التصنيفات
صحة ورعاية الطفل

التحكم في الغضب والتحلي بالهدوء: مبادئ التربية ج4

من أساسيات التربية الإيجابية التحكم في الغضب والتحلي بالهدوء. أهم ما يميز الأساليب السلبية في التربية أنها مشحونة بالتوتر والقلق، فمن أسوأ الأساليب الصراخ والعنف وما يرتبط بهما من لوم وتوبيخ وسخرية ونوبات غضب، إنها تخيف الطفل وتحطم تقديره لذاته كما أنها مهينة له. فتخيل نفسك وأنت تحدق في وجه طفلك وهو يرفع رأسه لينظر إلى فوق ويرى أمامه وحشاً يريد أن يفترسه، وفي نفس الوقت تربطه بهذا الوحش علاقة حميمية وحب. إنها مواقف تخلق صراعاً داخله، هل يحبك أم يخافك ويحقد عليك؟. الصراع هو مزيج من مشاعر التعلق والغضب والذنب، إضافة إلى الرغبة في مزيد من العقاب. فحسب إدراك الطفل المتولد من مثل هذه الوضعيات هو يستحق العقاب لأنه يشعر بالعدائية والغضب وتراوده أفكاراً سلبية موجهة ضد موضوع (وهو أنت) من المفروض أن يحبه. فيصبح موضوع الحب هو نفسه موضوع الخوف والعداء، فتكون الصراعات حتمية. وعندما يخاف الطفل منك، فإن خوفه يعمم على الآخرين، ويصبح أكثر استعداداً للخوف من الرفض ومن الآخر ومن الفشل ومن المستقبل.. إنها صفات شخصية هشة ينقصها الشعور بالأمان. إضافة إلى أنه يتعلم منك عدم القدرة على التحكم في الغضب ويصبح أسلوب حياته.

إن نوبات الغضب وما يتبعها من سلبيات لا تؤدي إلى تربية إيجابية، فالمطلوب هوالتأديب، والتأديب لا علاقة له بالعقاب القاسي، بل بالسلطة الحازمة والاحترام، ونبرة صوت قوية وثابتة.

عليك أن تحافظ على هدوئك حتى وإن كان طفلك يصرخ، لا ترفع صوتك مثله، فإن ذلك لا يفيد. عليك أن تقول له ألا يتحدث إليك بهذه الطريقة، وأن ذلك يسبب لك الإزعاج. عندما تحافظ على هدوئك تكون أنت المسيطر والمسئول عن الموقف، وبالعكس عندما تفقد أعصابك فإنك تعطي طفلك الفرصة ليكتشف نقاط ضعفك، من خلالها يستفزك ويتلاعب بك ليحقق رغباته.

إذا أردت أن تعلم أطفالك الرحمة والاحترام، عليك أن تستخدم طرقاً رحيمة ومحترمة. طرقاً منطقية وقوية في الإقناع، وليس في الألم الناتج عن العقاب، على سبيل المثال: مزق أوراقاً من كتاب كنت تقرأ فيه، بدلاً من الصراخ والعنف، تقول له: شعرت بالغضب عندما وجدت أوراقاً من كتابي ممزقة، إنه تصرف منك غير مناسب، أفهم كم أنت منزعج، خذ هذا الدفتر إن شعرت بالرغبة في الشخبطة أو الرغبة في تمزيق أوراق. فمواقف الظلم والألم والخبرات السلبية مع الوالدين لا ينساها الأبناء ويبقى تأثيرها مؤذياً على سلوكياتهم وعواطفهم بشكل لاشعوري.

عليك أن تفكر لثوان قبل أن تتحدث مع طفلك، خاصة عندما تشعر بالغضب أو الاستياء، فنوبات غضبك المصحوبة بعباراتك القاسية يصدقها وتعيش معه مدى الحياة، وتصبح أفكاراً مؤمناً بها تصنع توقعاته عن ذاته وتوقعاته عن الآخرين. فالانفجارات العنيفة تعد هجوماً، والهجوم يقابله رد فعل دفاعي، وقد يكون لعبارات مثل «أنت لست ابني أو أنا أكرهك» أثر عميق لدى الطفل، رغم أنها قيلت في لحظة غضب.

عندما تكون لديك معاناة مع طفل صعب أو مشاكس، ليس معنى ذلك أن تسمح لنفسك بالاستسلام لنوبات الغضب والوقوع في مصيدة دائرة التعامل السلبي، فبإمكاننا كمربين أن نوجد أطفالاً أصحاء نفسياً مقبلين على الحياة.

أحد أهم قواعد التواصل (لا للصراخ) إنه مخيف للأطفال وللكبار على السواء، قل بهدوء: ضع هذا الشيء في مكانه أنت تعرف أنني أقصد ما أقوله. إنها عبارة لها فعل السحرعلى الأبناء، تجعلهم يفعلون ما تقوله.

التحدي الحقيقي في التربية، هو كيف تتمالك نفسك وتستعمل السلطة الحازمة مع طفلك وأنت في قمة غضبك، كي لا يزداد توتر وحنق الأطفال الغاضبين حدة، ولكي لا تزيد الأمر سوءً. فعدم فهم دوافع السلوكيات المزعجة للطفل وعدم الاعتراف بمشاعره، يفاقم مشاكل التواصل بينكما. وعندما تستطيع أن تخمن ماذا يدور في داخله من مشاعر سلبية أو هموم، فإنك تريحه وتطفئ نار غضبه، وهو يقدر ذلك منك ويتعزز التواصل بينكما.

التربية لعبة، وبتعلمك لقواعد هذه اللعبة، وإضفاء روح المرح عليها، بدل النظر إليها على أنها مهمة ثقيلة وصعبة، ستراها كتحد مثير وشيق، وسيعود عليك ذلك وعلى أسرتك بالخير الكثير، فكما أن أطفالك بحاجة إليك اليوم أنت بحاجة إليهم عندما يكبرون، وسوف تحصد نتيجة ما زرعت.

روح الدعابة والمرح تساعد الأطفال على القيام بما يُطلب منهم، على سبيل المثال: قم في بعض الأحيان بتمثيل دور شخصية من الشخصيات التي يحبها الأطفال، كالساحرة أو الأميرة أو المدرس أو الطبيب.. لتحثهم على ترتيب الغرفة أو التعاون. روح النكتة تجعلهم يسارعون لتلبية ما تطلب منهم، فهم يحبون الضحك مع الأم والأب والمعلم، فذلك يشعرهم بالمودة والحب، ويكرهون العبوس والصراخ..

ومن الأهمية أن تجعل الأطفال يحبون ما يقومون به من أعمال (ألعاب، أوقات النوم والطعام، التعاون مع الأم، القراءة..)، فعندما يرتبط ما يقومون به بحبهم له يمكنهم تحقيق الاستفادة القصوى من قدراتهم الحالية. وبإدخالك لروح المرح والدعابة في تعاملك معهم تساعدهم على أن يحبوا أعمالهم..

لقد بينت الأبحاث في هذا المجال أن لحظات قليلة من الإثارة والمتعة والضحك في الحياة اليومية، يمكن أن تؤدي إلى تغييرات إيجابية في الحركات اللاإرادية للقلب وموجات المخ والجهاز المناعي. والعكس فالروتين الممل والاستسلام للمشاعر السلبية كالغضب والحزن، يسبب توتراً في نبضات القلب ويؤثر على موجات المخ، مما يؤثر على الذكاء سلباً. أسعد الناس هم الذين يدخلون المرح والمتع البسيطة في حياتهم اليومية، فاجعل من تربية أبنائك وعلاقتك بهم متعة لك ولهم.

تأليف: د. فاطمة الكتاني