في السابق، كان يطلب من النساء المصابات بداء السكر الامتناع عن الحمل. وإذا حملن، لم يكن الأطفال يعيشون لفترة طويلة. وحتى بعد توافر الأنسولين في بداية العشرينات من القرن العشرين، بقي عدد حالات الحمل الناجحة بين النساء المصابات بداء السكر أكثر انخفاضاً مما هو عند النساء غير المصابات بداء السكر.
أما اليوم فباتت فرص اختبار المرأة المصابة بداء السكر لحمل طبيعي موازية تماماً لما هي عند المرأة غير المصابة بداء السكر. السبب؟ السيطرة المحكمة على سكر الدم قبل الحمل وأثناءه.
ولا بد من التمييز بين النوعين الأول والثاني من داء السكري وسكري الحمل. فعلى عكس النوعين 1 و 2 من داء السكر، اللذين ينشآن قبل الحمل أو بعده، يحدث سكر الحمل أثناء الحمل، خلال الفصل الثاني أو الثالث عموماً. وينجم هذا الشكل من داء السكر عن ازدياد إنتاج هرمونيّ الاستروجين والبروجسترون أثناء الحمل. كما يختلف داء سكر الحمل عن غيره إذ يختفي مباشرة بعد الولادة. لكن التعرض لداء سكر الحمل يزيد من خطر تعرضك للنوع 2 من داء السكر. فأكثر من نصف النساء اللواتي يعانين من سكر الحمل يصبن لاحقاً بالنوع 2 من داء السكر.
وفي بعض الحالات النادرة، تصاب بعض النساء بالنوع 1 من داء السكر أثناء الحمل. وفي معظم الحالات، يتم تشخيص الحالة أساساً على أنها داء سكر الحمل. لكن على عكس سكر الحمل، لا تتحسن مستويات سكر الدم بعد ولادة الطفل، بل تبقى مرتفعة وتحتاج إلى الأنسولين للسيطرة عليها.
سكر الدم وصحة الطفل
تعتبر السيطرة على سكر الدم مهمة جداً لصحة الطفل غير المولود. فخلال الأسابيع الثمانية الأولى من التكوين – أي عند تكوّن قلب الطفل ورئتيه وكليتيه ودماغه – يكون الجنين أكثر عرضة لعيوب الولادة أو الإجهاض إذا كان سكر دم الأم مرتفعاً جداً. كما أن المستوى المرتفع لحمض الدم (الحماض السكري) قد يسبب الإجهاض.
في مرحلة لاحقة من الحمل، يمكن أن يفضي سكر الدم الخارج عن السيطرة إلى ولادة مبكرة أو ولادة ميتة. كما أن سكر الدم المفرط يجعل الطفل ينمو أكثر من المعتاد وتصبح الولادة أكثر تعقيداً. وعلى عكس الأم، قد يولد الطفل وهو يعاني من نقص مستوى سكر الدم. ومن المضاعفات الأخرى المحتملة نذكر اللون الأصفر للبشرة (يرقان) نتيجة تراكم خلايا الدم القديمة التي لم يجر التخلص منها بسرعة كافية في كبد الطفل. إلا أنه يمكن معالجة هاتين المشكلتين بسهولة لحسن الحظ.
ومن المخاطر اللاحقة بالأم نتيجة سكر الدم غير الخاضع للسيطرة أثناء الحمل نذكر ارتفاع ضغط الدم وتفاقم مضاعفات داء السكر الموجودة قبلاً، ولاسيما مرض العين (اعتلال الشبكية).
التخطيط للحمل
للحؤول دون تعرضك أنت وطفلك للمضاعفات المرتبطة بداء السكر، من المهم السيطرة على سكر دمك قبل الحمل. ويمكن لبرنامج السيطرة على داء السكر، الذي يجري تطويره مع طبيبك وفريق الرعاية الصحية، أن يساعدك في التوصل إلى سيطرة جيدة على سكر الدم وتحضير جسمك لحمل صحي.
ينطوي هذا البرنامج عموماً على الآتي:
استعمال وسائل منع الحمل
يتيح لك استعمال وسائل منع الحمل قبل الحمل اختيار الوقت الأكثر أماناً وملاءمة لإنجاب الطفل.
وحين يصل اختبار الهيموغلوبين السكري (هيموغلوبين A-1C) إلى مستويات شبه سوية، قد يوصيك طبيبك بالتوقف عن استعمال وسائل منع الحمل. والواقع أن الاختبار هو قياس إجمالي لسكر دمك
فحص جسدي شامل
يساعد الفحص الجسدي على التعرف إلى المخاطر المحتملة للمضاعفات المرتبطة بالحمل، مثل ضغط الدم المرتفع ومرض العينين أو الأعصاب أو الكليتين. وبما أن الحمل قد يفاقم مشاكل داء السكر، يجب معالجة هذه المشاكل قبل الحمل.
مراقبة منتظمة لسكر الدم
تعتبر المراقبة المستمرة لمستوى سكر دمك أحد أهم الأمور الممكن فعلها لتخفيض خطر تعرضك أنت وطفلك للمضاعفات المرتبطة بداء السكر. ويفترض أن يشجعك طبيبك، قبل الحمل وبعده، على اختبار سكر دمك مرات عدة كل يوم وتعديل جرعة الأنسولين وفق ذلك. عليك التحقق من مستوى سكر دمك قبل كل وجبة طعام، وبعد ساعة أو ساعتين من كل وجبة طعام وعند الخلود إلى النوم. وقد يوصيك طبيبك أيضاً بالتحقق من سكر دمك في منتصف الليل.
تصميم الوجبات
يساعدك برنامج الأكل الصحي في الحفاظ على مستويات سكر دم شبه سوية. قد يتوجب عليك العمل مع اختصاصي التغذية لتعديل برنامج وجباتك بهدف مواجهة مشاكل الحمل، بما في ذلك الغثيان والتقيؤ والإمساك والتوق إلى الطعام.
وتعتبر المحليات الاصطناعية مشكلة بالنسبة إلى الأمهات المصابات بداء السكر. فتأثيرات السكرين في الجنين غير معروفة، ولذلك يفضل تفادي المنتجات المحتوية على السكرين أثناء الحمل.
التمارين المنتظمة
قبل أعوام عدة، كانت تنصح النساء المصابات بداء السكر بعدم ممارسة التمارين أثناء الحمل خوفاً من تأثير التمارين في صحة الطفل. أما اليوم، فيوصي الأطباء جميع الأشخاص بممارسة التمارين يومياً لتحسين صحتهم، بما في ذلك النساء الحوامل المصابات بداء السكر. ومن المهم اختبار سكر دمك قبل التمارين وبعدها لتفادي نقص سكر الدم.
الحؤول دون المشاكل المحتملة
يمكن للسيطرة المحكمة على سكر الدم أن تحول دون مضاعفات الحمل، لكن السيطرة المحكمة قد تعرضك أيضاً لخطر نقص سكر الدم. فجسمك يعتاد على كون سكر دمك في نطاق محدد. وحين ينخفض سكر دمك ادنى من هذا النطاق، يتفاعل جسمك بطريقة ما. تنطوي علامات إنذار نقص سكر الدم على الارتعاش، والتعرق، والحركات المضطربة، والارتباك، والصداع، والجوع، والشحوب، وتقلبات المزاج والسلوك. أما الأسباب المحتملة لنقص سكر الدم فتشمل ممارسة الكثير من التمارين، أو تناول الكثير من الأنسولين، أو عدم تناول طعام كافٍ وعدم الأكل في الوقت المناسب.
من جهة أخرى، يمكن أن يحدث ارتفاع سكر الدم، وهو مشكلة أخرى قد تنجم عن السيطرة المحكمة، إذا لم يحصل جسمك على كمية كافية من الأنسولين، أو أفرطت في تناول الطعام، أو مارست التمارين أقل من المعتاد. ويمكن أن يؤدي الإجهاد أو المرض، مثل الزكام أو الانفلونزا، إلى ارتفاع سكر الدم. وقد تنطوي العوارض على تبويل متكرر وازدياد العطش والتعب.
كما أن الحماض السكري هو مشكلة أخرى يجدر بك الحذر منها. إنها ناجمة عن ازدياد مستويات الكيتونات، وهو حمض في الدم ينجم حين تفتقد خلاياك إلى السكر ويبدأ جسمك بتفكيك الدهن للحصول على الطاقة. قد تتراكم الكيتونات، وهي منتج ثانوي لاستقلاب الدهن، في دمك وتشكل خطراً على صحتك – وصحة الطفل.
أثناء الحمل
يمكن للزيارات المنتظمة إلى فريق الرعاية الصحية أن تساعدك على إبقاء برنامج السيطرة على داء السكر قيد السيطرة خلال الحمل.
الفصل الأول
خلال الأسابيع 10 إلى 12 الأولى من الحمل، عليك زيارة الطبيب بانتظام، ربما مرة كل أسبوع أو أسبوعين. ففي هذه المرحلة، تتكوّن الأعضاء الأساسية لجنينك، ويجب أن يكون سكر دمك قريباً قدر الإمكان من المعدل السوي. ويمكن للمراقبة المتواترة لسكر الدم أن تساعدك في ذلك. وبما أن حاجة جسمك إلى الأنسولين قد تنخفض قليلاً خلال هذه المرحلة، عليك الانتباه جيداً إلى علامات نقص سكر الدم. وإذا كان دوار الصباح يزعجك فعلاً، تحدثي مع طبيبك بشأن استعمال الأدوية المضادة للغثيان.
الفصل الثاني
في الفصل الثاني، تخضع معظم النساء للتصوير للتحقق من صحة الطفل. كما يراقب الطبيب وزنك. فطوال فترة الحمل، يجب أن يزداد وزنك بين 15 و 30 باونداً، حسب وزنك السابق قبل الحمل.
بالفعل، يجدر بالنساء المصابات بالوزن الزائد أن يحرصن على عدم زيادة الوزن أكثر من 15 باونداً (7 كلغ). وبالنسبة إلى النساء صاحبات الوزن العادي، يوصى عادة بزيادة بين 20 إلى 30 باونداً (9 – 13 كلغ).
إذا كنت تتناولين الأنسولين، توقعي أن تزداد حاجاتك إلى الأنسولين تدريجياً حتى الأسبوع العشرين من الحمل ومن ثم تتسارع على نحو جذري. فالهرمونات التي تفرزها المشيمة لمساعدة الطفل على النمو تعطل تأثير أنسولين الأم. نتيجة ذلك، تزداد حاجاتك إلى الأنسولين على نحو جذري. وفي هذه المرحلة من الحمل، عليك أيضاً مراجعة اختصاصي العيون. فالضرر اللاحق بالأوعية الدموية الصغيرة في العينين قد يتفاقم أثناء الحمل بسبب الهرمونات الإضافية التي تفرزها المشيمة.
الفصل الثالث
عند دخول حملك في الأشهر الثلاثة الأخيرة، يراقبك طبيبك عن كثب بحثاً عن المضاعفات المحتملة التي قد تحدث في هذه المرحلة الأخيرة من الحمل: ارتفاع ضغط الدم، تورم الكاحلين نتيجة تراكم السوائل ومشاكل الكليتين. قد تخضعين لتصوير آخر فائق الصوت لتقييم حجم الطفل وصحته. يجدر بك أيضاً فحص عينيك مجدداً للتحقق من أي ضرر في العينين. وفي هذه المرحلة، يمكن للمشكلة المحتملة في صحتك أو صحة طفلك أن تفضي إلى ولادة مبكرة للطفل.
ولادة الطفل
يساعدك فريق الرعاية الصحية على تحديد الوقت الأمثل والطريقة الأكثر أماناً لولادة الطفل. ولا يوصى عادة بولادة الطفل في المنزل بمساعدة قابلة أو ممرضة بسبب الاحتمال المتزايد للمشاكل نتيجة داء السكر.
وطالما يبقى سكر دمك في المستوى السوي أو لا تعانين أنت أو الطفل من أية مضاعفات، يمكنك توقع حصول ولادة طبيعية عبر المهبل. وأثناء المخاض، يجب مراقبة سكر دمك على نحو متواتر للحؤول دون انخفاض أو زيادة كبيرة في مستويات سكر الدم. وبما أن جسمك يعمل بقوة كبيرة، يحتمل أن تحتاجي إلى مقدار أقل من الأنسولين. لكن في حال وجود مضاعفات، قد يولد الطفل بواسطة عملية قيصرية من خلال فتح شق في أسفل البطن وجدران الرحم. وبصرف النظر عن طريقة التوليد، تكون النتيجة طفلاً سليماً بالنسبة إلى معظم النساء اللواتي حافظن على سيطرة محكمة على سكر الدم.
وبعد ولادة الطفل، تتضاءل احتياجاتك إلى الأنسولين. لكنك بحاجة إلى عدة أسابيع أو أشهر قبل اكتمال تغيرات جسمك وعودتك إلى نظام الأنسولين السابق الذي كنت عليه قبل الحمل.
العلاج المكثف للأنسولين يخفف عيوب الولادة
أشارت دراسات الجمعية الأميركية لداء السكر أنه بين النساء المصابات بالنوع 1 من داء السكر اللواتي يبدأن برنامجاً من العلاج المكثف للأنسولين (سيطرة محكمة على سكر الدم) قبل الحمل، يعاني 1 في المئة فقط من الأطفال من عيوب الولادة، مقارنة مع 10 في المئة من الأطفال المولودين لأمهات يباشرن في العلاج المكثف للأنسولين بعد الحمل. وينطوي العلاج المكثف للأنسولين على تعديلات متكررة لجرعات الأنسولين بهدف الحفاظ على مستويات سكر طبيعية في الدم.
كما أن التغيرات الحاصلة في جسمك أثناء الحمل تؤثر في مستوى سكر دمك وتجعل السيطرة على داء السكر أكثر صعوبة. ومع تقدم الحمل، تفرز المشيمة هرمونات تخفف قدرة الأنسولين على خفض سكر الدم. ويعني ذلك أنك قد تحتاجين إلى ضعفي أو ثلاثة أضعاف مقدار الأنسولين الذي تتناولينه حالياً، وقد تحتاجين إلى تلقي حقن الأنسولين بتواتر أكبر. راجعي طبيبك على الدوام قبل إجراء أية تعديلات في نظام الأنسولين الخاص بك.
أسئلة وأجوبة
إذا كنت أعاني من داء السكر، ما هي فرص تعرض ولدي له؟
يستطيع الاختصاصي في المسائل الوراثية مساعدتك على توقع احتمال تعرض ولدك للنوع 1 أو 2 من داء السكر.
وحسب الجمعية الأميركية لداء السكر، يكون الطفل المولود من أم في عمر 25 عاماً أو أكثر مصابة بالنوع 1 من داء السكر معرضاً للخطر نفسه تقريباً -1 في المئة – مثل الطفل المولود من أهل غير مصابين بداء السكر.
ويزداد هذا الخطر إلى 4 في المئة إذا كان عمر الأم أصغر من 25 عاماً عند ولادة الطفل.
وفي حال معاناة الأب من النوع 1 من داء السكر، يرتفع الخطر إلى 6 في المئة تقريباً.
وفي حال معاناة كلا الوالدين من النوع 1 من داء السكر قبل بلوغ عمر 11 عاماً، يتضاعف الخطر تقريباً.
من جهة أخرى، يميل النوع 2 من داء السكر إلى الانتقال في العائلات.
ويحتمل أن تكون عادات أسلوب العيش المرتبطة بالطعام والتمارين أكثر تأثيراً من العوامل الوراثية في إمكانية تعرض ولدك للنوع 2 من داء السكر حين يبلغ سن الرشد.
هل أستطيع إرضاع طفلي؟
نعم. فالإرضاع يوفر العديد من الفوائد للطفل. بالإضافة إلى ذلك، يساعدك على فقدان بعض الوزن الذي اكتسبته أثناء الحمل.
واعلمي أن مستويات سكر الدم تنخفض أثناء الإرضاع ويمكن لإرضاع الطفل عند الخلود إلى النوم وفي أواخر الليل أن يستنفد موردك من السكر. لذا، قد يتوجب عليك تعديل جرعات الأنسولين، ولاسيما خلال الليل. يستطيع طبيبك أو مستشار داء السكر مساعدتك على تعديل نظام الأنسولين للسماح لك بالإرضاع.