التصنيفات
جهاز المناعة

التطعيمات أو اللقاحات: هل هي ضرورية حقاً؟

من الأسئلة المهمة للغاية في مجال المناعة: هل يتحتم عليك أن تعطي لقاحات (أي تطعيمات) للأطفال ضد الأمراض (من الحصبة إلى الالتهاب السحائي) أم لا؟ فلقد اكتسبت اللقاحات أو الفاكسينات Vaccinations شهرة باعتبارها نصراً للطب المعاصر ضد الأمراض المعدية. وأساسها هي فكرة إدخال عامل معدٍ ميت أو مُضْعِف في شخص ما حتى يستجيب جهازه المناعي وينتج أجساماً مضادة. وهكذا فإن تذكر جهاز المناعة للأنتيجين (مولد المضاد) ولكيفية صنع الأجسام المضادة يعطيه بداية قوية في التعامل مع حالة العدوى بمجرد تعرض الشخص لهذا العامل المعدي مرة أخرى، إذ يمكنه حينئذ أن يقوم بعمله بسرعة. وتقول وجهة النظر التقليدية إن تلك اللقاحات ضرورية وتنقذ الأرواح وعيوبها قليلة وإنها مسئولة عن انخفاض معدلات الوفيات من تلك الأمراض المعدية.

ومع ذلك، فإن وجهة النظر هذه مشكوك فيها بدرجة كبيرة. وإن من أفضل التحليلات للحقائق المتعلقة باللقاحات هو ما ورد في كتاب “لين ماكتاجارت”: “ما لا يقوله لك الأطباء” What Doctors Don’t Tell You وفيه تقوم المؤلفة بتفنيد الخرافات المحيطة باللقاحات، وذلك على أساس الحقائق التالية:

1.    لم يتم القضاء على الأمراض قضاءً تاماً كنتيجة لاستخدام اللقاحات

إن كثيراً من الأمراض الوبائية الفيروسية أو البكتيرية تأتي في دورات، وقد تناقص حدوثها بفضل ما تم من تحسينات في الصحة العامة (أي النظافة والتطهير) وعزل المصابين بعدوى الأمراض. وثمة مثال واضح لذلك إذ حدث وباء من الجدري في العصر الفيكتوري في إنجلترا. وقد حصد الوباء الذي أصاب البلاد في الفترة من عام 1870 إلى عام 1872 أرواح 44 ألف نسمة رغم أن معظم السكان كانوا قد تم تطعيمهم باللقاحات. لذا قررت مدينة لايسستر التي اكتوت بنار هذا الوباء ألا تعود إلى استخدام اللقاحات على أساس أنها لم تنفع. وهذا مع العلم بأن اللقاحات التي كانت تستخدم في تلك الآونة كانت أقل نقاء بكثير مما هي اليوم. وأثناء الوباء التالي في عام 1892 اعتمدت مدينة لايسستر على الإجراءات المتعلقة بالصحة العامة (النظافة والتطهير) وعزل المرضى؛ وهكذا قل عدد المرضى إلى 19 مريضاً فقط ولم تحدث سوى حالة وفاة واحدة من كل 100 ألف نسمة. وأما مدينة وارينجتون فقد كان عدد المصابين بالمرض يعادل 6 مرات أكثر من المدينة السابق ذكرها ومعدل الوفيات أكثر 11 مرة، رغم أن 99% من سكانها قد تم تطعيمهم باللقاحات.

ورغم إدخال أسلوب اللقاحات، فإن معدل حدوث الكثير من الأمراض المعدية استمر في الزيادة أو النقصان بغض النظر عن اللقاحات. ففي الولايات المتحدة مثلاً استمر معدل الإصابة بالحصبة في الزيادة حتى عام 1990 رغم استخدام اللقاح منذ عام 1957.

2.     الأمراض التي يتم تطعيمك ضدها ليست بالضرورة مهددة للحياة

توجد لقاحات ضد الحصبة والسعال الديكي والنكاف وشلل الأطفال والحصبة الألمانية والالتهاب الكبدي والتيتانوس والدفتريا والسل والالتهاب السحائي. وبعض هذه الأمراض يكون مهدداً للحياة أكثر من الأمراض الأخرى. فالحصبة والنكاف نادراً ما يكونان مهددين للحياة إلا في حالات الأطفال المصابين بسوء التغذية وأجهزتهم المناعية ضعيفة. وأما الدفتريا التي تكاد تكون قد اختفت من الوجود تماماً؛ فهي أكثر تهديداً للحياة.

لذا فحينما نفكر في استخدام اللقاحات ضد أحد الأمراض المعدية علينا أن نعرف مدى انتشاره في البلد الذي نعيش فيه من العالم ومعدل حدوث الوفيات أو الأضرار الناتجة عن ذلك المرض المعدي.

3.     اللقاحات لا تحميك من المرض بالضرورة على أية حال.

بالطبع فإن الفكرة الشعبية السائدة هي أنك إذا تلقيت التطعيم باللقاح فستكتسب مناعة ضد المرض. ولكن بعض اللقاحات تكون أكثر نجاحاً من لقاحات أخرى، وبعضها يستمر لفترات أطول من الأخرى. كما تجد اختلافات شاسعة بين الناس فيما يختص بمدى فعالية اللقاح في إنتاج ما يكفي من الأجسام المضادة. وتعطي اللقاحات لسلالات معينة من الميكروبات التي تستمر في التطور والتغير، لذا لا يوجد ضمان للوقاية. فمثلاً، حدث وباء من شلل الأطفال في تايوان رغم تطعيم 98% من الأطفال الصغار. وفي عام 1961 حدث وباء من شلل الأطفال في ولاية ماساتشوسيتس الأمريكية أدى إلى ظهور حالات من الشلل الناتج عن الفيروس بين الذين تم من قبل تطعيمهم أكثر مما ظهر بين من لم يتم تطعيمهم.

4.     اللقاحات ليست خالية من الآثار الجانبية

ربما كان الأكثر إثارة للنزاع بين جميع التساؤلات المذكورة هي قضية الآثار الجانبية للقاحات، التي قد تصل في بعض الحالات إلى حدوث تلف دائم أو الوفاة كنتيجة للقاح. وهناك اثنان من أكثر اللقاحات شيوعاً، وهما اللقاح الثلاثي المسمى MMR (وهو لقاح الحصبة والنكاف والحصبة الألمانية) واللقاح الثلاثي الآخر المسمى DPT (وهو لقاح الدفتريا والسعال الديكي والتيتانوس) قد تم فحصهما بدقة من قبل الهيئة الأمريكية للسيطرة على الأمراض والوقاية منها. ومن خلال مراقبة حالات 500 ألف طفل في أنحاء الولايات المتحدة بعد تطعيمهم تم اكتشاف 34 أثراً جانبياً رئيسياً، وكانت أكثرها شيوعاً هي النوبات التشنجية. ففي اليوم التالي لإعطاء الأطفال لقاح DPT زادت قابلية إصابة الأطفال بالتشنجات بمعدل ثلاث مرات، وفي حالة لقاح MMR كان معدل الزيادة 2.7 مرة بعد 4 إلى 7 أيام وكان 3.3 مرات بعد 8 إلى 14 يوماً.

ومن أكثر اللقاحات خطورة لقاح السعال الديكي الذي يعزى إليه أكثر من نصف عدد حالات التفاعلات الضارة نتيجة للقاحات. ومرض السعال الديكي في حد ذاته نادراً ما يكون مميتاً إذا أصاب الأطفال المتمتعين بالتغذية السليمة، لذا، فثم تساؤل خطير في هذا المقام عما إن كانت فوائده تفوق مخاطره المعروفة. وفي بعض الحالات تؤدي تفاعلات لقاح DPT إلى تلف عصبي دائم (بنسبة واحد من كل 40 ألف طفل يتم تطعيمهم)؛ بل إلى الوفاة. وتبعاً لما قرره بحث أجري في مستشفى تشرشل في أكسفورد فإن الطفل الذي يتم تطعيمه ضد السعال الديكي يكون أكثر عرضة بنسبة 50% للإصابة بالربو أو بحالات الحساسية في مستقبل حياته. ويعتقد أن هذا بسبب أن لقاح السعال الديكي يعزز حدوث استجابة مناعية قوية نحو الأليرجينات الفعالة مثل حبوب اللقاح. كذلك فإن تناول المضادات الحيوية في خلال السنتين الأوليين من حياة الطفل تزيد هذه القابلية. فالمضادات الحيوية، بدورها، تتلف القناة الهضمية وقد تفسد عملية البرمجة المناعية المبكرة في جسد الطفل.

وما من مخلوق حتى اليوم يعرف المخاطر الإجمالية لتناول عدد من اللقاحات في وقت واحد. ويحتمل، مع ذلك، أن تكون التفاعلات الناتجة أكثر قابلية للحدوث في طفل لديه احتياطيات قليلة تمكنه من استعادة توازنه بعد أن أجبر جهازه المناعي على التفاعل تجاه تهديد أحد الكائنات الغازية. ففي الأطفال الضعفاء مناعياً قد تسبب اللقاحات زيادة في العبء الملقى على عاتق أجهزتهم المناعية، مما يؤدي إلى تكون سموم (توكسينات) تؤثر بالضرر على أجهزتهم العصبية ومخاخهم لا تستطيع أجسادهم الضعيفة التعامل معها.

البدائل للقاحات

إن البديل عن استخدام اللقاحات هو أن تضمن أن لديك أو لدى طفلك جهازاً مناعياً كفؤاً في مكافحة الأعداء. ولا توجد وسيلة أخرى أفضل من الرضاعة الطبيعية لتقوية مناعة الأطفال الرضع. وبمجرد فطام الطفل يكون من المهم ضمان حصوله على المغذيات المنشطة للمناعة بكميات مثالية. فمثلاً، فيتامين أ يوفر حماية للطفل من الحصبة وربما شلل الأطفال. فحتى في الدول غير المتحضرة يمكن إبطال حدوث الوفيات من الحصبة عملياً عن طريق ضمان تناول كمية كافية من فيتامين أ. ومن المحتمل بشدة، وإن لم يثبت قطعياً حتى الآن، أن تناول العناصر الغذائية الشاملة المنشطة للمناعة من الفيتامينات والمعادن والأحماض الأمينية والدهون الأساسية بكميات وافرة يمكن أن يحول حالة مرضية فيروسية مهددة للحياة بشدة إلى حالة مرضية طفيفة مؤقتة.

وثمة طريقة أخرى لتقليل الخطر في الأطفال الرضع (الذين تكون أجهزتهم المناعية غير ناضجة) وهي الحد من تعرضهم المبكر لأعداد كبيرة من الأطفال الآخرين المصابين بالعدوى في مراكز الرعاية النهارية حتى سن الثالثة، حين تكون أجهزتهم المناعية أكثر قوة.

ورغم أن اللقاحات الهوميوباثية (أي العلاجية المثلية) لم يتم بحثها جيداً، فقد تحتاج إلى أن تتقصى تلك اللقاحات وتجربها. ففي إحدى الدراسات أمكن حماية 18 ألف طفل بنجاح من الالتهاب السحائي باستخدام علاج مثلي (هوميوباثي) دون حدوث أثر جانبي واحد.