لعل أكثر الكلمات التي يطرب لها الوالدان ويتقون إلى سماعها، هي الكلمة الأولى التي ينطقها طفلهم والتي غالبا ما تكون كلمة «ماما» أو« بابا»، وذلك عندما يكون الطفل في سن الأحد عشر شهراً أو أقل قليلا. وبعد أن ينطق الطفل هذه الكلمة يحدث تطور تدريجي وسريع في اللغة، ويعبر الطفل مراحل متعددة وصولا إلى مرحلة القدرة على تكوين جمل طويلة ومركبة من عدد كبير من الكلمات باستخدام قواعد اللغة المتعارف عليها. وما أن يصل الطفل إلى سن السادسة، حتى نجد أن قدراته اللغوية قد اكتملت أو كادت.
إن بعض الأطفال ولأسباب، والتي سوف نستعرضها فيما بعد، يخفقون في اكتساب اللغة فقد تظهر الكلمة الأولى في سن ثلاث سنوات أو حتى بعد ذلك وقد يصل الطفل إلى سن ست سنوات وقدراته اللغوية لا تزيد عن بضع كلمات بسيطة يستعملها في مختلف المواقف. وقد يحدث أن يتأخر في اكتساب جوانب معينة في اللغة، أو أن يكون لديه بطء واضح في مراحل التطور اللغوي حيث يحتاج إلى وقت أطول من الأطفال الآخرين لتعلم واكتساب جانبا معينا في اللغة مثل استعمال قواعد مبنى الجملة أو الكلمة أو القدرة على التعبير باستخدام جمل صحيحة وطويلة.
الاضطراب اللغوي أو الإخفاق في اكتساب اللغة له مظاهر وأشكال عديدة ومتنوعة والتي سوف نستعرضها بالتفصيل في مقال لاحق، ونكتفي هنا بالقول أن الاضطراب اللغوي قد يكون في جانب فهم اللغة والتعليمات الشفهية أي في الجانب الاستقبالي من اللغة، وقد يكون في جانب إنتاج اللغة والقدرة على التعبير اللغوي وقد يشمل كلا من الجانبين معا.
وعند الحديث عن اضطراب اللغة التعبيري فقد يكون شاملا لجميع المظاهر التعبيرية أي يشمل القدرة على تكوين الكلمات واستخدام القواعد الصوتية phonology واستخدام قواعد النحو والصرف والقدرة على استعمال اللغة واستخدامها بشكل صحيح.
الاختلاف بين اضطراب اللغة واضطراب الكلام قبل الخوض في أسباب الاضطرابات اللغوية، نشير إلى وجود اختلاف بين اضطراب اللغة واضطراب الكلام أو نطق الأصوات اللغوية فقد يحوز الطفل على قدرات لغوية عادية إلا انه يعاني من صعوبة أو عسر في النطق، أي أن اضطرابات النطق هي شيء مختلف عن الاضطرابات اللغوية من ناحية الأسباب والمظاهر والتعامل معها من ناحية التقييم والعلاج يختلف كذلك بشكل جذري عن الاضطرابات اللغوية.
ومنبع هذا الاختلاف هو الاختلاف الحاصل بين اللغة والكلام فاللغة هي قدرة ذهنية مكتسبة يتواصل بها الفرد مع الآخرين وهي مجموعة من المعارف والتي تشمل المعاني والمفردات والقواعد التي تنظمها أو تضبطها، وهذه اللغة تتولد في ذهن الفرد وتمكنه من إنتاج وفهم العبارات والجمل المسموعة أو المكتوبة.
بينما الكلام ما هو إلا حركة أعضاء النطق في إنتاج الأصوات اللغوية أي إنها رموز منطوقة نتيجة حركة أعضاء النطق. والكلام وسيلة تعبير عن اللغة وهناك وسائل تعبير أخرى غير كلامية مثل الكتابة وإشارة اليد ولغة الجسم وغير ذلك من وسائل التعبير.
العوامل المساعدة على تعلم واكتساب اللغة
اكتساب اللغة وتطورها عند الأطفال لا يمكن أن يتم بمعزل عن توفر عوامل وظروف معينة يوضحها الشكل التالي:
الشكل السابق يرينا مجموعة من العوامل التي تمكن الطفل من اكتساب اللغة وتعلمها بشكل تلقائي دون أن يحتاج إلى مساعدة خاصة في ذلك، وهذه العوامل هي:
– القدرات الحسية السليمة، وأهم هذه الحواس هي حاستا السمع والبصر.
– القدرات العقلية السليمة. من المعروف بأنه كلما زادت نسبة الذكاء عند الطفل كلما زادت قدرته على فهم ما يسمع من عبارات وجمل (أو يقرأ عندما يتعلم القراءة) وزادت حصيلته اللغوية وتطورت قدرته على إدراك العلاقة بين الكلمات في الجملة وبذلك تتطور قدراته اللغوية بشكل سريع.ويرى مجموعة كبيرة من الباحثين في مجال التربية وعلم النفس أن النمو العقلي مرتبط إلى حد كبير بالنمو اللغوي عند الطفل فكلما تطورت قدراته اللغوية كلما تطورت قدراته العقلية.
– الاستعداد الفطري لاكتساب اللغة. ويطلق عليه البعض مسمى « الملكة اللغوية» وهي الاستعداد الفطري عند الطفل لتعلم اللغة ويشمل الاستعداد الذهني أو العقلي الذي يمكن الدماغ من القيام بوظائفه في تعلم اللغة من خلال التعامل مع المدركات الحسية (المعلومات) الواردة إلى الدماغ من الحواس المختلفة وبشكل خاص حاستي السمع والنظر، والقدرة على وتصنيف وتخزين واسترجاع هذه المعلومات أو المدركات، ويشمل كذلك القدرة على ملاحظة وتقليد الآخرين في نطق أو ترديد النماذج اللغوية.
– البيئة اللغوية، المحفزة.فاللغة هي سلوك إنساني ولا تكتسب بمعزل عن الآخرين وبشكل خاص أسرة الطفل والمحيطين به.
تفاعل هذه العوامل وتكاملها عند الطفل تمكنه من اكتساب اللغة، وبالمقابل غياب أو ضعف عامل واحد من هذه العوامل لابد وأن يترك تأثيره السيئ في قدرة الطفل على اكتساب اللغة والأداء التواصلي بشكل عام. ومن الشأن التدخل المبكر الصحيح والفعال أن يساعد الطفل على اكتساب اللغة أو أن يخفف من الاضطراب اللغوي الذي يعاني منه الطفل إلى الحد الذي يمكنه من التواصل مع المحيطين به.
أسباب الاضطرابات اللغوية عند الأطفال:
وصلنا في حديثنا إلى الحديث عن أسباب اضطرابات اللغة عند الأطفال، بداية نشير إلى انه ليس من السهل دائما تحديد سبب معاناة الطفل من اضطراب في اللغة أو الإخفاق في تعلم واكتساب اللغة، فهناك عدد من الحالات يبقى السبب غير معروف حتى مع إتباع أدق الوسائل في التشخيص والتقييم.
لقد درجت العادة لدى المختصين باضطرابات اللغة والكلام أن يتم تقسيم اضطرابات اللغة إلى مجموعتين أساسيتين وهما:
أ- اضطرابات اللغة الأساسية أو المحددة.
ب- اضطرابات اللغة الثانوية.
ضمن المجموعة الأولى نجد مجموعة من الأطفال تعاني من اضطرابات في اللغة فقط دون معاناتها من اضطراب آخر، وقد ساد في الماضي مصطلح Developmental Aphasia أو Dysphasia للإشارة إلى هذه الفئة من الأطفال. حيث يتشابه اضطراب اللغة عند هذه الفئة من الأطفال مع اضطراب اللغة الذي نجده عند الأشخاص البالغين والذين فقدوا قدراتهم اللغوية أو أصيبت هذه القدرات باضطراب بعد إصابتهم بأذى معين (نزيف أو تجلط على سبيل المثال) في المناطق اللغوية في الدماغ والموجودة في نصف الدماغ الأيسر عند الغالبية العظمى من الناس.
بقلم : ناظم فوزي