هل تعرف أولئك الذين يدّعون النجاح بالإجهاد؟ وربّما تكون واحدا منهم؛ فهم يشعرون بأنّ الإجهاد والتحدّي والمنافسة تدفعهم نحو القيام بأدوارهم بالأفضل ونحو الإنجاز والتفوّق أكثر، وهذا ما يثير الإحساس بالكمال. لكنّ الأدرينالين Adrenaline والكورتيزول Cortisol – وهما الهرمونان اللذان ينتجهما جسمك عند تعرّضه للاستثارة أو التحدّي (أو الغضب أو التهديد) – وجدا للمساعدة بشكل خاص على الأداء الوظيفي بأعلى مستوى، حيث يجعلانك أكثر قوة وسرعة وبراعة وفطنة.
ومع أنّ كلا من الكورتيزول والأدرينالين يمكن أن يكون لهما في الواقع تأثيرات مفيدة جدا، لكنّ جسمك ببساطة غير مصمّم ليعيش أو يحيا على إمداد دائم من هذين الهرمونين. ويعمل الأدرينالين في الجسم بشكل يشبه الكافيين Caffeine كثيرا، فينبّه الجهاز العصبي الودّي Sympathetic nervous system لإحداث حالة من فرط التيقّظ Hyperalert state؛ ولكن بالطريقة نفسها التي يؤدّي فيها شرب الكثير من القهوة إلى شعورك بالتعب والإرهاق والعصبيّة، فإنّ زيادة الأدرينالين تكون منهكة للجسم.
أمّا زيادة تأثيرات الكورتيزول فتكون أكثر خطورة؛ فمع مضيّ الوقت، يمكن أن يؤدّي الكورتيزول المفرط في جسمك إلى تصلّب شرايينك، وتسمّم خلاياك الدّماغيّة، وترقّق عظامك، ونحافة خصرك، وتثبيط أو كبت جهازك المناعي. وعلاوة على ذلك، يحرق الإجهاد الإمداد بالديهيدرو إيبي آندروستيرون Dehydroepiandrosterone (DHEA) أيضا، وهو الهرمون المضاد للشيخوخة الأساسي Crucial anti-aging hormone. كما قد يؤدّي الإجهاد بسرعة في الواقع إلى شاكلة لهرموناتك تشبه شاكلة من هو يزيد عمره مرّتين على عمرك.
هل سبق لك أن سمعت قصة عن شخص ما صار شعره أبيض نتيجة لصدمة أو رضّ؟ فاعلم أنّ الأبحاث الحديثة تظهر أنّ هذه الرواية القديمة لها أساس من الحقيقة؛ فقد أظهرت دراسة لافتة للنظر ذكرتها الأكاديميّة الوطنيّة للعلوم أنّ التأثير البيولوجي للإجهاد يمتدّ على كامل الطريق الموصل حتّى المستوى الوراثي أو الجيني، حيث يؤثّر في الجزء من جيناتنا الذي – ضمن أشياء أخرى – يحدّد الوقت الذي يبدأ فيه شعرنا باكتساب اللون الرّمادي.
تفحّص الباحثون في جامعة كاليفورنيا بسان فرانسيسكو الحمض الرّيبيّ النّووي المنزوع الأكسجين (الـ د أن إي DNA) في نحو 60 امرأة، بعضهن كنّ يعتنين بأطفال مصابين بإعاقات شديدة؛ وليس من المستغرب أنّ الأمّهات اللواتي كان لديهن أطفال عاجزون شعرن بأنّهن واقعات تحت إجهاد كبير؛ وقد وجد العلماء في الواقع أنّ إجهاد الاعتناء بهؤلاء الأطفال يمكن أن يشاهد فعليا في د أن إي الأمّهات، حيث شابه د أن إي نساء أكبر منهن عمرا بكثير.
والأكثر شيوعا من المتهوّرين الذين يبنون النّجاح على الإجهاد والشدّة هم الذين يشعرون – مثلهم مثل أولئك الأمّهات – بالإنهاك الفكري والجسمي نتيجة الإجهاد الموجود في حياتهم. لكنّني لا أرى أنّ من المفيد كثيرا أن أنصح الناس ببساطة حتّى يقلّلوا من الإجهاد؛ فمن الواضح أنّه إذا استطاعوا أن يعرفوا ما يمكن القيام به لجعل حياتهم أقلّ إجهادا، سيقومون بذلك على الفور؛ وحتّى إذا استطاعوا القيام بشيء ما للتمتّع بعطلة أو التفرّغ لحصّة في رياضة اليوغا Yoga class؛ إلاّ أنّ معاكسة الضرر الفيزيولوجي النّاجم عن الإجهاد المزمن يمكن أن تحتاج إلى تدخّل مكثّف Aggressive intervention.
والنقطة التي لا يفهمها الكثير من النّاس بشأن الإجهاد هي: ليس مهما أن يكون الإجهاد جيّدا أو سيئا، وليس مهما أن تربح أو تخسر؛ فإذا كان لديك اضطراب مزمن في هرمونات الإجهاد Stress hormones (الكثير من الكورتيزول والقليل من DHEA)، إذا أنت تكبر وتشيخ بسرعة أكثر من اللازم، وتفتح الباب لأمراض تمتدّ من مرض القلب حتّى السكّري فالاكتئاب. وحتّى إذا لم تكن تستطيع – أو لا ترغب – أن تعيش حياة أقل إجهادا، فأنت بحاجة إلى أن تقي جسمك من تأثيرات هرمونات الإجهاد المسبّبة للشيخوخة.
الإجهاد بهدف النّجاح
أقرّ الدكتور هانس سيلي، الطّبيب الذي كان أوّل من حدّد الاستجابة الإجهادية Stress response ورسم مخطّطا لها، بأنّ الإجهاد حقيقة لا يمكن تجنّبها في الحياة؛ وبعد بحث طويل له على مدى حياته في تأثيرات الإجهاد الصحّية، استنتج سيلي في نهاية المطاف أنّ الإجهاد كان ضروريا بشكل مطلق لبقائنا، بل ومرغوب به لامتلاك القدرة على تعزيز أدائنا. كما كتب في كتاب الإجهاد في الحياة The Stress of Life “الغياب التام للإجهاد يعني الموت The complete absence of stress is death”.
ولكن، مثلما بيّن سيلي والباحثون في الإجهاد من بعده، تعدّ استجابتنا الفرديّة للإجهاد العامل الحاسم الذي يحدّد تأثيره في صحّتنا؛ فبعض أنماط الشخصيّات تتعامل مع الإجهاد بشكل أنجح من الآخرين، بينما تكون الشخصيّات الأخرى (والتي تدعى الشخصيّات من النمط A) في خطر خاص من الأمراض المتعلّقة بالإجهاد Stress-related diseases. ولقد بيّن هربرت بينسون Herbert Benson وجون كابات – زين Jon Kabat-Zinn وباحثون آخرون في الاسترخاء Relaxation أنّنا نستطيع جميعا أن نتعلّم الاستجابة للإجهاد بشكل أكثر مهارة، وذلك باللجوء إلى طرائق العقل والجسم Mind-body techniques للتقليل من تضرّر أجهزتنا العضويّة. ويضيف الطبّ المناهض للشيخوخة بعدا قويا آخر عبر تقديم معالجات تعاكس اضطرابات التوازن الهرموني الناجمة عن الإجهاد.
إنّ معالجة أعراض الإجهاد يخفي المشكلة فقط
يعالج الأطبّاء الأعراض المرتبطة بالإجهاد عادة، بكلّ شيء من مساعدات النوم ومضادّات الاكتئاب حتّى محصرات بيتا Beta-blockers والأدوية المزيلة للقلق Antianxiety medications؛ ولا تحمل هذه الأدوية تأثيرات وأخطارا جانبيّة خطيرة بذاتها، بل لا يتصدّى أيّ منها للتأثير الهرموني للإجهاد.
ولذلك، أهدف مع مرضاي إلى العمل أكثر من مجرّد تفريج أعراض الإجهاد، كما أسعى إلى العودة بهرمونات الإجهاد نحو التوازن الصحّي. ومن المثير للانتباه أنّني وجدت تحسّنا أو اختفاء للأعراض عادة في سياق هذه العمليّة. ويمكن تجنّب الأدوية أو التقليل منها أيضا، كما يمكن في الوقت نفسه معاكسة أو إزالة عوامل الخطر، وقد تبطّئ بذلك تقدّم الشيخوخة.
كيف يمكنك أن تتكيّف جيّدا؟
يكون بمقدور بعض النّاس أن يتعاملوا مع الكثير من القضايا، بينما لا يستطيع الآخرون حلّ أكثر من المشاكل الصغيرة نسبيا؛ فتحمّلنا الفردي للإجهاد يرتبط كثيرا بالوراثة ونمط الشخصية؛ لكن، حتّى أولئك الذي يبلون بلاء حسنا في الظروف المجهدة، قد يعانون من التأثيرات غير المرئيّة (الخفيّة) لاضطراب التوازن الهرموني. ويمكن لاختبار دموي أن يقدّم لك ولطبيبك صورة أكثر دقة عن مدى حسن أو سوء تكيّف جسمك مع الإجهاد.
وحتّى أقيّم تأثير الإجهاد، أتفحّص مستويات هرمونين هامّين؛ فالكورتيزول هو أحد هرمونات “الدّفاع أو الهروب” التي تنتجها الغدّتان الكظريّتان Adrenal glands استجابة للإجهاد، حيث ترتفع مستويات الكورتيزول عند الأشخاص الذين يكونون معرّضين للإجهاد، وهذا ما يمكن أن يكون ذا خطر كبير على الصحّة كما رأينا. أمّا الهرمون الآخر الذي أبحث عنه فهو Dehydroepiandrosterone (DHEA) الذي ينتج من الغدّتين الكظريّتين أيضا (ومن المبيضين أو الخصيتين بكميات صغيرة)؛ ويميل الإجهاد المزمن إلى تثبيط أو إنقاص مستويات DHEA.
ويعدّ DHEA، الذي يدعى الهرمون المضاد للشيخوخة غالبا، أغزر الهرمونات الستيرويديّة Steroid hormones جميعا؛ وهو ابتنائيّ Anabolic الطبيعة، أي أنّه يشجّع على تجديد النسج وتعويضها؛ فمثلا، ينبّه هذا الهرمون نشاط بانيات العظم Osteoblasts (الخلايا التي تكوّن العظم) والأرومات الليفيّة Fibroblasts (الخلايا المجدّدة للجلد))، وهذا ما يترجم بشكل زيادة في قوّة العظام وحيوية فتية في الجلد.
يكون DHEA شديد النشاط والفعّالية في الدّماغ، حيث يزيد مستويات النّواقل العصبيّة Neurotransmitters الضروريّة لكلّ من الذاكرة القريبة والبعيدة والتعلّم؛ كما يبدو أنّ DHEA يحمي الدماغ من التّراجع أو الانحطاط المصاحب للعمر، من خلال تعزيزه لإنتاج النّواقل العصبيّة.
وبالمثل، تعتمد الاستجابة المناعيّة القويّة على DHEA لزيادة عدد الخلايا المناعيّة، وتعزيز تيقّظها Vigilance وفعّاليتها؛ كما ينظّم DHEA الوظيفة المناعيّة عبر تنظيم تحرّر الإنترلوكينات interleukins والإنترفيرونات interferons وعامل نخر الورم tumor necrosis factor والعوامل الكيميائيّة المناعيّة الأخرى التي قد تكون ذات تأثير إيجابي أو سلبي في صحتك.
كما أنّ DHEA يتحوّل في الجسم إلى هرمونات ستيرويديّة أخرى، على رأسها التّستوستيرون Testosterone والإستروجين Estrogen؛ فالمستويات المنخفضة من هذا الهرمون الرّئيسي يمكن أن تعني أنّ مستويات الهرمونات الهامّة الأخرى تصبح منخفضة أيضا؛ وبهذه الطريقة، تتداعى تأثيرات انخفاض DHEA في جهاز الغدد الصّمّ Endocrine system بأكمله، مؤثّرة في الجهاز القلبي الوعائي والجهاز المناعي والاستقلاب.
وبذلك، تكون مستويات DHEA عند الذين يبدون ويشعرون بأنّهم شباب أكثر من مستوياته عند الآخرين في مثل عمرهم؛ فالأشخاص الذين لديهم مستويات منخفضة لـ DHEA يكونون أميل إلى المعاناة من أمراض القلب والسكّري والسرطان والاكتئاب.
التوازن المثالي بين DHEA والكورتيزول
يكون DHEA مرتفعا والكورتيزول منخفضا في الجسم الشاب الصّحيح؛ وإذا ما نظرت إلى الرسم البياني اللاحق، يمكن أن ترى أنّ النسبة بين DHEA والكورتيزول تكون مرتفعة جدا في الشخص الصّحيح، حيث يزيد الأوّل بخمسة أضعاف على مقدار الكورتيزول.
ومع تقدّمنا في العمر، نميل إلى إنتاج مقادير أقل من DHEA، وإلى إنتاج المزيد من الكورتيزول في الوقت نفسه؛ كما أنّ الإجهاد يولّد التأثير نفسه وبشكل أكثر وضوحا. ولذلك، تكون النسبة بين DHEA والكورتيزول في الشخص المجهد أو المسنّ أقلّ بكثير ممّا هي عليه في الشخص الشاب، بحيث قد يكون DHEA أكثر من الكورتيزول بمرتين أو ثلاث فقط؛ وهذا ما يجعلني أعتقد أنّ الإجهاد هو المعجّل الرّئيسي للشيخوخة، فهو يحاكي الشيخوخة والأمراض ويفاقمهما.
أظهرت النتائج الشاكلة الهرمونيّة الكلاسيكيّة (المدرسيّة) لشخص واقع تحت أقصى الإجهاد: مستويات مرتفعة جدا للكورتيزول ومنخفضة جدا لـ DHEA؛ ولذلك، كانت نسبة DHEA/الكورتيزول منخفضة جدا (DHEA أكثر بمرّتين من الكورتيزول فقط)؛ فلقد بدّل الإجهاد الشّاكلة الهرمونيّة، وأدّى إلى تشيّخ جسمها من الدّاخل والخارج.
مخاطر فرط الكورتيزول
تتحرّض جزئيا الكثير من المشاكل الصحية الأكثر شيوعا والتي تصيبنا عندما نتقدم في العمر – ارتفاع ضغط الدم وزيادة الوزن وضعف الذاكرة ونقص الاستجابة المناعيّة – بتأثير الزيادة الكبيرة في الكورتيزول؛ فعندما يرفع الإجهاد مستويات الكورتيزول لديك، يمكنه ببساطة أن يسرّع العملية كلّها.
• الكورتيزول المرتفع يشجّع مرض القلب والسمنة والداء السكّري
تعدّ الزيادة السّريعة في سكّر الدم Blood sugar إحدى الطرق التي يساعدك بها الكورتيزول على الاستجابة للطّوارئ؛ فعندما يرتفع الكورتيزول Cortisol، يعطي إشارات إلى جسمك لتحرير السكّر من النسج التي يختزن فيها نحو مجرى الدم؛ واستجابة لارتفاع مستويات سكّر الدم، يفرز البنكرياس Pancreas هرمون الأنسولين Insulin الذي ينظّف دمك من السكّر ويدخله إلى خلاياك، حيث يستعمل للطاقة؛ وهذا ما يقدّم الوقود الذي قد تحتاج إليه عضلاتك للقفز بعيدا عن الضرر أو رفع طفل بأمان. وفي حين أنّ دفقة من سكّر الدم يمكن أن تكون ضرورية لبقائك بحالة حياة أو موت، غير أنّ الارتفاع المزمن أو المستمر في سكّر الدم ليس أمرا صحّيا على الإطلاق.
عندما يرتفع مستوى الكورتيزول لديك بشكل مزمن نتيجة الإجهاد، يؤدّي إلى إحداث حلقة معيبة ومؤذية من التناوب بين ارتفاع سكّر الدم وارتفاع الأنسولين؛ فبعد فترة من الزمن، يمكن أن يبدأ جسمك بفقد حساسيته نحو الأنسولين، ويصبح الأخير أقلّ فعالية في تنظيم مستويات سكّر الدم لديك، وهذه ظاهرة شائعة لها عدد من الأسماء، بما في ذلك متلازمة مقاومة الأنسولين Insulin resistance syndrome والمتلازمة الاستقلابيّة Metabolic syndrome والمتلازمة س Syndrome X. ويعدّ التقدّم الخطير من ارتفاع الكورتيزول إلى ارتفاع سكّر الدم فمقاومة الأنسولين إحدى الطرق الرئيسيّة التي يساهم بها الإجهاد في المرض وحتّى في الموت.
تمثّل مقاومة الأنسولين الخطوة الأولى نحو عواقب صحّية خطيرة؛ فحتّى يعاوض البنكرياس لديك عن تأثيرات مقاومة الأنسولين، يفرز المزيد والمزيد منه؛ وتؤدّي الزيادة المفرطة للأنسولين – أو فرط الأنسولينيّة Hyperinsulinemia – إلى زيادة تخزين الشحوم، الأمر الذي يقود إلى زيادة الوزن والسمنة، كما قد يكون لذلك تأثير سلبي في ضغط الدم والكولستيرول Cholesterol وثلاثيّات الغليسيريد Triglycerides، وهذا ما يمثّل بحدّ ذاته عامل خطر رئيسيا في مرض القلب. كما أنّ فرط أنسولين الدم أو فرط الأنسولينيّة هو طليعة للداء السكّري البادئ في البالغين [من النمط الثاني] adult-onset (type 2) diabetes، حيث يصبح البنكرياس غير قادر على المحافظة على إنتاج الأنسولين.
وقد يجعل نمط الحياة اليومي المليء بالإجهاد والنظام الغذائي الغني بالسكّر هذه المتلازمة الصامتة غير المنظورة أوسع وأخطر ما يشغل العصر الحديث على المستوى الصحّي.
• الكورتيزول يضلّل الاستجابة المناعيّة Immune Response
يمكن أن يشرع الإجهاد المزمن المديد – وما ينجم عنه من ارتفاع مستويات الكورتيزول – في نهاية المطاف بتقويض استجابتك المناعيّة؛ فقد تصبح أقلّ قدرة على مقاومة العدوى، لاسيّما العدوى الفيروسيّة Viral infections، حيث يكون الأشخاص المجهدون أكثر استعدادا لنزلات البرد Colds والأنفلونزا Flu.
عندما تضطرب الاستجابة المناعيّة، تحصل الفيروسات التي يمكن أن تكون قابعة في جسمك بحالة هاجعة Dormant state – مثل الكثير من فيروسات فصيلة الهربس (الحلأ) Herpes family viruses – على الضوء الأخضر أيضا؛ وهذا ما يفسّر السبب في اندلاع أو ظهور قرحات الزّكام (هربس الحمّى) Cold sores والهربس النطاقي Shingles خلال الظروف المجهدة. كما أنّ ارتفاع مستويات الكورتيزول عند المصابين بالسّرطان قد يثبّط قدرة الجسم على مقاومته، مما يزيد من فرص انتقاله في كامل الجسم.
• الكورتيزول يضعف الوظيفة العصبيّة
يعدّ الكورتيزول ضارا بخلاياك الدماغية أيضا؛ فقد بيّنت الدراسات أنّ ارتفاع الكورتيزول بسبب الإجهاد أو الشيخوخة قد يضعف الذاكرة والوظيفة الفكرية (الاستعرافيّة) Cognitive function، حيث يؤدّي ارتفاعه إلى تشيّخ الدّماغ وتضرّر الخلايا العصبيّة. ويبدو أنّ التراجع في الوظيفة الاستعرافيّة (الذاكرة، زمن التفاعل أو الاستجابة، حل المشاكل، القدرة على التعلّم)، والذي يشاهد عادة عند المسنّين، ينجم ولو جزئيا على الأقل عن ارتفاع مستويات الكورتيزول. وبذلك، يستطيع الإجهاد – من خلال زيادته للكورتيزول – أن يقلّد ويسرّع تأثيرات الشيخوخة في دماغك.
DHEA: ترياق الإجهاد والشيخوخة
يعدّ DHEA في جسمك ترياقا طبيعيا Natural antidote ذاتيا لتأثيرات الكورتيزول السلبيّة (الضارّة). وفي الواقع، يؤدّي ارتفاع الكورتيزول في الجسم السّليم إلى التحريض على ارتفاع معاوض في DHEA الذي يعمل على تثبيط إنتاج الكورتيزول أيضا، بالإضافة إلى جميع فوائده الأخرى؛ وبكلمة أخرى، يمتلك الجسم نظام مراقبة وتوازن Check-and-balance system مكرّسا لحمايتك من التأثيرات الضارّة للكورتيزول، وللمحافظة على نسبة عالية بين DHEA والكورتيزول.
ولكن، إذا استمرّ جسمك بفرط إنتاج مستمر للكورتيزول، يؤدّي ذلك إلى اضطراب هذا التّوازن الدّقيق، وتبدأ مستويات الكورتيزول المرتفعة في نهاية المطاف بتثبيط إنتاج DHEA. ويتوقّف نظام المراقبة والتّوازن عن العمل، ويمكن أن تنقص نسبة DHEA/الكورتيزول بسرعة؛ وعندما يحصل ذلك، يبدأ الكورتيزول المرتفع بإضعاف الجهاز القلبي الوعائي والعصبي والغدد الصمّ، كما يبدأ الجهاز المناعي بالتراجع، أي أنّ الجسم يبدأ بالتشيّخ بسرعة أكبر.
إغناء وتزويد مستويات DHEA
أدرك تماما أنّه من الصعب جدا إيجاد الطاقة اللازمة حتّى للتّمارين الخفيفة عند مجرّد الدخول في أعباء اليوم، لكنّها خطوة هامّة في كسر دورة الإجهاد والتعب؛ فالتمرين المنتظم وعادات النوم الجيّدة كلاهما يساعد على زيادة DHEA وإنقاص الكورتيزول. كما أنّ لإنقاص الإجهاد ولطرائق الاسترخاء، مثل التأمّل Meditation واليوغا وفنون الدّفاع عن النّفس Martial arts، تأثيرا إيجابيا أيضا في شواكل هرمونات الإجهاد Stress hormone profiles.
وعلاوة على ما سبق، عندما تكون مستويات DHEA والكورتيزول بعيدة كثيرا عن التوازن، سواء بسبب الإجهاد أم الشيخوخة أم كليهما، تمثّل المعالجة باستعاضة الديهيدرو إيبي آندروستيرون DHEA replacement therapy مداخلة فعّالة وضروريّة. ويعدّ DHEA أحد تلك المغذّيات التي سبق أن روّج لها كوسيلة للشفاء العام وينبوع للشّباب. وفي حين أنّ ذلك قد أدّى إلى زيادة مبيعاته في البداية، لكن ليس هناك شكّ بأنّه عامل هام وفعّال جدا في مقاومة الشيخوخة.
لقد كانت فوائد المعالجة بـ DHEA موضوع دراسة معمّقة في مؤسّسة إطالة الحياة؛ ففي حين أنّه لا يوجد مغذّ يحلّ كلّ مشكلة صحية، لكنّ الباحثين في العالم أثبتوا جملة كبيرة من التأثيرات الإيجابيّة لإعطاء DHEA.
• DHEA يقي من نقص العظم وتخلخل العظام Osteoporosis
في دراسة أجريت في جامعة واشنطن في سانت لويس وجد أنّ إضافة DHEA يزيد الكثافة المعدنيّة للعظم عند كلّ من الرجال والنساء بعد ستّة أشهر فقط؛ وقد كان DHEA حسب كلمات الباحثين قادرا على “عكس جزئي للتغيّرات المرتبطة بالعمر” في هؤلاء الأشخاص المسنّين؛ فـ DHEA يقدّم اللّبنة البنائيّة للإسترون Estrone، وهو شكل من الإستروجين ينبّه الخلايا البانية للعظم لتوليد المزيد من النّسيج العظمي. ويعدّ النقص الحاد في الإستروجين بعد الإياس (سنّ اليأس) Menopause أحد الأسباب الرئيسيّة للنقص السّريع في الكتلة العظميّة عند النساء خلال السنوات التي تعقب سنّ اليأس مباشرة.
• DHEA يقي الجلد من الشيخوخة
عندما نتقدّم في العمر، تنتج خلايانا الجلديّة مقادير أكبر من الكولاجيناز Collagenase (الإنزيم المخرّب للكولاجين)؛ ويقوم هذا الإنزيم بتخريب الكولاجين تحت الجلد، ممّا يؤدّي إلى تهدّل الجلد وتغضّنه. وهنا يأتي دور DHEA في أنّه يساعد على الحفاظ على مستويات الكولاجين في الجلد، فيعزّز ملاسته ونعومته وحيويّته. وقد درس العلماء الفرنسيّون تأثيرات المعالجة باستعاضة DHEA في نحو 300 رجل وامرأة بعمر 60-80 سنة على مدى عام واحد. ومن الموجودات التي خرجت بها هذه الدراسة المعروفة جيّدا (تدعى DHEAge Study) أنّ إضافة DHEA حسّنت كثيرا لون جلد الأشخاص الخاضعين للدراسة وتوتّره (متانته) وثخانته وإماهته (وجود الماء فيه).
• أظهر DHEA أنّه ينقص شحوم الجسم ويزيد كتلته الهبر Lean body mass في كلّ من الذكور والإناث في الدراسة
كما وجد باحثون آخرون أنّ DHEA يزيد معدّل الاستقلاب Metabolic rate، ممّا يساعد على الحدّ من تخزين الشحوم؛ ويساعد DHEA أيضا على الوقاية من الداء السكّري من خلال تنظيمه لسكّر الدم.
• يتّصف DHEA بتأثير مفيد فعّال في المزاج
فلقد لاحظت دراسات عديدة أنّ إعطاء DHEA قد يعزّز العافية ويزيد مستويات الطاقة، لاسيّما عند المسنّين وفي النساء بعد سنّ اليأس. ويؤثّر DHEA مباشرة في المستقبلات العصبيّة Neuroreceptors في الدماغ والتي تتحكّم بالمزاج Mood. وقد ذكر الباحثون الألمان أنّ DHEA ينقص بشكل ملحوظ مشاعر القلق والاكتئاب عند النساء اللواتي لديهن نقص في مستويات هذا الهرمون بسبب خلل الوظيفة الكظريّة.
• DHEA ينقص أيضا الأعراض المترافقة مع الإياس (سنّ اليأس)
بما أنّ DHEA طليعة لهرمونات أخرى، بما في ذلك الإستروجين والتّستوستيرون، لذلك قد تحقّق استعاضته (استبداله) العديد من الأهداف نفسها مثل المعالجة التقليديّة المستبدلة للإستروجين عند النساء في سنّ اليأس. وقد أكّد باحثون إيطاليّون مؤخّرا أنّ المعالجة بالـ DHEA ساعدت بشكل ملحوظ على تخفيف الأعراض المزاجيّة والانفعاليّة الشائعة عند النساء في سنّ اليأس.
• DHEA يعزّز الوظيفة المناعيّة
لقد بيّنت عدّة دراسات أنّ DHEA يستعيد بالكامل الوظيفة المناعية المضطربة عند الحيوانات الشائخة أو المضطربة المناعة في غضون أيام قليلة من إعطائه. وأظهرت دراسات على مجموعة من الرجال المسنّين الذين هم بصحّة جيّدة نوعا ما زيادات ملحوظة في عدد من أوجه الوظيفة المناعيّة، لاسيّما نشاط الخلايا التّائيّة T-cell activity ونشاط الخلايا الفاتكة الطّبيعيّة Natural killer cell activity والخلايا البائيّة B-cells والوحيدات Monocytes.
• DHEA يحمي من فرط أو زيادة الكورتيزول
ينقص DHEA مستويات الكورتيزول المرتفعة والناجمة عن الإجهاد أو الشيخوخة أو كليهما.
DHEA كعلاج للاكتئاب
يكتب الأطبّاء اليوم أكثر من 35 مليون وصفة سنويا لبعض الأدوية، مثل البروزاك Prozac والزولوفت Zoloft والإفّكسور Effexor؛ وهذه الأدوية هي مثبّطات استرداد السيروتونين الانتقائيّة Selective serotonin reuptake inhibitors (SSRIs) مصمّمة لتفريج أعراض الاكتئاب بالمحافظة على مزيد من السيروتونين في الدّماغ؛ لكنّني أعتقد أنّ الثقافة الطبّية أغفلت أنّ الإجهاد سبب رئيسي للاكتئاب، فضلا عن دور DHEA الكامن في مقاومة الاكتئاب والأعراض الأخرى للإجهاد.
لقد بيّنت الدّراسات أنّ النساء من ذوات المستويات الأكثر انخفاضا لـ DHEA هنّ الأكثر عرضة للاكتئاب، حتّى عندما تتناولن مضادّات الاكتئاب؛ كما تبيّن أنّ DHEA مضادّ اكتئاب فعّال منذ أكثر من 50 سنة؛ ففي خمسينات القرن الماضي 1950s أظهرت الدراسات أنّ إعطاء DHEA يزيد الطاقة ويعزّز المزاج والثقة، ويحسّن الاكتئاب. وخلافا لمضادّات الاكتئاب الصيدلانيّة Pharmaceutical antidepressants، يوفّر DHEA أيضا مجالا واسعا من الفوائد المضادّة للشيخوخة والواقية من الأمراض. وعندما يستعمل DHEA بشكل صحيح، لا يكون له تأثيرات جانبيّة مزعجة. وبالمقابل، يتوقّف نحو ربع الذين يستعملون مثبّطات استرداد السيروتونين الانتقائيّة عن تناولها في نهاية المطاف لأنّ تأثيراتها الجانبيّة (زيادة الوزن، خلل الوظيفة الجنسيّة، وغير ذلك) ببساطة لا تستحقّ ذلك.
نرى اليوم إحياء للاهتمام بهذا الهرمون كمضاد للاكتئاب؛ فقد وجد الباحثون في المعهد الوطني للصحّة النفسيّة National Institute of Mental Health أنّ DHEA قد حسّن الاكتئاب في نحو 60% من الأشخاص المصابين باكتئاب خفيف مزمن، وهذه الاستجابة هي أفضل بوجه عام من الاستجابة لمثبّطات استرداد السيروتونين الانتقائيّة في هذه الحالة. وعلاوة على ذلك، ذكر المرضى تحسّنا بعد 10 أيّام فقط؛ بينما يمكن أن يتناولوا مثبّطات استرداد السيروتونين الانتقائيّة SSRIs مدّة 6-8 أسابيع للحصول على التأثير. وأظهرت دراسة أخرى في سان فرانسيسكو أنّ DHEA قادر أيضا على مساعدة المرضى الذين شرعوا بتناول مضادّات الاكتئاب، لكنّهم لا يزالون ينتظرون التحسّن من الاكتئاب.
ولقد استعملت DHEA في ممارستي الخاصّة لمعالجة الاكتئاب بنجاح منذ سنين، ولاحظت أنّه قليل التأثيرات الجانبيّة وأكثر فعالية بكثير من غيره، كما وجدت أنّه أكثر كفاءة من مثبّطات استرداد السيروتونين الانتقائيّة SSRIs في جلّ الحالات. ولكنّني وجدت أحيانا، أنّ استعمال DHEA مع جرعة مخفّضة من مضادّات الاكتئاب يعطي أفضل النتائج.
إذا كنت واحدا ممن يتناولون مضادّات الاكتئاب، يمكن أن تجد بأنّ المعالجة باستعاضة DHEA تقدّم معينا بديلا أو قيّما؛ كما أنّ التعاون مع طبيب اختصاصي في الطبّ المناهض للشيخوخة يساعدك على إيجاد أفضل خطّة.
ما وراء الإجهاد: الإنهاك الكظري
قبل الخوض في تفاصيل بروتوكول أو خطّة استعاضة DHEA، أودّ التحدّث قليلا عن التعب أو الإعياء الكظري Adrenal fatigue؛ إذ يبدو أنّ هذه المتلازمة المتعلّقة بالإجهاد أصبحت شائعة أكثر فأكثر بين مرضاي. ويعدّ الإعياء الكظري مرحلة متقدّمة أكثر للاستجابة للإجهاد، حيث تستنفد فيها الغدّتان الكظريّتان Adrenal glands طاقتهما؛ فبعد الإجهاد المطوّل وفرط الإنتاج المديد للكورتيزول، تصبح الغدّتان الكظريّتان عاجزتين عن إنتاج المزيد من الكورتيزول على الإطلاق.
قد تكون الأعراض في الإعياء الكظري مختلفة نوعا ما عن الأعراض الكلاسيكيّة (المدرسيّة) للإجهاد؛ فالمصابون بالإعياء الكظري بشكل عام يجدون أنفسهم بحالة من الشعور بالقهر والانهزام حتّى أمام أقل التحدّيات؛ ويكون التعب المفرط والاكتئاب وفقد الحافز (لاسيّما في الفترة بعد الظهر) من المظاهر النموذجيّة؛ كما أنّ من الشائع الدخول في فترات من القلق ومن الصعوبة في الاسترخاء والخلود للنوم ليلا.
علامات الإنهاك الكظري ADRENAL EXHAUSTION
• القلق.
• الاكتئاب.
• انخفاض ضغط الدم، خفّة الرأس (الدوخة).
• الرغبة الشّديدة بالسكّر Sugar cravings.
• الميل إلى الإصابة بالعدوى (مثل نزلات البرد أو الأنفلونزا).
• صعوبة الشفاء من العدوى.
• الانهيار بعد الظهر.
• صعوبة الخلود للنوم، حتّى بعد التعب.
• فرط الانفعال أو التهيّج عند أوّل علامة للإجهاد أو الضّيق.
كم يستغرق الإجهاد حتّى ينهك الغدّتين الكظريتين؟ يبدو أنّ ذلك معادلة فرديّة بامتياز؛ فبعض النّاس يستطيعون تحمّل مستويات عالية من الإجهاد طوال حياتهم دون أن يصلوا إلى هذه المرحلة، بينما يصاب آخرون بالإنهاك الكظري بسرعة نسبيا ولا يحصلون على الشفاء الكامل.
استعمال DHEA بأمان
يعود الفضل في أنّ DHEA ناجح جدا إلى أنّه مادة فعّالة كثيرا في الجسم؛ ولذلك، لا بدّ من استعماله بحكمة؛ فاستعمال المعالجات الهرمونيّة مثل DHEA، فضلا عن بروتوكولات استعاضة الهرمونات، يشبه كثيرا قيادة سيّارة سباق، فسيّارة السّباق تنقلك بدقّة من النقطة أ إلى النقطة ب بسرعة، لكنّها تحتاج إلى الكثير من المهارة والتدريب للتعامل معها من دون التسبّب بأذى.
يجب أن يجري استعمال أيّة معالجة هرمونيّة، بما فيها DHEA، بمساعدة اختصاصي مدرّب على الطبّ المناهض للشيخوخة، فهو الذي يستطيع تقييم حالتك الهرمونيّة، وتعديل الجرعات لديك، ومراقبة أيّة تأثيرات جانبيّة، وملاحظة التقدّم المستمر في حالتك.
تحديد مستويات DHEA لديك
يمكن قياس المستويات الهرمونيّة لديك باختبار اللعاب أو الدّم لمعرفة حالة DHEA؛ ومع أنّ اختبارات اللعاب Saliva tests تقدّم بعض الفوائد التقليديّة، غير أنّ منهجيّات Methodology هذا النوع من الاختبارات وتفسيرها لم يتأسّس أو يقيّس (توضع لها معايير) جيّدا بعد. وأنا أفضّل اختبار الدم الذي يقيس مستويات DHEA-S (مستقلب Metabolite الدّيهيدرو إيبي آندروستيرون) في الدم.
يظهر الجدول اللاحق مجالات DHEA النموذجيّة عند الرّجال والنساء من مختلف الأعمار؛ ويلاحظ فيه أنّ مستويات DHEA تبدأ بالانخفاض بعد عمر 30 سنة، ويمكن أن تصبح مهملة تقريبا بعد عمر 60 سنة متوازية في ذلك مع التّراجع العام في صحّتنا وحيويّتنا مع تقدّمنا في العمر. ويسرّع الإجهاد الانخفاض الطّبيعي لـ DHEA وتقدّم الشيخوخة.
مستويات DHEA الطبيعية والمثالية (mcg/dL) | |||
الجنس | العمر | الطبيعي | المثالي |
الذكر | 18-30 | 125-619 | 250-450 |
31-50 | 59-452 | ||
51-60 | 20-413 | ||
61-83 | 10-285 | ||
الأنثى | 19-30 | 29-781 | 150-350 |
31-50 | 12-379 | ||
سن اليأس | 10-260 |
كما يمكنك أيضا أن ترى أنّ ما يكون “نموذجيا Typical” أو “طبيعيا Normal” ليس مثاليا Optimal بالضّرورة؛ وقد يعتقد المختبر أو الطّبيب غير المدرّب على تخصّص الطبّ المناهض للشيخوخة أنّ قيم DHEA الواقعة في المجال الطّبيعي مقبولة؛ ولكنّ المجتمع الطبّي التقليدي يعتقد أيضا أنّ التشيّخ والمرض كلاهما طبيعيّ ومقبول. إن هدفنا ليس الشيخوخة “الطبيعيّة”، بل الصحّة المثاليّة.
ويمكن لأيّ شخص لديه مستويات من DHEA أقل من المثاليّة – سواء بسبب الشيخوخة أو الإجهاد – أن يستفيد من المعالجة باستعاضة الدّيهيدرو إيبي آندروستيرون DHEA replacement therapy. ولقد قامت مؤسّسة إطالة الحياة خلال العقدين الماضيين بتحليل آلاف الاختبارات الدمويّة، وتبيّن أنّ معظم الناس بعد عمر 40 سنة قد يستفيدون من إعطاء DHEA.
هدف المعالجة بـ DHEA
قد تكون مستويات DHEA منخفضة بسبب التأثيرات المثبّطة للإجهاد المستمرّ ونتيجة الانخفاض في إنتاجنا الطّبيعي من هذا الهرمون عندما نكبر؛ ومهما يكن السّبب، يكون هدف المعالجة باستعاضة DHEA استعادة مستوياته إلى المجالات الفتيّة أو المثالية.
يمكن إعطاء DHEA بشكل هلام (جل) يطبّق دهنا على الجلد، أو بشكل معلّق سائل Liquid suspension يوضع تحت اللسان، أو مكمّلات فمويّة Oral supplements، وهي الشكل الذي أفضّله. ويعدّ DHEA مكمّلا غذائيا، وليس دواء، وهذا يعني أنّك تستطيع ابتياعه من دون وصفة في محلاّت الأطعمة الصحّية وفي الصيدليّات وعبر البريد وحتّى في البقالات الكبيرة؛ غير أنّ من المهمّ اختيار المكمّل أو المستحضر من مصنّع محترم يستعمل الشكل الصيدلاني من DHEA، وهذا ما يساعد على ضمان نقائه وجرعاته الثابتة؛ وسيكون طبيبك أو مستشارك الطبّي قادرا على التوصية بصنف جيّد.
الدّلائل الإرشاديّة للجرعات
لقد استعملت معظم الدّراسات المشتملة على إعطاء DHEA عند النساء الجرعات نفسها مثلما استعمل عند الرجال نموذجيا، أي 50 مغ يوميا أو أكثر؛ لكن غالبا ما تحتاج النّساء إلى مقادير من DHEA أقل من الرجال للحصول على نتائج جيّدة.
وبما أنّ DHEA هو طليعة للهرمونات الجنسيّة، لذلك يمكن أن يتحوّل إلى كلّ من الإستروجين والتّستوستيرون في الجسم؛ فعند النّساء، يمكن أن تؤدّي زيادة بسيطة في التّستوستيرون إلى زيادة إيجابية جدا في مستويات الطاقة والإحساس العام بالعافية؛ ولكن عليك أن تحذر من المبالغة في ذلك.
قد تؤدّي الزيادة الكبيرة في DHEA إلى بعض التأثيرات الجانبيّة المزعجة (ولكن غير الخطيرة) عند النساء أحيانا، مثل زيادة التعرّق وزيتيّة أو دهنيّة الجلد أو حب الشباب (العدّ) Acne أو نمو الشعر؛ ولا تشاهد هذه التأثيرات عادة بالجرعات الواقعة دون 50 مغ يوميا؛ لكن إذا حصلت، يمكن التخلّص منها بإنقاص الجرعات.
لقد وجدت أنّ من المفضّل البدء بشكل متحفّظ؛ فبعض النساء لديهن حساسية زائدة حتّى للجرعات الصغيرة من DHEA، ويكفي إعطاؤهن 10 مغ أو 5 مغ يوميا؛ بينما تحتاج الأخريات إلى جرعة أكبر للحصول على التأثيرات المرغوبة؛ ويكون الهدف هو إيجاد أقل جرعة فعّالة. وأنا أبدأ عادة بجرعة 10 مغ يوميا، وأزيدها بمقدار 10 مغ أحيانا (وصولا إلى 50 مغ يوميا كحدّ أقصى) إلى حين بلوغ المستوى المثالي. ويجب الانتظار 2-4 أسابيع لتقييم كفاءة كلّ مستوى قبل زيادة الجرعة.
وبما أنّ الرجال لديهن مستويات أعلى من التّستوستيرون للبدء بها، فهم لا يبدون حسّاسين لـ DHEA مثل النساء، كما تكون الدّلائل الإرشاديّة للجرعات Dosage guidelines عندهم واضحة نسبيا؛ فمعظم الرجال يظهرون استجابة جيّدة جدا بجرعات الاستعاضة البالغة 50 مغ يوميا؛ ويمكن – عند الحاجة – زيادة الجرعات اليومية بمقدار 10 مغ حتى أقصى جرعة آمنة وهي 100 مغ يوميا.
ونظرا إلى أنّ DHEA يمكن أن يكون منشّطا، يفضّل استعماله صباحا بحيث لا يكون له تأثير منبّه عندما محاولة الخلود للنوم. ويفضّل بعض الناس تناول DHEA على جرعتين أو ثلاث جرعات صغيرة خلال اليوم؛ فإذا رغبت بذلك، تأكّد من تناول آخر جرعة قبل السادسة مساء.
مراقبة التقدّم أو التحسّن
إنّ ما تشعر به هو أحد الدّلائل الإرشاديّة القيّمة التي يعتمد عليها الطبيب لمعرفة الجرعة المناسبة من DHEA؛ فإذا لم تلاحظ تحسّنا ملحوظا في الطاقة والمزاج، فقد تحتاج إلى زيادة الجرعات (وصولا إلى الجرعة القصوى الموصى بها) للحصول أو الشعور بالفوائد؛ أمّا إذا بدأت تشعر بفرط التنبيه أو التّململ أو بعدوانيّة مزعجة أو عانيت من أيّة تأثيرات جانبيّة أخرى، فقد يدلّ ذلك على الحاجة إلى إنقاص الجرعة.
الدّلائل الإرشاديّة للجرعات
إذا كنت: ذكرا
ابدأ بـ: 50 مغ/اليوم
زد الجرعة حسب الحاجة بمقدار: 5-10 مغ/اليوم
حتّى جرعة قصوى قدرها: 100 مغ/اليوم
إذا كنت: أنثى
ابدأ بـ: 10 مغ/اليوم
زد الجرعة حسب الحاجة بمقدار: 5-10 مغ/اليوم
حتّى جرعة قصوى قدرها: 50 مغ/اليوم
عندما يتعلّق الأمر بالاستعاضة الهرمونيّة Hormone replacement، يمكن أن تختلف الجرعات الآمنة والفعّالة اختلافا كبيرا من شخص إلى آخر؛ وفضلا عن تقييم طبيبك لما تشعر به، قد يرغب بإعادة اختبار المستويات الدمويّة لمستقلب الدّيهيدرو إيبي آندروستيرون DHEA-S بعد 6-8 أسابيع من إعطائه، أو بعد أي تغيير هام في الجرعات لديك.
وتعطي شاكلة هرمونات الإجهاد Stress hormone profile، والتي تختبر كلا من الكورتيزول و DHEA، أدقّ صورة عن تقدّم حالتك؛ فزيادة مستويات DHEA لديك قد تؤدّي إلى هبوط مستويات الكورتيزول المرتفعة نوعا ما، لذلك يمكن أن يكون حتّى للتحسّن البسيط في DHEA تأثير إيجابي في نسبة DHEA/الكورتيزول.
ولحساب نسبة DHEA/الكورتيزول، تأكّد أوّلا من أنّ قياس كلّ منهما هو بوحدة القياس نفسها (تكون وحدة القياس هي الميكروغرام/دسيليتر mcg/dL في معظم المختبرات)، ثمّ اقسم قيمة DHEA على قيمة الكورتيزول؛ فمثلا، إذا كان مستوى DHEA 210 والكورتيزول 14، تقسم 210 على 14، فتكون النتيجة هي نسبة DHEA/الكورتيزول، وهي في هذه الحالة 210 ÷ 14 = 15.
إذا كانت النتيجة في موضع ما بين 15 و25، فأنت ضمن المجال المستهدف؛ أمّا إذا كانت أقلّ من 15، أو كان مستوى DHEA أقلّ من 150 ميكروغرام/دسيليتر، فالأرجح أن تستفيد من زيادة مقدار ما تتناوله منه؛ وأمّا عندما تكون النتيجة أعلى من 25، وتكون مستويات DHEA أكثر من 350 (بالنسبة إلى النساء) أو 450 (بالنسبة إلى الرجال)، فقد ينقص طبيبك مقدار جرعته التي يتناولها الشخص.
تذكّر أنّ الحالة الطبّية لكلّ شخص مختلفة؛ فهذه الدّلائل الإرشاديّة ليست بديلا عن النصيحة الطبّية المهنيّة والمتواصلة.
الضّبط الدّقيق لجرعات DHEA
دواعي زيادة جرعات DHEA:
– نسبة الدّيهيدرو إيبي آندروستيرون/الكورتيزول أقل من 15
– مستوى الدّيهيدرو إيبي آندروستيرون أقل من 150 ميكروغرام/دسيليتر
– لا يوجد تحسّن في المزاج أو الطاقة
دواعي إنقاص جرعات DHEA:
– مستويات الدّيهيدرو إيبي آندروستيرون أكثر من 450 ميكروغرام/دسيليتر (الرجال) أو 350 ميكروغرام/دسيليتر (النساء)
– تململ Restlessness، عدوانيّة، فرط تنبّه
– جلد دهني أو زيتي أو حب شباب، زيادة نمو الشعر (عند النساء)
من ينبغي ألاّ يستعمل DHEA؟
تكون المعالجة باستعاضة DHEA معالجة مضادّة للشيخوخة آمنة جدا وفعّالة للغاية عند معظم الناس؛ غير أنّ استعمال DHEA عند المصابين بأنماط معيّنة من السرطان ما يزال مثار قلق. ونحن رأينا بوجه عام أنّ DHEA يعزّز الوظيفة المناعية، بما في ذلك قدرة الجسم على مقاومة السرطان. كما أنّ DHEA أظهر في المختبر قدرته على تثبيط نموّ الخلايا السرطانيّة للثدي والبروستاتة، وعلى الوقاية من تشكّل الآفات السرطانيّة؛ وهذا ما يوحي بأنّ المحافظة على مستويات DHEA المثاليّة عندما نتقدّم بالسنّ قد تكون هامة في الوقاية من السّرطان. وفي الواقع، وجدت إحدى الدراسات أنّ الذين لديهم أعلى مستويات من DHEA ينقص خطر سرطان القولون Colon cancer قليلا لديهم.
لكن، هناك بعض القلق من أنّ إعطاء DHEA يمكن أن يثير نموّ سرطان البروستاتة Prostate cancer الموجود مسبقا؛ ويتعزّز هذا السرطان بشكل من التّستوستيرون، ويمكن أن ينقلب DHEA إلى تستوستيرون في الجسم، رغم وجود جدل حاد حول ما إذا كان هذا الشكل من التّستوستيرون الذي يتعزّز بالـ DHEA هو النمط الذي يشجّع نموّ السرطان. ولا يزال البحث في هذه المسألة غير حاسم، وسنحتاج إلى المزيد من المعلومات للوصول إلى فهم أشمل لجميع الآليّات المؤثّرة؛ وإلى أن يتحقّق ذلك، يفضّل اتخاذ جانب الحذر.
ينصح الرجال المصابون بسرطان البروستاتة بألاّ يستعملوا DHEA، أو بأن يكون استعماله تحت الإشراف الوثيق لاختصاصيي السرطان؛ كما أنّ الرّجال الذين يتناولون DHEA يجب أن يخضعوا لاستقصاءات سنويّة بهدف مراقبة أيّ تبدّل في المستضدّ النّوعي للبروستاتة Prostate-specific antigen (PSA)، وهو واسمة Marker لسرطان البروستاتة. ويوصى بهذا التحرّي الأساسي للسرطان عند جميع الرجال بعد عمر الخمسين، سواء أكانوا يتناولون DHEA أم لا.
كما أنّ هناك قلقا حول تأثير إعطاء DHEA في مستويات الكولستيرول عند النساء؛ فبعض الأبحاث رأت أنّ DHEA قد يسبّب نقصا في البروتين الشّحميّ المرتفع الكثافة HDL (الكولستيرول من النوع “الجيّد”) عند النساء. ولكن، لم يكن التأثير هاما بما يكفي لإثارة قلق كبير، ولا شوهد بوضوح في دراسات أخرى. وفي الحقيقة، يبدو أنّ قدرة DHEA على الوقاية من مرض القلب، بمنع أكسدة البروتين الشّحميّ الخفيض الكثافة LDL (الكولستيرول من النوع “السيّئ”)، أكثر أهمية بكثير.
ولكن، قد يكون من المفيد أيضا التذكّر بأنّ أيّ شخص يستعمل أيّ نمط من المعالجة المستبدلة للهرمونات يجب أن يتعاون مع مستشار طبّي قادر على مراقبة جميع التغيّرات في حالتك الصحّية