برغم أنه من الصحيح أن نقول إننا المسئولون في كثير من الأحيان عن التوتر الذي نعانيه باتخاذنا لرأي سلبي في موقف ما أو بإهمالنا وضع حدود واضحة تساعد في الاحتفاظ بالحيز والاحترام الذي نحن في حاجة إليه، فإننا بالطبع لسنا محصنين ضد أمزجة الآخرين وسلوكهم تجاهنا.
فأي شخص ممن سبق لهم العمل أو السفر في مجموعة يعلم كيف يمكن لشخص متقلب أن يعكر صفو الجو للمجموعة كلها؛ لو أنك تركته يفعل ذلك. فما يحدث غالباً أن كل شخص يبدأ في الابتعاد ببدنه عن الشخص الفظ أو يحاول الحفاظ على أكبر مسافة ممكنة تفصله عنه. وقد يكون هذا أمراً صعباً إذا كان الشخص متقلب المزاج رئيسك في العمل أو فرداً مقرباً إليك من أسرتك!
وهناك طرق عديدة ومتباينة يمكن من خلالها لشخص ما أن يعبر عن تقلب مزاجه. فبعض الناس يصيبه الخرس ويبدو متجهماً، بينما يتبرم آخرون ويتذمرون من كل شيء ومن كل الناس، أو لا يكفون عن توجيه النقد إليك. وتبعاً لميولك، فإنك تصاب أنت نفسك بتقلب المزاج أو تصبح متوتراً نتيجة للمزاج السيئ للطرف الآخر. وبعض الناس يمكنهم احتمال وجود شخص متجهم أكثر من غيرهم، ولكن بعد مرور بعض الوقت تجد أغلب الناس يتأثرون تأثراً سلبياً.
لماذا كان من الصعب بمكان أن تظل محصناً ضد تقلب أمزجة الآخرين؟ أعتقد أن هذا يعود إلى سببين رئيسيين. الأول أننا نأخذ الطبع السيئ لشخص ما على اعتبار أنه موجه لنا شخصياً. فنبدأ على الفور في البحث عن شيء ما ربما نكون قد قلناه أو صنعناه يمكن أن يكون قد ضايقهم. وهذا قد يؤدي إلى أغرب الافتراضات لما يمكن أن نكون قد ارتكبناه خطأً ولكنها مجرد افتراضات ويمكن أن تكون خطأً تماماً. وهناك طريقة للخروج من هذه المعضلة وهي أن نسأل الشخص ببساطة عن الأمر، ولكن بمجرد افتراضنا ضمنياً أننا نتحمل المسئولية عن المزاج السيئ للشخص الآخر، فإننا لن نرغب حقاً في سماع الإجابة، وهكذا نجد الطرفين وقد التزما الصمت!
والسبب الآخر وراء تأثرنا بالمزاج السيئ لشخص آخر هو أننا نشعر بالمسئولية الشخصية عن استعادة روحه المرحة سواء لأنه لم يعد في إمكاننا احتمال الجو المتوتر أو لأننا نعتقد أننا قد نكون السبب في غضبه. وعندئذ نبدأ في القيام بالأشياء التي تدخل السرور على قلب الشخص الآخر، محاولين رسم البسمة على وجهه أو انتشاله من أحزانه ومشاعره الغاضبة. وقد ينجح ذلك، غير أنه كثيراً ما لا ينجح. فماذا أنت فاعل ساعتها؟
الرجاء ملاحظة ما يلي: لا يوجد قانون يفرض عليك أن تظل متصلاً بحبل سُري بمشاعر شخص آخر. برجاء قراءة هذه العبارة ببطء ثلاث مرات على الأقل وفكر فيها بجدية. ربما كنت في الماضي تعتقد أن مشاعرك تتوقف على مشاعر أولئك المحيطين بك، ولكن هذا الاعتقاد ليس صحيحاً بالضرورة. فمشاعرك يمكن أن تكون منفصلة تماماً عن مشاعر الآخرين لو أنك أردتها أن تكون كذلك. فيمكنك أن تقرر أن تكون منفصلاً عاطفياً عن الآخرين.
إنها مسألة تحمّل مسئولية. فأنت بحاجة لتحمل المسئولية عن عواطفك والآخرون في حاجة لتحمل المسئولية عن عواطفهم. لو كنت قد قمت (دون قصد منك) بشيء ما ضايق شخصاً آخر، فإن مسئوليته تقتضي منه إبلاغك بهذا الشيء. وبهذه الطريقة تصبح قادراً على تقييم ما إذا كنت بحاجة لإيضاح أمر ما أو إن كنت في حاجة للاعتذار. فإذا لم يكن الطرف الآخر راغباً في الكشف عما فعلته فسبب ضيقه، فلم يعد من ضمن مسئولياتك أن تكتشف سبب غضبه، مع أنني رغم ذلك أنصحك أن تسأله ولو لمرة واحدة على الأقل عما إذا كنت قد فعلت شيئاً ضايقه. ولا حاجة بك للبحث المضني في أغوار ذهنك عما يمكن أن تكون قد فعلته خطأ. فالأفضل كثيراً أن تسأل.
تذكر كذلك أن الأمر قد لا يكون مرجعه إلى خطأ منك ولا من أي شخص آخر، إذا وجدت امرأ متجهماً أو شارد الذهن. فقد يصبح الشخص مهموماً لأنه ذُكر لتوه بحدث مسبب للضيق حدث في الماضي. هذه ليست مسئوليتك ولا هي خطأ منك. لهذا فليس محتماً عليك أيضاً أن تدخل السرور عليه حتى تخرج ما في جعبته (وإن كان هذا أفضل كلما أمكن).
إن بذل الجهود من أجل ملاطفة شخص ما أمر لا بأس به، بشرط أن يكونوا قد أخبروك بسبب غضبهم. فإذا لم يقولوا لك وإنما أشاروا إلى أنك أنت السبب فيه، فلا تحاول استرضاءهم لأن هذا قد يُساء فهمه على أنه اعتراف بالذنب.
وسواء شكا شخص ما من كل شيء أو تجهم وعبس في صمت، فإني أقترح الأسلوب التالي في التعامل مع هذا الأمر:
• عليك بإفادتهم بأنهم يبدون “منزعجين” بعض الشيء (إذا كانوا ينتقدونك)، أو “تعساء” (إذا كانوا يتبرمون) أو “صامتين” (إذا بدوا متجهمين) واسألهم إن كان هناك ما يسوءهم. لا تستعمل تحت أي ظرف كلمة “مزاج متعكر”؛ فهي لن تزيد الأمور إلا سوءاً لأنها تشعرهم بأنهم محل نقد.
• إذا أخبروك لماذا هم منزعجون أو تعساء أو صامتون، فابدأ من هنا. فلو كنت قد فعلت شيئاً على سبيل الخطأ، اعتذر عنه. وإذا لم تكن تشعر أنك فعلت أي شيء خطأ، فقل لهم ذلك. إذا كانت لديهم أسبابهم الخاصة للانزعاج أو التعاسة أو الصمت، فحاول مؤازرتهم إن استطعت.
• إذا رفضوا إخبارك ما هي المشكلة، فاسترخ. فهناك أمر ما أنت لا تعلمه هو الذي سبب حزنهم هذا. هو شيء متعلق بهم وليس بك. فإذا شئت، يمكنك أن تحاول إبعادهم عن التفكير فيما يحزنهم بأن تقترح شيئاً ما يمكن عمله. فإذا لم يفلح ذلك أيضاً، فاسترخ واهدأ. استمر في التحدث إليهم بشكل طبيعي.
• إذا تذمروا من شيء ما، فلا تُبد موافقة ولا اعتراضاً على أي شيء يقولونه. غير الموضوع أو اتركهم وانصرف إلى شئونك الخاصة.
• إذا استمروا متجهمين أو لم تستطع تشتيت انتباههم، فاذهب إلى شئونك الخاصة. استمر في التحدث إليهم بهدوء ومودة كلما اقتضى الأمر، ولكن لا تحاول التدخل في شئونهم. فهو مزاجهم المتعكر وليس مزاجك.