إن السرطان هو ثاني أهم سبب للموت في العالم الغربي. في المملكة المتحدة يتم تشخيص واحد من بين 3 أشخاص مصاباً بالسرطان خلال حياته وواحد من بين 4 يموت من جرائه في الوقت الحاضر. يحدث السرطان عندما تبدأ الخلايا بالتصرف بشكل مختلف، من ناحية النمو، التضاعف والانتشار. إنها بمثابة ثورة في الجسم، حيث تتوقف مجموعة من الخلايا عن العمل لصالح المجموع وتنمو بشكل أهوج. إن الخلية الثائرة المنفردة هي واقعة عامة، ويقوم جهاز المناعة في الجسم بعزل وإتلاف هكذا مخالفين. مع ذلك، فإن جهاز المناعة في مرض السرطان يُغلب على أمره وينتشر الضرر ويمتد إلى سائر الجسد.
إن العلاجات المعروفة ترى السرطان تماماً كالعدو فتقوم بقطعه وحرقه من خلال الأشعة، أو تخديره بواسطة علاج كيميائي. كل هذه العلاجات تقود إلى إضعاف الجسد. والتقدم فيها هو معني فقط بطرق أقل ضرراً في تطبيقها ولا يمكن اعتبار هذه الطرق اختراعاً جديداً. ورغم أن المعدلات المتبقية قد تحسنت قليلاً، فإن هذا التحسن هو نتيجة طرق اكتشاف أكثر تقدماً أكثر من أن يكون علاجاً أكثر نجاحاً.
ما الذي يسبب السرطان؟
إن التقدم المهم الذي حدث يكمن في إدراك الأسباب والمخاطر الرئيسية لأنواع عديدة من السرطان. على الأقل هناك 75% منه مرتبط بعوامل طريقة العيش ومن ضمنها النظام الغذائي. التدخين وشرب الكحول. وهناك عوامل خطورة أخرى تشمل خللاً هرمونياً من جراء التعرض للإشعاع أو الأشعة ما فوق البنفسجية، التلوث، مضافات الأطعمة، العقاقير والالتهابات.
من بين كل عوامل الخطورة يعد النظام الغذائي هو الأهم، وقد تمت مؤازرته بواسطة التقدم الهائل الذي حصل في العلاج والوقاية على حد سواء من السرطان إلى جانب العلاج الغذائي. وهذا يعود إلى وجود سبب رئيسي في الأنواع العديدة من السرطان يبدو أنه ضرر الجذور الحرة لـ DNA الخلايا، مما يثير تبدل سلوكها. إن عوامل الخطورة كالتدخين والإشعاعات تشجع نشاط الجذور الحرة، في حين أن تناول كمية جيدة من المغذيات المانعة للتأكسد توفر مقداراً من الوقاية.
75% على الأقل من أنواع السرطان مرتبط بالعوامل التالية:
الوقاية المانعة للتأكسد
رغم وجود دليل راسخ منذ عقد مضى حول الأثر الوقائي للمغذيات المانعة للتأكسد ومن ضمنها الفيتامين A، بيتا كاروتين، فيتامينات C وE والسلينيوم إزاء بعض أنواع السرطان لدى الحيوانات، ومع الاكتشافات التي تجرى سنوياً، فنحن حالياً نرى معلومات استدلالية عن اختبارات بشرية بعيدة الأمد تدعم دور العلاج الغذائي. لقد عرفنا أيضاً كيف تعمل المغذيات بشكل متآزر في الحماية من مرض السرطان.
إن وجود مستويات عالية من الفيتامين A (ريتنول) في الدم كان مرتبطاً لمدة طويلة بانخفاض الخطر. وقد أظهرت الأبحاث الحديث أن أيضتين من الرتينول، 14 -Cis- Retinoic Acid وTrans- Retinoic Acid هي عوامل قوية مضادة للسرطان. ووجدت دراسة أجراها د. هوانغ أن Trans- Retinoic Acid يوقف اللوكيميا (سرطان الدم) الحاد في النخاع الشوكي. وأظهرت دراسة أخرى أجراها كل من د. هونغ ود. ليبمان، أن 13- Cis- Retinoic Acid تمنع سرطان العنق والرأس. فقد أعطيا 49 مريضاً من هذه المادة، وبعد مرور سنة فقط 4% نما لديهم ورم آخر، بالمقارنة مع 24% من ضمن 51 مريض خضعوا لعلاج إيهامي.
أما البيتا كاروتين، الذي يمكن تحويله إلى فيتامين A، فهو أيضاً مضاد للسرطان. وقد أظهرت دراسة يابانية طالت 265.000 شخصاً وجود ارتباط مهم بين قلة كمية البيتا كاروتين وانتشار سرطان الرئة. في الواقع، إن خطر سرطان الرئة هو نفسه بالنسبة إلى المدخنين الذين لديهم مستويات جيدة من مضادات التأكسد وغير المدخنين الذين يملكون مستويات منخفضة منها.
مع ذلك، فإن الدراسات المذكورة لم تكن إيجابية كلها. خلال إحدى الدراسات التي أجراها معهد السرطان القومي تم إعطاء المدخنين مقداراً من البيتا كاروتين وقد سجلت زيادة في انتشار سرطان الرئة بنسبة 28%. إنه لأمر مربك، أليس كذلك؟ ربما هذا هو الهدف. إلقاء نظرة أقرب إلى الأرقام يظهر أن هذا «الاتجاه» يمثل الاختلاف بين 5 حالات من السرطان بين ألف شخص و6 حالات بين ألف شخص – إن أشخاص دخنوا طيلة سنوات المرض ربما لم يكتشفوا وجود المرض قبل بدء الاختبار. هناك اكتشاف غير مذكور كان مخبأ خلف الأرقام. بين الأشخاص الذين انقطعوا عن التدخين خلال الاختبار وأخذوا بيتا كاروتين كان هنالك حالات أقل بسرطان الرئة بنسبة 20%. هل هذا يعني أن للبيتا كاروتين قدرات معنوية ويصيب المدخنين بالسرطان لكنه يحمي المنقطعين عن التدخين؟ أو أن كلتا النتيجتين هما مسألة حظ؛ أو متغير طفيف، حسبما ذكرت الإحصاءات، أن حبة دواء صغيرة من بيتا كاروتين المصنع (مع إهمال كل مضادات التأكسد الأخرى الموجودة في المصدر الطبيعي له) لا يمكن أن تحمل أي أثر بعد فترة طويلة من التدخين؟ نحن لا نعرف إطلاقاً: لقد كلف الاختبار 27 مليون باوند، لكنه أُهمل. علماً بأن 200 دراسة سبق أن أظهرت سلامة وفعالية بيتا كاروتين على حد سواء، إلا أنه كيف يمكن لمعهد السرطان القومي أن يسمح ببدء هكذا دراسة ضعيفة ومن ثم يهملها؟
مرضى السرطان يعيشون 4 مرات أطول مع فيتامين C
لقد أظهر د. لينوس بولينغ الحائز على جائزة نوبل وخبير السرطان د. إيوان كاميرون، أولاً مواصفات فيتامين C المضادة للسرطان والمدهشة في الستينات. فقد قاما بإعطاء مرضى السرطان الذين هم في مرحلة متقدمة من المرض 10 غرامات يومياً وظهر أن هؤلاء قد عاشوا 4 مرات أطول من المرضى الذين لم يتناولوا فيتامين C. ومنذ ذلك الحين تم إنجاز العديد من الدراسات حول هذا الفيتامين. من خلال استعراض بحث عنه ثبت أن «إثبات الأثر الوقائي للفيتامين C مع أنواع سرطان غير هرمونية هو قوي جداً». من بين 46 دراسة تم خلالها احتساب مؤشر فيتامين C الغذائي، فإن 33 واحدة وجدت فيه وقاية مهمة إحصائياً.
بالإضافة إلى كونه مضاد للتأكسد وقادر على تجريد الجذور الحرة، فإن الفيتامين C يستطيع أيضاً تجريد عدد من المواد الأخرى المولدة للسرطان (عوامل مسببة له)، كالـ Nitrosomises وقد تحدث هذه عندما تتحد الكيميائيات التي تسمى نترات مع الأمينات. إن مستويات النترات تكون عالية في الخضار التي نمت مع سماد محتوي على نترات، بالإضافة إلى توفرها في الماء، بسبب بقايا التربة المفرزة داخل مصادر الماء. كما تضاف النترات أيضاً إلى بعض اللحوم المحفوظة كورك أو فخذ الحيوان، المقانق والفطائر. إن 70% من الكمية التي نأخذها تأتي عن طريق الخضار التي تنبت مع أسمدة صناعية، 21% عن طريق الماء و6% من اللحوم.
تآزر الفيتامينات C وE والسلينيوم
كشفت دراسة امتدت 10 سنوات وطالت ما يزيد عن 11 ألف شخص وانتهت عام 1996، أن الأشخاص الذين تناولوا مضافات من الفيتامينات C وE المانعة للتأكسد توصلوا إلى إنقاص خطر الموت من جراء كل أنواع السرطان ومرض القلب، إلى النصف. إن الفيتامين C قابل للذوبان في الماء، في حين أن الفيتامين E يذوب في الدهون. وكلاهما سوياً يستطيعان حماية الأنسجة والسوائل في الجسم. الأمر الإضافي هو أن الفيتامين C عندما يقوم بتجريد مادة مولدة للسرطان يمكنه أن يحمل ثانية من الفيتامين E، والعكس أيضاً صحيح، لذلك فإن وجودهما المترابط في النظام الغذائي والجسم له أثر تآزري.
يعتبر الفيتامين E عاملاً قوياً مضاداً للسرطان، خاصة في حال دمجه مع السلينيوم. علماً بأن مستويات الفيتامين E العالية بالدم ترتبط بانخفاض مهم للإصابة بالسرطان، إن الدراسات التي أجريت في فنلندا من قبل د. سالونين وجدت أن دمج مستويات منخفضة من الفيتامين E والسلينيوم يزيد من خطر السرطان بنسبة تفوق 10 مرات.
لقد عرف معدن السلينيوم لفترة طويلة بأنه قادر على الحماية من مرض السرطان. وقد كشفت الدراسات التي أجريت في أقليم كويدونغ بالصين حيث أن نسبة الجرذان المصابة بسرطان الكبد هي من أعلى النسب في العالم، عن وجود علاقة متينة بين انخفاض كمية السلينيوم وخطر السرطان، مع عوامل خطورة أخرى هي التهاب الكبدد B، التعرض لـ Aflatoxin المادة الغذائية المولدة للسرطان، بالإضافة إلى استعداد تناسلي طبيعي. ثم بدأ الباحثون فيما بعد بدراسة واسعة وشاملة عن السلينيوم حيث تم إعطاء قرية كاملة من 20 ألف شخص مكمل السلينيوم الذي أضيف إلى الملح. خلال السنوات التالية سجل هبوط كبير في انتشار كل من مرض التهاب الكبد B وسرطان الكبد. وقد أوصى البروفسور جيرار شروز، الخبير بالسلينيوم ومرض السرطان، بأخذ مكمل من 200 – 300 ميكروغرام من السلينيوم من قبل الأشخاص الذين يطلبون الوقاية المثلى.
أمراض السرطان المرتبطة بالهرمون
في حين أن المغذيات المانعة للتأكسد لها أثر وقائي في العديد من أمراض السرطان، فإن ضرر الجذور الحرة قد لا يكون السبب الأهم في كل تلك الأمراض. والدليل يتراكم على أن الانتشار الواسع لسرطان الثدي، عنق الرحم والمبيض لدى النساء، والبروستات والخصيتين لدى الرجال، قد تكون له صلة باختلال توازن الهرمون. إن كل هذه الأنسجة الجسمانية هي حساسة إزاء الهرمونات، وزيادة الإستروجين، الهرمون الذي ينشط نمو الخلية، قد يلعب دوراً أساسياً في هذه الأنواع من السرطان.
وقد أظهر بحث د. تشانغ، دو لينيرز وزملائهما أنه في حال ارتفاع معدلات الإستروجين، فإن نسبة توالد خلايا الصدر تزيد حتى 200% أكثر من المعدل الطبيعي بمرتين. من جانب آخر، في حال تم إعطاء البروجسترون وارتفاع المعدل في نسيج الصدر إلى مستويات طبيعية، فإن معدل تكاثر الخلية يهبط حتى 15% عما هو عليه لدى النساء اللواتي لم تتم معالجتهن. إن هذه الدراسة التي شملت النساء السليمات صحياً واللواتي في فترة ما قبل انقطاع الطمث، أوضحت أن الإستروجين سوف يزيد تكاثر أنواع سرطان الصدر، في حين أن البروجسترون يحمي منها. وهذا قد يفسر سبب تضاعف خطر سرطان الصدر لدى النساء اللواتي أخذن إستروجين HRT مدة 5 سنوات أو أكثر، ولماذا يكون خطر سرطان المبيض أعلى بنسبة 72% لدى النساء اللواتي أخذن إستروجين HRT، وفقاً لدراسة أجريت عام 1995 في مدرسة الصحة العامة بجامعة إيمري والتي تمت خلالها متابعة 240 ألف امرأة طيلة 8 سنوات.
مع ذلك، فإن التفشي المتزايد لأمراض السرطان المتربطة بالهرمون لا يمكن أن يكون منسوباً فقط إلى سيطرة الإستروجين الناجمة عن HRT، خاصة لدى الرجال الذين يعتبر سرطان البروستات بالنسبة إليهم هو السبب الخامس الأكبر للوفاة، حيث أنه يصيب رجل من بين 10 رجال. يعتقد خبير الهرمون د. جون لي بوجود عوامل عديدة تساهم في سيطرة الإستروجين ونقص البروجسترون، الذي يشكل على الأغلب السبب الأعظم لهذه الأنواع من السرطان. يقول د. لي أن «الاجهاد، مثلاً، يزيد الكورتيزول الذي يزاحم البروجسترون. إن الإستروجين الدخيل عن المحيط لديه القدرة على إيذاء النسيج مما يؤدي إلى تزايد خطر السرطان في الحياة المستقبلية. إلى جانب ذلك هناك أيضاً عوامل غذائية وتناسلية ينبغي أخذها بعين الاعتبار». وقد نصح باتباع نظام غذائي قائم على النبات، مع استبعاد مصادر الإستروجين كاللحوم والحليب، حيث أن إستهلاك كميات كبيرة منها لها علاقة بتزايد تفشي مرض السرطان، وخاصة سرطان القولون.
إن الإستروجينات الدخيلة عن البيئة أو المحيط تأتي من فضلات المبيدات، البقايا الصناعية والبلاستيك، التي تلوث الماء وتدخل في سلسلة الطعام. وقد أظهرت إحدى الدراسات أن دمج كميات صغيرة من هذه الكيميائيات التي تحدث اختلالاً في الهرمونات، المساوية للمستويات الموجودة في دم الإنسان، تعتبر مواداً مولدة للسرطان وتبعث خلايا الصدر على التوالد والتكاثر.
وقد أوصى د. لي بإجراء فحوصات للتأكد من سيطرة الإستروجين لدى الأشخاص المعرضين لخطر الإصابة بسرطان مرتبط بالهرمون، من أجل إعطائهم بروجسترون طبيعي لإعادة التوازن، بالإضافة إلى مكملات مانعة للتأكسد. حيث أن النظام الغذائي هو المعني، فإن النصيحة التي يمكن توجيهها هي تجنب الأطعمة المقلية، المحمصة أو المحترقة، التي تعتبر مصادر للجذور الحرة؛ والتخفيض من استهلاك اللحوم والحليب، التي تعد مصادر للإستروجين الطبيعي؛ وتناول المأكولات العضوية.
الأطعمة المكافحة للسرطان
إن تناول بعض أصناف الأطعمة له أيضاً علاقة بانخفاض خطر الإصابة بالسرطان. ومع تراكم الدليل، فإن إضافة الأطعمة التالية إلى النظام الغذائي ليس مضراً، بل قد يساعد على الأرجح.
● تعد الفاكهة والخضار على رأس الأطعمة المضادة للسرطان. إنها مصادر جيدة للفيتامين A وC. وقد كشفت دراسة أجريت في اليابان على 265 ألف شخص أن الأشخاص الذين يتناولون كمية منخفضة من البيتا كاروتين الموجودة في الفاكهة والخضار لديهم خطر أكبر للإصابة بسرطان الرئة. وأظهرت دراسات أخرى النتيجة نفسها بالنسبة لسرطان القولون، المعدة، البروستات وسرطان العنق الرحمي. يتوفر البيتا كاروتين بكميات كبيرة خاصة في الجزر، البركولي، البطاطا الحلوة، نوع من البطيخ الأصفر والمشمش. وهناك الكثير من فيتامين C في الخضار والفاكهة الطازجة.
● إن استعمال الثوم بوفرة يبقي السرطان أيضاً بعيداً، وقد أجريت دراسة من قبل معهد السرطان القومي، في الصين عام 1989 وكشفت أن الأقاليم التي استعملت الثوم بوفرة في الطبخ ظهر لديها أقل معدل بالنسبة لسرطان المعدة. يحتوي الثوم على مركبات الكبريت التي تساعد على معالجة الإفرازات السامة والجذور الحرة.
● نبات الصويا له صلة بانخفاض خطر الإصابة بسرطان الثدي. في اليابان والصين، إن النساء اللواتي يحصلن على غالبية البروتين من أطعمة حبوب الصويا – توفو، حبوب الصويا نفسها وحليب الصويا، لديهن معدلات منخفضة من سرطان الصدر. وهذه النتائج تم إثباتها في الدراسات التي أجريت على الحيوانات.
● أما اللبن فقد يحمي من سرطان القولون. إن جرثومة باقلوس اللبن الولوعة بالأصباغ الحمضية، والموجودة في العديد من الألبان الحية، تبطئ من نمو أورام القولون، والأشخاص الذين يأكلون اللبن يسجلون انتشاراً أقل لسرطان القولون كذلك الأمر بالنسبة للذين يأخذون كمية عالية من الكالسيوم. إن انقسامات الخلية غير السوية في القولون تباطأت أيضاً عندما زادت كمية الكالسيوم إلى 2000 ملغ يومياً.
● إن السمسم وبذور دوار الشمس غنية بالسلينيوم، الفيتامين E، الكالسيوم والزنك. تناول منها ملعقة يومياً لإبقاء الجيش المانع للتأكسد في أحسن حالته.