التصنيفات
صحة ورعاية الطفل

التيفوئيد Typhoid fever: مرض الأيدي المتسخة والمياه الملوثة

تعتبر حمى التيفوئيد Typhoid fever من أكثر الأمراض الانتقالية، سريعة العدوى والانتشار، والتي سادت في العقود الأخيرة من القرن الماضي، وبنسب متفاوتة بين بلد وآخر، وخصوصاً في بلاد ما سمي فيما مضى بالعالم الثالث، أو البلاد التي هي في طور النمو حالياً؛ بينما لا نرى وجوداً لهذا المرض (إلا في حالات فردية منقولة من بلد آخر) في البلاد المتطورة علمياً والمتقدمة في الخدمات الصحية والتنمية الإنسانية. ويعود ذلك إلى المراقبة الدقيقة لمصادر مياه الشرب ومنشآت الصرف الصحي والمحافظة على القواعد العامة للنظافة وتدوير النفايات ومراقبة المأكولات وتعقيم الحليب ومشتقاته، إلى المراقبة الدقيقة لنظافة اللحوم، مزروعات الخضار ومزارع الدواجن، وكل ما له علاقة بطعام الإنسان ونظافته الشخصية.

يعرف التيفوئيد بمرض الأيدي الوسخة وينتج في الأساس عن تلوث المياه (مياه الشرب ومياه الاستعمال) والأطعمة (من خضار وفاكهة والحليب ومشتقاته) وأصناف اللحوم والدواجن كافة، ومنها الدجاج بخاصة، الذي يتعرض للعدوى بجرثومة التيفوئيد المتواجدة في براز وبول ودم المريض، أو بعض الأفراد ذوي المناعة القوية الذين يحملون الجرثومة ولا يصابون بها، ولكن ينقلونها إلى غيرهم، وينتمي هؤلاء إلى مجموعة «حاملي الجرثومة الأصحاء».

تشير إحصاءات فرنسية حديثة إلى وقوع أكثر من 17 مليون إصابة، وأكثر من ستمائة ألف حالة وفاة سنوياً في أنحاء العالم كافة جراء هذا المرض، الذي يصيب الكبار والصغار على السواء.

أما الجرثومة المسببة للمرض فهي من النوع البكتيري، ومن فئة العصيات (Bacillus) وتنتمي إلى عائلة السلمونيلات (Salmonella)، التي تتفرع منها كذلك فئات أخرى تدعى باراتيفوئيد (paratyphoid) وتؤدي إلى أمراض مشابهة أو أخف وطأة من التيفوئيد، أو حالات تسمم غذائي.

ما هي علامات الإصابة بالتيفوئيد؟

• من علامات مرض التيفوئيد وجود حمى شديدة ودائمة (39 إلى 39.5 إلى 40 درجة وما فوق في كثير من الأوقات) تمثل العلامة الرئيسة الأولى التي يعانيها المريض، نظراً لمداومتها لأيام عديدة تتجاوز الأسبوع أو حتى الأسبوعين في حال غياب التشخيص، وللفترات التي ترتفع فيها الحرارة، إذ تشتد خلال فترات بعد الظهر والمساء، الأمر الذي يؤرق المصاب ويصيبه بحالات من الصداع الحاد، مع غثيان واضطراب في الوعي يصل إلى حد الهذيان في بعض الأحيان.

• يرافق هذه العلامات المرضية، عوارض عامة: إسهال أو إمساك، وهن شديد، دوار، وغياب الشهية للطعام والشحوب.

• علامات شبه نوعية في تغير لون غشاء اللسان الذي يصطبغ بطبقة بيضاء اللون، نزف من الأنف، أو طفرة زهرية اللون في أماكن محددة من الجسم في حالات نادرة.

• من اشتراكات المرض: النزف المعوي، التهاب سحايا الدماغ وإصابة المرارة بالالتهاب الحاد.

• يحتاج تشخيص المرض إلى إجراء فحوصات مخبرية وتحاليل نوعية في الدم، زرع البراز، الدم والبول، للبحث عن جرثومة التيفوئيد بهدف إثبات التشخيص ومعالجة المريض بشكل فعال، تفادياً للاشتراكات الخطيرة. وأصبح من الضروري في عصرنا الحاضر، التنبه إلى إمكانية إظهار جرثومة التيفوئيد مقاومة قوية للعديد من المضادات الحيوية، التي فقدت فعاليتها مع مرور الزمن، نظراً للاستهلاك العشوائي لهذه الأدوية من قبل الناس في حالات مرضية أخرى ودون وصفة طبية في كثير من الحالات؛ ما يضطر الأطباء لمعالجة التيفوئيد بأدوية بالغة الفعالية وباهظة الثمن في آن، مع ما يعتريها من عوارض جانبية مزعجة للمريض أحياناً.

ما هي سبل الوقاية؟

1. من أهم سبل الوقاية من الإصابة بالتيفوئيد، المحافظة على القواعد العامة للنظافة: على المستوى الفردي، من المهم كسب عادة غسل الأيدي جيداً بالصابون، لاسيما قبل تناول الطعام وعند الخروج من المرحاض مع المحافظة على نظافة الأظافر وتقليمها بشكل دوري ودائم.

2. تشكل مياه الشرب الملوثة، سبباً أساسياً للعدوى ببكتيريا التيفوئيد وانتقالها، لذلك من الضروري التأكد من سلامة مياه الشرب والسهر على تعقيمها وليس تكريرها فحسب، وبخاصة لدى الأطفال والأولاد، وذلك من خلال وضعها على نار حامية وغليها لمدة ربع ساعة، أو وضعها في زجاجات شفافة وتعريضها لأشعة الشمس لمدة ساعتين على الأقل، أو إضافة محلول معقم للمياه بمعدل خمس نقاط لكل ليتر من الماء.

3. من المهم أيضاً غسل الخضار والفاكهة وتنظيفها جيداً بالصابون، أو نقعها في سائل معقم من خلال إضافة قرصين من المعقم لكل خمسة ليترات من الماء حيث تنقع فيها الخضار والفاكهة لمدة نصف ساعة قبل استهلاكها.

4. إلى ذلك يشكل الدجاج مصدراً مهما للعدوى بهذا المرض، لذا يفضل طهيه بشكل جيد والتأكد من سلامة البيض لعدم فساده قبل الاستعمال.

5. من الضروري كذلك حفظ الألبان ومشتقاتها (أجبان، قشدة، كريما، كوكتيل…) في البراد على درجة الحرارة المناسبة، والانتباه إلى مدة صلاحيتها وسلامة طريقة حفظها قبل الشراء.

6. ومن المصادر المهمة والمسببة للعدوى أيضاً، المأكولات المعروضة في الشارع (مثل التين، التوت، الفريز، الكعك…) والتي تتعرض أولاً للفساد وثانياً للعدوى من خلال اللمس بالأيدي الوسخة عند الانتقاء، أو من خلال الذباب أو الحشرات.

7. ينطبق التقيد بهذه المعلومات أيضاً على كل مسؤول عن تحضير أو تأدية خدمات غذائية في المطاعم والمدارس والثكنات العسكرية والسجون وغيرها، يضاف إليها إلزامية ارتداء القفازات وقبعة الرأس لمنع انتقال العدوى إلى المجموعات.

8. أخيراً، يتوافر حالياً لقاح ضد حمى التيفوئيد بفعالية عالية نسبياً (70 إلى 80 %)، إذ يؤمن مناعة تدوم لمدة ثلاث سنوات، ويعطى اللقاح ابتداء من عمر السنتين من خلال حقنة في العضل.