يبدو لنا جميعاً أن التنفس على درجة كبيرة من البساطة، إلى درجة أن لا داعي لأن نفكر فيه. إننا نقوم به على مدار الساعة في أي مكان نكون وبأي عمر وبأي حال بل نحن نقوم به حتى ونحن نائمون فهل هناك ما هو أبسط من ذلك؟
ولكن ما قولك حين تخبرك الدراسات العلمية المتخصصة، بأن 95 بالمائة من الناس يتنفسون بشكل خاطئ؟
قد لا تصدق، وتتساءل أنا أتنفس بشكل خاطئ؟
إنني أستنشق الهواء وأزفره أليس ذلك كل ما في الأمر؟ وها أنا ما زلت على قيد الحياة فماذا بعد ذلك؟
صدق أو لا تصدق أن العديد من الدراسات العلمية الحديثة جداً تجزم بأن معظم الناس لا يعرفون كيف يتنفسون وأن أجسامهم تعاني من نتائج ذلك.
التنفس الرديء يسبب الأمراض
إن التنفس الرديء يسلب الأوكسجين من الجسم ويوتّر عضلاته ويرفع ضغط الدم مما يزيد من مخاطر الإصابة بالسكتة وبالنوبات القلبية. وتذهب دراسة (البواعث) إلى القول (إن التنفس الرديء قد يقتلك).
إن معظم الناس غير واعين لتنفسهم، إنهم لا يدركون أن هناك أكثر من طريقة للتنفس، فهم لا يعرفون كيف يتنفسون بطريقة ترفع تركيز الأوكسجين في دمائهم إلى الحد الأقصى وتطرح ثاني أكسيد الكربون منها بأقصى فعالية. كما أنهم لا يعرفون كيف يتنفسون بطريقة تهدئ أجسامهم وتبطئ من سرعة نبض قلوبهم وتخفض من ضغط دمائهم وتخفف من إنتاج الجذور الحرة في خلاياهم.
عندما يطلب منا أن نأخذ نفساً عميقاً، كلنا بلا استثناء سنعمل على إمالة رؤوسنا إلى الخلف ونحاول أن نجعل أعمدتنا الفقرية مستقيمة وأكتافنا مستوية، ثم نسحب عبر أنوفنا أكبر قدر ممكن من الهواء إلى داخل صدورنا؟ أليس هذا ما نفعله جميعاً؟
مع الأسف إن الدراسات تخبرنا بأنّ هذه الخطوات المتّبعة من أجل الحصول على الهواء الكافي، غير سليمة، وعليه، إن اخترت أن يكون تنفسك رديئاً، فما عليك إلا أن تجعل عمودك الفقري وعنقك في وضع مستقيم، وكتفيك في وضع مستو ثم تملأ صدرك بالهواء ما استطعت.
معظمنا إن لم يكن جميعنا نعتقد أن أخذ النفس العميق السليم المفيد، يعني توسيع الأضلاع ونفخ الصدر بامتصاص الهواء إلى داخله. لكن رأي الخبراء غير ذلك تماماً فهم يؤكدون لنا أن ذلك هو النفس السيئ وأن التنفس الجيد يأتي من البطن وليس من الصدر.
إن التنفس الصحيح هو علم وفن، إنه شيء يجب علينا العمل به بشكل واعٍ وفي كل يوم، كل ما يتطلبه الأمر هو التدريب والمثابرة لننعم بثمرات اجتهادنا التي تظهر في صحتنا.
قديماً أدرك الحكماء أن التنفس هو الوظيفة الحيوية الوحيدة التي ترسخ الجسر بين التحكم الإرادي والتحكم اللاإرادي في أجسامنا فقد لاحظوا أنهم غير قادرين بشكل واع على التحكم في تقلص أوعيتهم الدموية أو في تمعج أمعائهم، إلا أنهم قادرون على التحكم بتنفسهم. ونظراً للدور الذي يلعبه التنفس بين العقل والجسم، فإن التنفس الصحيح يتمكن من تنظيم كافة الوظائف الأخرى بما فيها النبض وضغط الدم والهضم والاستقلاب وإفراز الهرمونات.
كتب د. تود في ذلك (لقد بدأنا لتونا وبعد مرور ألفي سنة باكتشاف ما اكتشفه أولئك الحكماء تجريبياً).
تعرّف على طريقة تنفسك
كي تطّلع بنفسك على عاداتك في التنفس: اجلس في غرفة هادئة ذات تهوية جيدة ودرجة حرارة مريحة وتنفس بالطريقة التي تتنفس بها عادة وعليك أن تفهم أن تركيزك على تنفسك في حد ذاته سوف يغيّر من تنفسك إلى درجة ما، لأنك عندما تركّز لأول مرة على طريقة تنفسك فإنك سوف تحاول أن تحبس نفسك أو تتنفس بطريقة أكثر بطئاً من المعتاد، حاول أن لا تفعل ذلك وحافظ على تنفسك بشكل طبيعي ما أمكن دع نفسك ينساب. عليك الآن أن تحصي أنفاسك انظر إلى الساعة وقم بإحصاء عدد مرات تنفسك خلال ثلاثين ثانية، اضرب العدد في اثنين لتحصل على معدل تنفسك في الدقيقة. ما هو المعدل؟
الآن خذ لحظة من الوقت وراقب تنفسك، أين تكون الحركة الأكبر في جسمك عند الشهيق في الصدر أم في الكتفين وأعلى الذراعين؟
هل يبدو تنفسك منتظماً أم غير منتظم؟ هل أنفاسك عميقة؟ أم سطحية، هل تشعر بالاكتفاء بعد كل نفس؟
الآن خذ نفساً عميقاً، ما الذي تلاحظه؟ هل تشعر أنك تتحرك نحو الأعلى عندما تستنشق الهواء؟ هل تلاحظ أن رأسك يتحرك نحو الخلف؟ هل تشعر أن هناك شيئاً من الإعاقة في صدرك؟
ضع يدك على بطنك هل تشعر بأنه يتمدد عندما تأخذ نفساً عميقاً؟ أم أن معظم التنفس يأتي من قفصك الصدري؟
تخيّل الآن، أنك تقود سيارتك ضمن حركة سير مزدحمة جداً، ويداك تقبضان بشدة على المقود ويظهر على وجهك الشحوب لما تشعر به من إحباط، تخيّل قدمك وهي تضرب بعنف مكابح السيارة مرات ومرات. لقد تأخرت عشرين دقيقة عن اجتماع هام أو عن بدء دوامك اليومي، السيارات تزعق من خلفك وأنت في منتصف الطريق، حواجز الإسمنت والمفارز تزيد الطين بلّة، نهاية شاحنة كبيرة تجاور نافذتك وتنفث دخانها في صدرك، كل ذلك وعواقب تأخرك الوخيمة تقصف فكرك.
إنه وضع مألوف وتخيّله لا يتطلب موهبة في التخيل.
أنت الآن تعيش المشهد تعيش الشدة النفسية وتكبت رغبتك في الصراخ.
لاحظ الآن ما الذي يحدث لتنفسك، من أين تأتي أنفاسك؟
هل تشعر بالتوتر يزداد في صدرك؟ قم بقياس معدل تنفسك من جديد هل تغيّر؟
كيف تشعر بعد كل نفس؟ هل اكتفيت؟ أم ما زلت متعطشاً للهواء؟ ما هو حال بقية جسمك؟ هل تشعر بالشدة، بالتوتر؟
إن هذا الاختبار يبدو بسيطاً، إلا أن هناك الكثير من المعلومات التي يوصلها إلينا.
إذا كنت قادراً خلال التمرين على السماح لتنفسك بأن يأتي بشكل طبيعي، فإنك حتماً قد لاحظت أن معظم أنفاسك كانت تأتي من القفص الصدري بشكل رئيسي، وأنك عندما أخذت نفساً عميقاً فإن قفصك الصدري توسع بشكل كبير وأن كتفيك استقامتا ومال رأسك قليلاً إلى الخلف.
ذلك هو الوضع النموذجي لمن يتنفس عن طريق الصدر.
إن هذه الطريقة غير الصحية في الحصول على الهواء، الذي هو العنصر الهام جداً لصحتنا وحياتنا، هي نتيجة سنوات من عدم الوعي لطريقة التنفس السليم، إضافة إلى ما يساويها من سنوات الشدة والضغط النفسي مما يسبب شد الجسم وتوتره وإعاقة حركات التنفس الطبيعية.
يذكر د. تود أن دراسة أجريت في هولندا على ضحايا النوبات القلبية. ركّز فيها الدارسون على الطريقة التي يتنفس بها المصابون، حيث تم تعليم نصف أعضاء تلك المجموعة من المرضى كيفية التنفس السليم عن طريق الحجاب الحاجز بينما لم يعط النصف الثاني أي تعليم حول تقنيات التنفس السليم.
وعند انتهاء الدراسة لم يكن أي من أفراد مجموعة التنفس الجيد قد أصيب بنوبة قلبية ثانية. بينما أصيب تقريباً 50 بالمائة من أفراد مجموعة التنفس السيئ بنوبة قلبية جديدة خلال السنتين التاليتين.
لقد كان هذا الدليل على درجة من القوة جعلت الحكومة الهولندية، تأمر بأن يتم تعليم التدريب على التنفس في كافة العيادات القلبية.
ويعلّق د. تود الأميركي على ذلك بقوله: (إن أميركا تتخلف عن أوروبا بشكل كبير في فهم فوائد التنفس عن طريق الحجاب الحاجز).
ما المانع في أن نتعلم التنفس الصحيح؟ إنّ الأمر يستحق، فهو كما يبدو مما سبق، بوابة السيطرة على الشدة النفسية وتحسين الصحة بأسهل الطرق التي يمكن اكتشافها وأكثرها فعالية.
التنفس البطني هو التنفس الطبيعي
لاحظ الطفل الرضيع وهو في حالة الراحة أو النوم، أنه حتماً لا يعاني من أعباء الضغط النفسي لذلك تراه مسترخياً، راقب تنفسه عن قرب، لاحظ بطنه كيف يرتفع ويهبط، أمر طبيعي أن الصدر يتوسع، إلا أن التنفس يأتي من البطن. راقب قطة مستلقية في وضع راحة، لاحظ تنفسها من أين يأتي؟ من البطن.
قارن ذلك مع تنفس أفراد عائلتك أو أصدقائك، ماذا ترى؟ التنفس يأتي بشكل رئيسي من الصدر مع حركة خفيفة للبطن.
إن التنفس البطني هو الطريقة الطبيعية والصحيحة للتنفس، ومع ذلك فإن القليل جداً منا يمارسونه. إن الضغط النفسي والتوتر قد سلبانا قدرتنا على القيام بمثل هذا العمل الطبيعي البالغ الأهمية.
إن العضلة الرئيسية الخاصة بعملية التنفس هي الحجاب الحاجز، وهي عضلة كبيرة تفصل تجويفنا الصدري (القلب والرئتين) عن تجويفنا البطني (المعدة والأمعاء) وهو أكثر عضلات الجسم قوة على الإطلاق. يلتصق الحجاب الحاجز بكامل محيط التجويف الصدري عند أسفله. وحين يكون في وضع الاسترخاء فإنه يأخذ شكل قبة بسيطة تتجه نحو أعلى الجسم. أما عندما تأخذ نفساً عميقاً مستثمراً حركة الحجاب الحاجز، فإن ذلك يؤدي إلى شده إلى الأسفل باتجاه البطن، فيتحول حين ذاك من شكل القبة إلى شكل أكثر استواءً وتوتراً ويؤدي هذا التغيير في شكله إلى توفر ضغط سلبـي في الرئتين يسمح بتدفق الهواء إليهما.
بما أن الحجاب الحاجز يفصل بين الصدر والبطن، لذلك عندما يتقلص يؤدي إلى زيادة سعة التجويف الصدري ونقص سعة البطن، لأن استواء الحجاب الحاجز يمثل تقلصاً نحو الأسفل مما يجعل البطن بارزاً لأن الأمعاء تتحرك من مكانها نتيجة لحركته. وعندما تزفر فإنه يسترخي عائداً إلى وضعيته الطبيعية، مما يجعل التجويف البطني يسترد سعته الأولى فينخفض البطن من جديد فحين تتنفس من صدرك وأنت محافظ على شد بطنك فإنك تلغي بذلك عمل الحجاب الحاجز الذي هو عضو التنفس الرئيسي في جسمك. وتعتمد في توسيع صدرك على العضلات التي بين الأضلاع وبعض العضلات الصغيرة الأخرى في حين أن هذه العضلات تعتبر فقط عضلات مساعدة لتوسيع الصدر في حال التنفس الطبيعي الذي يستثمر حركة الحجاب الحاجز.
اكتشف ذلك بنفسك من خلال الاختبار التالي:
خذ نفساً عميقاً من الصدر وحافظ على بطنك مشدوداً إلى أقصى ما تستطيع واستنشق بعمق من صدرك. وسّع صدرك إلى أقصى حد واسحب من الهواء كل ما تستطيع مع المحافظة على الشد في بطنك، انتبه إلى المدة التي تتمكن فيها من الاستنشاق وإلى مقدار الهواء الذي يدخل رئتيك.
الآن دع بطنك يسترخي بشكل طبيعي، خذ نفساً عميقاً من البطن، وسّع بطنك مع التنفس ودعه يبرز، اترك النفس يغوص حتى أسفل بطنك، اسحب من الهواء كل ما تستطيع سحبه.
هل لاحظت الفارق؟ إنك عندما تتنفس من البطن، تستطيع الاستنشاق لمدة أطول وإدخال كمية أكبر من الهواء إلى رئتيك ولا بد أنك لاحظت، أن التنفس من البطن يبعث على الرضى بشكل أكبر وأنه يشبع حاجتك إلى الأوكسجين، كما أنك تحتاج إلى مقدار أقل من الطاقة للقيام به. إن النفس البطني أكثر راحة في استنشاقه من النفس الصدري وهو أفضل الأنفاس.
استفد من سعة رئتيك
إننا نتنفس طيلة اليوم، ويطلق على الهواء الذي نستنشقه ونـزفره أثناء هذا التنفس اللاواعي وغير العميق كما تذكر الدراسات اسم (حجم المد والجزر) لدينا، فالشخص النموذجي يستنشق ويزفر حوالى 400-500 سنتيمتر مكعب من الهواء في كل نفس. والهواء لكي يدخل الرئتين فإنه لا بد من أن يمر عبر القصبة الهوائية ومنها إلى القصبتين الرئيستين قبل أن يدخل إلى الرئتين والأكياس الهوائية. والأكياس الهوائية – كما نعلم – هي الجزء الحيوي من الرئتين الذي يمتص الأوكسجين إلى مجرى الدم ويتخلص من ثاني أكسيد الكربون الذي يولده الجسم.
إلا أن الرغامي (القصبة الهوائية) والقصبتين الرئيسيتين لا تحتوي على أكياس هوائية إنها مجرد أنابيب كبيرة. وهذا يعني أن الهواء الموجود داخل هذه الممرات الرئيسية ليست له أية فائدة للجسم، لأن هذه الأجزاء لا تؤدي دوراً فهي لا تستقبل الأوكسجين ولا تطرد ثاني أكسيد الكربون بل تؤمن مرور الهواء فقط.
ويبلغ حجم هذه المنطقة داخل رئتي الشخص المتوسط حوالى 150 سنتيمتراً مكعباً.
الآن علينا أن نفكر في الأمر.
إننا نستنشق كما تذكر المراجع 400 سنتيمتر مكعب في كل نفس، فإذا كان الهواء الذي يفترض أنه يغذي الدماغ والجسم بحاجتهما من الأوكسجين لكي يعملا بشكل ملائم ينقص 150 سنتيمتر مكعباً بسبب المنطقة التي لا عمل لها، فإن هذا يعني أن ما يصل من الهواء إلى الرئتين لا يتجاوز 250 سنتيمتر مكعباً.
هذا يعني أننا لا نستفيد من نصف ما نتنفسه من الهواء تقريباً.
إن الحجم الكلي من الهواء الذي يمكن للرئتين احتواؤه يصل إلى الليترين.
في حين أن النفس الصدري – كما علمنا – لا يدخل إلى الرئتين كمية الهواء التي بإمكانهما استيعابها، كما أن جزءاً كبيراً من الهواء الذي يدخل ليس سوى هواء يملأ الرغامي والقصبتين الرئيسيتين.
إن ذلك كما يبدو واضحاً تنفس غير جيد من شأنه إلحاق الضرر بصحتنا فعلاً. عندما نتنفس من حجابنا الحاجز وبطوننا فإن بإمكاننا أن نـزيد بشكل كبير من كمية الهواء التي تدخل إلى رئتينا، وبالتالي زيادة كمية الهواء التي تدخل الأكياس الهوائية مما يؤدي إلى زيادة استبدال الأوكسجين وطرح المزيد من ثاني أكسيد الكربون.
لقد بينت الدراسات أن الشخص الذي يتنفس عن طريق البطن بشكل جيد، يمكنه أن يضاعف حجم الهواء المستنشق مع كل نفس بمقدار ضعفين أو ثلاثة خلال بضعة أيام من ممارسته. كما يمكن للذين يتنفسون عن طريق البطن أن يدخلوا إلى رئاتهم كمية من الهواء تزيد بمقدار ليتر مع كل نفس.
وهذا يعني أن عدد مرات تنفسك سوف يقل، وأن جهدك سوف ينخفض وستدخل المزيد من الأوكسجين إلى جسمك.
(إن التنفس عن طريق البطن هو التنفس الأفضل).
زود دمك بالأوكسجين
إن مهمة التنفس – كما نعلم – هي إدخال الأوكسجين إلى الجسم، وإطلاق ثاني أكسيد الكربون الذي نتج عن الاستقلاب الطبيعي الصحي، والذي يجب أن يتم طرحه بشكل صحيح كي لا يسبب مشاكل صحية خطيرة.
ولكي تتم هذه العملية في الجسم، يعمل القلب على ضخ الدم إلى الرئتين وتقوم الأكياس الهوائية بامتصاص الأوكسجين ونقله إلى مجرى الدم، كما أنها تقوم في الوقت نفسه باستخلاص ثاني أكسيد الكربون من الدم وإطلاقه في الرئتين حيث يتم إخراجه عند الزفير.
لقد سبق أن علمنا، أننا عندما نتنفس عن طريق الصدر فإننا لا ندخل إلى رئتينا سوى كمية ضئيلة من الهواء. وهذه الكمية من الهواء تعمل على توسيع القسم العلوي من الرئتين إلا أنه لا يتوفر الهواء الكافي لتوسيع الأقسام السفلية العميقة من الرئتين حيث تبقى هذه الأقسام غير مستخدمة ومنطوية، ونخسر بذلك دورها الهام في عملية التنفس.
وينبغي أن نعلم أن الدم الذي يجري في القسم العلوي من الرئتين يقل عن عُشُر ليتر في الدقيقة بينما يبلغ حجم الدم في القسم السفلي من الرئتين ما يزيد عن ليتر كامل خلال نفس الدقيقة.
هذا يعني أن معظم الدم الذي يجري في الأقسام السفلية التي لا تحصل على الهواء الكافي عندما نأخذ أنفاساً سطحية هو دم محروم لا يأخذ نصيبه من الأوكسجين.
لذلك فإن نسبة ضئيلة من دمائنا فقط يتم تزويدها بالأوكسجين مما يجعل أجسامنا تعاني من نقص حاد فيه وخطر تراكم ثاني أكسيد الكربون.
ولكي يتم إدخال ما يكفي من الأوكسجين إلى الدم، فإن على القلب أن يضخ الدم بشكل أسرع وأكثر قوة لكي يدفع المزيد من الدم إلى تلك الأقسام العلوية الضيقة من الرئتين. مما يدفعنا إلى التنفس بسرعة وبجهد أكبر لغرض الحصول على ما يكفي من الأوكسجين وتزويد الدم به، مما يدفع الجسم إلى العمل بجهد أكبر، الأمر الذي يرهق القلب.
وبالمقابل فإن التنفس العميق عن طريق البطن، يعمل على فتح تلك الأجزاء السفلية الأكثر عمقاً في الرئتين ويملأ الأكياس الهوائية بالأوكسجين لكي يصل إلى مجرى الدم ويزيل ثاني أكسيد الكربون الضار، وهذا يجعل القلب يبطئ النبض ويدفع إلى الاسترخاء الصحي.
ولهذا السبب كان المرضى الذين دُرّبوا على التنفس عن طريق البطن في الدراسة الهولندية قد تعرضوا إلى نسبة أقل من النوبات القلبية لأن التنفس العميق جعل قلوبهم تبطئ نبضها، وكلما قلّ جهد القلب طال عمر الصحة.
هناك ميزة أخرى يمتاز بها التنفس عن طريق البطن عن التنفس الصدري، وهي أن الحجاب الحاجز يقوم بتدليك أعضاء البطن عندما يتقلص مع كل استنشاق عميق للهواء، وأن حركة التدليك تلك تحسن تدفق الدم إلى المعدة والأمعاء وتزيد حركة الطعام بالأمعاء وتحسن الهضم، ويمكن أن يساعد ذلك على التخلص من مشاكل الإمساك والإسهال وآلام البطن. كل ذلك نحصل عليه من التنفس الصحيح.
التنفس الجيد
إذا كنت قد اقتنعت، بأنك في حاجة إلى تغيير الطريقة التي تسحب بها أنفاسك، فإن سؤالك التالي سوف يكون..
كيف أتعلّم التنفس عن طريق البطن؟
تذكر المراجع، عدداً من التمارين البسيطة السريعة التي يمكن القيام بها يومياً من أجل إعادة تدريب الجسم على التنفس بطريقة صحيحة تدعم الصحة، ومن هذه التمارين تمرين التنفس البطني في وضع الاستلقاء.
يعتبر هذا التمرين أساسياً في تعلم كيفية التنفس البطني ولكي تمارسه عليك أن تجد غرفةً هادئةً، تستلقي فيها على ظهرك ويداك ممددتان إلى جانبيك بشكل مريح محافظاً على استقامة ساعديك. ويفضل أن تأخذ أحد الأشياء ككتاب مثلاً لاستعماله كوسيلة مساعدة للرؤية. ضع الكتاب على بطنك إلى الأعلى من السُرّة مباشرةً، استنشق الهواء ببطء من خلال أنفك، ولسانك يستند إلى سقف فمك بشكل مريح. ركّز على التنفس بعمق عن طريق البطن ودع النفس يغوص إلى الأسفل بأقصى ما تستطيع. وسّع بطنك مع كل نفس إلى الحد الأقصى.
راقب الكتاب وهو يرتفع مع كل نفس. أبطئ تنفسك وخذ من الوقت أربع أو خمس ثوان كاملة في كل استنشاق.
احبس النفس لحظة ثم دعه يخرج ببطء وأنت تزفر الهواء بهدوء عبر فمك. راقب الكتاب وهو يعود للاستقرار ببطء وأنت تزفر، وهنا أيضاً دع الزفير يكون بطيئاً يستغرق أربع أو خمس ثوانٍ. استنشق النفس عبر أنفك فيرتفع الكتاب، ازفر النفس عبر فمك فيعود الكتاب للاستقرار، كرر هذا التمرين عدة مرات كل يوم.
التنفس البطني في مكان العمل
قد تنشغل في عملك ساعات عديدة، لا تدعها تمضي وأنت تتنفس بشكل سيئ. لا تنسَ أبداً مسؤوليتك تجاه صحتك.
مارس التنفس البطني وأنت جالس إلى مكتبك، اسحب كرسيك إلى الخلف لمدة قصيرة، وارفع نظرك عن شاشة جهاز الكمبيوتر أو عن أكداس أوراق العمل، ودع جسمك يصبح في وضع استرخاء، أرخِ الملابس التي تشد على خصرك وبطنك، ثم ركّز على استنشاق الهواء بشكل لطيف بطيء، دع النفس يغوص في أعماق بطنك، انظر إلى بطنك كيف يَبرز إلى الأمام عندما يتحرك الحجاب الحاجز إلى الأسفل داخل البطن، وهنا أيضاً، عليك أن تجعل الاستنشاق يستغرق أربع أو خمس ثوانٍ كاملة، ويجب أن يكون لسانك مستنداً إلى سقف فمك. احبس النفس فترة قصيرة ثم ازفر الهواء، دع الزفير يستغرق أربع أو خمس ثوانٍ، استنشق عبر أنفك، ازفر عبر فمك.
تنفس بهذه الطريقة الصحيحة عدة مرات في اليوم وكلما شعرت بالضيق أو بالقلق، قد تتفاقم مثل هذه المشاعر في الفترات بين مقابلات المتعاملين معك، أو بين الاجتماعات، اغتنم فرصة الاستراحة، اغمض عينيك وركّز على بضعة أنفاس بطنية عميقة مطهِّرة، من شأنها أن تنقص توترك أو قلقك وتؤدي تدريجياً إلى تلاشيه.
احفظ صحتك من ضرر ازدحام حركة السير
إن الوضع الأكثر أهمية للتركيز على التنفس البطني هو عند قيادة سيارتك، سواء كان أمامك ازدحام في حركة السير وذلك لكي تحافظ على هدوئك أو كان الطريق مفتوحاً وذلك لكي تحافظ على تركيزك وصحتك.
اخفض صوت المذياع أو استمع إلى شريط تسجيل يدفع إلى السرور. تجنب الموسيقى الصاخبة السريعة لأنها تسرّع نبضك وترفع وتيرة تنفسك.
اعمل على إبطاء تنفسك محافظاً على يديك تمسكان بمقود السيارة مركزاً عينيك على الطريق وعلى حركة السير أمامك.
استنشق بعمق عبر الأنف واحبس النفس ثم ازفره ببطء عبر فمك.
عندما تقوم بالتنفس بشكل كامل وعميق، فإنك لا تأخذ أكثر من ثلاثة أو أربعة أنفاس في الدقيقة وسوف يصبح معدل نبض قلبك بطيئاً وثابتاً، كما أن توترك سوف يتبدد وستشعر أنك أكثر استرخاءً ويقظة.
وحين يقطع أحدهم عليك الطريق، وأنت تقود سيارتك، جرب التنفس البطني بدلاً من تعكير مزاجك والإساءة إلى صحتك.
أفكار مفيدة من أجل تنفس أفضل
= لا ترتدي ثياباً ضيقة حول خصرك وبطنك فإن البطن يحتاج إلى فسحة كي يتوسع ويتقلص.
= راقب وضعك الجسدي، حافظ على استقامة ظهرك وعلى كتفيك في وضع مستوٍ، فإن الأكتاف المنحنية والعمود الفقري المنحني والرأس الذي يميل إلى الأمام هي أوضاع غير طبيعية، لذلك تعمل كلها على إعاقة مجرى الهواء لديك وتجعل التنفس أكثر صعوبة.
= استنشق بعمق من خلال أنفك ولسانك مستند إلى أعلى باطن فمك، وازفر ببطء من فمك.
= تنفس من البطن لا من الصدر.
= عندما تعاني من شدة نفسية، ركّز اهتمامك على تنفسك العميق، استنشق الهواء إلى أن تنتهي من العد حتى الأربعة، ثم احبس النفس فترة قصيرة وازفره ببطء إلى أن تنتهي من العد حتى الأربعة. إن هذه الطريقة في التنفس تجعلك أكثر هدوءاً وتحقق لصحتك حماية من ضرر الشدة والتوتر.