• يقصد بالعزلة الانفصال عن الآخرين، وبقاء الطفل وحيدا منفردا معظم الوقت. أما الطفل المنعزل فهو الطفل الذي يتفادى الاتصالات الاجتماعية، أو يهرب منها، ولا يتمتّع بأي نوع من النشاط.
• أما العزلة الاجتماعية فهي شكل متطرف من الاضطراب في العلاقات مع الرفاق. فعندما لا يقضي الطفل وقتا في التفاعل مع الآخرين تكون النتيجة عدم الوصول إلى تفاعل إيجابي كاف. والطفل المنعزل هو الذي ينسحب من الموقف، ويتحاشى الاختلاط مع بقية الأطفال في صفه، ولا يشاركهم أي نشاط يقوم به أقرانه كمجموعة. والطفل الذي يفشل في الاختلاط وينعزل عن أقرانه، يصاب عادة بالإحباط الذي يؤدي إلى التوتر والقلق النفسي.
أنماط السلوك الانعزالي “الانطواء”
إن الانعزال عن الآخرين يأخذ نمطين:
النمط الأول
هناك نمط من الأطفال ينفصلون عن الآخرين، ولم يكن لهم القرار أصلا في هذا الانفصال بمعنى أن أسباب الانفصال؛ عن الآخرين ليس ضمن سيطرة الطفل. ثم يتدرج الطفل بالانسحاب بشكل متعمد تدريجيا مع شعور هذا الفرد بعدم الارتياح لهذا الانفصال. ويبقى مثل هؤلاء الأطفال يبحثون عن اتصال اجتماعي. ومثالا على هذا النمط الأطفال الخجولون، فهم يرغبون عادة في إقامة العلاقات الاجتماعية ويبذلون محاولات لإقامتها، إلا أن استجابة العزلة الاجتماعية تشعر الفرد أكثر من الرغبة في إقامة علاقات اجتماعية. وبذلك يبقى مثل هؤلاء الأفراد منعزلين عن الآخرين.
النمط الثاني
هناك نمط من الأفراد الذين ينفصلون عن الآخرين بشكل متعمد، ويفضلون العزلة الاجتماعية. وهؤلاء في الغالب من الأفراد الذين يعانون صعوبات مدرسية وسوء تكيف مع الآخرين. وفي بعض الأحيان يختار الأطفال الأذكياء المبدعون البقاء وحدهم وعدم الانضمام لأية مجموعة. وقد يكون هؤلاء الأطفال قادرين على الإنتاج والشعور بالسعادة. ومع ذلك فإنهم يبقون معرضين للشعور بالاختلاف، ولاستلام معلومات مرتدة سلبية من الآخرين. إن المجتمع يقوم الانفتاح الاجتماعي تقويما عاليا. ومعظم الأشخاص المنعزلين يشعرون بالخوف وعدم الثقة والنبذ والهجر والوحدة بين المجموعة، وبأنهم يساء فهمهم. ويحدث الشكل المتطرف من العزلة عندما ينسحب الأطفال باستمرار وفي أغلب الأوقات إلى عالمهم المتخيل الخاص بهم. وهذا النوع من المشكلات يتطلب تدخلا متخصصا فوريا.
الأطفال المنعزلون يواجهون في الغالب، مشكلة عدم وجود فرص كثيرة للتعلم الاجتماعي. وذلك لأن التعلم الاجتماعي يلزمه بشكل مستمر الخبرات والممارسات المتعلقة بالاتصال مع الآخرين، ومثل هؤلاء الأطفال لا يتوفر لديهم عامل الاتصال الاجتماعي.
تشخيص الانطواء – السلوك الانعزالي
يعتبر الانسحاب من المواقف المختلفة والشعور بالاكتئاب النفسي من مظاهر السلوك الانعزالي في الصف. فيدخل الطالب في نطاق دائرة العزلة الفردية، ويبتعد عن عجلة الحياة المتفاعلة. كما يبتعد الطالب عن زملائه أثناء اللعب، ويمتنع عن القيام بالنشاطات المختلفة نتيجة إغاظته أو إحراجه أو إغضابه. ويمكن أن تكون الممارسات والصفات التالية مجتمعة أو بعضها أو أحدها مظهرا من مظاهر الانطواء!!.
• عدم الرغبة في بناء صداقات مع الآخرين.
• يقضي وقته أثناء الاستراحة متجولا لوحده.
• يقضي وقته أثناء الاستراحة مقلبا لصفحات مجلة أو كتاب.
• يختار جلسته في الأطراف.
• يتجنب الاتصال وإقامة علاقات اجتماعية مستمرة بالآخرين.
• ضعف القدرة على التحدث مع الآخرين، وذلك بالتحدث بصوت منخفض، وتجنب التقاء العيون، أو التزام الصمت في أغلب الأوقات.
• تجنب مقابلة الناس الغرباء والأماكن المزدحمة بالناس.
• الإحجام عن الإجابة عند طرح تساؤلات من الآخرين.
• عدم المبادأة في الحديث أو فتح حوار مع الآخرين.
• ضعف الميل إلى المشاركة في الأعمال الاجتماعية التطوعية.
• ضعف الثقة بالنفس.
• الافتقار إلى المهارات الاجتماعية.
• صعوبة الاجتماع مع أناس جدد، أو التمتع بخبرات جديدة.
• الاكتئاب المستمر الذي لا مبرر له، والخوف الشديد، والتشكك الزائد، وردود الفعل المتطرفة.
• لا يتخذ مركزا هاما في الألعاب الجماعية أو نواحي النشاط الأخرى، يشارك بجسمه، ولا يشارك زملاءه بفكره أو عقله.
• لا يطلب أن يكون قائدا، أو موجها لجلسة.
• لا يمتلك الأطفال المنعزلون فرصا لتطوير صداقات تتطلب انفتاحا متبادلا لفترات زمنية طويلة.
أسباب السلوك الانعزالي “الانطوائي” عند الأطفال
1. الخوف من الآخرين: إن الخوف سبب قوي للوحدة. ويأخذ الخوف أشكالا متعددة، إلا أنه يؤدي إلى الرغبة في الهرب من المشاعر السلبية عن طريق تجنب الآخرين والتفاعل يصبح مساويا للألم النفسي. وهذا النمط قد يبدأ ظهوره في وقت مبكر لدى الأطفال الذين يعانون استجابات سلبية قوية بوجود من يمثلون السلطة الوالدية.
2. محاكاة الوالدين: الطفل الذي يميل والده للعزلة الاجتماعية غالبا ما يتجه الطفل إلى السير بنفس المسار الاجتماعي.
3. عدم توفر الأمن وعدم الثقة بالنفس: إن عدم شعور الطفل بالأمان يقابله شعور باليأس والعجز وعدم الكفاءة الاجتماعية. ويميل إلى عدم الاختلاط بالآخرين.
4. تنشئة الطفل الاجتماعية غير السليمة: مثل الحماية الزائدة أو الإهمال، قسوة الوالدين، النقد الشديد الدائم للطفل، المقارنات بين الأخوة وخاصة في التحصيل، عدم الثبات في التنشئة الاجتماعية ما بين الحزم الشديد والتساهل المفرط.
5. نقص المهارات الاجتماعية: لا يعرف بعض الأطفال كيف يقيمون علاقات اجتماعية مع الآخرين. ويمكن ألا يكون أطفال ما قبل المدرسة قد تعلموا القواعد الأساسية لإقامة علاقات مع الآخرين، مثل المشاركة والثناء على الآخرين وتقديم الأفكار حول الألعاب. وطلاب المدرسة ربما لم يتعلموا الطرق اللازمة لإقامة الصداقات والمحافظة عليها، أو لم يتعلموا ممارسة الأخذ والعطاء والتحدث إلى شخص ما عن شيء ما.
6. عدم قدرة الطفل على التكيف مع المواقف الجديدة: يرجع إلى الفشل المتكرر الذي قابله في حياته الأولى ومواقف الإحباط والإهمال التي عاشها مع معلميه ووالديه وأقرانه. وكل هذا يقنع الطفل بأنه سيفشل في كل تجربة جديدة، لذلك يتجنب مثل هذه الخبرات في المستقبل، حتى لا تتكرر مواقف فشله وعدم توافقه. وهذا يدفعه إلى تجنب الخبرات التي قد تكون مناسبة له.
7. رفض الوالدين للرفاق: تحدث نواتج سلبية عندما تكون لدى الآباء آراء متزمتة تجاه الرفاق. فهم يشعرون أبناءهم أن أصدقاءهم غير جيدين. وقد يؤدي ذلك إلى عدم تشجيع الرفاق على مصاحبة الطفل، لأنهم يشعرون بأنهم غير مرغوبين من قبل الوالدين.
كيف نعالج سلوك الطفل الانطوائي
أولا. العلاج السلوكي
إن العلاج السلوكي يقدم نتائج فعالة في علاج اضطرابات الانطواء بشكل خاص، حيث إن أي محاولة لإقامة علاقات مع الآخرين يجب أن تمتدح وتكافأ بطريقة ما. فمن الضروري، وفي معظم الأحيان، مكافأة الخطوات الصغيرة مثل الاقتراب من الآخرين أكثر فأكثر، أو نصاحب الطفل للباب للترحيب بالزوار. وسنجد بعد فترة أنه بإمكان الطفل أن يرحب بالزوار بمفرده. هذا ويستجيب الطفل بشكل جيد للامتداح والمكافأة المعطاة لنقصان الخجل وزيادة الاتصال الاجتماعي. إلا أن كثيرا منهم يحتاجون إلى مهارات التعليم الاجتماعي، يمكن أن يتم ذلك وفق الخطوات التالية:
• إعطاء التعليمات، ثم تقديم معلومات عن الأداء، ثم تكرار السلوك. وبعد ذلك النمذجة. وأكثر عناصر التعلم فاعلية هو التكرار الفعلي للأشكال المختلفة من السلوك الذي يتضمن إعطاء التعليمات وتوضح الطرق المحددة للاتصال بالناس. على أن يعطى بعض الوقت للتمهيد والمبادرة بالتحية، وقد تكون خطوة كبيرة لبعض الأطفال، وإعطاء مبادرات المديح وتقبلها والابتسام وهز الرأس.
• يجب أن يعرف الأطفال المشاركة بالأفعال والأفكار والمعلومات إذ إنها أمر ضروري وهام جدا، وتستمر المحادثة ويعتبر الإصغاء عنصرا هاما كما ينبغي أن يتعلم الأطفال كيف يصغون للآخرين، وهو أمر يمكن إظهاره بالانتباه وقول عبارات توضح حدوث الفهم، وبتوجيه الأسئلة. وتتم النمذجة بأن يرى الأطفال كيف يتصرفون حيث نقوم بعرض المهارات الجيدة، ونعلمهم كيف يستطيعون القيام بها.
ثانيا. العلاج النفسي
يعتمد هذا العلاج على التفاعل بين الطفل والمربي من خلال الحوار عن نفسه وانفعالاته وحياته الذاتية. وتدل دراسة عدة حالات أن تعديل البيئة النفسية الداخلية من خلال تبصر الإنسان بذاته وأساليبه المتكررة التي ترتبط بانفعالات شديدة وآلام مكبوتة والتعبير عنها ومناقشتها في جو علاجي. ويعتمد العلاج النفسي على مجموعة من الأساليب المتنوعة. وتطبق هذه الأساليب بشكل مرن وانتقائي وفقا لحالة الشخص. فهناك أساليب الإيحاء التي تهدف إلى زيادة ثقة المريض بنفسه، وتقوية عزيمته وإرادته، وجرأته على الإقدام، وعدم التردد وضبط النفس، وتبسيط إمكانية مواجهة المواقف الاجتماعية من خلال عبارات أو كلمات إيجابية يرددها الطفل. وهناك أساليب الاسترخاء المتعددة، وهي تقوم على مجموعة من التمارين التي تهدف إلى استرخاء عضلات الجسم وإزالة التوتر وراحة النفس.
إرشادات مقترحة للوقاية من الانطواء “السلوك الانعزالي للطفل”
يستطيع المعلم أن يخفف من آثار السلوك الانعزالي إذا ما اكتشف الأطفال الذين يعانون من العزلة. ويجب ملاحظة أن التعرف على مثل هؤلاء الأطفال لا يكون من خلال موقف أو مظهر أو سلوك واحد، وإنما يستدعي الأمر المراقبة الحثيثة حتى تتكون صورة واضحة للمعلم عن الحالة. وأن المعلم بمفرده لا يستطيع القيام بمهمة الوقاية والعلاج، وإنما يتطلب الأمر التنسيق والتفاهم مع أسرة الطفل للعمل معا في سبيل تخليص هذا الطفل من السلوكيات غير المرغوب فيها. ومن الخطوات الإجرائية المقترحة ما يلي:
1. أن يعمل المعلم والأسرة على توفير خبرات اجتماعية إيجابية لأطفالهم مع الأطفال الآخرين في مرحلة مبكرة من أعمارهم. ومعنى ذلك أن يتم بإشراف المعلم والأسرة تهيئة ألعاب جماعية للأطفال تساعد على تنمية المشاركة لدى الأطفال وأخذ الأدوار والتعاون.
2. يجب على المربين أن يعلموا الطفل المهارات الاجتماعية وتقديمها كنماذج خلال مرحلة الطفولة. لأن الأطفال يتعلمون من خلال الملاحظة كيف يتعامل الكبار بانسجام مع الأصدقاء، وكيف يتحدثون عن خصائص الآخرين الإيجابية.
3. أن يعمل المربون على دمج أطفالهم منذ الصغر وبشكل تدريجي مع غيرهم من الأطفال، وأن يشعر الآباء بالارتياح لوجود هؤلاء الأطفال في مجموعات كبيرة.
4. من الضروري تجنب الإشارة إلى جوانب الضعف لدى الآخرين والشكوى من تصرفاتهم، لأن الأطفال يتعلمون من خلال ملاحظة نماذج مثل الأبوين والأخوة والرفاق، كما يتعلمون من خلال التعليم المباشر المهارات المناسبة، فأنت مثلا تعلم أطفالك كيف يكونون على وفاق مع الآخرين، وكيف يتجنبون الشجار والشكوى المستمرة.
5. على المعلم أن يقنع الأطفال فعلا بأنه يهتم بهم من خلال تصرفاته معهم، وليس من خلال الكلمات. فالأطفال الذين لا يشعرون بالانتماء والتقبل يجدون صعوبة كبيرة في المشاركة مع جماعة غير مألوفة. ويجب تشجيع الأطفال الكبار على مناقشة علاقاتهم مع الرفاق. وعلى المعلم الإصغاء بتعاطف، وأن يقدم اقتراحات للمساعدة.
6. على المعلم أن يعزز ثقة الأطفال بأنفسهم، وأن يشجعهم على روح المغامرة. يجب أن يشعر الأطفال بالكفاءة، وأنهم آمنون نسبيا. والأساس في ذلك هو تنمية التمكن والإنجاز في مرحلة مبكرة، إذ يمكن أن يتم تعليم الأطفال المهارات التي يعتبرها الآخرون قيمة وتدريبهم عليها. كما يمكن تنمية التناسق الحركي من خلال التدريب المستمر مع الأبوين.
7. على المعلم أن يبين للطفل ضرورة الاعتراف بتدرج الأدوار التي سيمر بها من خلال تفاعله مع الجماعات. ففي بعض الجماعات يعتمد المركز على الذكاء، وفي جماعات أخرى على المهارات الرياضية. وعلى الأطفال أن يتعلموا أن يأخذوا مركزهم في المجموعة دونما توتر. وبوسعهم أن يفهموا أن من الطبيعي تماما أن يكون الطفل قائدا في موقف يبدي فيه مهارة واضحة، وتابعا في موقف آخر.
الخلاصة
على المعلم أن يكافئ الأطفال الذين يتفوقون بأي شكل من أشكال التفاعل الاجتماعي. وعلى المعلم أن يشجع المشاركة مع الجماعة من خلال التعاون. و يجب أن يعمل الأهل على دمج الطفل المنعزل مع طفل ذي شعبية في الحي أو المدرسة أو أحد أقرباء الطفل. وعلى المعلم أن يقوم بتدريب الأطفال الانعزاليين على مهارات اجتماعية محددة، مثل مهارات الاتصال والتحية والإصغاء. ويجب تشجيع الطفل على إظهار الاهتمام بالآخرين، وتنمية العلاقة بصورة تتسم بالدفء والتقبل، وتدريب الطفل على الاسترخاء. فعندما يسترخي الطفل يتخيل نفسه يقوم بخطوات سلوكية اجتماعية صغيرة لم يكن قادرا عليها، كالتحدث أمام الزملاء ومناقشتهم، والحوار معهم. ويجب على المعلم والمربين مساعدة الطفل على تعديل بعض الأفكار الخاطئة عن نفسه، أو تغيير بعض الأفكار السلبية عن الذات، مثل مساعدته على تجنب نقد نفسه.
تأليف: أنس شكشك