د. لوفاس Dr. O. Ivar Lovaas هو أستاذ الطب النفسي في جامعة لوس أنجلوس في كاليفورنيا، بدأ دراساته حول التوحد في عام (1950م)، وطريقته التربوية التعليمية تعتمد على مبادئ العلاج النفسي السلوكي (Behavior therapy)، وتسمى طريقته بطريقة العلاج بالتحليل السلوكي التطبيقي (Applied behavior analysis).
ويستقبل لوفاس الأطفال الذين لا تتجاوز أعمارهم (5 – 6) سنوات إذا كانت لديهم القدرة على الكلام، ولا تقل أعمارهم عن (2.5) سنة شريطة أن لا تقل درجة الذكاء عن (40) درجة. ويعتمد برنامج لوفاس على الاستجابة الشرطية بشكل مكثَّف، وتشترك الأسرة في البرنامج، وتركز طريقة لوفاس على تشكيل السلوك من خلال التعزيز التدريجي، أو عن طريق التقريبات المتتابعة (Successive Approximation) (جداول التعزيز لدى العالم سكنر)، مع استخدام طريقة الحث، والتلاشي. ويشترط اختيار المعزز المناسب كالأطعمة والدمى، والمعززات الاجتماعية مثل المعانقة، والابتسامة، والمدح… وغيرها، ويمكن زيادة التعزيز متى وجدت ضرورة لذلك.
إن برنامج لوفاس يركز على النواحي الفردية التي تأخذ في الحسبان مراكز الضعف والقوة، وعادة يبدأ البرنامج بنحو (10 – 16) ساعة أسبوعياً، تزداد تدريجياً لتصل إلى نحو (35 – 40) ساعة أسبوعياً، ويستخدم المعلم التعليم العَرَضي والاستفادة من البيئة الطبيعية، فإذا أحب الطفل لعبة ما يحث المعلم الطفل على أن يطلبها بطريقة مقبولة من التواصل. وعلى المعلم استغلال كل المبادرات التي يظهرها الطفل؛ سواء كانت لفظية أم غير لفظية ومهما تكن صغيرة أو ثابتة. إن الهدف الرئيس من برنامج لوفاس هو تحسين التواصل، وتنمية مهارات اللعب، وبناء علاقات فاعلة، وردود فعل مناسبة للمثيرات الحسية، وتطوير مهارات التركيز والتقليد والطلب (Ordering)، وإن كثافة العلاج هي النقطة الهامة بالنسبة إلى تقدم الطفل، لذلك فإن الأطفال بين أعمار (3 – 5) سنوات يتعلمون يومياً لمدة (5 – 8) ساعات، ولمدة (5 – 7) أيام في الأسبوع.
وعادة يبدأ البرنامج عن طريق تقسيم اليوم إلى جلسات تتراوح الجلسة بين (2 – 4) ساعات، وخلالها يكون هناك استراحات للعب، فالطفل والمدرب يعملان على المهمة في أماكن متعدد، على المنضدة أو على الأرض، أو ربما حتى في الخارج ولمدة (2 – 5) دقائق مع استراحة دقيقة إلى دقيقتين، وهناك استراحة كبرى بين (10 – 20) دقيقة، تكون ما بين الساعة الواحدة والثانية ظهراً، ويمكن للطفل وللمدرب أن يلعبا خارجاً، وهذه الاستراحات تتيح للطفل الفرصة أن يطلب من المدرب (أو المعلم) ما يريد، ويتعلم الطفل المهارات من خلال التدخلات السلوكية، فقد يذكر المدرب لعبة ما ويشير الطفل إليها أو يمسكها بيده من بين كل الألعاب، عندها يتلقى التعزيز من المعلم، مع الأخذ بعين الاعتبار سرعة الاستجابة والدمج مع الأقران.
البرنامج يركّز على التقليد، والطلب، والتقليد اللغوي، مع تعليمات بسيطة. ويتطور البرنامج تدريجياً حتى يصل إلى المفاهيم المجردة. والإجابة عن الأسئلة البسيطة تبدأ من إجابة بكلمة واحدة ثم التدرج إلى التحدث بجملة كاملة، ويتطور الأمر لتعدد الاستجابات، كما يتعلم الطفل كيف يوازن بين اللعب والتعاون مع الآخرين، وهكذا يتم التعلم داخل مجموعة، وعمل أصدقاء، أما أهداف الأطفال الأكبر سناً فهي تدور حول تحسين حياتهم، والعناية بالذات، واستغلال أوقات الفراغ باستقلالية، والتواصل مع المجتمع، والدمج في المدرسة، والمشاركة في الحياة الأسرية، والتفاعل مع الأقران… والطفل يحتاج وسطياً إلى (6 – 12) شهر تدّخلٍ من الأسرة للتدريب على متطلبات العناية الذاتية، واللغة، ومهارات اللعب، قبل أن يحقق التقدم مع جماعات المدرسة أو الصف.
إنَّ عملية التعليم تتكون من مثير واستجابة ونتائج السلوك؛ أي تعتمد على نظريات الإشراط في التعلم من حيث المثير والاستجابة والتعزيز ونتائج السلوك. وفي ضوء هذه المبادئ يتم تعليم الطفل نحو (500) هدف يتم ترتيبها من الأسهل إلى الأصعب، وحيث يعتبر السؤال الموجّه للطفل بمنزلة (مثير)، وإجابة الطفل (الاستجابة)، وإعطاء الطفل شيئاً محبباً هو (التعزيز)، ويتم تكرار هذه الطريقة حتى يتدرب الطفل على هذه المهارات، ومن أهم الأسس في طريقة لوفاس القياس المستمر لمدى تقدم الطفل، وفي كل مهارة من المهارات (Psychometric)، وذلك عن طريق التسجيل المستمر لمحاولات الطفل الناجحة أو المخفقة، ويركز لوفاس على أهم المجالات مثل الانتباه، التقليد، لغة الاستقبال، لغة التعبير، الاعتماد على الذات… إلخ. ومع تقدم الطفل وتحسن قدراته تزداد صعوبة الأهداف لكل مجال من المجالات السابقة، ويضاف إليها مجالات اجتماعية ودراسية لتهيئة الطفل للدخول إلى المدرسة.
ولوفاس يرى إمكان التحكم بالسلوك بدراسة البيئة التي يحدث فيها هذا السلوك، وكذلك التحكم بالعوامل المثيرة لهذا السلوك، حيث إن كل سلوك هو استجابة لمثير ما، وبهذه الطريقة يمكن تشكيل سلوك الطفل على طريقة سكنر الذي قام بتشكيل سلوك الحيوان (Shaping of behavior)، ويهتم لوفاس بنظرية إيفان بافلوف (I. Pavlov) في الإشراط الكلاسيكي (Classical Conditioning). ونظرية بوروس سكنر (P. Skinner) حول الإشراط الإجرائي (Operational Conditioning). والسلوك الإنساني لدى لوفاس هو أي نشاط يصدر عن الفرد يمكن ملاحظته وقياسه، أو هو سلوك ضمني مثل التذكر والتفكير والتصور، والوسواس القهري… والسلوك قد يكون مقبولاً سوياً أو يكون غير مقبول وغير سوي، وهو (أي السلوك) إما أن يصدر عن قصد واختيار وإرادة واعية، أو يكون بشكل لا إرادي أو لا واعٍ كما في المنعكسات، ويرى لوفاس أن أي استجابة نابعة من مثير معين، وحسب نظرية بافلوف نجد ما يلي:
– مشاهدة الطعام لدى الحيوان الجائع تؤدي إلى إفراز لعاب الحيوان.
– أي مثير طبيعي غير شرطي يؤدي إلى حدوث استجابة غير شرطية طبيعية.
– سماع صوت أقدام الخادم الذي يجلب الطعام وهو مثير حيادي يؤدي إلى استجابة ما قبل اقترانه بالطعام.
وهذا قبل اقتران هذا المثير الحيادي بالطعام. ولكن بعد اقترانه بالطعام، وبعد عملية التكرار يصبح هذا المثير الحيادي له معنى أو مدلول لدى الحيوان أن الطعام قادم، ومن ثم تظهر استجابة إفراز اللعاب لدى الحيوان، وهنا المثير الشرطي مثل (سماع وقع أقدام الخادم) يؤدي إلى استجابة شرطية تجعل الحيوان يتوقع الحصول على المثير غير الشرطي أي (الطعام). وهكذا نجد في الإشراط من الدرجة العليا حيث تستخدم عدة مثيرات، وذلك على النحو الآتي:
الطعام (مثير غير شرطي) (Unconditional Stimulus) يؤدي إلى استجابة غير شرطية (Unconditional response) وهي استجابة إفراز اللعاب، وصوت الجرس (مثير حيادي) يؤدي إلى استجابة ما (قبل أن يقرن بالطعام) (Neutral Stimulus)، وبعد قرنه بالطعام فإنه يؤدي إلى حدوث استجابة إفراز اللعاب، وهي استجابة غير شرطية.
– طعام يؤدي إلى إفراز اللعاب.
– صوت وقع أقدام الخادم يؤدي إلى استجابة ما.
– صوت وقع أقدام الخادم مع الطعام يؤدي إلى إفراز اللعاب.
ومع تكرار عملية الاقتران يستمد المثير الحيادي قوته من عملية اقترانه بالمثير الطبيعي (غير الشرطي) أي الطعام، ويؤدي هذا المثير الحيادي وحده إلى حدوث الاستجابة (إفراز اللعاب)، أي صوت وقع أقدام الخادم فقط يؤدي إلى إفراز اللعاب.
مثير شرطي (Conditional Stimulus) يؤدي إلى استجابة شرطية (Conditional Response). وهنا يجب ملاحظة أن الفاصل الزمني بين تقديم المثير الشرطي والمثير غير الشرطي يجب أن يكون قصيراً لا يتعدى (3 – 4) ثوانٍ، ويمكن بعد ذلك قرن عدة مثيرات بعضها مع بعض مثل: صوت الجرس (وهو مثير حيادي يؤدي إلى استجاب ما)
إن صوت الجرس + صوت وقع أقدام الخادم يؤديان إلى إفراز كمية من لعاب الحيوان، وبعد التكرار فإن صوت الجرس فقط يؤدي إلى إفراز اللعاب؛ لأنه استمد قوته من قرنه بالمثير سماع صوت وقع أقدام الخادم الذي يجلب الطعام، وهذا الأخير استمد قوته من تقديم الطعام (المثير غير الشرطي)، والذي يؤدي لدى الحيوان إلى خفض دافع الجوع، والإحساس بالشبع؛ أي حدوث عملية تعزيز إيجابي لسلوك الحيوان. وقد وجد بافلوف بعد الاستعانة بقطعة من القطن كان يضعها في فك الحيوان ويزنها قبل عملية الإشراط وبعدها، أن الاستجابة الطبيعية غير الشرطية تختلف من حيث كم إفراز اللعاب، أو عدد قطرات اللعاب، عن الاستجابات الشرطية التي تتناقص تدريجياً كلما ابتعدنا عن المثير الطبيعي (الطعام) (عملية انطفاء الاستجابة)، وقد استفيد من الإشراط الكلاسيكي في تهذيب سلوك الأطفال، وتنمية السلوك الاجتماعي والعادات الحسنة مثل الصدق والأمانة عن طريق تعزيز السلوك الإيجابي لديهم. وقد طبقت عملية الإشراط هذه على الأطفال الرضّع، حيث إن الطفل الرضيع الذي يبكي بشدة بسبب الجوع أو بسبب حاجته إلى الرضاعة، ثم تأتي الأم لترضعه ويمتنع عن البكاء، وفي بعض التجارب تمَّ قرن عملية الرضاعة بسماع الطفل موسيقا هادئة قبل الرضاعة، وبعدها تأتي الأم لإرضاع طفلها.
وبعد عملية الاقتران والتكرار أصبح لدينا التالي:
– سماع الموسيقى (مثير شرطي حيادي)
– سماع الموسيقى + الرضاعة من الثدي يؤديان إلى هدوء الطفل وعدم بكائه.
وبعد عملية الاقتران هذه أصبح المثير (سماع الموسيقى) وحده يؤدي إلى الاستجابة نفسها، وهي عدم بكاء الرضيع.
وفي تجارب بافلوف إذا لم تتم عملية التعزيز (Reinforcement) فإن الاستجابة الشرطية تزول وتنطفئ (Extinction)، وقد طبق العالم السلوكي جون واطسون، منهج بافلوف في علاج حالات الخوف (the phobia) لدى الأطفال (ألبرت وبيتر) وبمساعدة ماري جونز (Mary Cover Jones).
أما الإشراط الإجرائي (Operant Conditioning) لدى العالم (B. F. Skinner)، فقد أشار سكنر من خلال تجاربه حول تشكيل السلوك (Shaping of behaviour) إلى أن السلوك الإجرائي هو الذي يتحدد بفعل العوامل البيئية، ولا توجد مثيرات قبلية، (عكس منهج بافلوف)، والسلوك الإجرائي يمثل معظم أنماط السلوك الإنساني، والمعزز هو كل ما يزيد من احتمال حدوث السلوك أو الاستجابة، والكثير من السلوك الشاذ لدى الأطفال يمكن تفسيره من هذا المنطلق، حيث يعمل الأطفال على تحقيق مكاسب ثانوية من سلوكياتهم الشاذة، مثلاً:
– إن الطفل كلما أجهش بالبكاء وصرخ وانفعل لاقى لاهتمام والتقبيل والعناق من والدته.
– ومع التكرار يصبح سلوك البكاء والصراخ سلوكاً شبه ثابت؛ أي عادة لدى الطفل.
– ويستخدم هذا الأسلوب كلما أراد الطفل أن ينقل خبرته هذه إلى مجالات حياتية أخرى (عملية تعميم).
ويرى سكنر أن الاستجابة لا المثير هي التي ترتبط بالمعزز، وإذا أتبع الاستجابة المعزز، فإن الاستجابة تقوى وتتكرر، وإذا توقف التعزيز فلا تحدث الاستجابة. والاستجابة عند سكنر تسمى بالاستجابة المستجرة (Elicited Response)، وهي تختلف عن الاستجابات الإشراطية عند بافلوف، وسكنر يعتبر السلوك مرهوناً بنتائجه الإيجابية أو السلبية، ويعتمد ذلك على مبدأ التعزيز الذي قام سكنر بوضعه. وطريقة لوفاس تعتمد على زيادة تعزيز السلوك المرغوب فيه، وإنهاء أو التقليل من السلوك غير المرغوب فيه، وبناء المهارات المطلوبة حتى يستمر طفل التوحد في مواصلة متطلبات الحياة.
جداول التعزيز وأمثلة عن المعززات لدى الأطفال
المعزز هو كل ما يزيد من احتمال حدوث السلوك أو الاستجابة، وهو يقوّي السلوك في الموقف نفسه أو في مواقف مشابهة، وهو المثير البيئي الذي يحدث بعد السلوك (عواقب السلوك).
والمعززات على أشكال منها:
– معززات أولية غير إشراطية مثل: (طعام، شراب، هواء، دفء).
– معززات ثانوية أو إشراطية حيادية مثل: (المديح، الابتسامة، التصفيق، وضع الاسم في لوحة الشرف).
– معززات إيجابية مثل: (الطعام، والابتسامة، والاحتضان، والربت على الكتف..).
– معززات سلبية مثل: (إبعاد الطفل عن الموقف مثل الصوت المرتفع، الألم، الحرارة، البرودة).
– معززات مادية مثل: (ألعاب، مجلات، ألوان، نقود، أَوْسمة، شهادات، بطاقات إنجاز).
– معززات اجتماعية مثل: (مديح، ثناء، ابتسامة، تصفيق، الربت على الكتف، الضحك، الإيماء بالرأس، الملامسة، المصافحة، الجلوس إلى جانب الطفل في الرحلة…).
– معززات نشاطية مثل: (قراءة القصص، الرياضة، الزيارة، الرحلات).
– معززات سالبة هروبية مثل: (حمل الطفل الذي يبكي ويصرخ للتخلص من الإزعاج).
– معززات سالبة تجنبية مثل: (إذا لم ترتب غرفتك فلن تشاهد التلفاز).
– عقاب إيجابي مثل: (إضافة شيء غير مرغوب فيه مثل تقديم مثير مؤلم).
– عقاب سلبي مثل: (إنهاء شيء مرغوب فيه).
– معزز ضمني (Covert Reinforcement) حيث يتخيل الفرد السلوك والمعزز لمدة (15/ثا) تقريباً، وسواء المعزز الإيجابي أو السلبي، مثل استدعاء مشاهد منفّرة يتخيلها الفرد وغير مقبولة بالنسبة إليه (كوتيلا Cautela).
– معززات رمزية: وهي القابلة للاستبدال مثل: (النجوم الذهبية، والنقاط (الفيشة)، والرسوم البيانية).
ولا بد من مراعاة توقيت التعزيز (timing) وأن يكون التعزيز فورياً وليس مؤجلاً، وذلك بعد قيام الطفل مباشرة بالاستجابة. كما يجب مراعاة كمية التعزيز (Quantity) حيث إن المبدأ هو تقليل تدريجي للتعزيز وعدم الإكثار منه إلى المراحل النهائية للتعلم، مع ثبات التعزيز (Consistency) حيث يكون التعزيز وفق جداول زمنية محددة، وبحيث يكون متواصلاً وذلك كلما حدث السلوك المطلوب، أو مقتطعاً بعد عدة محاولات، وعادة كلما كان حرمان الطفل أكبر كان المعزز أكثر فاعلية، ولا بدَّ للمعالج من مراعاة صعوبة السلوك، حيث إن بعض السلوكات لا تتطلب جهداً كبيراً، وبعضها الآخر معقد يحتاج إلى جهد، وعملية تنويع المعززات مفيدة أكثر من استخدام معزز واحد، ويفضل مراعاة الجدَّة في المعززات (Novelty)، وعلى أن يعلم الطفل بأن التعزيز هو بسبب سلوكه الجيد، وبعد عملية العلاج يفضل استبدال المعززات الطبيعية بالمعززات الخارجية، وهذا يتم بالتعاون مع الأسرة والمدرسة، وعادة عند التعامل مع الأطفال يكون هناك نحو (20 – 75) معززاً في اليوم الواحد، مع الاستمرار إلى نحو (15 – 30) يوماً. ويفضل عدم إعطاء الطفل كميات كبيرة من المعززات الغذائية لدرجة الإشباع؛ لأن هذه المعززات تفقد قيمتها. ولا بد من قرن المعززات الغذائية بمعززات اجتماعية مثل المديح والثناء والابتسامة… من أجل أن تستبدل بها المعززات الاجتماعية المتعددة، وكذلك المعززات المعنوية مثل الموافقة مع الطفل، التعاطف مع الطفل، كلمات مثل جيد، حسن، وتغذية راجعة بنائية (Constructive Feedback)، وكذلك معززات مثل مشاهدة برامج التلفاز، وقيادة الصف، ومشاهدة برامج الرسوم المتحركة، وتوزيع الشهادات… إلخ. ويمكن أن يكون التعزيز بعد فترة زمنية شبه ثابتة، مثلاً كل (5) دقائق أو كل (5) ساعات، أو كل (5) أيام، كما يمكن أن يكون التعزيز على فترات متغيرة (Fixed and variable interval).
على المعالج اختيار المعززات المناسبة للطفل:
لابد من تحديد المعزز المناسب للطفل وحسن اختياره، وهو الذي يعمل على تقوية السلوك بالفعل، لذلك فإن المعالج لا يستطيع تقرير أن هذا المعزز أو ذاك أفضل، إلا بعد ملاحظة تكرار السلوك وتقويته؛ أي لا نستطيع أن تعتبر شيئاً ما معززاً إلا بعد استخدامه، وعندما نختار المعززات نختارها بشكل احتمالي؛ أي يتوقع أن تؤدي وظيفة تعزيزية، ومن المحتمل أن لا تكون الحلوى أو الشوكولا معززاً لكل الأطفال، لهذا لا بد من مراقبة نتائج التعزيز، والمعزز عند طفل ما قد لا يكون معززاً عند طفل آخر، لذلك فإن عملية اختيار المعززات وتحديدها تحتاج إلى خبرة، وعادة يتم ملاحظة المكاسب الثانوية التي يحققها الطفل من سلوكه المضطرب (Secondary gain)، مثل الحصول على لفت انتباه الآخرين، أو جذب الاهتمام، أو الانتقام من الآخرين… وقد تبين أن الطفل المتوحد يحتاج إلى فترة طويلة للتدريب، من شهر إلى شهرين تقريباً، في حين يحتاج الطفل العادي إلى أقل من أسبوع واحد.
ويحتاج تدريب طفل التوحد إلى صبر وتكرار، ووقت حتى يتقن تنفيذ السلوك أو المهارة دون أي مساعدة، وعادة يتم تحديد المعززات التي تساعد على بقاء السلوك المضطرب (المكاسب منه)، والمعززات التي تساعد على تعلم سلوك جديد، أو التخلص من السلوك السابق، وكذلك المعززات الإيجابية والسلبية، وهذا قبل رسم الخطة العلاجية من قبل المعالج، ويتم إشراك الأهل والمعلمين وأحياناً ملاحظة الطفل ذاته، واختيار المعززات التي تهم الطفل وتثير الدافعية نحو القيام بالسلوك المطلوب، وعادة تطرح بعض الأسئلة على أسرة الطفل ويتم الاستعانة باستمارات خاصة لهذا الغرض مثل:
أمثلة عن المعززات:
– الابتسامة للطفل وإبداء الإعجاب.
– الربت على الكتف وإظهار الود والحب.
– حضن الطفل وتقبيله.
– استخدام كلمات التشجيع.
– الذهاب في نزهة بصحبة الأسرة.
– الذهاب إلى السوق.
– الذهاب إلى الملهى.
– مساعدة الأم في عملها.
– اللعب مع الأب أو مع الأم (اللعب بالشعر).
– نشاط الرسم.
– القيام بزيارة.
– نشاط السباحة.
– ممارسة الرياضة.
– قيادة الدراجة.
– مشاهدة التلفاز.
– إطعام الحيوانات.
– قراءة قصة للأطفال.
– مشاهدة فيلم فيديو.
– ركوب حصان.
– شراء ملابس.
– شراء أقلام وأدوات مدرسية.
– تقديم عصير، شوكولا، أطعمة، شاي
– ممارسة التصوير.
– الجلوس بالقرب من الطفل.
– الملامسة، والمصافحة.
– الضحك والابتسامة، ونظرات الإعجاب.
– التصفيق.
– أوسمة، وشهادات، ونجوم ملونة.
– نقود.
– الفيشة.
هذه المعززات تختلف من طفل لآخر، ويفضل للطفل دائماً المعززات المادية الملموسة (Tangible Reinforcers)، وخاصة الغذائية التي تستخدم مع الأطفال الصغار، أو المتخلفين عقلياً، ويمكن للمعالج استبدال معززات رمزية (Token) بمعززات مادية داعمة مثل الشراب (backup reinforcer). كما يفضل التعزيزات الفورية (Immediacy).
سوابق السلوك الذي يقوم به طفل التوحد ولواحقه (Antecedents and consequences)
والمعالج السلوكي يهمه فقط السلوك الظاهر (overt behaviour)، ومبدأ (Here and Now) هنا والآن، والذي يمكن ملاحظته وقياسه، ومعرفة شدته، وعدد مرات حدوثه، ومدى غرابة هذا السلوك وتقبله أو رفضه من الآخرين. ولا بدَّ للمعالج من ضبط المتغيرات المسؤولة عن حدوث السلوك (المثيرات)، مع الأخذ بعين الاعتبار أن العلاج السلوكي وتعديل السلوك هو علاج للأعراض (The Symptoms)، وليس للأسباب أو لجذور المشكلة، ولا دخل للمعالج السلوكي بأحداث الطفولة، أو بالصراعات النفسية، أو بالوراثة، ويمكن للمعالج التنبؤ بالسلوك قبل حدوثه ومن خلال معرفة المثيرات التي تؤدي إلى حدوثه، ومن ثم يمكِّن ذلك من السيطرة والتحكم بهذا السلوك أو تعديله. إن السلوك حسب المعالجين السلوكيين محكوم بتوابعه (Consequences) أو عواقبه. ويرى العالم (Kanfer. F. H.)، أنه لا بد من تحليل السلوك وتحديد الأحداث المثيرة السابقة (Prior Stimulation) (سوابق السلوك)، وكذلك تحديد لواحق السلوك المراد تعديله وغير المرغوب فيه مثل العدوان أو إيذاء الذات، أو الإفراط في الطعام، أو قضم الأظافر، أو حدوث صراخ وبكاء… إلخ؛ أي على المعالج تحديد الظروف البيئية المرتبطة بالسلوك المستهدف (Target behavoir)، وما الذي يستثيره؟ هل هو منبّه لاستجابات منعكسة عصبية؟ أم هل هو منبّه لسلوك متعلم؟ ويجب تحديد المنبه من وجهة نظر الطفل (أو العميل) وليس من جهة الفرد الملاحظ، وكذلك الانتباه إلى المنبهات الخارجية والمنبهات البيئية الداخلية للفرد، ولدور البيئة الاجتماعية في قيام سلوكات مناسبة مثلاً: إن سماع جرس المدرسة يعني الذهاب إلى الفصل، وزجر الأم أو المعلم إشارة إلى عواقب سلبية، ويمكن لهذه العواقب أن تحدث إذا لم يغيِّر الطفل سلوكه. وفي تحليل سلوك الطفل لابد من الاهتمام بالحالة البيولوجية للطفل (Biological state)، وذلك لمعرفة السلوك الذي يتوقع أن يقوم به الطفل أهو في حدود الطاقة البيولوجية للطفل، مثل مرور وقت طويل على آخر وجبة طعام والطفل في حالة جوع، أو مثانة الطفل ممتلئة وفي حاجة إلى الإخراج، أو أن الطفل يتناول عقاراً مهدئاً، أو أنه متعب… مما قد يؤثر في استجابته أو دوافعه، وفي سلوكه الاجتماعي، واللغوي، والحركي… ومما لا شك فيه أن المعززات تعمل على حدوث الاستجابة، والاستجابة لا تحدث في غياب عواقب معينة أو غياب إشارات تدل على توافر المعززات، وهذه العواقب تؤثر في تعلم استجابات جديدة، والمدعمات أو المعززات تشمل السلوك الاجتماعي والتعبيرات اللفظية للناس وملامح الجسم وحركاته والإقلال من العواقب المنفِّرة، لذلك تجمع البيانات في التحليل السلوكي من خلال تقارير الوالدين، والمعلمين، وملاحظة الطفل وبالاعتماد على التقارير الذاتية، وملاحظات الوالدين عن أطفالهم، وقد تستخدم جداول مسح الخوف، وقوائم التعزيز، واختبارات التأكيد الذاتي، واستبيانات الإرشاد الزواجي، والإرشاد العائلي، كما يستخدم أحياناً عداد المعصم (Wrist Counter) لتسجيل عدد مرات حدوث سلوك معين لدى الطفل مثل العدوان أو نتف الشعر، أو قضم الأظافر… كما يستفاد مما أشرنا إليه سابقاً في تشخيص حالات التوحد من استخدام الكاميرات للملاحظة غير المباشرة، وتسجيل أفلام حول الطفل، والاستمارة التالية هي نموذج لتسجيل سوابق السلوك ولواحقه، والذي يقوم به الطفل (س).
إن جماعة العلاج السلوكي وتعديل السلوك يعتبرون الأمراض النفسية والاضطرابات السلوكية عبارة عن عادات خاطئة تعلّمها الإنسان من خلال خبرات خاطئة في حياته، وبالإمكان إزالتها وعلاجها بالاعتماد على قوانين الإشراط في التعلم وعلى العلاقة بين المثيرات والاستجابات، ودور المعززات الإيجابية والسلبية. وقد وجد العالم ألبرت إليس (Albert Ellise) أن سلوك الفرد هو محصلة تفاعل بين مثيرات بيئية، والفرد، وردود الأفعال أو الاستجابات ومن بينها تفسير الفرد أو عَزْوِه لحدوث السلوك (Internal and External Locus of control)، وإن تفكير الفرد اللاعقلاني وحديثه الداخلي (Self talking) هما من أساليب التعلم الخاطئة في الطفولة، وهي المسؤولة عن الاضطرابات السلوكية لدى الأطفال والكبار. وتأثر لوفاس بالعالم ألبرت بندورا (A. Bandura) صاحب نظرية التعلم الاجتماعي (Social Learning) الذي يرى أن السلوك الإنساني متعلم عن طريق الملاحظة والتقليد أو المحاكاة أو النمذجة (Modeling)، والنماذج المثالية سيكون لها دور كبير في تعديل سلوكات الطفل غير المناسبة أو تغييرها. إن السلوك المضطرب هو بسبب تعلم خاطئ عن طريق التقليد، ومشاهدة الآخرين يقومون بذلك، (البرامج والمسلسلات الفضائية…)، والنمذجة كما سنرى هي إجراء علاجي يمكن أن يزيد من حدوث السلوك المرغوب فيه، وعادة يعطى الفرد تعليمات لفظية خلال ملاحظته للنموذج ولإثارة دافعيته إلى التعلم السريع، ويؤثر في ذلك ذكاء الفرد وقدراته وبيئته. وسنرى فيما بعد أن العالم (لوفاس) قام بتطبيق طريقة النمذجة في التعلم الاجتماعي، وطريقة تشكيل السلوك لسكنر في علاج حالات التوحد.
هذا وقد وجد العديد من المعالجين السلوكيين إمكان تعديل السلوك بالاعتماد على فك العلاقة الإشراطية بين المثير والاستجابة، ثم إعادة الإشراط عن طريق إدخال مثيرات جديدة (الإشراط، وفك الإشراط، وإعادة الإشراط بشكل صحيح) (Conditioning, deconditioning, Reconditioning).
كما استخدم جوزيف ولبي (J. Wolpe) مؤسس العلاج السلوكي، طريقة التحصين المنظم في تعديل السلوك (Systematic desensitization)، والتي تعتمد على عملية الكف المتبادل للاستجابات (Reciprocal Inhibition) في علاج المخاوف المرضية، والقلق، والاضطرابات السلوكية. وأشار إلى بناء مدرج القلق (Construction of anxiety Heirarchies) واختيار الاستجابات المضادة للسلوك المضطرب.
التعاقد السلوكي: (Behavioral Contracting):
أول من تحدث عن التعاقد السلوكي في عمليات العلاج وتعديل السلوك هو لويد هوم (L. Homme)، وذلك في كتابه التعاقد السلوكي في غرفة الصف. والتعاقد السلوكي هو عبارة عن اتفاقية مكتوبة توضح العلاقة بين مهمة الفرد المتعالج، والمكافأة التي يحصل عليها بسبب ذلك. وباختصار هي اتفاق بين طرفين تحدد شروطه عن طريق التفاوض، ويتعهد الطرف الأول (المريض أو الطفل) بتأدية مجموعة متسلسلة من السلوكيات (Behavioural Chain) أو من الحلقات (Links) تؤدي إلى هدف محدد تحليل المهمة (Task analysis)، والطرف الآخر (المعالج..) يتعهد بتعزيز هذا السلوك حسب الشروط المتفق عليها بين (المعلم والتلميذ)، (الأهل والطفل)، (المعالج والمريض)،… ويتضمن العقد وصفاً كاملاً للسلوك الحالي، ووصفاً واضحاً ودقيقاً للسلوك المستهدف، وكيفية تقديم التعزيز، وطريقة إيصال المعزز، ومعايير التقييم (إتقان عملية التعلم أو التدريب في أداء السلوك المرغوب فيه)، والاتفاقية تتضمن كما ذكرنا خطوات متسلسلة ومترابطة تؤدي إلى تحقيق السلوك المطلوب، مع مراعاة ظروف الفرد (الطفل) وقدراته، ويفيد هذا الإجراء في تنمية مهارة الإنجاز، والحصول على المكافأة عوضاً عن الطاعة، وتنمية الاستقلالية (إذا أنهيت كذا وكذا من الأعمال أو الخطوات فإنك ستنال كذا وكذا من معززات أو مكافآت…)، ويشترط في الاتفاقية أن تكون جدية، مع عدم التساهل في تنفيذها، وهي تصلح للراشدين ولكبار الأطفال، وكذلك لحالات الإرشاد الزواجي، والإرشاد الأسري…
قياس عدد مرات حدوث السلوك غير السوي، وتحديد الخط القاعدي: (Baseline)
أشرنا سابقاً في حديثنا عن العلاج الطبي – الدوائي لحالات التوحد إلى ضرورة قيام المعالج، أو الطبيب، أو الاختصاصي بتحديد الخط القاعدي لعدد مرات تكرار السلوك المضطرب لدى الطفل، وذلك لمعرفة شدة الأعراض قبل العلاج وبعده، ومن ثم الوقوف على مدى فاعلية العلاج، وعادة يتم تسجيل عدد مرات حدوث السلوك في فترة زمنية محددة، وبالاعتماد على الملاحظة (observation) المباشرة أو غير المباشرة التي تعتمد على التصوير والأفلام وغير ذلك. ولا بد من تدريب الملاحظين لهذا الغرض (observer training)، والتأكد من من ثبات الملاحظة، وتحديد مصادر الخطأ فيها، ويتم ملاحظة السلوك المستهدف وعدد مرات حدوثه، وشدته، ومدته (The duration)، والملاحظات حوله… ومن أجل أن تكون الملاحظة ثابتة وموضوعية يفضل اختيار أكثر من شخص واحد للملاحظة؛ وذلك من أجل تحقيق الصدق والثبات والموضوعية، ولأن الملاحظ إنسان، واحتمال الخطأ وارد لديه، ويجب مقارنة نتائج ملاحظة الشخص الأول بنتائج ملاحظة الشخص الثاني، ومعرفة نسبة الاتفاق بينهما.
وحسب العالم (Cooper, J. O) فإن نسبة الاتفاق بين الملاحظين إذا بلغت نحو (80%) فأكثر اعتبرت الدلالة قوية وثابتة، أما إذا كانت النسبة أقل فهذا يعني أن تعريف السلوك المستهدف لم يكن واضحاً لدى الملاحظين، أو أن الملاحظ بحاجة إلى تدريب، ومن ثم ضرورة إعادة النظر. ويجب عند الملاحظة الانتباه إلى ردود فعل الفرد (الطفل) المراد قياس سلوكه بوجود الملاحظين، ودرجة وضوح الملاحظة، ولأن السلوك كلما كان واضحاً لا يستطيع الفرد إخفاء هذا السلوك، كما يجب إخفاء هوية الشخص الملاحِظ، والالتزام بملاحظة سلوك محدد دون غيره. وبعد ذلك يتم تحديد الخط القاعدي (Baseline) الذي يعطينا فكرة عن مدى فاعلية العلاج، ويتم عادة قياس السلوك المستهدف عدة مرات وخلال فترات زمنية محددة، والاستمرار في ذلك حتى يصبح السلوك (وكما يشير الخط البياني) شبه ثابت نسبياً، ويكون السلوك قد استقر في تكراره، وعندها يقف المعالج عن محاولات العلاج،
ويكون هناك دليل على أن التغير الذي حدث في السلوك هو وظيفة المتغير المستقل (Variable Independent)
وليس أي متغير تابع، وطريقة العلاج هي المسؤولة عن التغير في السلوك (انظر الأشكال التالية للخط القاعدي).
مثلاً: تمَّ ملاحظة سلوك عدم الاستجابة لنداء الآخرين بالاسم (باسم الطفل) محددة، وهو عدد مرات حدوثه بالدقيقة الواحدة، ويساوي عدد مرات تكرار السلوك مقسوماً على مدة الملاحظة. مثلاً إذا حدث السلوك عشر مرات في مدة (20) دقيقة، يكون معدل حدوث السلوك هو (10/20) ويساوي (0.5) نصف استجابة في الدقيقة الواحدة، ونسبة حدوث السلوك تساوي مدة السلوك مقسوماً على مدة الملاحظة مضروباً بمئة، ويمكن تقسيم الملاحظة إلى فترات؛ كل نصف ساعة مثلاً؛ أي يتم تحديد السلوك عند انتهاء الفاصل الزمني.
وقد اتبع (لوفاس) طريقة مكافأة الطفل عن كل سلوك مرغوب فيه، أو على عدم ارتكاب السلوك السيئ، كما يتم عقاب الطفل (والحزم) وقول المعالج (قف، لا)، وعدم إعطاء الطفل أي شيء يحبه إذا قام بالسلوك السلبي. والعقاب يكون إيجابياً إذا تمَّ تقديم شيء منفِّر للطفل بعد قيامه بالسلوك غير المرغوب فيه، أو يكون سلبياً إذا تم إزالة معزز إيجابي أو حرمان من امتياز ما، مع ملاحظة أن الدراسات حول العقوبة تؤكد أن العقوبة تؤدي إلى كف الاستجابة أو السلوك (Inhibition)، ولكن السلوك يعود ثانية بعد زوال العقوبة، كما أن العقوبة لا تؤدي إلى تغيير السلوك، وكان (لوفاس) يعتمد في علاجاته لحالات التوحد على عملية تشكيل السلوك والنمذجة، وتستغرق عملية العلاج نحو (40) ساعة أسبوعياً، ولمدة نحو سنتين وبطريقة مكثفة ومكلفة مادياً.
طريقة تشكيل السلوك في علاج حالات التوحد (Shaping of behaviour)
يرى لوفاس أن طريقة تشكيل السلوك تعتمد على عملية الإشراط الإجرائي وعلى تجارب العالم سكنر في استخدام الصندوق لتشكيل سلوك الحمام. وقد أشار سكنر إلى أن الإشراط الإجرائي تؤثر فيه مجموعة عوامل هي: الدافعية لدى الفرد (Motivation) والتي هي طاقة أو حالة داخلية تدفع الفرد نحو القيام بسلوك ما للحصول على شيء ما، ثم عامل الانفعال والاستثارة الداخلية والشعور مثل حالة البكاء عند الخسارة، أو عند العقوبة، ثم عامل التعزيز الإيجابي والعقاب وحالة الكف والانطفاء للسلوك أو الاستجابة. وفي عملية تشكيل السلوك يتم تعزيز الاستجابات الصحيحة، التي تقترب تدريجياً من السلوك النهائي المستهدف، ويتم عدم التعزيز في حالة الانحراف عن السلوك، وعملية التشكيل تسهل عملية التعلم لدى الأطفال وخاصة المتخلفين عقلياً، والفصاميين، ومضطربي السلوك. مثال: (السلوك المستهدف هو دمج الطفل مع الآخرين للعب معهم)، وفي هذه الحالة يتم وضع برنامج بسيط مكون من مجموعة من الاستجابات تقترب تدريجياً من السلوك النهائي المستهدف. ويتم تعزيز كل خطوة في البرنامج إلى أن يتمكن منها الطفل، ثم الانتقال إلى الخطوة التالية، بحيث يتم تعزيز الخطوة الأولى والثانية معاً، ثم الخطوة الأولى والثانية والثالثة معاً، وهكذا إلى أن يتم تعزيز كل خطوات البرنامج مرة واحدة وبعد الأداء الصحيح من الطفل، وبشكل يعتمد على أسلوب التقرب التدريجي (Successive approximation).
مثال على هذا البرنامج: (التشجيع على مهارة اللعب):
– نقل الطفل إلى مكان فيه عدد من اللاعبين الصغار (الأقران).
– النظر إلى اللاعبين من بعيد.
– النظر إلى اللاعبين من قريب.
– التحدث مع أي منهم.
– أخذ شيء من ألعابهم.
– اللعب معهم (السلوك المستهدف).
– تقديم المعزز (من المدرب ومن الأقران).
والتشكيل يبدأ بما لدى الطفل (أو الفرد) من سلوكيات يراد تطويرها، ويستمر التعزيز في كل إضافة إيجابية، والتي ستؤدي في النهاية إلى تكوين السلوك المطلوب المراد تشكيله، وتعتمد عملية التشكيل على التقريب المتتابع وذلك حسب طاقة الطفل ومهاراته ودافعيته، فلا يتم الانتقال إلى الخطوة التالية إلا بعد استيعاب الخطوة الأولى السابقة، وفي حالة التتابع التدريجي يلقى الطفل المعزز بعد الخطوة الأخيرة الصحيحة، وإذا كان الطفل يتعلم بسرعة تقل الخطوات التتابعية والعكس، وطفل التوحد يحتاج إلى وقت أطول وخطوات أكثر، كما تعتمد عملية التشكيل على التسلسل.
مثال: (تعليم الطفل سلوك ارتداء الملابس) والالتزام بالخطوات التالية:
– ارتداء الملابس الداخلية (تغيير الملابس).
– ارتداء البنطلون.
– ارتداء القميص.
– ارتداء الجوارب.
– انتعال الحذاء.
– تقديم المعززات.
ويمكن تخفيف التعزيز بعد أن تعلم الطفل ذلك، وعملية التعزيز هنا تربط بين الخطوات المتتالية والمنظمة مما يؤدي إلى تماسك خطوات السلسلة. وفي تشكيل السلوك لابد من تحديد السلوك النهائي المستهدف، وتحديد السلوك المدخلي الذي نبدأ به (Introductory Behaviour)، ويتم تحديد ذلك من خلال ملاحظة الطفل واختيار بعض استجاباته القريبة من السلوك المستهدف. مع اختيار معززات فعالة يفضلها الطفل، ثم البدء بتدريب الطفل، وإذا توقف الطفل أو شرد ذهنه يمكن تشجيعه وتحفيزه (ماذا بعد ذلك؟ استمر…) وفي حالة الإخفاق وعدم استجابة الطفل، يقوم المعالج بإعطاء المعلومات الضرورية، وتمثيل العملية بالحركات اليدوية لمساعدة الطفل، ومن الضروري تقديم المساعدات الجسدية والمعلومات الإضافية في تصحيح الأخطاء التي يرتكبها الطفل، ويجب أن لا تقدم المساعدة بحيث تخلق اعتمادية الطفل على المعالج.
والانتقال من خطوة إلى أخرى يعتمد على درجة إتقان الطفل للخطوات السابقة، ومهارته في الأداء. ثم ضرورة انتقال ما يتعلمه الطفل إلى الأسرة والمدرسة والمجتمع والنادي وغير ذلك.
ويفضل عدم الانتقال السريع من خطوة لأخرى، والتقدم بخطا صغيرة كافية ولكي لا تمّحي، وإذا أخفق المعالج في تشكيل السلوك عليه العودة إلى السلوك السابق. وفي حالات علاج حالات الأطفال غير اللفظيين (الذين لا يتكلمون وضعيفو التواصل اللغوي) (Non – Verbal) يكون التسلسل الشائع في البرنامج العلاجي على النحو الآتي:
– يتعلم الطفل الانتباه إلى المعلم وعدم مقاطعته والجلوس على المقعد بهدوء.
– ثم يتعلم تقليد السلوك غير اللفظي، بدءاً من الحركات مثل التصفيق، إلى استخدام الفم.
– تقليد الألفاظ مع قرنها بالإيقاع، أو بالحركات، أو الموسيقا.
– تعلم اللغة لأداء بعض الوظائف الحياتية، أو مع قرنها بالصور، أو الأشكال.
– التواصل اللغوي مع الآخرين.
– تقديم المعززات.
وعلى سبيل المثال في حالات الأطفال الذين يصرون على عدم وضع النظارة الطبية مما يضر بنظرهم صحياً، يمكن الاستعانة بمخطط تشكيل هذا السلوك على النحو الآتي:
– يوضع أمامه صور لأطفال يضعون النظارات على أعينهم (نموذج).
– وضع عدد من النظارات (الإطارات فقط) على مقربة من الطفل للعب بها وتلمسها.
– الاقتراب من الإطارات وإمساك واحدة منها.
– تقريب الإطار من العينين.
– وضع النظارات على عيني الطفل، ثم التعزيز.
وهذا يعتبر شرطاً للحصول على المعزز والحصول على ما يرغب من طعام، أو لعب، وقد وجد أن بعض الأطفال تمكنوا من الاحتفاظ بالنظارة فوق أعينهم لمدة نحو (12) ساعة، وثمة مثال أيضاً على تدريب الطفل وتشكيل سلوكه، وتحليل المهمة التي سيكلف بها الطفل؛ والسلسلة السلوكية، والبرنامج التالي لتدريب الطفل على دخول الحمام وقضاء حاجته.
– الدخول إلى الحمام.
– الوقوف أمام المرحاض.
– خفض الملابس وفك الأزرار.
– قضاء الطفل حاجته.
– استعمال الفوطة للنظافة.
– رفع الملابس.
– تنظيف اليدين.
– الخروج من الحمام.
– أخذ المعزز.
مثال آخر على تدريب الطفل على غسيل يديه قبل الطعام:
– الوقوف أمام المغسلة.
– فتح الحنفية.
– تبليل اليدين بالماء.
– الإمساك بالصابونة.
– فرك اليدين.
– إعادة الصابونة إلى مكانها.
– غسل اليدين بالماء.
– إغلاق الحنفية.
– حمل المنشفة وتنشيف الأيدي.
– إعادة المنشفة إلى مكانها.
– التعزيز.
وفي مثل هذه التدريبات يتم تعزيز كل خطوة من الخطوات في بادئ الأمر، وحتى يتم إتقان أداء المهارة، حيث يتم تعزيز كل الخطوات (أو الحلقات السلوكية) مرة واحدة، وذلك إذا قام الطفل بأداء هذه الخطوات بشكل صحيح.
طريقة النمذجة (Modeling):
استخدم (لوفاس) أيضاً طريقة النمذجة للعالم ألبرت بندورا (A. Bandura) صاحب نظرية التعلم الاجتماعي، وفي هذه الطريقة العلاجية يقوم الطفل بملاحظة نموذج حي أمامه (Live modeling) وتقليده لدى قيامه بسلوك ما، أو تقليد نموذج رمزي (Symbolic Modeling)، ويقوم المعلم والوالدان والاختصاصي… بتعليم الطفل كيف يؤدي هذا الشيء، مثل تعليم الطفل مهارة غسل اليدين، أو الأسنان، أو ارتداء الملابس… وغير ذلك، إن الطفل يكون مدفوعاً في عملية التعلم بتأثير قوى داخلية معرفية وخارجية بيئية، والإنسان ليس مستجيباً فقط للعوامل البيئية بل هو قادر على الإبداع. إن كثيراً من أشكال السلوك السوي أو غير السوي يتكون بفعل التعلم من الآخرين عن طريق الملاحظة والمحاكاة والتقليد… وهذه الطرق تعلِّم الفرد أنماطاً مختلفة من السلوك الاجتماعي من بينها العدوان، والخوف المَرَضي، وأنماط السلوك الخاصة بالجنس… ويمكن تطبيق هذه الطرق في تعلم اللغة والمهارات العقلية والحركية والاتجاهات والقيم والعادات الاجتماعية… وفي موقف النمذجة لابدَّ من توفر بعض العناصر مثل: الانتباه (Attention) إلى النموذج الذي يستعرض السلوك، وإلى السلوك في حد ذاته، ومما يؤثر في انتباه الفرد المتعلم الجاذبية المتبادلة بين الأفراد، من رعاية، وتقبّل، ودفء المشاعر، وكفاءة النموذج، وكذلك عنصر الذاكرة (البصرية)، والاحتفاظ بالخبرات (Retention)، حيث لابد من الاحتفاظ بمادة التعلم، ولا بد من ترجمة المخزون في الذاكرة إلى سلوك ملائم، ثم عنصر الدافعية معتمداً في ذلك على البواعث والمعززات. والإنسان يتعلم بالتقليد وخاصة اللغة والمهارات العقلية والحركية، كما يتعلم بالملاحظة وبالنموذج، ومن خلال التفاعل الاجتماعي مع الآخرين، وكذلك التعلم المتبادل الذي يعتمد على نتائج السلوك الإيجابية والسلبية.
وهناك أشكال للنمذجة؛ مثل النمذجة الحية (Vivo Modeling)، ونمذجة رمزية تصورية (Symbolic or Imaginal)، ونمذجة من خلال الأفلام والمسلسلات، والكتب، ومن خلال مشاركة الآخرين (الأنموذج)، وتفيد هذه كلها في تطوير المهارات الاجتماعية والتواصل الاجتماعي، مثلاً كما في تدريب الطفل على الاستجابات الاجتماعية الحياتية المناسبة.
هذا وقد أوضح العالمان أزرين وفوكس (Fox and Azreen) أن هذا النمط من الإشراط الإجرائي والنمذجة يسَّر كثيراً تدريب الأطفال على عملية الإخراج، وخاصة لدى الأطفال المتخلفين عقلياً والمضطربين. وتضمن منهج العلاج بالنمذجة (دمية على شكل طفل صغير ملابسه مبللة ويقوم الطفل بتعليم الدمية الاستخدام الصحيح للمرحاض بالطريقة نفسها التي يتعلم هو بها)، ويعطى الطفل مشروبات إضافية لزيادة معدل التبول ثم يتعلم من خلال التعليمات، والتشكيل والنمذجة، الإجراءات الكاملة من خلع الملابس، وقضاء الحاجة، والتنظيف، ويعزز سلوك الطفل كلما كانت ملابسه جافة، ومن الضروري تفرغ أحد الوالدين لهذا الغرض، وكان طفل (أزرين) و(فوكس) يتدرب يومياً في حدود أربع ساعات، ولمدة يوم أو أكثر أسبوعياً، وقد استطاع (كونر) أن يعدل السلوك الاجتماعي الانطوائي (العزلة الاجتماعية) لدى أطفال الحضانة، إلى سلوك أكبر من حيث التفاعل الاجتماعي النشط والإيجابي وذلك عن طريق عرض فيلم يظهر تفاعلات اجتماعية إيجابية لأطفال من العمر نفسه، في الوقت الذي يؤكد فيه صوت الفيلم السلوكَ المناسب للنماذج، وكذلك تم تعديل السلوك الاجتماعي الانطوائي لدى الأطفال عن طريق تعريضهم لنماذج من أطفال يظهرون سلوكات اجتماعية جيدة من حيث الأخذ والعطاء والتواصل مع الآخرين، ومن المفضل أن يكون الأنموذج مشابهاً للطفل (للعميل)، كما يفضل أن لا يكون الأنموذج كامل الهدوء عند اقترابه من موضوع الخوف؛ لأن ذلك يبدو غير واقعياً للطفل، ويمكن استخدام طريقة أداء الدور، والسيكودراما، وتفيد النمذجة في تعليم الطفل الاستجابات الاجتماعية المناسبة مثل:
– التحية والسلام.
– التحكم في نبرات الصوت.
– الاتصال البصري الملائم.
– الاستجابة بالغضب.
– الاستجابة بالإعجاب والتودد.
– الاستجابة بالرضا والتقبل أو السعادة.
– الاستجابة بالإدهاش (الطفل المدهوش).
– الاستجابة بالسرور.
– الاستجابة بالأسى أو الحزن.
– الاستجابة بالتجنب والاكتئاب.
– الاستجابة بالرفض والدفاع عن الحقوق.
– الاستجابة بتأكيد الذات.
– الاستجابة بالنفور أو الكراهية.
ويمكن الاستعانة بالصور للتدريب على التعبيرات الانفعالية وبعض الحالات الجسمية، وتعبيرات الوجه.