التصنيفات
رشاقة ورياضة | برامج حمية | نظام غذائي

التحرر من إدمان الطعام | سبب فشل الحميات الغذائية – ج2

سبب فشل الحميات الغذائية

الصحف الأمريكية وكتب الحميات، وحتى أغلب مجتمعات البحث العلمي، لا تزال حائرة تمامًا بشأن التغذية والنظم الغذائية؛ فكل مقالة تقريبًا في هذا الصدد تناقش بعض الأطعمة السحرية، والمكملات الغذائية، وتعزيز التمثيل الغذائي أو نسب الدهون والنشويات والبروتين التي يمكنها حل كل مشكلات وزنك. وتستمر مقالات البحث في اختبار الحميات منخفضة الدهون ومرتفعة الدهون، منخفضة النشويات ومرتفعة النشويات، ويستمر الإعلام في تقديم تقارير عن نجاحات وإخفاقات هذه الحميات. ويستمر الأمر على هذا المنوال، ولكن محاولة التدقيق في أدق تفاصيل النشويات أو الدهون أو البروتين لن تحسن صحتنا أو تطيل أعمارنا، بل إنها قد تزيد الوضع سوءًا، فهذا النوع من الحميات يشجع على تقلبات مؤقتة في السعرات الحرارية التي يتم الحصول عليها، ما يؤدي إلى تغيرات غير ثابتة في وزن الجسم، أو ما يشار إليه في كثير من الأحيان بحمية اليويو. ومثل هذه الحميات نادرًا ما تنجح، كما أنها تضر بصحتك؛ لأنه من غير الصحي أن تنقص وزنك وتستعيده من جديد مرة تلو أخرى. وهذا يبرهن على أن أية حمية غذائية لا تركز على جودة المغذيات الصغرى لا تكون فعالة تمامًا.

ولكن ما تتعلمه هنا مختلف، فهو لا يدلك على نسب مثالية من الدهون أو النشويات أو البروتينات التي ستقودك للوصول إلى وزن مثالي وصحة ممتازة. صحيح أننا نحتاج لتقليل تناول الدهون والبروتينات، وتناول كمية أقل من النشويات، التي تعتبر المصادر الثلاثة الوحيدة التي نستمد منها سعراتنا الحرارية، ومن الواضح أننا نحتاج إلى بعض السعرات الحرارية، ولكننا يجب أن نتأكد من أن الدهون والبروتينات والنشويات التي نختار تناولها هي أطعمة كاملة تحتوي على أكبر قدر ممكن من العناصر الغذائية. وأفضل طريقة لتناول طعام صحي، والطريقة التي تجعلك ترغب في تقليل السعرات الحرارية التي تحصل عليها بشكل طبيعي وتلقائي، هي أن تلم بمفهوم الكثافة الغذائية، وأن تتناول أطعمة صحية لكي تتخلص من إدمانك للطعام، ولكي تسمح لجسمك بأن يعيد برمجة أذواقه. وبهذا تزداد متعة تناول الطعام لأنك تأكل عندما تكون جائعًا. وسوف تجد أن تفضيلاتك للأطعمة تتغير وفقًا لما تأكله بانتظام، كما أن تحسن التغذية يؤدي لتحسن حواس التذوق لديك.

رغم انتشار كتب الحميات الغذائية في كل مكان، من المقدر أن أكثر من 75 % من كل الأمريكيين يعانون زيادة في الوزن. وقد ذكرت التحقيقات أن هذا الانجراف والزيادة السريعة نحو البدانة على المستوى العالمي يعتبر وباءً طبيًّا خطيرًا، يؤثر في قطاع عريض من سكان العالم. وتقدر منظمة الصحة العالمية أن انتشار الأطعمة المعالجة والأطعمة السريعة الأمريكية حول العالم جعل البدانة والأمراض الناجمة عن نقص العناصر الغذائية، والحصول على كمية أكبر من السعرات الحرارية عوامل تؤدي إلى الوفاة المبكرة حول العالم أكثر من المجاعات، فقد ذكرت منظمة الصحة العالمية: “يجب أن تختار الأسر نظماً غذائية تعتمد أساساً على أطعمة نباتية غنية بأنواع متنوعة من الفاكهة والخضراوات والحبوب والبقوليات، وتقلل الأطعمة النشوية المعالجة لأقل قدر ممكن”.

نظرًا لأن زيادة الوزن أو السمنة تزيد خطر الإصابة بكل الأسباب الرئيسية للوفاة لحد كبير، فإن انتشار صناعة الأطعمة السامة الأمريكية قد يكون أخطر المشكلات الصحية التي تواجه العالم المعاصر. والوصول لوزن مثالي والتمتع بصحة مثالية أمران لا ينفصلان. فأي برنامج لإنقاص الوزن من الممكن اعتباره ناجحًا فقط إذا كان إنقاص الوزن دائمًا وآمنًا ويعزز الصحة العامة. أما إنقاص الوزن بشكل مؤقت فليست له فائدة أو أن فائدته قليلة للغاية؛ خاصة إذا كان يضر بصحتك. وحروب الحميات المحيرة، والآراء المتضاربة بين مؤلفي كتب الحميات الغذائية تشل إمكانية تحسين صحة ملايين الأفراد الذين يعانون كثيرًا.

في الحميات التقليدية التي تتحكم في كمية الطعام (بحساب السعرات الحرارية)، من المحتمل ألا يحصل الجسم على كفايته من الألياف أو العناصر الغذائية. سوف يشعر الجسم بمشاعر مختلطة من الجوع والتوق لأطعمة معينة والانسحاب الإدماني، الأمر الذي يكون مرهقًا في أغلبه. وفلسفة الحميات تلك تؤدي لإنقاص الوزن وإعادة اكتسابه من جديد بين الناس على الدوام. وحساب السعرات الحرارية لا ينجح ببساطة على المدى الطويل. فنظام غذائي يقوم على التحكم في كميات الطعام وحساب السعرات الحرارية يسمح بوجه عام بتناول أطعمة تحتوي على نسب عالية من السموم ومنخفضة العناصر الغذائية، ثم يطلب منا أن نقاوم رغباتنا الإدمانية في محاولة لتقليل حصتنا من الطعام. وهذا المزيج يضعف الجسم، ما يؤدي لتوق غير محكوم ومتكرر للأطعمة، إلى جانب رغبة قوية في سعرات حرارية مكثفة. وهذا الانخفاض في المغذيات الصغرى إلى جانب أعراض الانسحاب قد يؤدي إلى توق مضلل، مثل الرغبة في تناول أطعمة سريعة، وتناول الشرتب، أو العقاقير. والتوق ليس ناتجًا عن الجوع، ولكنه ناتج عن العادات السامة. فأي شخص يسعى لتبني نظام غذائي صحي يجب أن يتقبل أنه ستكون هناك فترات (تتراوح بين ستة أسابيع أو أقل في العادة) يعمل خلالها الجسم على طرد السموم. قد تشعر بالتعب في هذه الفترة، وقد لا تشعر بجوع حقيقي طوالها. ولكن دون معرفة كافية بالتغذية المثالية والمبادئ الراسخة التي يجب الالتزام بها، يتخبط متبعو الحميات الغذائية ويفشلون، ويظلون يتنقلون بين حمية وأخرى، وينقصون دومًا القليل من الوزن ثم يعودون لاكتسابه من جديد، بل وأكثر.

تعمل المعلومات الخطأ جنبًا إلى جنب مع خداع النفس. فهناك عدد لا يعد ولا يحصى من الحميات الغذائية تنصح بإمكانية تناول كل الأطعمة التي تحبها، مع إنقاص الوزن في الوقت نفسه. ولهذا، لماذا قد يرغب أي شخص في إعادة تنظيم نظامه الغذائي؟ يبدو الأمر كأنه من الأسهل بكثير أن تقلل كمية الطعام الذي تحب تناوله من التحول لتناول شيء قد لا يعجبك في الوقت الحالي. المشكلة أن تناول كمية أقل من الأطعمة نفسها ثبت أنه لا يجدي نفعًا على المستوى العملي. فقد أثبتت الدراسات أن الحميات التي تعتمد على تقليل حصص الطعام تؤدي إلى إنقاص كبير في الوزن يستمر طوال خمس سنوات أو أقل من ثلاثة أشخاص من أصل مائة.

المسألة مسألة وقت قبل أن يقرر متبعو الحميات التي تعتمد على تقليل كمية الأطعمة لزيادة الأطعمة التي يتناولونها. كما أن كمية الألياف في هذه الحميات لا تكون كافية، وأيضًا تفتقر إلى العناصر الغذائية. وهذه الحميات تقلل السعرات الحرارية، ولكن نظرًا لأن اختيارات الأطعمة وخطط الوجبات غنية بالسعرات الحرارية، يجب أن يتناول متبعو الحميات كميات صغيرة من أجل إنقاص الوزن. وهذه الاختيارات لا تشبع رغبتهم في تناول الطعام، وتنتهي بهم الحال بالتوق لتناول الأطعمة والإصابة بالإحباط. وعندما لا يطيق متبعو الحميات تناول كميات صغيرة بعد الآن، ويأكلون الطعام حتى يشبعوا، يكتسبون وزنًا بانتقام. ومثل هذه الحميات تقوم على علم واهن وأساطير حول التغذية. لكي تتمتع بالصحة وتقاوم الأمراض وتتمتع بنحافة دائمة، لا يمكنك أن تهرب من ضرورة تناول كميات كبيرة من الأطعمة الصحية الغنية بالعناصر الغذائية.

هل تتوق لإنقاص وزنك؟

كثير من أكثر كتب الحميات التي يتم الترويج لها والأكثر مبيعًا هي أيضًا من بين الأكثر خطورة. فبعض أكثر الكتب شيوعًا وانتشارًا على المواقع الإلكترونية تعزز الأنماط الغذائية الغنية بالبروتين، منخفضة النشويات، مما يؤكد كم هو خطير تناول الدقيق والسكر الأبيض أو شراب الذرة. بالطبع أنا أوافق على مخاطر تناول أطعمة غنية بالسكر، ولكنني أظن أن الوقت قد حان لإسكات هذه الحميات الغنية بالبروتين. فلا يجب أن يكون هناك خلاف هنا. الحميات الغذائية الغنية بالبروتين لا تطيل العمر، كما أنها ليست لها خواص مقاومة للسرطان كالتي توجد في النظم الغذائية التي تحتوي على كمية أكبر من المغذيات الصغرى المشتقة من النباتات، كما أنها لا تحمي القلب والأوعية الدموية. في الحقيقة، حتى عندما تؤدي لإنقاص الوزن، فإنها لا تزال ترفع الكوليسترول المضر وتسبب الإصابة بأمراض القلب أو تسمح بها. وتحقيق نجاح معقول في إنقاص الوزن أمر ممكن بالنسبة لعدد محدود من الناس – الأمر الذي يتم من خلال استبعاد أو تقليل النشويات الخطيرة التي تحتوي على قدر قليل من العناصر الغذائية – ليس جيدًا بالقدر الكافي.

وشعبية هذه الكتب دليل على أن هؤلاء الأشخاص يبحثون عن طريقة لإنقاص الوزن دون حاجة لإخفاء علاقة الحب الخطيرة التي تربطهم بالأطعمة الدسمة غير الصحية. إنها تنصح بما يحب الناس سماعه: ألا وهو أنه من الممكن تناول الدهون والكوليسترول والدهون المشبعة، وإنقاص الوزن في الوقت نفسه. وهذه العلاقة الخطيرة قد تؤدي إلى نتائج وخيمة.

وعادة ما يروج خبراء الحميات الغنية بالبروتين لفكرة أن حمياتهم التي يوصون بها هي أكثر الحميات الصحية، وبالتالي يقنعون المخلصين لهم بأن هناك مؤامرة عالمية أجرتها أكثر من 3500 دراسة علمية تضمنت أكثر من 15000 عالم تحدثوا عن وجود علاقة بين تناول اللحوم الحمراء والبيضاء والبيض ومنتجات الألبان وحالات الإصابة بأمراض القلب، والسرطان والفشل الكلوي والإمساك والحصوات الصفراوية والرتوج والبواسير، وذلك على سبيل المثال لا الحصر. المغزى هنا هو ألا نخلط بين التغذية والصحة بسبب معلومات مغلوطة، فنحن نحتاج لأن نجاهد لنتناول منتجات حيوانية أقل، ونكثر من تناول الأطعمة النباتية الغنية بالعناصر الغذائية. وكثير من هذه الحميات تدفع الناس للخوف من فاكهة صحية طازجة لأنها تحتوي على نشويات. إلا أن الإكثار من تناول الفاكهة له علاقة وطيدة بانخفاض احتمالات الإصابة بأمراض القلب والسرطان وغيرها من أسباب الوفاة.

نتيجة لتأكيدها تناول المزيد من المنتجات الحيوانية والتقليل من النشويات، تصبح حمية أتكينز الشعبية نموذجًا لسوء المعلومات الغذائية. فقد توفيت فتاة في السادسة عشرة من عمرها كانت سليمة معافاة بعد اتباعها نظام أتكينز طوال ثلاثة أسابيع، وهو أمر مأساوي. والحميات الغذائية التي نالت شعبية مؤخرًا خطيرة أيضًا. أنا أعتبر نظام ساوث بيتش الغذائي واحد من أكثر الحميات خطورة على الإطلاق، لأن المراحل الثلاث تشجع الناس على اتباع نظام غذائي يعزز توليد الكيتونات ويعود ليوقفها؛ وهو ما يسبب تغيرات في الإلكتروليتات يؤدي لعدم انتظام ضربات القلب بشكل يهدد الحياة. فقد حدث ارتفاع هائل في حالات الوفاة القلبية المفاجئة في سيدات في سن صغيرة ومتوسطة بالتوازي مع فترات التحمس لهذه النظم المولدة للكيتون التي تتسم بتقليل النشويات وزيادة البروتينات. وقد تم الإبلاغ عن ذلك للمرة الأولى في المؤتمر السنوي الحادي والأربعين لجمعية القلب الأمريكية الذي عقد عام 2001 بعد دراسة رقابية قومية أجراها دكتور “تشينج” وزملاؤه بمركز مكافحة الأمراض. كما حدثت حالات وفاة مماثلة فيما مضى مرتبطة بالحميات القائمة على السوائل ذات نسب بروتينات كبيرة. فهل هذه مصادفة؟ أشك في ذلك، ولا يجب أبدًا الاستخفاف بالأمر.

لقد أظهر البحث الطبي أن الحميات المولدة للكيتون قد تسبب تضخمًا مرضيًّا للقلب يسبب اعتلال عضلة القلب، وهو أمر قابل للإصلاح إذا تم وقف النظام الغذائي قبل فوات الأوان. وفي كتاب The South Beach Diet؛ الذي ألفه طبيب أمراض قلب، يقاد القارئ إلى سلسلة من المراحل الغذائية التي تتنقل بين اكتساب الوزن وتقليل النشويات. والسماح لوزن الفرد بالتذبذب صعودًا وهبوطًا أمر خطيرًا، فقد يؤدي ذلك إلى مشكلات في القلب ويزيد تواجد أخطر أنواع الصفائح المسببة للتصلب العصيدي، ما يزيد خطر النوبات القلبية. عندما تجد طبيب قلب ينصح الأشخاص المعرضين للإصابة بأمراض القلب بأرجحة الوزن وتقليل النشويات الكيتونية بصفة متكررة، فلا يكون ذلك أمرًا غير مسئول فحسب، ولكنه يدل على أن نصيحة غذائية خطأ قد تكون قاتلة.

إن ارتفاع نسب البروتين الحيواني له علاقة وطيدة بارتفاع حالات الإصابة بالسرطان. وقد سجلت مئات الدراسات العلمية العلاقة بين المنتجات الحيوانية وأنواع معينة من السرطان:

• ارتفاع خطر الإصابة بالسرطان الظهاري وسرطان الرئة
• ارتفاع خطر الإصابة بسرطان البنكرياس
• ارتفاع خطر الإصابة بسرطان القولون
• ارتفاع خطر الإصابة بسرطان المعدة والمريء
• ارتفاع خطر الإصابة بسرطان المثانة والبروستاتا
• ارتفاع نمو أورام الثدي

رغم أنه قد يكون من الخطأ القول إن الأطعمة الحيوانية هي السبب الوحيد للسرطان، أصبح واضحًا الآن أن زيادة تناول المنتجات الحيوانية إلى جانب تقليل تناول المنتجات الطازجة لها أثر كبير على زيادة خطر الإصابة بأنواع عديدة من الامراض السرطانية. ويتفق أغلب الباحثين العلميين على أن تناول اللحوم الحمراء مؤشر مهم على مرض الإنسان بالسرطان. في الحقيقة، قد يكون تقليل البروتين الحيواني أهم وقاية غذائية يمكن للمرء اتخاذها لتقليل خطر الإصابة بالسرطان. فحميات إنقاص الوزن التي تتسم بارتفاع البروتين – التي تشجع على الإكثار من تناول المنتجات الحيوانية وتقليل المنتجات النباتية (النشوية) – ليست غير صحية فحسب، بل قد تكون قاتلة.

المزايا قصيرة المدى، والمخاطر طويلة المدى!

إلى جانب كل المخاطر التي عرضناها هنا، يجب أن يكون واضحًا أن تناول اللحوم الحمراء يرتبط بالفعل بزيادة الوزن، وليس إنقاصه، إلا إذا قللت النشويات التي تستهلكها كثيرًا لكي تحافظ على فرط الكيتون المزمن. وقد تابع باحثو جمعية السرطان الأمريكية 79236 فردًا على مدار أكثر من عشر سنوات، فوجدوا أن من يتناولون اللحوم الحمراء أكثر من ثلاث مرات أسبوعيًّا أكثر عرضة لزيادة الوزن مع مرور السنوات مقارنة بمن يميلون لتجنب اللحوم الحمراء. وكلما أكثر المشاركون من تناول الخضراوات، زادت مقاومتهم لاكتساب الوزن.

إذا كانت زيادة خطر الإصابة بالنوبات القلبية والسرطان ليست كافية عند الدخول في جدال مناهض للحميات التي تتسم بارتفاع البروتين، فإن العلم قطع بما لا يدع مجالاً للشك أنها تسبب أيضًا تلف الكلى، وتسبب حصوات الكلى، والنقرس. وكثير من الناس يصابون بمشكلات الكلى في سن صغيرة عند تناول كميات كبيرة من البروتين. ونظرًا لتراكم البحث، أصدر المركز الأمريكي لتبرعات الكلى بيانًا صحفيًّا يقر بأن حميات إنقاص الوزن، التي تنصح بتناول كميات كبيرة من البروتين، قد تؤدي إلى تندب في الكلى لا سبيل لإصلاحه. وقد لوحظ ذلك أيضًا لدى لاعبي كمال الأجسام الذين يتناولون كميات كبيرة من البروتين، في محاولة منهم لبناء كتلة عضلية أكبر. وطريقتا العلاج الوحيدتان هما غسيل الكلى وزراعتها. وهذا البحث يظهر أن وظائف الكلى تتأثر حتى في الأبطال الرياضيين الأصحاء. وهذا يجب أن يكون رسالة لأي شخص يتبع حمية إنقاص الوزن تعتمد على تناول كميات كبيرة من البروتين.

قد يعاني الأشخاص زائدو الوزن من تلف كلوي بالفعل، باعتبار أن 25% تقريبًا من الأشخاص فوق الخامسة والأربعين وبخاصة مرضى السكري وضغط الدم العالي، يعانون درجة من اعتلال الكلى. وقد خلص الباحثون إلى أن: “الأثر المحتمل لتناول البروتين على وظائف الكلى له مشكلات صحية عامة في حالة هيمنة زيادة استهلاك البروتين واستخدام مكملات غذائية بروتينية”. كما يرتفع خطر الإصابة بأمراض الكلى بالنسبة لمرضى السكري؛ لأنهم يكونون حساسين للغاية للحميات الغذائية التي ترتفع فيها نسبة البروتين وتمثل عبئًا على الكلى. وفي دراسة كبيرة أجريت في عدة مراكز تضمنت 1521 مريضًا أغلبهم مصابون بالسكري تناولوا الكثير من البروتين الحيواني وخسروا أكثر من نصف وظائف الكلى، وكان كل الضرر الحادث تقريبًا غير قابل للإصلاح.

إن اختبارات الدم التي تراقب وظائف الكلى عادة ما لا تبدأ في الكشف عن أية مشكلات حتى يتم تدمير الكلى بنسبة تتجاوز 90%.

نظام غذائي يتسم بالتفوق الغذائي

هناك شيء مهم نتعلمه بالتجربة في هذا المقام، ألا وهو فهم إلى أي مدى تمثل التغذية مسألة حياة أو موت. ويجب أن نفهم ذلك جيدًا. فبنو الإنسان من الرئيسيات، وكل الرئيسيات الأخرى تتبع نظامًا غذائيًّا تسيطر عليه في الأساس الخضراوات الطبيعية. فإذا تناولت الرئيسيات بعض المنتجات الحيوانية، فيجب أن تمثل نسبة صغيرة للغاية من إجمالي السعرات الحرارية التي يحصلون عليها. وتظهر العلوم الحديثة أن أغلب الأوجاع الشائعة في عالم اليوم هي نتيجة الجهل الغذائي. إلا أنه يمكننا أن نتبع حمية غنية بالمواد الكيميائية النباتية من أطعمة نباتية متنوعة تمنحنا القدرة على عيش حياة طويلة وصحية.

دائمًا ما أحاول التركيز على مزايا التفوق الغذائي. فمن خلال اتباع نظام صحي بحق، لن تتوقع انخفاض ضغط الدم والكوليسترول ومقاومة أمراض القلب فحسب، ولكنك ستتخلص من كل مشكلات الصداع والإمساك وعسر الهضم ورائحة النفس الكريهة. وتناول الطعام من أجل تحقيق التفوق الغذائي يمكن الناس من مقاومة السكري وتقليل اعتمادهم على العقاقير. كما يمكنك أن تتوقع الوصول لوزن طبيعي دون حساب السعرات الحرارية واتباع نظام غذائي معين، وأيضًا التمتع بالصحة والعافية وعيش حياة طويلة خالية من الخوف من التعرض لنوبات قلبية وسكتات دماغية.

والتفوق الغذائي – الذي يتضمن تناول الكثير من الخضراوات والفاكهة والبقوليات – يجب ألا يستثني كل المنتجات الحيوانية، ولكنه يجب أن يحتوي على كمية كبيرة من الأطعمة النباتية الغنية بالعناصر الغذائية (التي يجب أن تكون حوالي 80 % من إجمالي السعرات الحرارية). ويجب ألا يتجاوز إجمالي السعرات الحرارية المستمدة من الأطعمة الحيوانية نسبة 10%. وهناك بيانات غير مستوفاة في هذه النقطة تقترح بأن هناك ميزة واضحة لإطالة العمر عند اتباع نظام غذائي نباتي (يخلو تمامًا من الأطعمة الحيوانية). إلا أن الأبحاث العلمية تشير إلى طول العمر عند تقليل استهلاك الأطعمة الحيوانية لوجبة واحدة أو اثنتين أسبوعيًّا. وأكثر النتائج التي تقدمها أبحاث التغذية بناءً على كل دراسات الوبائيات هي أنه مع ارتفاع تناول الفاكهة والخضراوات، ينخفض خطر الوفاة المبكرة والأمراض المزمنة.

يجب أن يكون طول العمر والوقاية من الأمراض هو الهدف النهائي لأية نصيحة غذائية؛ فتعاطي الكثير من العقاقير وتدخين السجائر قد يؤديان إلى إنقاص الوزن، ولكنك عندما ترضى بنصيحة غذائية من الدرجة الثانية، فإنك لا تحكم على نفسك بعيش حياة أقصر فحسب، ولكنك تضحي بجودة حياتك في سنوات لاحقة. فبنو الإنسان يمكنهم الصمود بالقدر الكافي لتوليد أنماط متنوعة من النظم الغذائية، ولكن يمكننا استخدام العلم الغذائي في إطالة العمر الافتراضي لصحة الإنسان وعيش حياة جيدة. فنحن قادرون على إظهار أداء أفضل من أداء أسلافنا. ولدينا فرصة غير مسبوقة في التاريخ البشري لكي نعيش حياة أطول وأفضل من ذي قبل. ومروجو المنتجات الحيوانية الغنية بالبروتين، الذين يروقون الأشخاص المحبين هذه المنتجات، يشوهون علم التغذية من أجل الترويج لمنتجاتهم، مما يدمر فرص تحسين جودة الحياة بالنسبة لملايين الناس، ويؤدي في النهاية للوفاة المبكرة.

لا يمكنك الوصول إلى مستوى أمثل من الحماية الغذائية؛ تتضمن تناول القدر الكافي من الفاكهة والخضراوات الممتازة، إلا إذا قللت استهلاكك من المنتجات الحيوانية والأطعمة المعالجة والزيوت والدقيق والمحليات لحد كبير. وهذا يتيح لك مساحة من السعرات الحرارية ومساحة في المعدة لقدر كافٍ من الأطعمة التي تضمن لك حماية مثالية. وعندما تتناول كميات كافية من الأطعمة المفيدة بطرق لذيذة ومشبعة، لن يكون هناك مكان لأطعمة أخرى لا تعزز الصحة، وسوف تفقد في النهاية رغبتك في تناولها.

نظام غذائي يسمح بتناول الدواجن والمكرونة وزيت الزيون هو المعادلة المثالية لصحة متوسطة وحياة ضعيفة المستوى. فالدواجن، وزيت الزيتون والمكرونة جميعها أطعمة منخفضة القيمة الغذائية. فأي نظام غذائي نيوتري يركز أساسًا على الأطعمة النباتية الغنية بالعناصر الغذائية مختلفة الألوان، لا على الحبوب أو اللحوم الحمراء أو الذرة. وأعني بكلمة نيوتريتاريان (مغذ) الشخص الذي يركز على تناول أطعمة صحية غنية بالعناصر الغذائية. والشخص النيوتري يعرف أن الأطعمة الغنية بالعناصر الغذائية لها خواص تقاوم الأمراض، وخواص علاجية، وأخرى تطيل العمر.

بعض الناس قد يقررون تجاهل المعلومات المقدمة هنا التي تحسن الحياة. فكثير من متعهدي الصحة يقدمون حميات ومكملات غذائية، وتدخلات جراحية بل وأدوية مع وعد بإنقاص الوزن دون تغيير طريقة تناولك للطعام. وهذا الوعد وحده يكفي لأن يمنع الناس من أداء العمل المطلوب للتغير؛ حيث يمنح العقل الباطن مخرجًا للهرب. والعقل الباطن ليس عقلانيًّا. فكثير من هذه الحميات الغذائية كُشِف زيفها، ولكن هذا لا يدمر إغراءها.

التخلص من العادات أمر صعب

لا شك في أن التخلص من العادات أمر صعب. وبعض الناس لا يمكن أن تقنعهم أفضل العلوم في العالم بأنه من الأفضل تناول أطعمة صحية، ولا شيء أقل من المرض أو الخوف أو الألم (وأحيانًا ثلاثتهم) سوف يحفزهم على التغيير. وتناول الطعام السام قد يكون إدمانًا لا يختلف عن التدخين أو تعاطي المخدرات. والخطوات نفسها ضرورية للتغلب على الإدمان. الخطوة الأولى هي أن تعترف بأنك تواجه مشكلة، وأنها إدمان. فالاعتراف بالمشكلة قد يساعدك على قهر الإدمان، كما أنه يساعد على التمتع بنظام دعم يعزز واقع أن أية معاناة مؤقتة يحدث نتيجة لتغيير سوف يجلب معه حياة أكثر إمتاعًا وسعادة.

السلوك الإدماني قد يبدو طريقة فعالة للهروب من الحزن والوحدة والخوف لأنه يجلب متعة مؤقتة. من الصعب التغلب على العادات القديمة الإدمانية واكتساب عادات عديدة صحية. وإحدى هذه الصعوبات هي قوة الإدمان الهائلة، التي تجعل العقل البشري مشغولاً بتبرير وإظهار المنطق وراء عادات سيئة. ونتيجة لذلك، كثيرًا ما يفشل الناس قبل حتى أن يحاولوا التغيير، فيلجأون إما لرفض ضرورة التغيير الملحة، أو ييأسون حتى دون محاولة اعتقادًا منهم أن التغيير أمر صعب للغاية. ضع في اعتبارك أن جزءًا منك (فطنتك) يريد أن تتغير ويريد أن تكون معافى. هذا الجزء يريد انتهاء المعاناة التي تسببها عاداتك السيئة. ولكن جزءًا منك (جزءًا من عقلك الباطن) لا يريد التغيير؛ فهو يريد أن يتجنب الصراع وعدم الراحة المصاحب للانسحاب من العادات السيئة التي أدمنتها. وهذا الجزء يريد منك أن تتظاهر بأن الأمور تسير على ما يرام كما هي بفضلك، وأنها قد تأتي بأسباب مقنعة عن السبب الذي يمنعك من اتباع الخطة. وفيما يلي نعرض بعض الأسباب الشائعة:
• إحداث أي تغيير أمر صعب للغاية.
• ليس هناك قدر كافٍ من البروتين.
• سأصبح نحيفًا للغاية وسوف تتجعد بشرتي.
• لن تتبع عائلتي هذا النظام.
• من الصعب للغاية أن آكل هذه الأطعمة على الطريق.
• لن أجد ما آكله في أي مطعم.
• لقد جربت الحميات من قبل، وأعرف أنني سأستعيد كل الوزن الذي أنقصته.
• أنا لا أحب الخضراوات بحق.

إن الإدمان يؤثر في قدرتنا على التفكير بعقلانية؛ فهو يتحامل على حكمنا لصالح الحفاظ على الإدمان. ولهذا السبب من الصعب للغاية أن تقرر حتى أن تتغير، ناهيك عن التغيير الفعلي. ومدمنو تناول الأطعمة الدسمة التي تسبب نوبات قلبية سعداء بما يكفي لمنعهم من تصديق كذبة أن انخفاض مستوى الكوليسترول أمر غير مرغوب فيه، وهم على أتم استعداد لترديد ادعاءات مناصري تناول كميات كبيرة من البروتين الذين نشروا أسطورة أن انخفاض الكوليسترول أمر خطير. كثيرون من مدمني الأطعمة الحيوانية قد يتبنون الاعتقاد القائل إن الأرض مسطحة إذا أمكنهم استخدامه في تبرير استهلاكهم للحوم الحمراء الدسمة، والزبد والجبن.

الأطعمة المعاصرة وصناعة الدواء غيرت قدرًا كبيرًا من سكان العالم إلى ثقافة جديدة؛ فمجموعة هائلة من طالبي المتعة الذين يتناولون القهوة والمشروبات الغازية والحلويات والكولا والشراب والأطعمة المعالجة والأطعمة السريعة ومنتجات الألبان المركزة الدسمة (الجبن)، ينغمسون في لهو الانغماس في عادات من شأنها تدمير الذات. وعندما تظهر النتائج الحتمية لهذه العادات السيئة، ألم ومعاناة وتعب ومرض، يتجه مجموعة المدمنين بأنفسهم إلى الأطباء ويطالبونهم بعقاقير لتخفيف آلامهم، وإخفاء أعراضهم، وعلاج أمراضهم. وهؤلاء المهملون يعتادون بشدة عادة الإدمان وما يصاحبها من تفكير إدماني لدرجة أنهم لا يميزون الفارق بين الصحة والرعاية الصحية.

إن مزايا اتباع نظام غذائي يقوم على التفوق الغذائي تتراكم مع الوقت، وتحقيق هذه المزايا يحتاج لبعض الجهد. ولكن هذا البرنامج يجب ألا يكون قرارًا لا يقبل حلًّا وسطًا في اليوم الأول. فالتحسينات المتزايدة تجلب المزايا أيضًا، وبالتالي يحدث التغيير مع الوقت. كما أن الأطعمة الصحية مذاقها رائع، ولكن ربما عليك أن تعيد إصلاح حاسة التذوق لديك، ولعلك تحتاج لبعض الوقت لكي تتعلم أساليب الطهي والوصفات التي تقدرها.

بدلاً من البحث عن خدع وحيل إنقاص الوزن، اتخذ قرارك بأن تتعافى. فالتركيز على صحتك، لا على وزنك، سوف يؤدي في النهاية إلى إنقاص الوزن على المدى الطويل. واتباع نظام صحي؛ غني بالألياف النباتية الطبيعية سوف يساعدك على تقليل رغبتك في تناول الطعام والشعور بالشبع دون إسراف في الأكل، فبقية خطط الحميات الغذائية تفشل لأنها تعتمد على الأذواق الأمريكية المعاصرة، التي تتضمن الكثير من الأطعمة المعالجة، والمنتجات الحيوانية وتنصح بها للتمتع بالصحة. توقف عن قياس كميات الطعام ومحاولة اتباع معادلات معقدة. بدلاً من ذلك، تناول أكبر قدر ممكن من الخضراوات والبقوليات والفاكهة الطازجة، وقلل من كل الأطعمة الأخرى. لا تخضع لأية خطط أخرى تهين جسمك وفطنتك أيضًا.