لا يحتاج أغلب الأشخاص المصابين بسلس البراز – ولله الحمد – إلى الجراحة، إلا أننا قد نلجأ إلى هذا الخيار عندما تخفق أساليب المعالجة الأخرى ويبقى السلس شديدا ومعيقا. وقد تكون الجراحة مفيدة في الحالات التي يكون فيها السلس ناجما عن إصابة في قاع الحوض أو القناة الشرجية أو المصرتين الشرجيتين (قد يكون ذلك بسبب تمزق في أثناء الولادة أو كسر ما أو عملية سابقة).
وهناك العديد من الإجراءات الجراحية التي يمكن القيام بها بدءا من إصلاح المنطقة المتضررة إلى تلك الجراحات الأكثر تعقيدا والتي تستبدل فيها المصرتان الشرجيتان بمصرتين اصطناعيتين أو بعضلات من جزء آخر من الجسم؛ ولا بد من الإشارة إلى أن جراحة سلس البراز غير خالية من المضاعفات، إلا أنها مع ذلك كثيرا ما تكون فعالة في أنواع معينة من سلس البراز.
رأب المصرة Sphincteroplasty
هو إجراء جراحي يهدف إلى إصلاح المصرة الشرجية المتأذية أو الضعيفة، وهو أكثر الإجراءات الجراحية شيوعا في معالجة سلس البراز، ويكون إجراء فعالا في الحالات التي تكون فيها إصابة المصرة الشرجية في مكان واحد، كالتمزق الذي يحدث في أثناء الولادة المهبلية، حيث يؤدي ذلك التمزق أو الانقطاع في حلقة العضلات التي تكون المصرة الشرجية الظاهرة إلى منع هذه العضلة من الإغلاق بشكل محكم وكاف لإبقاء البراز في مكانه.
ولذلك، يقوم الجراح في أثناء رأب المصرة بالتعرف إلى منطقة الإصابة في العضلة، ويحرر حوافها من الأنسجة المجاورة، ثم تضم حواف هذه العضلة مرة أخرى وتخاط مع بعضها البعض بشكل متداخل مما يحدث حلقة عضلية كاملة، ويعيد للشرج شكله الطبيعي، ويؤدي ذلك في المحصلة إلى تقوية العضلات وشد المصرة.
ويقوم بهذه الجراحة عادة جراح القولون أو المستقيم أو طبيب الأمراض النسائية البولية أو جراح الأمراض النسائية؛ وقد يضطر المريض للبقاء في المستشفى عدة أيام وربما لشهر أو أكثر قبل أن يعود إلى ممارسة أنشطته الاعتيادية؛ كما يحتاج المريض في العادة إلى الاستعانة بقثطار Catheter من أجل التبول في الأيام القليلة الأولى.
وقد يعاني المريض خلال فترة الإفاقة من بعض الانزعاج والتكدم والتورم في مكان الجرح؛ ومن الضروري اتباع تعليمات الطبيب بدقة حول كيفية تنظيف الجرح والاعتناء به، وذلك تجنبا لحدوث العدوى.
وقد تصل معدلات نجاح هذه العملية إلى 80%، كما أن حوالي ثلثي الأشخاص الذين خضعوا لهذه العملية استفادوا بشكل حقيقي منها؛ إلا أن معدلات استمرار النجاح لفترة طويلة تقل لتتراوح ما بين 50-60%، لاسيما في الحالات المترافقة مع إصابة عصبية؛ كما أن حوالي نصف الأشخاص الذين خضعوا لهذه الجراحة سيعانون من السلس مرة أخرى، مما يعني الحاجة إلى إجراء جراحة أخرى أو ظهور مشاكل أخرى في عملية التغوط.
وقد لا يستطيع الشخص التحكم بشكل كامل بعملية التغوط حتى عند نجاح العملية، لذلك يمكن أن يقترح الطبيب المعالجة باستخدام الارتجاع البيولوجي بعد الجراحة، وذلك بهدف الوصول إلى تحكم أفضل بالمصرتين الشرجيتين.
المصرات الاصطناعية Artificial Sphincters
قد يقوم الجراح بتصنيع مصرة جديدة في الحالات التي لا يخفف رأب المصرة فيها من سلس البراز، أو عندما يكون ضرر عضلات المصرة الشرجية أو الأعصاب شديدا بحيث تفقد المصرة وظيفتها بشكل كبير أو كلي، ويكون ذلك من خلال وضع مصرة اصطناعية أو لف عضلة مأخوذة من الفخذ حول المصرة الطبيعية.
وتتكون المصرة الاصطناعية من ثلاثة أجزاء، وهي: كفة (كم) قابلة للنفخ تلف حول الشرج وبالون لتنظيم الضغط ومضخة تحكم يجري بواسطتها نفخ الكفة، حيث تبقي هذه الكفة – بعد نفخها – المصرة الشرجية مغلقة بإحكام إلى حين الحاجة إلى التغوط، كما يوجد أنبوب صغير يزرع تحت عضلات البطن ويصل بين الكفة والبالون، ويحتوي ذلك البالون على سائل يحافظ على بقاء الكفّة منتفخة.
ويحتاج الشخص عند الذهاب إلى المرحاض إلى استعمال مضخة خارجية صغيرة ليفرغ الكفة، مما يسمح بطرح البراز؛ وتوضع هذه المضخة الموصولة ببالون تنظيم الضغط بواسطة أنبوب آخر صغير في الشفرين Labia عند النساء وفي الصفن عند الرجال. ولدى الضغط على المضخة، ينتقل السائل من الكفة إلى البالون، ثم يعود السائل بعد عدة دقائق ليملأ الكفة ببطء مما يغلق المصرة.
ولتجنب حدوث أية مشاكل من ناحية التئام الجرح، يجب ألا تنفخ الكفة إلا بعد عدة أسابيع من الجراحة. ومع أن أغلب الأشخاص ينعمون بتحسن في عملية التحكم بالتغوط بعد وضع المصرة الاصطناعية، إلا أنه لا يعلم مدى نجاح ذلك لفترة طويلة، كما قد تحدث الكثير من المضاعفات عقب الجراحة. وتعد العدوى أكثر المشاكل شيوعا وخطورة، وقد نضطر إلى إزالة هذه الأداة عند حدوث العدوى.
رأب الناحلة الديناميكي Dynamic Graciloplasty
كما هي الحال في جراحة المصرة الاصطناعية، فإننا نقوم في رأب الناحلة الديناميكي باستبدال عضلات المصرة الشرجية؛ وبدلا من وضع مصرة اصطناعية، يستخدم الجراح عضلة من جزء آخر من الجسم ليستعيض بها عن المصرة المتأذية؛ وقد يوصى بهذا الإجراء في الحالات التي لا تعمل فيها المصرة بسبب إصابة عصبية أو عضلية ما.
ويرجع اسم هذه الجراحة إلى العضلة التي يجري نقلها، وهي العضلة الناحلة Gracilis muscle التي توجد في الجزء الداخلي من الفخذ؛ وقد نستخدم في بعض الأحيان عضلة من الألية أو الساعد، ونقوم خلال هذا الإجراء بأخذ جزء من العضلة الناحلة ولفه حول الشرج على شكل معلاق Sling. وبما أن هذه العضلة المنقولة لا يمكنها التقلص أو الارتخاء، فإننا نقوم بغرس بطارية موصولة بالعضلة بواسطة أقطاب، وذلك للتحكم بالعضلة، ويؤدي ذلك إلى منع خروج البراز؛ أما عند الرغبة بإفراغ البراز، فيمكن إيقاف التنبيه الكهربائي باستخدام جهاز مغناطيسي خارجي.
ويشير 50-70% من الأشخاص الذين خضعوا لهذه العملية إلى حدوث تحسن في آلية التحكم بعملية التغوط؛ وكما هي جراحة المصرة الاصطناعية، فإن الرأب الديناميكي للناحلة جراحة كبرى تحمل مخاطر كبيرة. ومن المضاعفات التي قد تحدث العدوى حول الأقطاب أو في منطقة الشرج أو الفخذ، ومنها أيضا انفصال العضلة أو تآكلها، وحدوث خلل في آلية تفريغ المستقيم، وخلل وظيفة البطارية.
وقد يقوم الجراح بشكل مؤقت بفغر القولون Colostomy أو بفغر عروة من اللفائفي Loop ileostomy لتجنب تعريض الشرج للبراز في أثناء فترة الالتئام، حيث يجري التغوط بعد فغر القولون أو اللفائفي من خلال فتحة في البطن بدلا من المستقيم، وتغطى هذه الفتحة بكيس خاص يجمع فيه البراز، ثم تغلق الفتحة بعد الإفاقة من الجراحة ليعود بعد ذلك البراز إلى مجراه الطبيعي.
تنبيه العصب العجزي Sacral Nerve Stimulation
يعد التنبيه الكهربائي للعصبين العجزيين من التدابير الجديدة الواعدة في معالجة سلس البراز، حيث يمتد هذان العصبان من الحبل النخاعي إلى العضلات الموجودة في منطقة الحوض، ويقومان بتنظيم إحساس عضلات المستقيم والمصرتين الشرجيتين وقوتهما. ولقد اتضح في بادئ الأمر أن التنبيه الكهربائي المباشر للعصبين العجزيين يفيد في معالجة سلس البول، إلا أن الدراسات شجعت على استعمال ذلك في معالجة سلس البراز.
وقد يوصى بهذا النوع من المعالجة عندما تخفق المعالجات السلوكية والأدوية في التخفيف من سلس البراز، أو عند الأشخاص الذين ما زالوا يعانون من السلس بعد خضوعهم لجراحة لإصلاح المصرتين الشرجيتين. وتجدر الإشارة إلى أن تنبيه العصب العجزي يكون أكثر فعالية في الحالات التي تكون فيها المصرتان الشرجيتان سليمتين.
ويجري هذا الإجراء عادة في غرفة العمليات في المستشفى أو في العيادات الخارجية، حيث يعطى الشخص دواء مهدئا بالإضافة إلى مخدر موضعي في المنطقة المعنية، وذلك في الجانب الخلفي من الجسم تحت الخصر وفوق المنطقة التي يجلس عليها.
ويجري تنبيه العصب العجزي على مراحل؛ ففي البداية، يستعين الطبيب بجهاز الأشعة السينية للتعرف إلى مكان العصبين العجزيين في عظم العجز Sacrum (العظم المثلث الشكل الذي يقع في منتصف الحوض)، ثم تغرز إبرة في العصبين العجزيين اللذين يتحكمان بالأمعاء والمثانة وقاع الحوض؛ وتوصل هذه الأداة بجهاز خارجي يولد نبضات كهربائية تنبه الأعصاب؛ ويقوم الطبيب أثناء ذلك بمراقبة الاستجابات الحسية والعضلية لذلك التنبيه الكهربائي.
عندما تحدث الاستجابة المناسبة، يوصل الاتجاه Lead الدائم (المزمن) أو السلك بالعصبين العجزيين، ويوضع هذا الاتجاه في نفق تحت الجلد ليوصل بآخر خارجه؛ ويجري التحكم بالتنبيه الكهربائي خلال هذه المرحلة الأولية بواسطة وحدة صغيرة تشغل ببطارية يحملها الشخص، ويطلب من الشخص في هذا الوقت وضع مفكرة بمرات التغوط لمدة أسبوعين بهدف تسجيل نتائج التنبيه؛ فإذا تحسن السلس وطبيعة الحياة، يتوجب على الشخص حينئذ العودة إلى إزالة السلك الخارجي وغرس بطارية مبرمجة تحت الجلد.
وتوضع وحدة البطارية أو المولد في أعلى الألية، وتوصل بعد ذلك بالسلك الدائم؛ وتقوم هذه الوحدة بإنتاج نبضات كهربائية تنبه العصبين العجزيين، مما يساعد على استعادة السيطرة؛ ويزود المولد بوحدة تحكم خارجية، مما يمكن الشخص من تعديل برمجته؛ كما يطلب من الشخص مراجعة الطبيب كل 4-6 شهور، وذلك للتأكد من أن الجهاز مبرمج بشكل صحيح؛ ويمكن للبطارية أن تستمر في العمل 5-10 سنوات.
لا يزال تنبيه العصب العجزي يعد من المعالجات التجريبية في سلس البراز، لكن يبدو أنه أمر واعد؛ كما أن هذا الإجراء أقل بضعا من المداخلات الجراحية الأخرى، فضلا عن مزاياه الأخرى، مثل قلة إمكانية حدوث مضاعفات خطيرة وعدم تفاقم الأعراض أو تضرر الأعصاب.
إجراءات أخرى
يمكن اللجوء إلى إجراءات جراحية أخرى، وذلك بالاعتماد على سبب سلس البراز وشدة الأعراض التي يعاني منها الشخص، ومن ذلك:
العمليات المستخدمة لمعالجة تدلي المستقيم Rectal Prolapse، والبواسير Hemorrhoids، والقيلة المستقيمية Rectocele
تدلي المستقيم حالة ينتأ فيها جزء من المستقيم من خلال الشرج، مما يضعف المصرتين الشرجيتين؛ ففي بعض الحالات، كالإمساك المزمن والعصر (الإجهاد) Straining، تتمدد أربطة المستقيم وتفقد قدرتها على حفظ البراز؛ ولذلك، قد نحتاج إلى إصلاح تدلي المستقيم جراحيا بالإضافة إلى إصلاح المصرتين. كما قد نحتاج – عند النساء – إلى معالجة تبارز المستقيم من خلال المهبل (القيلة المستقيمية Rectocele) جراحيا لمعالجة سلس البراز.
قد تمنع البواسير الداخلية المتدلية Prolapsed internal hemorrhoids الإغلاق التام للمصرتين الشرجيتين، مما يؤدي إلى سلس البراز؛ وقد تقع البواسير قرب الجزء العلوي أو عند بداية القناة الشرجية (البواسير الداخلية Internal hemorrhoids) أو عند الجزء السفلي من فتحة الشرج (البواسير الخارجية External hemorrhoids)، ويمكن معالجتها عن طريق استئصال الباسور التقليدي Conventional hemorrhoidectomy (إجراء جراحي يهدف إلى استئصال أنسجة الباسور).
فغر القولون Colostomy
وهو الملاذ الأخير، إذ يعد هذا الإجراء الوسيلة الأكثر حسما في معالجة سلس البراز، لاسيما عند كبار السن؛ ويقوم الجراح في هذا الإجراء بوصل نهاية الأمعاء بفتحة في البطن، ليتجمع البراز في كيس موصول بهذه الفتحة.
يجري فغر القولون غالبا من خلال تنظير البطن القليل البضع Minimally invasive laparoscopy، حيث نستخدم لذلك أنبوبا مضيئا (منظار البطن Laparoscope) يدخل من خلال شق صغير؛ ولا تشاهد الأكياس الحديثة المستخدمة في فغر القولون – ولله الحمد – في أثناء ارتدائها، كما أنها تضبط الرائحة بشكل جيد. ومهما كانت النتائج، فإن فغر القولون يقدم للكثير من الأشخاص بديلا اجتماعيا أكثر قبولا من سلس البراز الشديد غير المضبوط.