أصبحت البدانة في خلال ستون عاما وباء عالميا، فهناك عدد أكبر من الأطفال يعانون من زيادة الوزن بشكل خطير وعدد أكبر تطور أجسامهم ذلك النوع من مرض السكر الذي كان من المعتاد أن يصيب البالغين فقط، عادة ما يتحول الرضع من الامتلاء إلى النحافة عندما يصبحون أطفالا وعندما يكبرون، ولكن بحلول سن السادسة أو السابعة، وهي السن التي يصل فيها الأطفال إلى أكبر درجة من النحافة خلال حياتهم، يضعف احتمالية أن يتخلص الطفل البدين من مشكلته ببساطة، وبوصوله إلى سن المراهقة تتحول البدانة غالبا إلى مشكلة تظل ترافقه طيلة حياته.
ما البدانة؟
من الصعب أن نحدد بدقة كمية الدهون في الجسم، ولكن هناك مقياس يعرف بمؤشر كتلة الجسم BMI يستخدم الطول والوزن ليعطينا تقديرا معقولا لنسبة البدانة، وتصدر مراكز مكافحة الأمراض في الولايات المتحدة جداول توضح القيم الطبيعية لمؤشر كتلة الجسم للأولاد والبنات في الأعمار المختلفة، التعريف التقليدي للبدانة هو أن يبلغ مؤشر كتلة الجسم للطفل %95 أو يتخطاها بمعنى أن يكون مؤشر كتلة الجسم للطفل أعلى من 95 طفلا من بين كل مائة طفل من الأولاد والبنات في نفس عمره، وطبقا لهذا التعريف فنسبة الأطفال الذين يعانون من البدانة يجب أن تكون خمسة أطفال فقط من بين كل مائة طفل، ولكن في الواقع هناك عشرون طفلا من بين كل مائة يعانون من البدانة، وفي بعض المجتمعات تكون النسبة أكبر.
أحيانا يبدو الظاهر أن وزن الطفل مرتفع للغاية، ولكن هناك أطفال آخرون لا يبدو عليهم سوى أن بنيتهم كبيرة ولا يعرف الأبوان أن وزنهما أكبر كثيرا مما يجب أن يكونوا عليه إلا عندما يستعينون بالجداول التي تبين المعدلات الطبيعية لمؤشر كتلة الجسم. لقد اعتدنا على رؤية أطفال بدناء لدرجة أن مفهومنا عما هو طبيعي قد تغير، فمثلا من المفترض أن تبدو النحافة على الطفل عندما يبلغ من العمر ست سنوات ولكن إذا بدا عليه أن بنيته متناسقة على أو بدت مثل بنية طفل في العاشرة أو الثانية عشرة من عمره فمن المحتمل أنه يعاني من البدانة. بعض الأطفال يكون مؤشر كتلة الجسم مرتفعا لديهم ليس بسبب الدهون ولكن نتيجة كبر حجم كتلتهم العضلية، وليس من الصعب أن نميز هؤلاء الرياضيين الصغار.
أسباب البدانة
معظم الأشخاص يسمنون عندما يأكلون بانتظام كميات أكبر من اللازم، ويبذلون مجهودا بدنيا أقل مما يجب، وتعد تلك النظرية بسيطة للغاية، ولكن هناك أسباب خفية للبدانة تكون معقدة للغاية، ومن بينها تلك التغيرات التي طرأت على الطريقة التي ينمو بها الطعام، وكيف يباع، وكيف يتم التسويق له، والطريقة التي نظم بها مجتمعنا العمل ووسائل الترفيه، ونوعية الطعام الذي يباع ويقدم في المدارس، ونوعية التربية البدنية والرياضات التي تتاح للأطفال، وازدياد حجم الترفيه الإلكتروني، والسياسات العامة التي تدعم استخدام السيارات وتستهجن وسائل المواصلات التي لا تعمل بالمحركات.
يعتقد معظم الأشخاص أن السبب في البدانة هو اختلال وظيفة الغدة الدرقية، أو اختلال معدل الهرمونات الأخرى، ولكن نادرا ما يكون ذلك هو السبب خاصة إذا كان طول الطفل متوسطا بالنسبة لعمره، وهناك العديد من الأمراض الوراثية التي تسبب البدانة، ولكن هناك أيضا الكثير من الجينات غير المرتبطة بالأمراض التي تحدد معدل التمثيل الغذائي لدى الشخص ومستوى نشاطه المعتاد، وشهيته وميله للشعور بالشبع أو الاكتفاء، ومدى شعوره بالمتعة عند تناول الطعام أو تفكيره به كنوع من المكافأة، وتحدد أيضا هذه الجينات العديد من العوامل الأخرى، وهناك جينات محددة تعمل على جعل الأشخاص بدناء، والطفل الذي يرث عددا كبيرا من هذه الجينات يبدأ حياته وهو معرض طبيا لأن يصبح بدينا، ويعزز من ذلك توافر الأطعمة التي تحتوي على سعرات عالية بكثرة.
ويبحث العلماء عن احتمالية وجود عوامل أخرى تسبب البدانة، على الأقل لدى بعض الأشخاص، من بينها عدد كبير من المواد الكيميائية المصنعة، وقد اتضح وجود مثل هذا التأثير لبعض المواد الكيميائية منها مثلا البيسفينول ( أ ) السامة (المعروفة بمادة BPA) على حيوانات التجارب، ولكن لا توجد دلائل قاطعة على وجود تأثير مماثل لها على البشر، وأنا أعتقد أننا في السنوات القادمة سنكشف عن دور المواد الكيميائية السامة في الإصابة بالبدانة والسرطان وغيرها من المشكلات، ولكن في الوقت الحالي هناك عنصر سام يعرف جيدا بتأثيره في زيادة البدانة لدى الأطفال وهو التليفزيون، فالأطفال الذين يشاهدون كما كبيرا من المواد التلفزيونية يستقبلون كمية ضخمة من الإعلانات عن الوجبات السريعة؛ مما يكون له تأثير معروف وسيئ، وهناك بعض الأدوية التي قد تتسبب في البدانة، ومنها الأدوية التي تستخدم في علاج الاضطرابات الشعورية الخطيرة لدى الأطفال.
آثار البدانة
كلنا يعرف أن البدانة تسبب ارتفاعا كبيرا في خطورة الإصابة بأمراض السكر والقلب وضغط الدم المرتفع والسكتة الدماغية، وتسبب البدانة لدى الأطفال أيضا آلاما بالرأس وألما بالصدر نتيجة ارتجاع حامض المعدة، وآلاما بالمعدة وإمساكا وآلاما بالظهر والوركين والركبتين والكاحل والقدمين، والأطفال الذين يعانون من البدانة يكونون عرضة للإصابة بمتلازمة انقطاع النفس الانسدادي النومي، وهي حالة مرضية يصاب الأطفال الذين يتعرضون لها بالشخير، ويحرمون من النوم بشكل مزمن، على الرغم من أنهم يقضون عددا كبيرا من الساعات في الفراش، يبدو النعاس على بعض هؤلاء الأطفال خلال ساعات النهار بشكل واضح بينما يصاب الآخرون بالانزعاج ولا يستطيعون التركيز خلال اليوم الدراسي، كما تزيد البدانة أيضا من سوء حالات الأزمات الربوية ويمكننا أن نقول إن الطفل الذي اجتمعت عليه البدانة وآلام الركبتين وضيق النفس يكون طفلا عاجزا، فهو يعجز عن اللعب مثل الأطفال الطبيعيين، ويكون من السهل أن يعلق في دائرة مفرغة تبدأ بقلة النشاط الذي يؤدي إلى زيادة الوزن مما يؤدي إلى المزيد من قلة النشاط البدني وهكذا، ومع أن البدانة لم تصبح حالة نادرة في تلك الأيام لكنها لا تزال تعرِّض الأطفال إلى المضايقات والشعور بالخزي والانعزال وعدم تقدير الذات، ويكفي تعرض الطفل لتلك المشاعر المؤسفة بغض النظر عن القائمة الطويلة من الأضرار البدنية التي تحدثها البدانة.
الوقاية من البدانة وعلاجها
صحيح أنه ليس بإمكانك أن تغير من الجينات التي ورثها طفلك ولكن هناك العديد من الخيارات المتاحة أمامك من الممكن أن تقلل احتمالية إصابة طفلك بالبدانة، فبإمكانك أن تتيح لطفلك الرضاعة الطبيعية لمدة ستة أشهر أو عام، وبإمكانك أن تقدم لأسرتك نظاما غذائيا يتكون في معظمه أو كله من الأطعمة النباتية، وأن تحد من مشاهدة طفلك للتليفزيون أو تمنعها تماما، وأن تتناول العشاء مع أفراد أسرتك بانتظام وتستمتع به، وأن تمنع شراء الأغذية المصنعة والغنية بالدهون والسكريات المكررة (وخاصة شراب الذرة المحتوي على كميات عالية من الفركتوز) وتشتري فقط الخضراوات والفاكهة الغنية بالمواد الغذائية المفيدة، وأن تخصص وقتا كل يوم لممارسة الأنشطة التى تحتاج إلى الحركة مع أطفالك، وأن تبحث لهم عن أنشطة يمارسونها بعد انتهاء اليوم المدرسي تساعدهم على الحركة والنشاط.
إذا كانت السمنة تنتشر بين أفراد عائلتك فأنت تحتاج بشكل خاص إلى اتباع نظام حياة صحي أنت وأطفالك، وإذا كان هناك أشخاص نحفاء بعائلتك عليك أن تتذكر أن الطعام الصحي وممارسة النشاط البدني يفيدا كل الأطفال وليس فقط الأطفال الذين يعانون من البدانة، ومن المهم هنا، كما هو الحال في العديد من المجالات الأسرية الأخرى، أن يبدأ الأبوان بنفسيهما ويقودا أطفالهما إلى نفس الطريق.
إذا كان لديك بالفعل طفل يعاني من البدانة يجب أن تبدأ أولا بالتغييرات الصحية المعروفة على أسلوب حياة كل أفراد الأسرة، ويمكنك أيضا أن تستعين بطبيب أو أخصائي تغذية له خبرة في مساعدة الأطفال والأسر على القيام بالتغييرات اللازمة للإبطاء من معدل زيادة الوزن أو تحقيق فقدان الوزن، والطفل الذي يبدي استعداده في المشاركة في تغيير أسلوب الحياة إلى أسلوب صحي يجب- بالتأكيد- أن نشجعه على أن يتحدث إلى الطبيب، ومن الأفضل ألا يحضر ذلك النقاش أحد غيره، فالدخول في هذا النوع من النقاشات مع شخص متخصص قد يعطي للطفل إحساسا بأنه مسئول عن إدارة حياته مثل البالغين، وأي شخص بإمكانه أن يحصل بشكل أفضل على النصائح الخاصة بالنظام الغذائي عندما يتحدث مع شخص غريب عنه، لا يحتاج الأطفال إلى تناول أي نوع من الأدوية لكي يفقدوا الوزن، فالعلاج الذي يحتاجه الطفل هو تغيير أنماط تناول الطعام والتحول من تناول الأغذية الدسمة إلى الأغذية الصحية بالتوازي مع زيادة معدل نشاطه البدني بالتدريج.
الأنظمة الغذائية والأقراص الدوائية والعمليات الجراحية
لن تنتهي أبدا الأنظمة الغذائية الغريبة والأقراص الدوائية، التي يوصف بعضها بأنه من «مكونات طبيعية فقط»، التي تزعم الشركات المصنعة لها بأنها تجعل من فقدان الوزن مهمة سهلة. وهناك قول واحد بشأن كل هذه الأشياء وهو أنها لا تأتي بنتائج جيدة، أما الأنظمة الغذائية التي تحتوي على كميات قليلة للغاية من الكربوهيدرات فلا تأتي على المدى البعيد بنتائج أفضل من الاعتدال في الأكل، وتشكل مثل هذه الأنظمة الغذائية وتلك التي تمنع تماما تناول أنواع محددة من المواد الغذائية خطورة حقيقية على من يتبعها إذ إنها تؤثر على نمو الطفل الطبيعي وتطوره.
أما بالنسبة للأدوية المساعدة على فقدان الوزن فأفضل ما تحققه تلك الأنواع التي خضعت للأبحاث المتكاملة من نتائج لا يتعدى نسبة تتراوح من %5 إلى %10 من الوزن لدى البالغين، أما بالنسبة للأطفال فلا يوجد هناك العديد من الأبحاث التي تناولت فاعلية تلك الأدوية لديهم، غالبا ما يفقد الأطفال الذين يتناولون الأدوية المنبهة قدرا من أوزانهم، ولكن سرعان ما يكتسبون هذا الوزن مرة أخرى عند إيقاف الدواء وعلى أية حال فاستخدام هذه الأدوية مع الأطفال الذين لا يعانون من اضطراب فرط النشاط وقلة الانتباه يعد عملا غير أخلاقي، أما بالنسبة للأدوية الأخرى التي تساعد على فقدان الوزن فقد توصلت الأبحاث بأن لها آثارا جانبية خطيرة، لذا لا تعد الأدوية حلا لمشكلة البدانة إلا في حالات نادرة.
وأخيرا، يتزايد لجوء الأطباء إلى عمليات فقدان الوزن لحل مشكلة الأطفال المصابين بنسبة مفرطة من البدانة، ومن الممكن أن نلجأ إلى تلك العمليات الجراحية على أن تجرى فقط داخل المراكز التي تكون على درجة عالية من التخصص في هذا النوع من العمليات الجراحية وتجرى فقط للأطفال الذين يوافقون معايير تلك الجراحات بدقة، وتكون تكلفة تلك العمليات باهظة للغاية وهي خطيرة بعض الشيء (ولكن احتمالية الوفاة جراء هذه العمليات تقل كلما زادت خبرة الجراح). وأهم نقطة في هذا الموضوع أن نجاح تلك العمليات الجراحية يتوقف على التزام الطفل بأسلوب حياة يعتمد على الطعام الصحي والنشاط البدني وإلا سيزداد وزن الطفل.