اشتهر البصل على مر العصور بقدرته على القضاء على الميكروبات والتخلص منها, وليس بعيدا مشهد جنود الحلفاء في الحرب العالمية الأولى (1864) وهم يرزحون تحت وطأة الإصابة بالديزنطاريا المميتة في ذاك الوقت, وأمر قائدهم بأنه لن يتحرك بجنوده ما لم يتم تأمين البصل لعلاجهم وإنقاذهم.
لقد احتل البصل مكانة مرموقة تغبطه عليها الأغذية الأخرى في مختلف أدوار التاريخ القديم والحديث.
ففي التاريخ القديم, عرف الفراعنة البصل, وقد بلغ من شدة اهتمامهم به واعتمادهم عليه أنهم كانوا يقسمون به. ولقد وجدت له صور كثيرة فيما خلفوه من آثار مكتوبة ومنقوشة على أوراق البردى وجدران المعابد.
وكانت للبصل عندهم مرتبة عظيمة تقرب من التقديس فقد كانوا يؤمنون بأن له قدرات عظيمة فكانوا يضعونه مع الجثث المحنطة لكي ينبهها ويساعدها على استئناف التنفس عندما تبعث حية مرة أخرى..
عرف أول ما عرف في دول آسيا الوسطى ومنها انتشر إلى دول البحر المتوسط ومن ثم إلى جميع دول العالم.
والبصل أنواع كثيرة, فمنه البستاني الذي نعرفه ومنه البري. ومنه الكبير والصغير, والمدور والطويل, والأبيض والأحمر ومنه الأخضر واليابس.
لقد أثبت الطب الحديث الكثير مما ذهب إليه الأطباء القدامى, بل وأكثر من هذا فقد بين أن فيه منافع وفوائد لم يتطرق إليها هؤلاء, حتى لقد أحاطه الطب الحديث بهالة من القدسية العلمية المثبتة بالدليل والبرهان.
فوائد البصل
• مضاد طبيعي للميكروبات Antibiotic
• لمحاربة سرطان المعدة والقولون
• مضاد للالتهابات وللحساسية
• لمعالجة ضيق النفس ولتفتيح المجاري التنفسية
المركبات الدوائية الفعالة
Alliin compounds
Glukonin
Allyl alliin
Flavonoids
Quercetin
Potassium
Saponins
Iron
Inulin
Zinc
مكونات البصل
إن كل ما ذكر عن فوائد البصل هو أقل بكثير مما هو عليه حقيقة, فالبصل هو بحق غذاء ودواء; هو غذاء حاو للكثير من العناصر الغذائية المهمة كالفيتامينات والمعادن الأساسية حتى أنه يفوق التفاح, مع ما له من فوائد, في قيمته الغذائية بمراتب. فهو أغنى منه في محتواه من الكالسيوم والفسفور والحديد والزنك. وهو أغنى الخضار بالبوتاسيوم حيث تحتوي الحصة الواحدة منه (بصلة متوسطة الحجم) على 620 ملغ من البوتاسيوم الضروري لصحة القلب والشرايين.
وهو أغنى بمحتواه من الفيتامينات A و C ومجموعة الفيتامينات B.
إلا إن ما يميز البصل حقا هو احتواؤه على عدد لا يستهان به من المركبات الدوائية المهمة فهو يحتوي على مركبات الأليين (Alliins) وأهمها الأليل أليين (allylalliin) ومركباتها التي تتحول في أثناء عملية فرم وتقطيع البصل الأخضر واليابس بنوعيه إلى زيوت طيارة تزعج الحاضرين في المكان وتدفعهم إلى ذرف الدموع الغزيرة. ولله في ذلك حكمة, فقد ثبت أن لهذه المركبات أثر مضاد للميكروبات (antimicrobial effect), وهي فعالة بشكل خاص في محاربة أنواع معينة من الميكروبات نذكر منها السالمونيلا تيفي (Salmonella typhi) وسودوموناس ايروجينوزا (Pseudomonas aerogenosa) وباسيل سابتيليس (Bacillus subtilis), وكذلك الجرثومة الشهيرة المسؤولة عن الإصابة بالإسهالات والتهابات المسالك البولية المتكررة لدى الأطفال بشكل خاص والمسماة إيشيرشيا كولي (Escherichia coli).
إضافة إلى هذه العناصر المضادة للميكروبات, يحتوي البصل أيضا على مجموعة كبيرة من المركبات الكيميائية الدوائية المهمة, من أهمها الإينولين (Inulin) أو الفروكتوزانات (Fructosans) والفلافونوئيدات (Flavonoids) وبشكل خاص الكيرسيتين الشهير (Quercetin), وكذلك السابونينات (steroid saponins), وهذه جميعها لها آثار مهمة في الوقاية والعلاج من العديد من الآفات والأمراض. كما يحتوي البصل أيضا على مادة الغلوكونين (Glukonin) التي تعادل الإنسولين من حيث قدرتها على تحديد نسبة السكر في الدم.
فالإينولين (Inulin), نوع من السكريات المتعددة النافعة الموجودة بشكل طبيعي في البصل وعدد كبير من النباتات الأخرى, له قدرات كبيرة في الوقاية من الإصابة بسرطان القولون.
كما إن له أثر مضاد للميكروبات (antibacterial action) ومخفض للدهون الثلاثية وللكوليسترول وكذلك السكر في الدم (hypolipidemic hypoglycemic action).
إن للإينولين تأثيرات مشابهة للألياف (fiber) فهو يجتذب إليه الأملاح الأساسية من قبيل الكالسيوم والمغنيزيوم في المعي الدقيقة وذلك بواسطة المركبات الناتجة عن تفككه بواسطة الباكتيريا أي البيوتيرات والبروبيونات والاسيتات (butyrate, propionate, acetate) ما يؤدي بالتالي إلى تسهيل جذب هذه الأملاح الضرورية ومنع الإصابة بترقق العظام, هذا المرض الخطير والصامت في أغلب الأحيان.
أما الكيرسيتين (Quercetin) الدواء المعجزة الذي بتنا نسمع عنه الكثير, فقد اشتهر عنه أنه يحمي من الإصابة بالسكتات القلبية والدماغية بشكل مؤثر وفاعل, كما يحمي من الإصابة بمرض السرطان وبشكل خاص سرطان القولون والجهاز الهضمي.
والكيرسيتين أيضا مضاد قوي للمؤكسدات (antioxidant), مضاد للالتهابات (anti-inflammatory), مضاد للفيروسات (antiviral) ومقو للجهاز المناعي في الجسم (immunomodulatory), أما المركبات الأخرى أي السابونين (saponins) فقد بينت الدراسات أنها تحمي من الإصابة بمرض السرطان أيضا. إن الأشخاص الذين يستهلكون مقادير أكبر من الأغذية الغنية بالسابونين (saponin rich diets) انخفضت لديهم نسبة الإصابة بسرطان الثدي, البروستات والقولون, بحسب قول البروفسور أ. فينكيت راو, أستاذ مادة التغذية في جامعة تورنتو. كما تفيد بعض أنواع السابونين في التخلص من الكوليسترول الضار , مخفضة بذلك خطر الإصابة بأمراض القلب والشرايين.
البصل: مضاد طبيعي للميكروبات Antibiotic
عرف البصل منذ مئات السنين بقدرته على محاربة الميكروبات والقضاء عليها حتى لقد أصبح أسطورة تحكى لقدرته على شفاء جيوش الحلفاء من الديزنطاريا الفتاكة في ذاك الوقت, ما أدى إلى نصرهم في الحرب وهزيمة أعدائهم.
وحاليا وإن لم يثبت الطب الحديث قدرة البصل وحده على الشفاء من الديزنطاريا إلا أن ما هو مؤكد غنى البصل بالأليليك سولفايد أو الأليين (Allylic Sulfides). والآليين هي مركبات كيميائية موجودة في البصل لها القدرة على محاربة الميكروبات وبخاصة ميكروبات السالمونيلا تيفي (Salmonella Typhi) والأيشيرشياكولي (Escherchia coli), وهاتان الجرثومتان مسؤولتان في العادة عن أغلب حالات الديزنطاريا, إضافة إلى أنواع أخرى من المكيروبات كالسودوموناس إيروجينوزا والباسيليس سابتيليس (Bacillus Subtilis).
من هنا, وإن كنت مصابا عزيزي القارئ بأي نوع من الالتهابات والذيفانات, خذ بصلة, قطعها وكلها ففيها القدرة على الشفاء مما أنت فيه بإذن الله تعالى.
البصل: حامي القلب والشرايين
في دراسة أجريت في نيذرلاند Netherland ثبت أن الأشخاص الذكور الذين تناولوا يوميا مقدار ربع كوب من البصل مع تفاحة واحدة وأربعة أكواب من الشاي, انخفضت لديهم نسبة الوفاة نتيجة الإصابة بالسكتة القلبية حتى حدود الثلث مقارنة بالأشخاص الذين كانوا لا يتناولون إلا القليل من هذه الأغذية النافعة.
وقد ربط الباحثون هذه الفوائد بمادة الكيرسيتين الموجودة بوفرة في هذه الأغذية والتي تعمل كمضاد قوي للمؤكسدات (antioxidant) فتمنع تأكسد الكوليسترول الضار (LDL) والتصاقه بجدران الشرايين, كما تمنع تجلط الدم عن طريق منع صفائح البلاكت (platelets) من التجمع والالتصاق ببعضها البعض.. إلا أن فوائد البصل لا تقتصر على الكيرسيتين وحده, بل إن البصلة الواحدة تحتوي تحت قشرتها الرقيقة على عدد لا يستهان به من المواد والعناصر الدوائية التي تفيد في تخفيض مستوى الكوليسترول في الدم, وتمنع تجلط الدم وتصلب الشرايين إلى حد كبير, وهذه جميعها تؤدي إلى الوقاية من الإصابة بأمراض القلب والشرايين.
المجموعة الأخرى من هذه العناصر النافعة, هي مركبات السولفور أو الأليليك سولفايد (Allylic Sulfides) التي تجعلنا نبكي ونذرف الدمع بغزارة عندما نقطع البصل. فبحسب الدراسات فإن هذه المركبات ترفع نسبة الكوليسترول النافع (HDL) في الدم, هذا الكوليسترول الذي يمنع التصاق الصفائح (plaque) على جدران الشرايين, وفي نفس الوقت, يخفض من نسبة التريغليسيريد (TG) في الدم.
وبهذا فهي تساعد على أن تجعل الدم أقل كثافة فتحفظ ضغط الدم الشرياني في حدوده الطبيعية.
والجيد في الأمر هو أننا لا نحتاج إلى الكثير من البصل لتأمين نسبة جيدة من هذه المركبات المهمة بل يكفي تناول بصلة واحدة متوسطة الحجم يوميا, لا فرق إن كانت نيئة أم مطبوخة.
البصل: ودموع الصحة والفرح
من منا لم يبك ويذرف الدمع عند تقطيع البصل؟. إن هذه الدموع المنحدرة بغزارة هي نعمة من الله بها علينا.. وهذا ليس بشعر للمديح بل الحقيقة هي أن البصل يحتوي على عناصر كيميائية تدعى الأليل سولفايد (Allyl sulfides) هي المسؤولة عن انهمار الدمع الغزير من عيون الحاضرين في المكان وهو ما اشتهر به البصل, هذه العناصر نفسها لها مفاعيل مهمة في الحماية من أمراض عدة خطيرة ليس أقلها ارتفاع ضغط الدم الشرياني (Hypertension) وأمراض القلب والشرايين ككل, وكذلك مرض السرطان وخصوصا سرطان الجهاز الهضمي.
في دراسة أجريت في نيذرلاند راقب فيها الباحثون النظام الغذائي لما يقارب 121,000 رجلا وامرأة, لاحظ هؤلاء انخفاضا ملحوظا في نسبة الإصابة بسرطان المعدة لدى الأشخاص الذين أكثروا من تناول البصل. وقد استنتجوا أن ذلك يعود لسببين, أولهما, دور مركبات السولفور في وقف نمو الخلايا السرطانية, وثانيهما, دورها في التخلص من الميكروبات الموجودة في المعدة والتي قد تؤدي إلى نشوء السرطان فيها.
والبصل هو من أفعل الأدوية الطبيعية في مواجهة مرض السرطان, فهو إضافة إلى محتواه من مركبات السولفايد, يحتوي أيضا على الكيرسيتين (Quercetin), الدواء الفعال الذي أثبتت الدراسات فعاليته في الوقاية من الإصابة بمختلف أنواع السرطانات وبشكل خاص سرطان القولون.
البصل: لنفس قوي ومرتاح
إن تناول بضع شرحات من البصل هو لوحده كفيل بأن يبعد عنك الأصدقاء والأقرباء وما بينهما. إلا أن نفس هذه الوصفة قادرة أيضا على إراحة مرضى الربو (asthma) الذين يعانون في العادة من صعوبة في التنفس فتفتح مجاري الهواء وتعالج ضيق التنفس لديهم إلى حد كبير.
يقول الدكتور بلوك الأستاذ المحاضر في مادة الكيمياء في جامعة نيويورك أن «البصل يحتوي على مركبات السولفور التي تمنع ردود الفعل الحساسة والالتهابية كتلك الموجودة عادة في الربو». ويمكنك – عزيزي القارئ – أن ترى بنفسك مدى قدرة البصل المضادة للالتهابات (anti-inflammatory) بأن تضع شريحة من البصل على مكان لسع الحشرات أو أي التهاب موضعي فتجد بأنه خفف الألم والاحتقان والالتهاب بسرعة وفعالية كبيرة.
وهذا التأثير لا يعود فقط إلى مركبات السولفور بل لأن البصل يحتوي أيضا على الكيرسيتين (Quercetin) وهو أيضا مضاد قوي للالتهابات (anti-inflammatory) وللحساسية (antiallergy).
فالكيرسيتين يمنع إفراز مادة الهيستامين وغيرها من المواد المسؤولة عن الحساسية (allergic reactions) وذلك عن طريق تثبيت غشاء الخلايا وتخفيف رد فعلها العادي في مقابل التعرض للمواد المسببة للحساسية..
من هنا, فإن إضافة بضع شرحات من البصل إلى الغذاء اليومي لمرضى الربو, ولكل من يعاني من التحسس في المجاري التنفسية, له كبير الأثر في تخفيف حدة وشدة نوبات ضيق النفس والسعال التي تصيب هؤلاء.
كيف تحصل على أفضل النتائج؟
● نوع في الألوان
كي تحصل على أكبر كمية ممكنة من العناصر الغذائية الأساسية يجب الاستفادة من أنواع البصل الأحمر والأصفر والأخضر فهي أغنى بمحتواها من البصل الأبيض..
فالبصل الأخضر مثلا, وهو البصل غير الراشد, هو أغنى من البصل الراشد (العادي) وخصوصا بمادتي الفوليك أسيد والفيتامين C.
ويحتوي نصف كوب من البصل الأخضر المقطع على 32 إلى 40 ميكروغرام من الفوليك أسيد الضروري لبناء الأنسجة وللحماية من أمراض القلب والشرايين والسرطانات, وكذلك للوقاية من ولادة أطفال ناقصي الخلقة.
كما يحتوي البصل الأخضر والأحمر على كميات أكبر من الفلافونوئيدات (Flavonoids) وأهمها الكيرسيتين الذي سبق ذكره.
● كيف تتخلص من الرائحة المزعجة؟
كثير من الناس يتجنب أكل البصل, وذلك لسبب وجيه هو الرائحة الكريهة التي يولدها في الفم مسببا نفور الأشخاص من حولهم.
للتخلص من هذه الرائحة يكفي تناول بضع وريقات من البقدونس الطازج مباشرة بعد تناول البصل ما يساعد على منع تأثير مركبات السولفور قبل أن تتحول إلى رائحة بشعة وكريهة في الفم..
كما يوجد في الصيدليات ومراكز بيع الأدوية أنواع متعددة من مزيلات الرائحة الفموية المصنوعة من زيت بذور البقدونس وهي فعالة جدا في التخلص من رائحة الفم الكريهة.
● البصل: دواء وأكثر
قلما توجد نبتة تحوي من الفوائد ما يحتويه البصل, فهي غذاء ودواء بكل معنى الكلمة. وليس هناك علة ليس للبصل اليد الطولى في محاربتها والوقاية منها, بل وفي علاج العديد منها أيضا.
من هنا, ينصح بالإكثار من تناول البصل نيئا أو مطبوخا, فالمطبوخ يمكن احتماله أكثر من النيئ بسبب الرائحة الكريهة التي يسببها الأخير. ويكفي تناول بصلة واحدة متوسطة الحجم لملء الجسم بالمركبات الدوائية الموجودة فيها, كما تشير أكثر الدراسات.
ومن المهم التذكير بأن البصل حصل على موافقة المجتمع العلمي الدوائي وأهمها موافقة المجموعة الألمانية للدواء الطبيعي أو ما يعرف بال commission E, وهي أهم مرجع للأدوية ذات المصدر النباتي في أوروبا.