يشكّل التهاب المفاصل أحد المشاكل الطبية الأكثر انتشاراً في العالم. إنّه مسبّب الإعاقة الأوّل في العالم، أمّا قيمة كلفة العناية الطبية المخصّصة له وأعباء قلّة الإنتاج التي يتسبّب بها، فتصل إلى عشرات المليارات.
يصيب هذا المرض الناس في شتّى الأعمار؛ خاصةً النساء اللواتي يشكّلن ثلثيّ المجموع العام.
أمّا كلمة arthritis الإنجليزية (أو التهاب المفاصل) فهي مزيج من كلمة “arthron” اليونانية التي تعني مفصل و “itis” التي تعني التهاب.
ومع أنّ الناس يتحدّثون عن هذا المرض وكأنّه واحد؛ تظهر الأبحاث أنّ له أكثر من مئة شكل ينشأ بعضها تدريجياً كنتيجة للاستهلاك الطبيعيّ للمفصل في حين يظهر غيرها فجأةً ويختفي ليعود ويظهر لاحقاً بغض النظر عن العلاج المتّبع. كما أنّ له أشكال مزمنة تسوء تدريجياً مع مرور الوقت.
أمّا أبرز أعراضه فهي تيبّس المفصل والشعور بالألم والانزعاج بعد فترة من قلّة الحركة. إلاّ أنّ الاضطرابات التي يتسبّب بها تؤثّر في كثير من الأحيان على أعضاء أخرى من الجسد حتى أنّها تشكّل أحياناً خطراً على حياة المصاب به. إلاّ أنّ هذه الحالات المؤلمة هي ولحسن الحظ نادرة جداً.
أسباب التهاب المفاصل
تعتبر معظم مسبّبات التهاب المفاصل غامضة. فقد تكون أحياناً رضحات جسديّة كالتواء الكاحل أو إصابة الركبة التي يمكن أن تحدث حالة الالتهاب العظميّ المفصليّ – أكثر أنواع التهاب المفاصل انتشاراً. ومنها أيضاً قلّة الحركة أو زيادة الوزن أو خلل المفصل (كالركبة الفحجاء). كما قد يكون للتقدّم في السن دوره في تسبب الالتهاب العظميّ المفصليّ؛ هذا ما نسمّيه أحياناً الاستهلاك أو التمزّق والبري. بالإضافة إلى العديد من الأمراض الوراثية التي تضعف الغضروف وتؤدّي إلى اندثاره.
من جهة أخرى، تؤدّي بعض العوامل الوراثية إلى ظهور بعض الأشكال الأخرى من التهاب المفاصل كالتهاب المفاصل الرثياني (الروماتويد) وغيره. وعلى عكس الالتهاب العظميّ المفصليّ الذي يصيب الغضروف، تنعكس أشكال التهاب المفاصل الناتجة عن خلل في الجهاز المناعي – كالتهاب المفاصل الرثياني – بالتهاب بطانة المفصل. بالإضافة طبعاً إلى أسباب أخرى كالبيئة (الطعام والماء والهواء) والمجهريات المسبّبة للأخماج (الفيروس أو البكتيريا أو الفطريات) وقلّة توازن بعض الأنزيمات. كما أنّ الضغوطات وغيرها من أشكال التوتر النفسي والعاطفيّ قد تزيد من حدّة الأعراض.
أعراض التهاب المفاصل
على الرغم من غموض مسبّبات هذا المرض عامةً فإنّ آثاره واضحة جداً؛ منها:
● تحلّل الغضروف: في حالات الالتهاب العظميّ المفصليّ والتهاب المفاصل الرثيانيّ وغيرها كالحمى الذئبية.
● التهاب بطانة المفصل (الغشاء الزليليّ) والأوعية الدموية والعضل والأوتار والرباط: في حالات التهاب المفاصل المتفشي في الجسد.
● تشكّل بلّورات في سائل المفصل (السائل الزليليّ): وهو ما يساهم في حدوث نوبات النقرس الحادّ والنقرس الكاذب.
● انكماش العضلات أو الأوتار أو تقلّصها ممّا يتسبّب بتشوّه المفصل: في كلّ الأنواع إذا ما تعطّل المفصل عن العمل.
● انكماش الجلد: خصوصاً في داء القشع.
● تضرّر الأعضاء الداخلية: في التهاب المفاصل الرثياني وغيره.
● تعطّل حركة المفاصل: كنتيجة لتلف المفصل أو ضعف العضلات.
● ضعف قوّة العضل: بسبب عدم تحريك المفصل لفترة طويلة من الزمن.
● صعوبة الحركة: بسبب قلّة التمارين أو انعدامها؛ قد تصبح مزمنة.
تشريح المفصل
تتألَّف مفاصل الجسَد من مواد صمِّمَت بطريقة رائعة تسمح لها أن تؤَدِّيَ مهامها بإخلاص طيلة حياة صاحبها. فالعظام مغلَّفة بالغضروف؛ وهوَ مادة صلبة ولكن ناعمة وملِسة مهمَّتها امتصاص الصدمات ومنع احتكاك العظام الواحدة بالأخرى.
ثمَّ يأتي الغشاء الزليليّ الذي يحيط بالمفصل ويسَهِّل حركته وينتج سائلاً يساعد على حمايته؛ وهوَ بمثابة البطانة الداخلية لمحفظة المفصَل التي هيَ مادَّة ليفية صلبة تلتصق بالعظام على جانبَيّ المفصَل. أمَّا الرباطات فتؤَمِّن استقامة المفصَل وتحتوي على الأعصاب التي تسمح للعضل بحمايته.
أمَّا العضلات التي تثَبِّت المفصل فهيَ مغطاة بأوتار موصولة بالعظام خارج المحفظة فوق المفصَل أو تحته. وهيَ تحتوي – في بعض المفاصل – على الجرابات الزلالية (أكياس صغيرة تحتوي على سوائل موجودة داخل العضلات أو بين العضلات والأوتار والعظام) التي تخَفِّف من حدَّة الاحتكاك. وهيَ بدورها مبطَّنة بغشاء زليليّ ينتج سائلاً ملَيِّناً. أخيراً، الرباطات التي هيَ عبارة عن ألياف قصيرة تلتصق بالعظام لتثَبِّت المفصل.
هذا هوَ المفصَل. تصميم بسيط ورائع. مواد متينة صمِّمَت لتدوم: فبعض الناس يصلون إلى عمر المئة دون المرور بتجربة أوجاع المفاصل. إلاَّ أنَّهم قلَّة.
أنواع التهاب المفاصل
يعاني معظم مرضى التهاب المفاصل من نوعان شائعان من التهابات المفاصل وهما الالتهاب العظمي المفصلي والروماتويد.
لا يشكل نوعا الالتهاب الشائعان ولحسن الحظ خطراً على الحياة وهما يستجيبان للعلاج الطبيّ والعناية الشخصية. من هنا كانت أهمية معرفتك لكلّ ما يختص بمرضك (من أعراض ومشاكل وحلول طبية متوفّرة). ولا يغيبنّ عن بالك أهمية العمل المشترك مع الطبيب المعالج لتحقيق الأهداف.
الالتهاب العظمي المفصلي
يسمّى أيضاً التهاب المفاصل التنكّسي أو داء المفاصل التنكّسي أو بكلّ بساطة داء المفاصل؛ وهو يشمل نصف أنواع التهاب المفاصل ويصيب النساء بنسبة أكبر من الرجال.
تبدأ الإصابة عادةً في مفصل واحد ولكنّها قد تشمل المفاصل كلّها؛ فإذا تأثّرت الأصابع مثلاً تصبح مفاصل اليد كلّها عرضة للالتهاب.
يصيب هذا النوع من التهاب المفاصل الغضروف – أيّ الحاجز الواقي الذي يفصل عظام المفاصل الواحدة عن الأخرى – الذي يبدأ بالتنكّس مع التقدّم في السن فتتحوّل مسطحاته الملساء إلى خشنة. حتى أنّه قد يتآكل كلياً مسبّباً آلام ناتجة عن احتكاك العظام ببعضها بعضاً وتضرّرها.
وتحلّل الغضروف كما يراه بعض العلماء ينجم أحياناً عن خلل في عملية إفراز الأنزيمات من خلايا الغضروف وبطانة المفصل – تقوم هذه الأنزيمات في الأحوال الطبيعية بتحليل جزء من الغضروف وإعادة تجديده – تزداد معه نسبة هذه الأنزيمات ازدياداً كبيراً يؤدّي إلى تحلّل الغضروف بسرعة تفوق سرعة تجدّده؛ أمّا أسباب هذا الخلل فلا تزال مجهولة.
يحاول الجسم عبثاً مجابهة الأضرار فتنشأ كتل عظمية بارزة على أطراف العظام (خاصة في اليدين والقدمين) وينتج عن ذلك آلام متزايدة تشتدّ في مراحل المرض الأولى لتعود وتخفّ لاحقاً.
لا بدّ وأن يعاني من يعمّر طويلاً من آلام في مفصل أو أكثر لأنّ الالتهاب العظميّ المفصليّ قد يصيب في معظم الأحيان أيّ شخص متقدّم في السن. فهو يبدأ عادةً بعد سن ال 45 ولا يصيب اليافعين إلاّ في حال تعرّضهم لإصابات رضحية في المفاصل. كما يظهر في العائلات التي عانى أفرادها منه.
يعاني معظم الأشخاص ممّن تجاوزوا سن الستين من أعراضه المختلفة في الرقبة والعمود الفقري؛ علماً أنّ النشاط والحركة يؤخّران ظهورها وقد لا يشعر بعض الشيوخ بأي أعراض بل يكتشف الطبيب وجود الالتهاب في صور الأشعة الروتينية.
أعراض الالتهاب العظميّ المفصلي
● ألّم في المفاصل عند تحريكها أو بعد ذلك.
● الانزعاج من المفصل عند تغيّر الطقس أو أثناءه.
● انتفاخ وتصلّب في المفاصل خاصة بعد استعمالها.
● كتل عظمية وسط الأصابع أو في أطرافها أو عند قاعدة الإبهام.
● تصلّب المفاصل.
يصيب هذا الالتهاب وبشكل خاص مفاصل الرقبة والظهر حيث تتعرّض الأقراص الغضروفية التي تفصل الفقرات للتآكل مما يقلّص المسافة التي تفصلها الواحدة عن الأخرى؛ ثمّ تتكوّن نتوءات عظمية لأنّ احتكاك العظام ببعضها بعضاً يؤدّي إلى التهاب المفاصل والأنسجة المحيطة بالغضروف وإيلامها. فيتصلّب العمود الفقري تدريجياً ويفقد ليونته؛ حتى أنّ طول المرء قد ينقص إذا ما أصيبت لديه عدّة فقرات.
أمّا مفاصل الورك والركبة فهي عرضة أيضاً لأنّها تحمل وزن الجسم – فقد تتولّد آلام مزمنة عند الوقوف أو المشي كما يمكن أن تتورّم المفاصل وخاصة الركبتين.
لكنّ الالتهاب العظميّ المفصليّ ورغم صعوبة علاجه لا يؤدّي إلى حالة عجز. وقد ذكرنا أنّ الألم الحادّ الذي يرافق بداية المرض يزول بعد حواليّ السنة ليعود ويظهر إذا أجهدت المفاصل. وقد يبقى المريض قادراً على ممارسة أعماله الطبيعية ما لم تصب مفاصل عدّة بالالتهاب وتساعده اللياقة البدنية على ذلك.
يصعب استخدام المفصل في حالات “تعجج العظام” التي يتحلّل فيها الغضروف بكامله مسبّباً احتكاك العظام التي تصبح ملساء.
تشخيص الالتهاب العظمي المفصلي
لا بدّ من مراجعة الطبيب فور الشعور بإمكانية الإصابة بالالتهاب العظميّ المفصليّ؛ وغالباً ما يكون الدافع لذلك الألم. أمّا مؤشّرات وجوده فهي النتوءات العظمية أو تفتت الغضروف الذي يظهر في صور الأشعة وطبعاً الألم في المفاصل الذي يكون في معظم الأحيان ناتجاً عنه.
من جهة أخرى، ليس ضرورياً ظهور دلائله في صور الأشعة لأنّ الإصابة تسبق التغيّرات في الغضروف؛ بتعبير آخر، لا تنفي نتائج صور الأشعة السلبية وجود المرض.
أمّا فحوصات الدم المخبرية فهي غير مفيدة في تشخيص الالتهاب رغم أنّها تساعد (مع صور الأشعة) في إقصاء تشخيصات أخرى كالالتهاب الرثياني وغيره. كما يستطيع الطبيب التمييز بين أنواع الالتهاب المختلفة بناءً على طبيعة الألم والمفاصل المصابة.
تذكّر دائماً أنّ الالتهاب العظميّ المفصليّ ليس مشكلة في حدّ ذاته؛ فالعديد من الناس لا يشعرون بأي أعراض أو آلام وقد يجهلون حتى إصابتهم به.
الروماتويد أو التهاب المفاصل الرثيانيّ Rheumatoid arthritis
على عكس الالتهاب العظميّ المفصليّ، لا علاقة للروماتيد واستهلاك المفاصل بتقدّم السن أو الإصابات الرضحية فيها. فقد يظهر هذا المرض في أيّ عمر كان (غالباً ما يصيب الأشخاص بين سن العشرين والخمسين، وعدد النساء يقدّر بضعفيّ عدد الرجال).
يرجّح أن يكون الروماتويد مرضاً مناعياً ذاتياً يقوم فيه الجهاز المناعي بمهاجمة أنسجة الجسد. ويرى الباحثون أنّ جسماً غريباً لم يعرف بعد (قد يكون فيروساً أو بكتيريا) يستحثّه للقيام بهذا الهجوم فتضطرب الخلايا المعدّة لمحاربة الأجسام الدخيلة وتقوم بمهاجمة المفاصل. غالباً ما يصيب هذا المرض بطانة المفصل إذ إنّ خلايا الدم البيضاء (المسؤولة عن مكافحة الأجسام الدخيلة) تنتقل من مجرى الدم إلى الأغشية الزليلية وتتسبّب بالتهابها. فتزداد هذه الأخيرة سماكةً وتطلق خلاياها وخلايا الدم معاً مواد كيميائية تبدأ بتحليل الغضروف والعظام والأوتار والرباطات في المفصل فيتغيّر شكل المفاصل وتناسقها تدريجياً وتضعف كلّ من عضلاتها وعظامها ورباطاتها. ويؤدّي ذلك كلّه في نهاية المطاف إلى تخلخل المفاصل وتلفها.
إذاً، فالالتهاب الرثياني اشدّ إيذاءً من الالتهاب العظميّ المفصليّ لأنّ المفصل المصاب يؤلم كثيراً ويضعف من حركة الإنسان وتوازنه؛ والمفاصل كما سنذكر لاحقاً تصبح مؤلمة ومنتفخة وساخنة خلال بدايات الالتهاب الرثياني والانتكاسات التي تليها.
أعراض الروماتويد
● ألم في مفاصل اليدين والقدمين الصغيرة وانتفاخ فيها.
● ألم شامل في المفاصل والعضلات وتصلب فيها (عند الاستيقاظ من النوم أو بعد فترات الراحة).
● قصور في حركة المفاصل المصابة.
● تشوّه تدريجيّ في المفاصل.
● إرهاق شديد أثناء تفاقم الأعراض.
قد تحافظ على ليونة بعض المفاصل ولو كنت مصاباً بالتهاب شديد. كما قد يكون الألم اقلّ من الدرجة التي يوحي بها شكل المفاصل المشوّهة.
يصيب الروماتيد مفاصل الرسغ واليد والقدم والكاحل بشكل خاص. ويمكن أن يشمل أيضاً مفاصل المرفق والكتف والورك والركبة والرقبة والفك. وهو يظهر عادةً على جهتيّ الجسم المتقابلتين كبرجمات اليدين. وتعتبر مفاصل اليد والقدم الأكثر عرضة له.
على عكس الالتهاب العظميّ المفصليّ الذي يصيب العظم والعضلات يمكن لأعراض التهاب المفاصل الرثياني أن تنتقل خارج المفاصل لتؤثّر على سائر أعضاء الجسم كالقلب والأوعية الدموية والرئتين والعينين. وقد تصيب عدّة مفاصل في آن معاً فيما تقتصر الإصابة في الالتهاب العظميّ على مفصل واحد أو أكثر بقليل.
تتشكّل أورام صغيرة تدعى العقيدات الرثيانية تحت الجلد في مناطق المرفق واليد والجهة الخلفية لفروة الرأس والركبة وراحة أصابع القدم. تختلف أحجام هذه العقيدات فمنها الصغير (بحجم حبّة البازلاء) ومنها الكبير (بحجم حبة البندق) لكنّها في معظم الأحيان غير مؤلمة.
تشخيص الروماتويد
لا بدّ من إجراء فحص طبيّ وتحاليل مخبرية في الحالات التي تنتفخ فيها مفاصل عدّة في جهتيّ الجسم. ويدل ارتفاع سرعة ترسب الكريات الحمراء على وجود التهاب في مكان ما من الجسد؛ فتكون هذه السرعة مرتفعة في الالتهاب الرثياني وطبيعية في الالتهاب العظميّ.
هنالك أيضاً تحاليل مخبرية أخرى للدم تظهر وجود العامل الرثيانيّ الذي يتواجد بنسبة 5/4 عند مرضى الالتهاب الرثياني (في حين لا نجده عند مرضى الالتهاب العظمي). كما أنّنا نلاحظ تغيّرات في صور الأشعة تختلف في الحالة الأولى عن الثانية؛ وهي تسمح إذا ما أخذت بتسلسل زمنيّ تحديد تطوّر التهاب المفاصل.
ومع أنّ الالتهاب الرثياني مرض مزمن، تتفاوت حدّة أعراضه من وقت لآخر؛ فتزول كلّياً لتعود وتظهر بقوة. وتسمّى فترات عودة الأعراض بالنكسات. وتشهد فترات الخمود تحسّناً ملحوظاً فيها (فيخف الألم والانتفاخ والأرق).
لا يمكن تصوّر الحد الذي قد يصل إليه التهاب المفاصل الرثياني لدى تشخيصه للمرّة الأولى. كما ويدلّ استمرار أعراضه لأكثر من أربع سنوات على أنّه قد يستمرّ طيلة عمر صاحبه. وتتم مراقبته كما ذكرنا عبر فحوصات سريرية ومخبرية (كسرعة الترسّب مثلاً) دورية. كما يمكن لأعراضه (من ألم وانتفاخ في المفاصل) أن تستقرّ بعد عشر سنوات أو أكثر إلاّ أنّها لا بدّ وأن تترك آثاراً وراءها (كبعض التشوهات في المفاصل).
ما هيَ سرعة الترسيب؟
إنَّ سرعة ترسّب (أو تثفّل) كريات الدم الحمراء والمشار إليها “بسرعة الترسّب” هيَ عبارة عن فحص مخبريّ يتمّ فيه قياس سرعة هبوط الكريات الحمراء إلى أسفل أنبوب الفحص. وتدلّ الخلايا السريعة الترسّب على وجود التهاب؛ وهذا تماماً ما يحصل في الالتهاب الرثياني وخاصة في فترات تفاقم الأعراض.
تثير هذه الطبيعة الدورية للمرض حيرة الباحثين. فقد تبدأ فترات النكسات أو الخمود دون سبب طبيّ ظاهر.
أمّا عن الشفاء التامّ منه فهو غير ممكن؛ ولكن اتباع العلاج المناسب والتقيّد بإرشادات حماية المفصل وتغيير نمط الحياة يساعد على التوصل إلى حياة طبيعية. كما أنّ العناية الشخصية والطبية لا بدّ وأن تساعدان – كما في حالة الالتهاب العظميّ – على تخطي الصعاب. وحده اتباع برنامج علاج سليم، يحدّده الطبيب في مراحل المرض الأولى، يحدّ من تأثيره السلبيّ على الحياة.
أنواع أخرى من التهابات المفاصل
بالإضافة إلى النوعين السابقين، أحصى الأطباء ما يزيد على مئة نوع من التهابات المفاصل منها الرضوض والالتواءات (مرفق كرة المضرب، التهاب الجراب الزليليّ، التواء الكاحل، تصلّب الكتف، تناذر النفق الرسغي وحتى آلام الظهر والرقبة).
يتعرّض مرضى التهاب المفاصل أكثر من سواهم إلى الرضوض والتواءات الأوتار والأربطة لذلك كان عليهم أخذ الحيطة وتجنّب النشاطات المؤذية – فالسباحة مثلاً تشكّل بديلاً هاماً لرياضة كرة القدم. وتتسبّب الرضوض والالتواءات بآلام كبيرة عند حصولها؛ إلاّ أنّها تشفى بسرعة دون الحاجة إلى علاج طبيّ معقّد. في حين تؤدّي بعض أنواع التهاب المفاصل إلى مخاطر صحية جمّة تهدّد الحياة إذا تركت دون علاج. ومنها نادر جداً يتفشّى ليشمل العديد من الأعضاء وكذلك الأوعية الدموية.
إليك بعض أشكال التهاب المفاصل التي تعتبر نادرة وتسبّب أحياناً مشاكل صحية بالغة الخطورة.
داء الذأب الحمامي
يصيب النساء بشكل خاص. وتتعرّض فيه أغشية المفاصل الزليلية جميعها للالتهاب ممّا يتسبّب بظهور طفح جلديّ مميّز. وقد يمتدّ الالتهاب ليشمل أعضاء أخرى من الجسد كالرئة والكلية والأوعية الدموية. كما يمكن أن تختفي أعراضه تلقائياً لتعود وتظهر تبعاً لأنماط معيّنة. وهو يعرف أيضاً بداء الذأب الحمامي المتفشي.
داء القشع
ويدلّ عليه انكماش جلد الذراعين والوجه وانتفاخ اليدين والقدمين وألم المفاصل وتصلّبها. وهو ينتج عن ترسّب أنسجة ليفية في الجلد وقد يمتدّ في حالات نادرة إلى سائر أعضاء الجسد. يعتبر هذا الداء (وداء الذئب الحماميّ) من أمراض النسيج الضامّ. ويترافق عادةً مع ظاهرة “راينود” التي تتميّز بانقباض الأوعية الدموية في اليدين والقدمين ممّا يحدث تغيّراً في لون الجلد عند التعرّض للبرد أو الضغط.
متلازمة جوغرن
قد يصيب الجفاف كما نعلم غدد اللعاب والدموع مع التقدّم في السن؛ ولكن هذه الحالة تتميّز بالتهاب هذه الغدد ممّا يحول دون إفراز الدموع واللعاب ويسبّب جفافاً شديداً في الحلق وشعور مستمرّ بوجود حبيبات رمل في العيون. قد تترافق هذه المتلازمة مع التهاب المفاصل الرثياني أو الحمى الذئبية أو داء القشع أو الالتهاب العضليّ المتعدّد. وأكثر الناس عرضة لها النساء المتوسطات الأعمار.
الالتهاب العضليّ المتعدّد
تتميّز هذه الحالة الخطرة بالتهابات وضعف في عضلات الجسم والحلق كلّها فتصعب معها الحركة وعملية البلع. كما يمكن أن تؤدّي إلى اضطرابات رئوية.
التهاب المفاصل الصدافيّ
تلتهب فيه مفاصل اليدين والقدمين بشكل خاص وهو يترافق مع داء الصدف (مرض جلديّ شائع). كما تلتهب الأغشية الزليلية وقد تتأثّر الرباطات في نقطة اتصالها بالعظم.
التهاب الفقار القسطيّ
وتلتهب فيه مفاصل العمود الفقري والأوتار والرباطات في نقطة التقائها بعظام الفقرات. وأكثر الناس عرضة له الرجال الذين هم دون سن الأربعين. ويؤدّي في النهاية إلى تصلّب العمود الفقري (“المسعر” أو “الخيزران”).
متلازمة رايتر
وهي تشبه سابقها إلاّ أنّها لا تصيب العمود الفقري بل مفاصل الذراعين والرجلين. وقد يضاف إليها آلام في العقب وإفرازات من المسالك البولية والتهاب مؤلم في العين وطفح جلديّ.
داء النقرس
يصيب عادةً المتقدمين في السن ويتمثّل بألم مفاجئ وحاد وانتفاخ في مفصل واحد من القدم (في قاعدة الإصبع عادةً) ويؤدّي ارتفاع نسبة حمض اليوريك في الجسم إلى ترسب بلوّراته المجهرية في السائل الزليليّ للمفاصل. ويبدأ الالتهاب المؤلم عندما يحاول الجسم التخلّص من هذه البلورات.
النقرس الكاذب
تترسّب في هذه الحالة بلورات ملح الكالسيوم في المفاصل مسبّبة الألم والانتفاخ كما في داء النقرس – خصوصاً في الركبة والرسغ والكاحل.
ألم العضلات المتعدّدة الرثوي
أكثر الناس عرضةً له الرجال ذوي البشرة البيضاء الذين هم فوق سن الخمسين. ويتميّز بألم وتصلّب في عضلات الكتف والذراع وأسفل الظهر والفخذ والورك. وقد ترتفع خلاله الحرارة قليلاً يرافقها شعور بالوهن. تستمرّ هذه الحالة لمدّة سنتين ثمّ تزول تلقائياً؛ أو قد تتطوّر لتتحوّل إلى التهاب الشرايين المتعلّق بالخلايا العرطلية.
التهاب الشرايين المتعلّق بالخلايا العرطلية
وأعراضه صداع شديد وإيلام وانتفاخ في الصدغين (الشرايين الصدغية أو الأصدغات). حتى أنّ الشرايين المتضيّقة أو المسدودة تؤدّي إلى العمى الجزئيّ أو الجلطة الدماغية. يسمّى هذا الالتهاب أيضاً بالتهاب الشريان القحفي أو الصدغي – وهو غالباً ما يحدث بعد سن الخمسين.
التهاب الشرايين المتعدّد العجري
يطال فيه الالتهاب الأوعية الدموية وخاصة الأوردة منها. وهو مرض خطير حتى أنّه قد يكون مميتاً إذا ما أدّى إلى انسداد كامل في الشرايين وبالتالي نقص في الدم الوارد إلى الأعضاء الحيوية وخاصة القلب.
أخماج التهاب المفاصل
قد تصاب المفاصل بالأخماج بعد دخول المجهريات الجرمية إليها عبر الدم. كما يمكن أحياناً أن يطلق الدمل أو خمج آخر في الجسم البكتيريا المكوّرة العنقودية في الدم فتنتقل بدورها إلى مفصل الركبة أو غيره ويكون الألم عادة حاد ومفاجئ.
كذلك يمكن لداء السيّلان وهو مرض جنسيّ التسبّب بآلام في المفاصل وطفح جلديّ.
وقد يؤدّي مرض “لايم” إلى الإصابة بالتهاب المفاصل. وهو ينجم عن عضّة قرادة يتبعها ظهور طفح جلديّ على شكل أقراص حمراء أو زهرية اللون ثم ارتفاع للحرارة وألم في الحلق وإرهاق وغثيان. ثمّ تصاب المفاصل بالألم والتصلّب بعد أسابيع عدّة.
إذا كنت تعاني من داء السل فأنت معرّض للإصابة بالالتهاب المفصليّ التدرنيّ. كما تؤدّي بعض الأعراض أيضاً كالتهاب الكبد والحصبة الألمانية وداء النكاف إلى التهاب المفاصل.
حالات عضلية صقلية تتعلّق بالتهاب المفاصل
الألم العضليّ الليفيّ
إذا شعرت بتصلّب وألم مستمرّ في العضلات والأربطة والأوتار فقد تكون مصاباً بالألم العضليّ الليفيّ. وفيه ينتشر الألم في كل أنحاء الجسم فتشعر بوخز وحريق. لا يؤدّي هذا المرض إلى العجز ولا يشكّل خطراً على الحياة ولكنّه قد يستمرّ مدى العمر مسبّباً الكثير من الانزعاج وهو يتميّز بوجود مناطق محيطة بالمفاصل تسمّى “نقط الإيلام” تسبّب (عند الضغط) آلاماً شديدة. لم يحدّد العلماء أسباب حصول هذا الداء الذي قد يشبه التهاب المفاصل الرثياني أو مرض “لايم” أو قصور الغدة الدرقية (مع فارق عدم إصابة المفاصل بالالتهاب أو الانتفاخ).
ترقق العظام
يؤدّي ترقق العظام إلى هشاشة في بنية العظام على عكس الالتهاب العظمي المفصليّ الذي يؤدّي إلى تآكل الغضروف. ينجم هذا المرض عن فقدان الكالسيوم من العظام ممّا يجعلها رقيقة وضعيفة ومعرّضة للإصابة بالكسور. قد لا يشعر المريض بأي أعراض لترقق العظام حتى يصاب بكسر ما. وهو يعتبر كالالتهاب العظميّ المفصلي مرضاً شائعاً عند النساء بعد سن الإياس. تتسبّب الكسور بمعظم الألم الذي يشعر به المصاب.
يمكننا أن نناقش بشكل مسهب أعداداً كبيرة من أنواع التهاب المفاصل والأمراض المتعلّقة به ولكن هذا ليس هدفنا هنا.