التصنيفات
الطب البديل والتكميلي

التفكير حول التفكير: التأمل ج8

الآن بعد أن بدأت التأمل، ولو بقدر يسير، ربما تجد أنك تستطيع تغيير عملية التفكير الخاصة بك بحيث أصبحت الآن تفكر فيما تفكر فيه. فأنت تحلل أنواع الأفكار التي تخطر ببالك، وتتساءل لماذا تخطر على بالك بهذا الترتيب. وفي الظاهر، لا يبدو أن هناك سبباً لورود الأفكار بهذا الترتيب.

معظم الناس لديهم طريقة يفضلونها لمباشرة الحياة. فهم يفكرون بطرق معينة، ويعيشون الحياة بطرق معينة. وأريد هنا أن أذكر نظامين يتأملان في الطريقة التي نفكر بها. النظام الأول هو النظام “اليونجي” Jungian والثاني هو نظام البرمجة اللغوية العصبية.

لقد اقترح كارل يونج أربع سمات للشخصية: التفكير والشعور والحس والبديهة. وقد طوّر كل من ريتشارد باندلر وجون جرندر فهماً لثلاثة أنظمة: الرؤية والسمع والشعور. من المفيد أن نلاحظ أن مصطلح “الشعور” يعني شيئاً مختلفاً في كل من النظامين.

أنواع الشخصية

في نظام يونج، تمثل السمات الأربع للشخصية أربعة اتجاهات مختلفة للحياة؛ أي أربعة اتجاهات مختلفة لاستخدام العقل. ورغم أن نظامنا التعليمي يضفي قيمة كبيرة جداً لسمة التفكير، كما أن الذكاء يرتبط دائماً بهذه السمة، فإن السمات الثلاث الأخرى لها نفس الأهمية. وفي بعض الثقافات، لا يلقى التفكير نفس القدر من الاهتمام. وكل واحد من البشر لديه الإمكانية لاستخدام السمات الأربع. ونحن ببساطة نفضل استخدام واحدة على الأخريات، كما أن لدينا سمة ثانوية نعتمد عليها أيضاً. ونحن نستطيع تطوير السمات الأربع.

دعنا نبدأ بسمة “الحس”. الحس هو الطريقة التي ندرك بها البيانات الخام من العالم من حولنا. يتضمن الحس الرؤية والتذوق والشم واللمس والسمع. ونحن نستخدم هذه الحواس طوال الوقت. وبالنسبة لنمط الشخصية الذي يعتمد على الحس، فإن العملية الذهنية لديه تتركز على الحواس. ومثل هذا الشخص يتعلم أفضل عن طريق التنفيذ، حيث يحدث التعليم على المستوى المادي، وليس عن طريق المعلومات النظرية. ونحن نعلم أن بعض التلاميذ يستطيعون أداء العمليات الحسابية البسيطة باستخدام أصابعهم، بينما هناك آخرون يستطيعون تخيل الأرقام في أذهانهم.

“التفكير” هو الوظيفة التي تخطر على بالنا جميعاً عندما نتحدث عن الذكاء. يقول يونج “عن طريق التفكير، نصبح قادرين على التعرف على معنى الشيء الذي نلاحظه والغرض منه” (بينيت، What Jung Really Said، ص 55). إن مجرد رؤية الشيء ليست كافية. فنحن نحتاج إلى العثور على معنى لما نراه. فنحن نحلل ونصنّف ونفحص البيانات الواردة إلينا. ونحن نقوم بربط هذه البيانات الجديدة بالبيانات التي قمنا بجمعها من قبل. ونحن ننقل البيانات من مكان إلى آخر لكي نرى إن كان ذلك يجعلها منطقية أكثر بالنسبة لنا. وقد نضطر إلى العودة إلى حواسنا مرة أخرى للحصول على المزيد من البيانات.

وعندما يناقش كارل يونج “الشعور” فإنه يشير إلى عملية تقييم الكائن أو المعلومات التي نتعامل معها. قد تلعب العواطف دوراً هنا، ولكن يونج يشير في الأساس إلى عملية ذهنية لا عاطفية. وإصدار الأحكام هو النشاط الذي يقوم به هذا الجانب. ما هو شعوري تجاه هذا الشيء؟ هل يبعث هذا الشيء في مشاعر سارة أم أنه يثير استيائي؟ وإلى أي قدر؟ وهذا التقييم شخصي بدرجة عميقة للغاية.

السمة الرابعة هي “البديهة”. وهي التي تتيح لنا ربط المعلومات بالزمن. هذه العملية الذهنية تتضمن ما يمكن أن يحدث في المستقبل. فربما نفكر فيما يمكن أن نفعله بشيء ما، أو بالكيفية التي ستتناسب فيها الرسالة التي وصلتنا ضمن خططنا المستقبلية. ونحن نتوقع المستقبل، ونستخدم بديهتنا لنتأمل في المعلومات التي تم جمعها من خلال السمات الثلاث الأخرى.

التعرف على العمليات الذهنية – 1

من الممكن استخدام الأنواع الأربعة من العمليات الذهنية لتحليل عملية التفكير العشوائي الخاصة بك. في أثناء التأمل، فكر في الاحتمالات التالية:

1. هل أفكارك تدور بصفة أساسية حول البيئة المباشرة التي تتأمل فيها؟ هل تركز على التقلص العضلي في ساقك، أم على الطريقة التي يتراقص بها الضوء الآتي من النافذة على السجادة أو الأرضية، أو على الأصوات التي تصدر من المبنى؟ هل هل تشعر بالدفء أم البرودة أم الجوع؟

2. ربما أن تفكيرك يستكشف الغرض من المعلومات التي تستقبلها الآن. فأنت تفكر في كيفية تراقص الضوء على السجادة، وفي كيفية أنه يؤدي إلى تدفئة نسيجها. وأنت تفكر في الأصوات المحيطة بك وتفهم أن لها علاقة بالمروحة التي تعمل على تدوير الهواء في الغرفة. وأنت تلاحظ التقلص العضلي في ساقك، ولكنك تربط بينه وبين فهمك للفترة الزمنية التي تستغرقها العضلة لكي يحدث بها شد أثناء التأمل.

3. ربما أنك تحكم على ما تمر به من خبرات لحظة بلحظة. “أنا أشعر بالاسترخاء وهذا شيء جيد”. “ياآآه! فكرة شاردة عن التقلص العضلي في قدمي، إنه لشيء سيئ”. “الضوء الآتي من النافذة أكثر إشراقاً اليوم عما كان عليه بالأمس، وهذا يعني أن الطقس اليوم أفضل. شيء رائع”.

4. إذا كنت من النوع البديهي، فإنك تقيس قيمة التأمل بالنسبة لمستقبلك. وتفكر أن الضوء يزيد من حرارة السجادة وبالتالي سيقلل من تكلفة التدفئة في الشهر الحالي. وأنت تفكر في أن جلسة التأمل هذه ستجهزك للاجتماع الذي ستحضره في عصر هذا اليوم.

الغرض من هذا التدريب هو اكتشاف نوع العملية الذهنية الخاصة بك. إلى أين يفضل عقلك الذهاب عندما تُتاح له الفرصة؟

بعض الناس يجدون هذا الاكتشاف العقلي صعباً أو حتى مؤلماً. وربما أنك لا ترغب في معرفة الطريقة التي يعمل بها عقلك. وفي الواقع، بعض الناس يبذلون مجهوداً كبيراً لكي يتجنبوا هذه المعرفة. تذكر ما قلناه في الفصل الرابع من وجوب قبول نفسك كما هي. ربما حان الوقت أن تراجع هذا الفصل مرة أخرى ففيه نبين:

•    أن الأفكار التي تأتيك هي أفكارك أنت.
•    ليس هناك من يضع هذه الأفكار في ذهنك.
•    أفكارك تبين كيف يعمل عقلك.
•    أفكارك تكشف عاداتك الذهنية.
•    يمكنك تغيير العادة ولكن فقط إذا فهمت المغزى من ورائها.

وباستخدام نظام يونج، يمكنك أن تتعلم كيف تميل إلى الدخول في كل عملية ذهنية. وعندما تفعل هذا، ستكتشف دون شك العادات الذهنية البناءة وغير البناءة لديك. وبعد هذا الاكتشاف، يمكنك أن تبدأ في تغيير هذه العادات.

الأنظمة التمثيلية

عندما تفحص عملياتك الذهنية، ستعثر على معلومات إضافية. وما اكتشفه باندلر وجرندر من خلال أبحاثهما هو أن كل واحد منا له نمط نموذجي خاص به للوصول إلى المعلومات في هذا العالم. فعلى مستوى الحس الذي ناقشه يونج، تجد أن كل واحد منا له حاسة غالبة يستخدمها أكثر من غيرها. وهذا يعني أن الإنسان يمكن أن تغلب عليه إحدى السمات الرئيسية الأربع التي ذكرها يونج، وفي داخل هذه السمة الرئيسية، يمكن أيضاً أن يكون هناك بعض التنويعات الفريدة.

الأنظمة التمثيلية البصرية تعتمد على الرؤية. ماذا تعني هذا العبارة؟ إنها تعني أن الأشخاص الذين يغلب عليهم سمة البصر يميلون إلى تكوين صور في أذهانهم بينما هم يفكرون. إنهم “يرون” الكلمات. وهم أيضاً يزينون عباراتهم بكلمات بصرية. ولأن أمي من هذا النوع، فإنها كثيراً ما كانت تقول عندما تقف أمام الطعام في المطعم: “ما الذي يبدو رائعاً لك اليوم؟ انظري إلى هذه الطماطم الحمراء الرائعة!”.

والأنظمة التمثيلية السمعية تعتمد على ما ننطقه أو نسمعه. والشخص الذي تغلب عليه هذه السمة “سينصت” إلى الإجابات الداخلية عن الأسئلة ثم يقولها بصوت مرتفع. على سبيل المثال، إذا أتيح لي اختيار المطعم الذي سأتناول فيه الغداء، فإن المزيد من انتباهي سيتوجه إلى الأصوات التي كنت أسمعها في داخل كل مطعم زرته، وليس إلى الطعام الذي يقدمه كل منها. أيضاً ربما أنني أحب أصوات أسماء الأطعمة. إذا كنت تفكر في الأصوات، فأنت من النوع السمعي. أما إذا كنت تفضل الطعام بحسب الشعور الذي تحس به في معدتك، فأنت من النوع الحسي.

والأنظمة التمثيلية الحسية تتعلق بكل ما تشعر به في جسمك. من الممكن ربطها بالمشاعر، ولكن النقطة الأساسية هنا هو ربطها بما يحس به البدن. عندما تسأل عدة أشخاص عن حالهم وكيف يشعرون، فإنك في الغالب ستحصل على استجابات مختلفة. بعض الأشخاص سيحتاجون إلى بعض الوقت لكي يعرفوا كيف يشعرون. سترى أنهم يسحبون انتباههم من العالم الخارجي ويركزونه داخل أنفسهم. وبغض النظر عن استجاباتهم، إذا سألتهم عن مكان الإحساس الذي أخبروك به في جسمهم فإنهم في الغالب يستطيعون تحديد هذا. أنا أعلم أنني أشعر بالقلق في معدتي وبطني، وأشعر بالخوف في ضلوعي ورئتي، وأشعر بالحب في قلبي. أما الفرح فيبدو أنه ينتشر في كل عروقي.

التعرف على العمليات الذهنية – 2

هذا التدريب بسيط للغاية: صف خبرتك عند الدخول إلى مبنى ما للمرة الأولى. اكتب ما تلاحظه.

الآن تأمل الكلمات التي استخدمتها لوصف خبرتك. هل ذكرت لون المبنى أو الجدران أو الفرش؟ هل ذكرت الموسيقى، أو أصوات الأبواب وهي تُفتح أو تنغلق، أو الضوضاء التي تصدرها الأقدام على الأرضية؟ هل لاحظت الشعور بالراحة أو القلق عند دخولك إلى المكان، أو هل لاحظت تغييراً في درجة الحرارة؟ إننا نستخدم كلمات بصرية براقة، أو كلمات سمعية رنانة، أو كلمات مثيرة حسياً طوال الوقت. وكل منا له ميل فريد تجاه إحدى الوسائل الثلاث لجمع المعلومات، ونحن نكشف عن هذا الميل في لغتنا المنطوقة ولغة جسدنا.

هل اختلط عليك الأمر؟

بعض القراء يعرفون بالفعل هذه الأساليب في تحليل العمليات الذهنية، كما أنهم يعرفون الأساليب المفضلة لديهم. والبعض الآخر من القراء قد لا يدرك المغزى من وراء كل هذا. إذا لم تتمكن من معرفة الأسلوب المفضل لديك، فربما يصادفك حظ أوفر إذا طلبت من شخص آخر أن يساعدك. في الغالب، يكون تحديد نمط شخص آخر أسهل من تحديد نمطنا. والمغزى من وراء كل هذا هو كشف مدى تعقيد العمليات الذهنية والإيحاء بأنك تستطيع تغيير أفكارك عن طريق تغيير منظورك.

وباستخدام شيئين يمكن أن تكتشفهما عن نفسك، نمط الشخصية الرئيسي والنظام التمثيلي الذي تستخدمه باستمرار، يمكنك تطوير مجموعة من “الأفكار” التي يكون لها ارتباطات إيجابية للغاية بالنسبة لك. ستصبح هذه الأفكار جزءاً من قائمتك وستحملها معك باستمرار في محفظتك. اكتب الخبرات البصرية للغاية، إذا كنت من النوع البصري، واسرد الخبرات السمعية أو الحسية إذا كنت تفضل أياً منهما. بعد ذلك، عندما تتأمل، يمكنك التعرف على الأفكار السلبية عندما ترد على خاطرك، وتستبدلها بأكثر الارتباطات إيجابية.

إثراء خبرتك

استرخِ في وضع التأمل المعتاد.

1. خذ بضعة أنفاس عميقة.

2. استحضر إلى ذهنك خبرة إيجابية للغاية من الماضي.

3. لاحظ كيف تتذكرها: هل تتغلب الأحاسيس أم المنطق أم المشاعر أم البديهة؟ هل هذه الذكرى بصرية أم سمعية أم حسية؟

4. الآن، بعد استعراض الذاكرة التي استحضرتها إلى ذهنك، ما الذي يدخل في نطاق إدراكك أيضاً؟ لاحظ الطرق الإضافية التي تدرك بها الذكرى الإيجابية.

أثناء ممارسة هذا الأسلوب، ستكتشف مدى الثراء والغنى الذي ربما فات عليك. إن عملية توسيع إدراكاتك ستستمر في نشاطاتك اليومية. ستجد نفسك تلاحظ أشياء لم تكن تراها أو تسمعها أو تحسها من قبل. يمكن لهذا التدريب أن يساعدك في مواقف الحياة الصعبة أيضاً.

فعندما تكون في موقف صعب، ربما تتمكن من “رؤية” مخرج أو حل له عن طريق التركيز على النتيجة المستقبلية. ربما تجد أن تذكر ما قاله شخص ما في موقف سابق مفيد الآن. وربما حتى تتمكن من إغلاق عينيك وتخيل لونك المفضل أو الاسترخاء بما يكفي لتحويل رد الفعل الأقل وعياً إلى استجابة واعية. إن تذكر مساحة التأمل الخاصة بك يمكن أن يساعدك على الاسترخاء والدخول في حالة ذهنية بديلة، بغض النظر عن المكان الذي توجد به حالياً.

ملخص

عندما تفكر بحرص في الطريقة التي تسير بها عملياتك الذهنية، فإنك يمكن أن تتصالح مع نفسك بطريقة جديدة. فأنت تعترف بوجود العمليات الذهنية الملتوية وتتعلم كيفية تغييرها أو على الأقل استبدالها إلى صور أو أصوات أو مشاعر أكثر إيجابية. وعندما تتعلم المزيد عن الطريقة التي تفكر بها، وعندما توسع من استجاباتك المحتملة، فإنك تسمح لنفسك بإحداث فجوة في التدفق الطبيعي المنشغل للغاية في عملياتك الذهنية. وهذه الفجوة هي المكان الذي ستستكشف فيه الفضول والإلهام والابتهاج.

في الفصل التالي، سنستكشف الرابطة بين اليوجا والتأمل.