تعتبر الأسرة من العوامل الهامة في نجاح العلاج أو إخفاقه، وقد ثبت أن العديد من المرضى الأطفال يتحسنون لا بسبب العلاج بل بسبب تغير الأسرة.
إن الأسرة تعمل كنظام واحد، والهدف من الإرشاد الأسري تنظيم أدوار الأسرة فيما يتعلق بحالة طفلهم، وتقوية النظام الأسري في ضوء هذه الحالة، وتدعيم الدور الفردي لكل فرد داخل الأسرة، والإرشاد الأسري مفيد في حالة وجود مشكلات أسرية، وحالات تفكك أسري، أو انفصال، أو جهل الأسرة بحالة طفلهم، أو وجود بناء معرفي مشوش، أو علاقات سيئة مع الطفل، والمرشد يلاحظ الأنماط السلوكية الخطأ الموجهة ضد طفل التوحد، وهو يتعامل مع أفراد الأسرة ككل، وذلك لإحداث التغيير المطلوب في الاتجاه الفكري لأفراد الأسرة نحو مشكلة طفلهم، والعمل على إعادة التوازن الأسري وتصحيح الأخطاء الموجودة، ووقاية الطفل من التعرض إلى مشاكل لاحقة. إن أعضاء أسرة الطفل قادرون بالفعل على مساعدته من أجل العلاج (كما أنهم قادرون على عرقلة جهود العلاج).
إن معظم (أو بعض) قضايا الصغار ومشاكلهم السلوكية والنفسية والاجتماعية والفكرية غالباً ما ترجع إلى مشاكل الكبار من حول الطفل، وخاصة الوالدين. فالطفل الصغير غالباً ما يتعلم ويُقلد ويلاحظ ويتأثر بما يشاهده لدى الكبار من نزاعات، أو خلافات أسرية، أو قسوة وعنف، أو إهمال ولا مبالاة. فالطفل والإخوة والوالدان يدخلون جميعاً في علاقات تبادلية، وكل منهم يؤثر في الآخر، وقد ينمي ذلك بعض الأعراض المرضية التي تزداد شدة وسوءاً مع تقدم العمر. وفي عملية الإرشاد الأسري وبعد أن يتم جمع البيانات الكاملة عن حالة الطفل والمشاكل التي يعانيها، يتم تحديد موعد للمقابلة، ومكان المقابلة مع كل أعضاء الأسرة وفي وقت واحد، أو يقوم المرشد باختيار اثنين أو أكثر من أعضاء الأسرة، أو يختار واحداً من بين الأعضاء، وذلك حسب الهدف من عملية الإرشاد، وتتم عملية الإرشاد الأسري خلال جلسة واحدة وقد تمتد إلى نحو (90) دقيقة، أو يكون هناك جلسات أخرى للعلاج والإرشاد، وهذا ما يقرره المرشد حسب أهداف الإرشاد، والهدف هو إعادة التوازن الأسري، وتصحيح الأفكار والاتجاهات الخاطئة لدى أفراد الأسرة والتخفيف من صدمة الآباء، والتي تنعكس سلباً على الطفل صاحب المشكلة، وكذلك زيادة استبصار الأسرة بمشكلة ولدهم، وفهم أبعاد هذه المشكلة، ومراحل عملية العلاج، ودور الأسرة في ذلك، مع عملية تغذية راجعة (Feedback) من الأسرة إلى المعالج حول سلوكيات وأعراض طفلهم المريض بالتوحد، لأن المشكلة الأساسية وراء معظم المتاعب الأسرية هي بسبب اضطراب طفل داخل الأسرة وانحراف شكل العلاقة بين الطفل ووالديه، إن الزوجين يريدان إقامة مناخ أسري مستقر، وأن يصبحا أباً أو أماً، ويقومان بأدوارهما في المجتمع الذي يعيشان فيه، ويمكن للطفل المضطرب سلوكياً ونمائياً أن يعوق هذه الأدوار، ونجاح أي أسرة في مواقف حياتية جديدة وصعبة يحتاج إلى عملية تعلم وزيادة الخبرات، وإلى عملية إرشاد، ومسؤولية المعالج النفسي أو المرشد هي تدريب أفراد الأسرة وتعليمهم وتوجيههم إلى كيفية تحديد المشكلات وعلاجها بشكل يرضي كل الأطراف في الأسرة (إرضاءً جزئياً أحياناً)، والمرشد النفسي غالباً ما يركز على السلوك الحالي (هنا والآن) للطفل وعلاقته بأفراد أسرته، وعلى تفاعلات الطفل مع باقي أفراد الأسرة، وكذلك على السلوك الظاهري القابل للملاحظة والقياس أكثر من التركيز على السلوك الداخلي أو المشاعر الداخلية، ويمكن للمرشد النفسي استخدام الإرشاد الأسري بعد عملية الإرشاد الفردي لبعض أفراد الأسرة، وعلى المرشد التأكد من موافقة جميع أعضاء الأسرة على حضور جلسات الإرشاد على الأقل مرة واحدة كل أسبوع (أو أكثر)، والمرشد في الإرشاد الأسري يكون إيجابياً وفعالاً وموضوعياً… فهو إذا جلس لا يصغي بشكل سلبي أو أنه يفرط في مجاملة الأسرة… فإن الأسرة قد تتجاهله ولا تهتم بتعليقاته، وقد تجرف الأسرة بتعليقاتها المرشد ودون أن يحدث أي تغيير.
والمرشد خلال جلسة الإرشاد قد يطلب من بعض أعضاء الأسرة السكوت، في حين يشجع آخر على الحديث… وفي الجلسات الأولى للإرشاد يلاحظ المرشد ويستمع إلى أفراد الأسرة، ويلاحظ الأنماط السلوكية المضطربة للأسرة، وانعكاساتها على الطفل الذي يعاني التوحد، وكذلك يستمع إلى آراء أفراد الأسرة وتفسيراتهم لمشكلة طفلهم وأسبابها وحدودها، وقد يتعاون المرشد مع أحد الأعضاء في الأسرة لكي يساعد في إحداث التغيير المطلوب، ولا بدَّ للمرشد من أن يشرح لوالدي الطفل حالة طفلهم، وأعراض هذه الحالة، وعلاجها، ومآلها، وخطة العلاج المقترحة، ودور الوالدين والأسرة في ذلك، ومن الذي يقوم بتنفيذ هذه الخطة، والهدف من ذلك، ومعايير التقييم قبل العلاج وبعده، وهنا يقوم المرشد بتصحيح الأفكار الخاطئة لدى الأسرة حول مشكلة طفلهم، والعمل على بناء أفكار سليمة، وتحديد الأدوار المساعدة في العلاج؛ فطفل التوحد ليس طفلاً سيئاً في أسرته، وليس مسبباً للمشاكل الزوجية والأسرية أو المدرسية، وهو ليس متخلفاً عقلياً، أو معوقاً، وإنما هناك أسباب واضحة وراء هذه الأعراض أو السلوكيات التي تصدر عن الطفل.
ولا بد من خفض حيرة الوالدين وقلقهم، وتشجيعهم على المساهمة في العلاج، وقد تستمر جلسات الإرشاد الأسري لفترة طويلة (مع علاج حالة الطفل) إلى نحو (8 – 10) جلسات أسرية، ويدخل في إطار الإرشاد الأسري توعية الأسرة بأهمية العلاج الدوائي للطفل، وضرورة تناول الدواء بانتظام، كما أن الطفل يمكنه أن يتعلم ويتدرب ويقلّد بمساعدة والديه وأفراد أسرته ومن أجل زيادة في التواصل الاجتماعي، والتواصل اللغوي، والوجداني، والتواصل البصري، والاستماع إلى أحاديث الآخرين، ومعرفة طريقة المبادرة في الحديث والتعبير عن الانفعالات… إلخ. وعادة ينهي المرشد جلساته الإرشادية بتوصيات مكتوبة للوالدين تتعلق بخطوات التعاون والعلاج، وبعدم القسوة على الطفل ومتابعة حالته أينما كان، وتطبيق البرامج التربوية والتعليمية اللازمة له، ومتابعة التعليمات، وأداء الواجبات المنزلية.
يضاف إلى الإرشاد الأسري عمليات الإرشاد المدرسي أو الأكاديمي (Academic Counseling) حيث تعتبر المدرسة بنظمها وبيئتها، والمعلم المعد إعداداً تربوياً ونفسياً جيداً، من العوامل الهامة في علاج حالات التوحد؛ فالمعلم الجيد لم تعد مهمته نقل المعلومات وتلقينها للطفل، وإنما هي معرفة أوضاع الطفل العقلية والنفسية والسلوكية والصحية والتربوية والأسرية، وإدراك الفروق الفردية بين الأطفال، وتأمين التواصل مع الأسرة، مما يساعد على إيجاد أفضل تعاون مدرسي وأسري وأفضل بيئة تعليمية للطفل، مع ملاحظة الطفل ورصد سلوكياته، واختيار وسائل التشجيع اللازمة والمناسبة له، والعمل على تعديل سلوكياته… مما يزيد من ثقة الطفل بنفسه، ويشعره بالأمان والطمأنينة، والتقبل، ودون خوف أو ضرب، أو تهديد، أو انفعالات… ولا بدَّ للمعلم من معرفة حالة الطفل الصحية، والآثار الجانبية للأدوية التي يتناولها، والعلاجات التي تقدم للطفل، وعلى المعلم أن يهتم بإرشادات المعالج والطبيب وتوفير الوسائل العملية والحسية للطفل، واعتماد وسائل التعزيز والتشجيع (وأسلوب الحزم أحياناً)، وعلى المعلم أيضاً أن يعلم أن سلوكيات الطفل هي بسبب اضطراب وظيفي عصبي نمائي لا دخل للطفل فيه، وهي سلوكيات غالباً ما تكون غير واعية أو لاإرادية. والمعلم، أو المشرف التربوي في المدرسة، أو في مركز التوحد يشرف على تعليم أطفال التوحد وتطبيق البرامج السلوكية التربوية لكل طفل على حدة (التفريد). ولا بد له من معرفة مبادئ العلاج السلوكي أو تعديل السلوك (Behavior modification)، مع خبرة في مجال التربية الخاصة (Special education)، وسنشير فيما بعد إلى دور مراكز التوحد، والمدارس، في العلاج التربوي والسلوكي لطفل التوحد. ومن أجل تنمية مهارات الطفل وإعداده للاندماج في الحياة الطبيعية. إن عمل هذه المراكز والمدارس يمتد إلى أسرة الطفل والتي من الضروري أن تتفهم ما يجري داخل المركز أو المدرسة، مع استمرار وجود علاقة وحوار مع الأسرة، لمعرفة كيفية التعامل مع طفل التوحد، وأهمية الكشف المبكر، ويمكن أن يتحقق ذلك من خلال الزيارات لمنزل الطفل، وإقامة الندوات العلمية، ومن خلال البرامج التلفازية والإذاعية، وعن طريق الاحتفالات، واليوم المفتوح وغيرها.
وعادة تضع المدرسة (أو المركز) برنامجاً تعليمياً فردياً لكل طفل توحد، على أساس وجود فروق فردية في القدرات والمهارات والسلوكيات… ولا بد من إعطاء الأولوية للاهتمام بنقاط الضعف، والاستفادة من نقاط القوة في تعديل نواحي القصور في الطفل وتنميتها. وكما أشرنا سابقاً فثمة عملية تقييم لحالة الطفل وقدراته العقلية، وتتم هذه العملية بالتعاون مع أسرة الطفل ومدرسيه والطبيب الاختصاصي النفسي والاجتماعي، ومعالج النطق وغيرهم، وباستخدام أسس التربية الحديثة والوسائل التعليمية ووسائل التقنية، وبهذا يعمل الجميع وبشكل متكامل، وحسب التخصص، مع الأخذ بعين الاعتبار تحقيق الهدف الرئيسي وهو دمج الطفل في المجتمع وتنمية المهارات الاجتماعية، واللغوية، والسلوكية لديه… وبعد تحسّن أعراض الطفل يبدأ النشاط الأكاديمي وهو تعليم الطفل مبادئ القراءة والكتابة والحساب والمعلومات، وغرس القواعد الصحية والأخلاقية الحياتية، وكذلك الإعداد الديني والروحي، بالإضافة إلى وجود أنشطة مدعمة للبرنامج التعليمي مثل النشاط الموسيقي، والفني، والرياضي، بالإضافة إلى الحاسوب، وغيرها من الأنشطة مثل الزيارات، والرحلات، والألعاب المحببة… إلخ. وهذا كله يرتبط بخطة التعليم والتدريب، والأهداف التي تشترط فيها بالنسبة إلى أطفال التوحد ما يلي:
1 – أن تكون واقعية في ضوء المهارات السابقة والحالية الجديدة (إن وجدت).
2 – مراعاة قدرات الطفل، والفروق الفردية بين الحالات.
3 – أن تتناسب مع التجهيزات والإمكانيات المتوفرة، وتجهيزات الفصل، وتقنيات التعليم.
4 – التوافق مع احتياجات الأسرة في المرحلة الحالية والمستقبل.
5 – أن ترتبط بحياة الطفل اليومية وحياته الأسرية والمدرسية.