تعتبر التجاويف الأنفية بمثابة مركز التقاء رئيسي للجيوب المحفورة في عظام الوجه، وهذه الجيوب تمر بمراحل نمو إذ تبدو على شكل أقنية صغيرة وضيقة المجرى عند الأطفال، تتطور وتأخذ شكلها النهائي في سن 5 إلى 6 سنوات؛ يبطن الجدار الداخلي لهذه الجيوب غشاء مخاطي يتمتع بخصائص ونوعية أغشية الجهاز التنفسي، ودوره فاعل في احتباس الغبار الضار وأجسام التحسس، كغبار الطلع والتقاط الجراثيم وغيرها من الأجسام الغريبة الموجودة في الهواء المستنشق عبر الأنف.
إلى جانب هذه الوظيفة الأساسية للجيوب، تضاف مهمة تدفئة الهواء عند الشهيق بواسطة الأوعية الدموية التي تروي هذه الأغشية، كما للجيوب دورها في تنقية الصوت عند التكلم.
ويبلغ عددها أربعة أزواج على مستوى الوجه؛ وهي من أعلى إلى أسفل:
1. الجيوب الوجهية Frontal sinus وتوجد وراء الجبهة، تمتد يسرة ويمنة بين الحاجبين، وتنمو في سن معينة عند الأولاد (8 إلى 9 سنوات).
2. الجيوب الغربالية Ethmoid sinus وهي على شكل مساحات صغيرة الحجم من كل ناحية من جذع الأنف وفوق العيون.
3. الجيوب الوتدية Sphenoidal sinus الموجودة في العمق وتحت جذع الأنف وعلى خط من الأمام إلى الخلف، وراء المجاري الأنفية؛ يلي كل ذلك في الطابق السفلي من الوجه
4. الجيوب الحنكية Maxillary sinus في منطقة الفك العلوي، فوق الأسنان.
ما هي الإصابات التي تتعرض لها الجيوب الأنفية؟
• يشكل الاحتقان أكثر الإصابات التي تتعرض لها الجيوب الوجهية، وينتج ذلك عن تجمع الإفرازات الناجمة عن تضخم الأغشية وزيادة كمية الدم التي تصلها. يمكن لهذا الاحتقان أن يحصل من خلال رشح بسيط، أو تعبيراً عن حالة أنفلونزا أو ردة فعل على تحسس بجسم غريب ما يؤدي إلى التهاب الجيوب.
• أما إنتان الجيوب فيحدث عند الإصابة بواحدة أو أكثر من الجراثيم البكتيرية نذكر منها: العقدية المكورة، أو مستدمية الأنفلونزا؛ ولكن معظم الإصابات تكون فيروسية من فصيلة: الفيروس الأنفي، أو الفيروس الغشائي، أو غيرهما.
يمكن للاحتقان الحاد أو الالتهاب أن يؤدي إلى إصابة الجيوب بدون مضاعفات، وتكون نتيجة الإصابة انسداداً لعدة مجاري تصل الجيوب بالأنف لتمنع تسرب الهواء من الجيوب والمادة المخاطية من الخروج، فتتجمع الإفرازات والهواء المحتبس داخل الجيوب، مما يؤدي إلى الشعور بالألم الذي يتفاقم مع مرور الأيام، ويسترعي انتباه المريض ويمكنه في كثير من الحالات استنتاج الإصابة لما يعتريه من انزعاج وعدم راحة، ويدفعه إلى استشارة الطبيب. مع الإشارة إلى أن هذا الالتهاب المزمن للجيوب يكون نتيجة انحباس الإفرازات المخاطية داخلها، لتشكل هذه الأخيرة بيئة موائمة لنمو الجراثيم وتكاثرها (البكتيرية منها بخاصة) التي تؤدي إلى الإنتان. وللدفاع ضد هذا الاعتداء، يعمد جدار الأغشية للجيوب إلى إنتاج كمية أكبر من المخاط والسوائل الأخرى.
ما هي العلامات المرضية الأكثر شيوعاً في إصابة الجيوب الأنفية؟
تحصل الإصابة في الجيوب في حال اجتمع اثنان أو أكثر من مجموعة علامات سريرية يمثّلها:
• وجع في الرأس: يعطي إحساساً بوجود ضغط داخل الرأس، يتفاقم في وضعية الانحناء إلى الأمام أو حين علك الطعام أو خلال ممارسة الرياضة.
• ضغط وألم في الوجه أو انتفاخ حول الأنف أو ألم في الأسنان والأذن أو ألم وحساسية في الجبهة أو انسداد في الأنف أو سيلان أنفي مخاطي أخضر اللون وسميك، مع وجود مادة مخاطية في الجهة الخلفية للبلعوم أو سعال مع رائحة كريهة للنفس أو شعور بالألم عند الضغط على الفك العلوي وتألم في البلعوم.
الأشكال السريرية تبعاً للجيوب الأنفية المصابة
1. في حال إصابة جيوب الجبهة، يتمركز الألم في الجبهة وبين الحاجبين وفي أعلى جذع الأنف مؤدياً إلى صُداع على امتداد الجبهة، يمكن إحداث الوجع بالضغط على الزاوية العليا والداخلية لمدار العيون، وفي حال الإصابة الحادة والانسداد لهذه الجيوب يمكن أن تحصل مضاعفات خطيرة: التهاب السحايا، خُرّاج المخ.
2. عند إصابة الجيوب الوتدية، يكون موضع الإصابة واضحاً، إذ تتمدد العلامات نحو جهة الجبهة ومؤخرة الرأس ويشعر المريض بوعكة حادة تؤدي إلى صداع مبرح في الرأس، (ألم عميق لا تفيد معه الأدوية المسكنة). وتمكن الصورة الشعاعية للجيوب من إثبات التشخيص، مع الإشارة إلى وجود حُمى ترافقها رعشة البرد، وكلاهما علامة تبعث على الشك بامتداد الإنتان إلى منطقة بعيدة عن الجيوب.
3. الأكثر وضوحاً في الإصابة هو التمركز في الجيوب الحنكية، حيث يبدو الاحتقان جلياً، تحت الخدين في أغلب الحالات، ويمكن اكتشاف الألم الناتج عن هذا الاحتقان بالضغط على الخد: هنا نستنتج منطقة الصداع.
4. الشكل الأخير من الإصابة يتمثل بالجيوب الغربالية: توجد هذه الجيوب على قاعدة الجمجمة بين وخلف العيون ووراء الأنف، هي وحدها تكون موجودة ونامية عند الأطفال، لذا يمكن أن تمتد إليها الإصابة عن طريق المجاورة، لاسيما بعد التهاب أنفي أو بلعومي ما يؤدي إلى تكون احتقان على شكل انتفاخ في جذع الأنف وبين العينين وآلام خلف وبين العيون مع صداع في الجبهة. في شكلها الحاد تدوم الإصابة عادة أقل من أربعة أسابيع يشكو فيها المريض في البداية من صداع يتفاقم في النهار ليهدأ ليلاً، وتؤدي إلى انسداد آحادي الجانب في الأنف مع سيلان خلفي في البلعوم وأوجاع وسعال. هذا الشكل السريري يعد خطيراً لأنه يمكن أن يؤدي إلى مضاعفات شديدة الوطأة ومنها التهاب السحايا.