالوالد يجب أن لا يكون مجادلاً ولا ثرثاراً. يجب أن لا يُجر الوالد إلى جدال حول عدالة الأمر الممنوع أم عدم عدالته. حتى أن الأم والأب يجب أن يتجنبوا إعطاء تفسير مطول له. من غير الضروري أن نفسر للولد لماذا يجب عليه أن لا يضرب أخته، بأكثر من القول “يجب عدم أذية الناس”، أو لماذا يتعين عليه تجنب كسر زجاج النافذة، بأكثر من القول “النوافذ ليست للكسر”.

عندما يتخطى الطفل إحدى المحرمات، فإن قلقه يتعاظم لأنه يتوقع الانتقام والعقاب. يجب على الوالد أن يتجنب زيادة قلق الطفل في هذا الوقت. إن تكلم الوالدان كثيراً، فإنهما يوحيان بالضعف – في وقت يجب عليهما الإيحاء بالقوة. في أوقات كهذه يحتاج الطفل إلى بالغ كي يساعده على السيطرة على الانفعالات بدون فقدان ماء الوجه. يُظهر المثال التالي النهج غير المساعد للتعامل مع الحدود الموضوعة:

الوالدة: أظن بأنك لن ترتاح قبل أن تسمعني أصرخ. حسناً. (بصوت عال وحاد) توقف – أو ستندم! إن رميت شيئاً واحداً بعد الآن، سأقدم على شيء عنيف!

بدل أن تستعمل هذه الأم التهديدات والوعود، كان بإمكانها أن تعبر عن غضبها القوي الحقيقي بطريقة أكثر فعالية:

“أجن عند رؤية هذا!”.

“يجعلني هذا غاضبة!”.

“أشعر بالثورة في داخلي!”.

“يجب عدم رمي هذه الأشياء! بإمكانك رمي الكرة!”.

عند فرض حدّ معين، على الوالد أن يتجنب معركة نوايا. في هذا المثال، كانت مروى، وهي في الخامسة، تستمتع وأبيها في إحدى الحدائق ذات مساء:

مروى: (في حديقة الألعاب): “أحب هذا المكان. لن أذهب إلى البيت الآن. سأبقى لساعة إضافية”.

الوالد: “تقولين أنك ستبقين، وأنا أقول بأنكِ لن تبقي”.

قد تقود مثل هذه العبارة إلى واحدة من نتيجتين، كلتاهما غير مرغوبتين: هزيمة الطفل أو هزيمة الوالد. النهج الأفضل هو في التركيز على رغبة الطفلة في البقاء في حديقة الألعاب، بدل التركيز على تحدي السلطة. مثلاً، كان بإمكان الوالد أن يقول، “أرى بأنك تحبين هذا المكان. أفترض بأنك تتمنين أن تبقي لوقت أطول، وحتى عشر ساعات. إنه وقت الذهاب إلى البيت”.

لو أصرت مروى، بعد دقيقة أو دقيقتين، على البقاء، فيمكن لوالدها أن يحملها خارج حديقة الألعاب.

الأهل ليسوا للضرب

يجب أن لا يسمح للأطفال أن يضربوا أهلهم على الإطلاق. مثل هذه الهجمات البدنية هي مضرة للأولاد ولأهاليهم على السواء. إنها تجعل الأطفال يشعرون بالقلق وبالخوف من الانتقام. إنها تجعل الآباء يشعرون بالغضب وبالكراهية. إن منع الضرب هو ضروري لتجنيب الأطفال الشعور بالذنب وبالقلق وهذا الأمر يعطي الأهل القدرة على البقاء مضيافين لأولادهم.

من وقت لآخر، يستطيع الواحد منا رؤية مشاهد حيث تقترح والدة على ابنها بأن يضربها على يدها، “بإمكانك أن تضربني قليلاً لكن يجب لا تؤذيني حقاً”، وذلك لكي تتجنب الضرب على ساقها. هذه الأم البالغة الثلاثين عاماً رجت ولدها، البالغ أربعة أعوام، بينما كانت تمد يدها باتجاهه. يمكن أن يندفع المرء للتدخل ويقول، “لا تفعلي هذا يا سيدة. إنه شيء مؤذٍ للطفل عندما يُسمح له بضرب والدته”. كان على الأم أن تمنع هجوم الطفل على الفور: “لا ضرب. لن أسمح لك أبداً بفعل ذلك”. أو “إن كنت غاضباً، أخبرني ذلك بالكلمات”.

إن الحدّ القائل بعدم جواز ضرب الوالدين يجب أن لا يُغيّر على الإطلاق وتحت أي ظرف. تُبنى التربية الفعّالة على الاحترام المتبادل بين الوالد والطفل بدون أن يتخلى الوالدين عن دور البالغين. بواسطة إبلاغ الطفل “إضرب لكن لا تؤذِ”، فإن الأم طلبت من طفل صغير القيام بتمييز دقيق. يشعر الطفل بتحدٍّ لا يُقاوم كي يمتحن المنع وليجد الفرق بين الضرب على سبيل المرح وبين الضرب الحقيقي.

الأولاد ليسوا للضرب

لا يزال بعض الأهل يمارسون الضرب رغم سوء سمعته. عادة ما يُطبق في تربية الأطفال كملجأ أخير بعد أن تكون الأسلحة التقليدية من تهديدات ومنطق قد فشلت. تكراراً، الضرب لا يكون مخططاً له، لكنه يحدث في فورات الغضب حينما يصل الآباء إلى نهاية تحمّلهم. يظهر أن الضرب ينفع في وقته: إنه يفرّغ التوتر المكبوت عند الوالد ويجعل الطفل يطيع لفترة معينة على الأقل. كما يقول بعض الآباء، “إنه ينقي الأجواء”.

إن كان للضرب هذه الفعالية، فلماذا إذاً يكون لدينا كل هذه المشاعر القلقة بشأنه؟ بطريقة ما فإننا لا نستطيع أن نُسكت شكوكنا الداخلية حول التأثيرات البعيدة المدى للتأديب البدني. إننا نشعر بالحرج قليلاً عند استعمال القوة ونظل نقول لأنفسنا، “يجب أن يكون هناك طرق أفضل لحل المشاكل”.

ماذا لو فقدت أعصابك وقمت بضرب ولد؟ بعض الآباء يفعلون ذلك أحياناً. “هناك أوقات أصبح فيها ثائراً على ابني، أشعر بأنني على وشك ارتكاب جريمة”، قالت إحدى الأمهات. “عندما يكون خياري بين القتل والصفع، أقوم بالصفع. عندما أهدأ، فإنني أقول لابني، “إنني بشر. أستطيع التحمل لهذا الحدّ وليس أكثر. ضربتك، لكن ذلك هو ضد قيمي. عندما يتم دفعي لما وراء حدود تحملي، أقوم بعمل أشياء لا أحبها. لذلك لا تدفعني كي أقوم بذلك””.

يجب أن يكون ضرب الأطفال غير مقبول مثلما هي حوادث السير. مع ذلك فالحوادث تقع. لكن رخص القيادة لا تعطي الإذن بحوادث السير. إنها لا تنص على، “من المؤكد بأنك ستتعرض لحوادث سير، وعلى هذا فلا تنتبه لقيادتك”. على النقيض من ذلك فإننا نُنصح بالانتباه عند القيادة. نفس الشيء بالنسبة لضرب الأطفال، يجب أن لا يُسمح به كطريقة موصوفة لتأديبهم، مع أن الحوادث العرضية لا يمكن تجنبها.

من المستحيل تقريباً تربية الأطفال دون ضربهم من وقت لآخر. لكن ليس علينا أن نخطط لذلك. يجب علينا أن لا نأخذ التأديب البدني كرد فعل على استفزاز أولادنا أو لشعورنا بالضيق. لماذا لا؟ بسبب الدرس الذي يعطيه. إنه يعلّم الأولاد طُرُقاً غير مرغوبة في التعامل مع الإحباط. إنه يعرفهم بطريقة عنيفة بأنه، “عندما تكون غاضباً أو محبطاً، لا تتطلع إلى حلول، اضرب. هذا ما يفعله أهلك”. بدلاً من استعراض إبداعنا بالتفتيش عن مخارج حضارية لمشاعرنا المتوحشة، فإننا نعطي أولادنا ليس فقط نموذجاً عن الغابة بل إذناً بالضرب أيضاً.

يغضب معظم الآباء عندما يشاهدون أولادهم الأكبر سناً يضربون إخوتهم الصغار، غير مدركين بأنهم حينما يضرب الآباء أولادهم الصغار فإنهم يعطون الأخوة الأكبر سناً إذناً ليفعلوا مثلهم.

رأى والد ابنه البالغ من العمر ثمانية أعوام يضرب ابنته، وهي في الرابعة. اغتاظ الوالد وبدأ يضرب ابنه وهو يوبخه: “سوف يعلمك هذا أن لا تضرب أحداً أصغر منك”. ذات مساء كانت جميلة وهي في السابعة مع والدها يشاهدان التلفزيون. كانت جميلة تمص أصابعها، مصدرة أصواتاً مزعجة. تضايق والدها وقال لها، “من فضلك توقفي، إنني أجد الأصوات التي تصدرينها في غاية الإزعاج”. لم يحدث شيء. كرر طلبه. أيضاً لم يحدث شيء. بعد المرة الرابعة، اغتاظ منها وضربها. بدأت تبكي وضربت والدها. هذا التصرف جعل الوالد أكثر غضباً: “كيف تجرأت على ضرب والدك!” صرخ فيها. “توجهي إلى غرفتك حالاً”. عندما رفضت حملها إلى الطابق الأعلى. استمرت بالبكاء بينما استمر التلفزيون يصدر أضواءه دون أن يشاهده أحد.

لم تستطع جميلة أن تفهم لماذا هو من المسموح لرجل كبير أن يضرب بنتاً صغيرة في الوقت الذي تُمنع فيه من ضرب أحد أكبر منها. تركتها هذه الحادثة بانطباع مميز بأنك تستطيع ضرب شخص أصغر ولن يقوم أحد بمحاسبتك.

كان بإمكان والد جميلة أن يستعمل طريقة أكثر فعالية من الضرب لكسب تعاون ابنته معه. بدلاً من الانتظار إلى وقت لا يستطيع فيه التحكم بغضبه، كان بإمكانه القول لابنته، “جميلة، لديك الخيار: بإمكانك أن تبقي هنا وتتوقفي عن مص إصبعك أو أن تتركي الغرفة وتستمري بمص أصابعك. قرري أنت”.

واحدة من أسوأ التأثيرات الجانبية للعقاب البدني تكمن في أنه يتداخل مع تطور وعي الطفل. يفيد الضرب بالتخلص من الشعور بالذنب بطريقة سهلة جداً: بعد أن يكون الولد دفع ثمن سوء سلوكه، فإنه يشعر بالحرية لتكرير فعلته. يطوّر الأولاد ما يمكن أن نسميه طريقة القيد المزدوج لسوء السلوك: تسمح لهم هذه الطريقة لإساءة السلوك وتسجيله في خانة “منه” لدفتر الأستاذ، والقيام بوفاء هذا الدّين بواسطة أقساط ضرب شهرية. من وقت لآخر فإنهم يتسببون بضربهم بواسطة استفزاز والديهم. أحياناً يقومون بطلب العقاب أو يعاقبون أنفسهم.

أحضرت منى، وعمرها أربع سنوات، للاستشارة. كانت تشد شعرها في نومها. كشفت أمها بأنها حين تغضب على ابنتها، فإنها تهددها، “أشعر بالجنون حيالك لدرجة أنني أرغب بشد شعرك”. منى التي شعرت بأنها سيئة لدرجة أنها تستحق مثل هذا العقاب القاسي، قهرت أمها في فترة نومها.

يحتاج الطفل الذي يطلب العقاب إلى مساعدة على إدارة الشعور بالذنب والغضب، وليس تلبية طلبه. إنه ليس بالعمل السهل: في بعض الحالات، يمكن تقليص الشعور بالذنب والغضب بواسطة مناقشة الأعمال السيئة بطريقة صريحة. عندما نعطي الطفل طرقاً أفضل للتعبير عن شعوره بالذنب والغضب، وعندما يتعلم الوالدين طرقاً أفضل لوضع وتنفيذ الحدود، يتم تقليص الحاجة إلى اللجوء إلى العقاب البدني.

عن طريق إظهار تفهمنا المتعاطف مع مشاعر أولادنا المتعددة، فإننا نحضّرهم ليكونوا “أذكياء عاطفياً”. بواسطة وضع وتنفيذ القيود على أفعالهم غير المقبولة، فإننا نحضّرهم لاحترام قواعد عالم المجتمع.

تأليف:هايم جينو
مراجعة وتحديث: د. اليس جينو ود. والس غودارد