كما أن الطعام الجيد ينفع الجسد، فإن التأمل يثري الذهن. والدراسات التي أجريت على التأمل أوضحت أن تأثيراته الإيجابية أكبر بكثير من تلك التي يمكن الوصول إليها عن طريق النوم. وهذه تشمل: إحساساً بالسلام والرضا، واستجابة أفضل للأحداث التوترية، وسرعة أكبر في التخلص منها، وانخفاض ضغط الدم، وتباطؤ نبض القلب، وهبوط معدل التنفس، وإيقاعات أكثر ثباتاً لموجات الدماغ. كما تبين أن التأمل يمنع أيضاً تثبيط استجابة الجسم المناعية التي تحدث عادة مع التوتر. والأشخاص الذين يمارسون التأمل على أسس منتظمة وجد أنهم يكونون أقل توتراً، ولا شك في أن ممارسة التأمل والاسترخاء طريقة فعالة للتعامل مع القلق والتوتر والأرق.
مع هذا، فإن القوة الحقيقية للتأمل في توليد الطاقة والإحساس بالسلام والصفاء تتخطى التأثيرات النافعة التي أوضحتها الدراسات الإكلينيكية. ولا يشك أحد في أن التوتر ظاهرة ذهنية كما أنها جسدية كذلك. وقوة التأمل الحقيقية تكمن في الطريقة التي تساعدنا على التحكم في الذهن. وكما أشار عالم النفس “باتانجالي”، الذي عاش في القرن الرابع، أن من خلال التأمل يمكن استعمال العقل لتحرير العقل.
وهذا له أهمية كبيرة بالنسبة لهؤلاء المعرضين دوماً للتوتر للدرجة التي تجعل حتى أبسط الصراعات تولد ردود أفعال مفرطة أكثر ملائمة للتعامل مع الحالات الخطرة جداً. بالنسبة لهؤلاء الناس قد يكون التأمل هو الطريقة التي تزيل الاستجابة المشروطة للتوتر ليصبحوا أقل تفاعلاً للصراعات الطبيعية التي تجلبها الحياة.
تركيز الذهن
نقطة البداية للتأمل تكون بتركيز ذهنك على أحد الأشياء، ربما كان صوتاً أو لهيب شمعة أو عدد مرات تنفسك. وبهذا التركيز على هدف معين، فإن قوة الذهن يبدو أنها تزداد، إضافة إلى زيادة حدة الطاقة العقلية. وهذا عكس ما يحدث عندما تكون متوتراً ومجهداً، وعندما ينتقل خاطرك بسرعة من فكرة لأخرى تاركاً ذيولاً من الرعب والتشويش.
وأنا أصبحت مهتماً بالتأمل عندما كنت أبحث، بصفتي عالماً نفسانياً، تأثيرات التغذية على الأداء العقلي. وقد أوضحنا أن درجات معامل الذكاء IQ اللاشفهية للأطفال يمكن أن تزيد بوضوح بإعطائهم مكملات الفيتامينات والمعادن المتعددة. ولكن ما السبب في ذلك على وجه الدقة؟ لقد أوضحت الدراسات التالية أن الأطفال الذين كانوا يأخذون الفيتامينات لم يكونوا أذكى من هؤلاء الذين لم يأخذوها. بل إن الأمر كان يتمثل في مجرد قدرتهم الأكبر على التركيز وبالتالي استطاعوا الإجابة على أسئلة أكثر في الوقت المخصص لذلك. فقد كان الأمر كله راجعاً للقدرة على التركيز، وهو شيء مهم للغاية.
وعندما بدأت في التأمل على أساس منتظم وجدت أن ذهني قد أصبح هادئاً وكنت قادراً على التركيز على مهمة واحدة بدلاً من استنفاد طاقتي في محاولة عمل أشياء عديدة في نفس الوقت فلا يمكنني في الواقع أن أنجز أياً منها بشكل صحيح. مع هذا، فإن حتى هذه الفائدة سطحية مقارنة بما يحدث على المستويات الأعمق من التأمل.
الهدف الحقيقي للتأمل
يساعد التدرب على التأمل -مع الوقت والتعليمات المفيدة- الأشخاص للوصول إلى حالة مرتفعة من اليقظة ونوع من صفاء الذات يتمثل في هدوء الذهن واسترخاء الجسم وسكون المشاعر. هذه الحالة حقيقية ليست خيالية وترتبط بتغير مميز في إيقاع الموجات الدماغية. بعد هذا التأمل يزداد كثيراً مستوى طاقتك وصفاء عقلك وقدرتك على أن تبقى غير متأثر باضطرابات الحياة اليومية.
مع هذا، فما زال هناك الكثير. فحتى هذه المراحل من التأمل العميق تعتبر مجرد مراحل تحضيرية للهدف النهائي للتأمل الذي تصبح فيه القوة الكاملة للعقل والحيوية الحقيقية المتوفرة لكل واحد منا أموراً ظاهرة جلية. هذه الحالة القصوى من اليقظة وصفها الحكيم الهندي باتانجالي في القرن الرابع بأنها: “تراجع التقلبات العقلية، مثل جوهرة ثمينة أو صافية تتلون بلون أي شيء من الأشياء”. وثمرة التأمل تتمثل في حالة تذوب فيها الفروق بين الإنسان والأشياء. هذه الحالة توصف غالباً بالاتحاد Unity أو الاقتران Connectedness، وهي تمثل علامة على نهاية الحياة في صورة نضال أو “قتال”. وبينما قد يساعدنا “رد فعل القتال-الهرب” على العيش في عالم تحفه المخاطر، إلا أنني أعتقد أنه سيأتي وقت في الحياة يمكن العيش فيه دون صراعات ويمكن اجتذاب القوة الكاملة للطاقة الحيوية المتاحة لكل واحد منا.
وفي حين نجد أن الكثيرين قد جربوا هذه المنزلة من السيطرة على العقل، إلا أن قليلين يعيشون فيها على الدوام. لهذا السبب يجب عليك -كجزء من خطة عملك للتعامل مع التوتر والحفاظ على مستوى عالٍ من الطاقة- أن تمارس التأمل لبعض الوقت كل يوم بالطريقة التي تراها. وهذا قد يعني للبعض التجوال بكلب، وللبعض الآخر الاستماع إلى الموسيقى أو أخذ حمام بزيوت العلاج العطري أو ربما قضاء بعض الوقت في التفكير أو التأمل. وإذا كنت ترغب في أن تتعلم كيف تتأمل، فهناك برامج معدة لذلك.