التصنيفات
طب نفسي | علم النفس

علاج التوتر والقلق بسبب حدود وقواعد الحياة

هل تلقيت تعليمات بأن تجعل أي شخص آخر أولاً وأن تجعل من نفسك في مؤخرة الطابور؟ ربما لم تعبر عن ذلك بنفس هذا الأسلوب التصنيفي، غير أنك فهمت بفطرتك أنه من “الخطأ” أن تضع نفسك في المقدمة.

هل تلقيت مفاهيم بأن من يتمتعون بالسلطة أو المنتمين إلى مهنة الطب أو أولئك الذين تلقوا تعليماً أرقى منك أو يعملون في وظيفة أفضل هم دوماً على حق؟

هل تعلمت أن هناك دائماً طريقة واحدة سليمة للقيام بالأشياء وأن طريقتك عادةً هي الخاطئة إلا إذا فعلت ما تؤمر بأن تفعله؟

هل سبق لك أن وضعت بنفسك قاعدة لحياتك أم أنك دائماً تعيش وفقاً لقواعد وضعها الآخرون؟

حتى نعيش جميعاً معاً في انسجام نسبي، لابد أن يكون ثمة إجماع على أسلوب علاقة كل منا بالآخر. فنحن بحاجة لقواعد اجتماعية تسمح بالتبادل السلس للخدمات التي يقدمها كل منا للآخر. فعلى سبيل المثال، نحن بحاجة لوجود عملة متفق عليها وأساليب للسداد نشترك فيها جميعاً. ونحن بحاجة لمجموعة من القواعد التي نلتزم بها في حياتنا، وهي التي نعرفها عادةً باسم القوانين، والتي تحدد ما نستطيع عمله في إطار المجتمع وما لا يمكننا عمله. هذه القوانين قد تكون مكتوبة أو قد تكون عرفاً شفهياً تقليدياً ناضلنا حتى نحافظ عليه حتى نمنع الظلم أو التسيب. ولكن أياً كانت الطريقة التي صيغت بها هذه القواعد والحدود، فإن وجودها ضروري حتى يستطيع المجتمع أن يحيا في سلام وأن يتعايش مواطنوه معاً في نظام.

أغلب القواعد، سواء المكتوبة أو العرفية، تركز تركيزاً كبيراً على الصالح العام للمجتمع، أي على صالح أسرتك أو جيرانك أو أصدقائك أو الغرباء. فإذا تركت الحرية لكل إنسان كي يفعل ما يحلو له وأن يبحث عن مصلحته هو وحسب، لصارت الحياة فوضى. فلو كنت قد قدت سيارتك ذات مرة في مدينة كبرى من مدن الهند، فلابد أنك شهدت هذه الفوضى. فأحدهم قرر أن يثرثر مع صاحب دكان، لهذا فإنه يوقف سيارته في منتصف الطريق. وشخص آخر يريد أن يشتري شيئاً ما من كشك على جانب الطريق فيترك سيارته واقفة ببساطة في عرض الطريق في الوقت الذي يقضي فيه ساعة بالتمام والكمال في الجدل حول سعر السلع التي اشتراها. هذا في الوقت الذي تتصاعد فيه أبواق السيارات الغاضبة التي لا تستطيع المرور. ولكن الصياح والأبواق الغاضبة لا تأتي بنتيجة سوى أنها تجعل الشخص الذي تسبب في انسداد الشارع “يشوح” بيديه ويلوح، ولكنها بالتأكيد لا تجعله يسرع بإفساح الطريق.

وبرغم أن الناس في الشرق الأقصى على سبيل المثال يستطيعون مجاراة هذه الفوضى، فإن أبناء الغرب ربما كانوا أسعد حالاً بوضوح الحدود والخطوط الفاصلة من حيث حرية كل فرد في مضايقة جاره. فمجتمعنا محكوم بقوة بالإحساس بالذنب، وربما كان هذا هو ما يجعلنا نصيغ الكثير من القواعد والقوانين المقصود من ورائها منعنا من أن نصبح مذنبين. وفي الوقت نفسه، هناك شعور مترسخ لدينا بالصواب والخطأ وهو ما يحكم حياتنا اليومية. وهذا هو ما يفرض علينا الكثير من التوتر.

فكيف يحدث هذا؟ أحد الأسباب، أن هناك مفهوماً أنك تصبح مواطناً صالحاً إذا ساعدت الآخرين. لهذا إذا عجز زملاؤك في العمل عن إنجاز مهامهم وواجباتهم، فلابد أن تساعدهم في إنجازها. وإذا أردت أن تكوني ابنة بارة، فلابد أن تقضي عطلة نهاية الأسبوع بالكامل مع أبويك المسنين. وإذا أردت أن تكون مواطناً صالحاً، فلابد أن تتصدق أو تقوم بعمل خيري، وأن تساعد جارك وألا تسد الطريق على شخص آخر بسيارتك. إن إنجاز كل تلك الأمور على نحو سليم سوف يأتي بثمرته متمثلة في الشعور الطيب تجاه ذاتك. وكونك مستعداً للمساعدة ولرعاية الآخرين يعد بالطبع سمة ممتازة. ولقد تبين أن المجتمعات التي تعمل بهذا المبدأ تتعايش معاً في انسجام، ويقل بها كثيراً خطر الإصابة بأمراض القلب وغيرها من الأمراض الخطيرة. إن التواصل الإيجابي والشبكة الاجتماعية المتضافرة تهيئ مناخاً طيباً وصحة طيبة.

ولكن ماذا يحدث إذا استغل أحدهم هذه القاعدة استغلالاً سيئاً؟ وبدلاً من مساعدة الآخرين وتلقي مساعدتهم في المقابل، نجد بعض الناس يطلبون العون لأنفسهم وعندما يطلب الآخرون معونتهم يتنصلون من تقديمها. فالبعض يستفيد من الآخرين ولا يرد المعروف. بينما يعتمد أناس آخرون على حقوقهم باعتبارهم من المسنين ومن ثم يطالبون بأي شيء يحبون. في حين أن البعض الآخر لديهم معيار مزدوج صريح: على الآخرين أن يساعدوهم، لكنهم ليسوا مضطرين لمساعدة الآخرين. فماذا تفعل في هذه الحالة؟ وكيف تتعامل مع هؤلاء الناس؟

الغريب حقاً، أنه لا يبدو أننا نملك أية قواعد تغطي هذه الظروف! فلا شيء في قواعدنا ولوائحنا التنظيمية في علاقاتنا الإنسانية يتحدث عن أولئك الذين يتخلون عن مسئولياتهم أو يفرضون متطلبات مبالغاً فيها على غيرهم. ولا يزال شعورنا بالذنب يملي علينا خدمة أولئك الناس، حتى وإن كنا نرفض ذلك بكل جوانحنا. غير أننا لو رفضنا، فسوف نصبح بنفس درجة “السوء” التي هم عليها. وبذلك نهبط إلى مستواهم.

هذه القاعدة التي تفرض علينا أن نساعد الغير برغم كل ما نتكبده قد تسبب الفوضى إذا تم تطبيقها دون حدود. ويصدق هذا الأمر على وجه الخصوص في نطاق الأسرة. فإذا رفضت زوجة أن تسعى لمعونة من طرف خارجي لعلاج حالة الرهاب (الخوف المرضي) وألزمت زوجها وأطفالها بالقيام بكل شيء بدلاً منها، فإنها بذلك تسبب توتراً غير عادل لأسرتها. ولن تنتهي هذه الحالة المسببة للضيق إلا عندما يتوقف أحدهم ويرفض تقديم المساعدة إلا بعد أن تسعى الزوجة للعلاج. بالمثل، إذا كان طفل ما كثير الإلحاح أو يصدر ضوضاء وغير متعاون، فإن هذا يجعل أبويه يعانيان من ضيق شديد. وما لم يقفا وقفة حازمة ويضعا حدوداً واضحة لطفلهما، فلن يستطيعا لا هما ولا طفلهما الاستمتاع بالحياة معاً. وفي هذا الظرف يعد خطأً كبيراً إعفاء الأطفال المعاقين من ملاحظة تلك الحدود. إن تعلم الطفل مسألة الالتزام داخل نطاق الأسرة سيساعد الأطفال على التكيف بشكل أفضل مع مجتمعهم خارج نطاق الأسرة.

وما نفشل كثيراً في تلقينه لأطفالنا أنه ما من إنسان على صواب دائماً لاعتناقه موقفاً معيناً أو لكونه قد بلغ سناً معينة أو كان ذكراً أو أنثى. إن اعتناقنا لآراء جار لنا أو أحد معلمينا باعتباره حقيقة مسلماً بها، لا يعطي أطفالنا الفرصة لكي يحكوا لنا ما حدث. غير أن الامتثال لأماني أطفالنا بالصورة التي تقضي على رفاهيتنا هو أمر على نفس القدر من عدم الإنصاف. فنحن بحاجة لأن نعلم أطفالنا أن العلاقة مع الآخرين تشتمل على كل من الأخذ والعطاء.

ولتعد بذاكرتك إلى ما تعلمته وأنت طفل ثم أتح لنفسك برهة لتحدد القواعد التي تعيش بها (وليست القواعد التي تعتنقها وتعتقد أنها صحيحة نظرياً!). هل قواعدك الشخصية تسمح لك برسم حدود تحميك من الطلبات غير المعقولة؟ أو هل ستنتهي بك إلى تدمير ذاتك؟ هل تحاول أن تكون طيباً دون أن تتوقع من الآخرين أن يقوموا هم أيضاً بدورهم؟ هل موقفك يتيح للآخرين الاستفادة منك؟ هل أنت، في الغالب، ذلك الشخص الذي تتركه زوجته ليحمل عنها الطفل؟

برغم صعوبة السير عكس اتجاه القواعد الموروثة، فإنه ليس من المستحيل القيام بذلك وستجد أن هذا الأمر سيحقق نجاحاً باهراً.