التصنيفات
الغذاء والتغذية

الجيلاتين Gelatine

الجيلاتين في الأصل مادة من مواد الإضافة. وهو مادة غريبة ليس لها طعم ولا نكهة. إلا أن الجيلاتين (E441) لا يتم تقييمه كمادة إضافة في الإشعار الخاص بمواد الإضافة؛ مع أنه يعرّف بأنه مادة إضافة شبه شفافة وهشة وليس لها طعم أو لون مصنوعة من النسيج الحيواني الضام.

يستخدم الجيلاتين في مجالات متنوعة جدا. ويستخدم بشكل عام في مجال صناعة المأكولات من أجل زيادة مدة صلاحيتها. إن أكثر من 70 بالمئة من الجيلاتين يصنّع من جلد الخنزير، أما ما تبقى فهو مصنوع من نفايات لحوم الأبقار والأسماك والطيور.

يقوم المنتجون بكتابة عبارة جيلاتين بقري أو جيلاتين مسموح على منتجاتهم التي يدخل فيها الجيلاتين؛ مهما كان مصدر هذا الجيلاتين، وذلك تجنبا لردود فعل المسلمين الدينية والعاطفية تجاه المنتجات ذات الصلة بالخنزير.

ولذلك، هناك بعض الأسئلة التي ترد على الذهن في ما يتعلق بالجيلاتين الحيواني:

هل هذا الجيلاتين مصدره البقرحقاً؟ فإن كان الجواب بالإيجاب، فالسؤال التالي هو: هل هذه الأبقار تمت تغذيتها وتذكيتها حسب تعاليم الشرع الإسلامي؟ وهل شروط النظافة متحققة في المنتج؟ إن كان هذا المنتج من الأبقار ولم تكن هذه الأبقار مذكاة حسب الشرع الإسلامي ألا يكون ذلك وسيلة من وسائل التحايل والنصب؟

ورغم أن المستهلكين من المسلمين لا يولون أهمية كبيرة للجيلاتين إلا أنه يأتي في قائمة مواد الإضافة المثيرة للجدل لدى أوساط معينة وعند بعض فقهاء الشرع.

ما هي الأغذية التي يدخل فيها الجيلاتين؟

يتم الحصول على الجيلاتين على الأغلب بمعالجة الجلود؛ وذلك عن طريق تحليل الكولاجين، وهو عبارة عن بروتين ليفي شديد المرونة يملأ الفراغات بين خلايا أنسجة فقرات الحيوانات وجلودها. ولا يدخل جيلاتين العظام الذي يستخدم عموما في مجال التصوير أو صناعة الأدوية في الصناعة الغذائية.

يستخدم الجيلاتين الذي يكثّف القوام:

● في الأغذية
● في تغليف الأدوية في الصيدليات (الكبسلة)
● في التصوير الفوتوغرافي
● في الكبسلة الدقيقة
● في الأسمدة
● في التغليف
● في صناعة التجميل
● في صناعة المنظفات

إن الجيلاتين الذي يدخل في إعداد أصناف غذائية كثيرة مثل منتجات اللحوم، ومنتجات الحلويات، والكيك، والبسكويتات، والمحلبيات، وجيلي الفاكهة، والصلصات، والحساء الجاهز، ومنتجات المخابز، والمثلجات، واللبن، والحليب، والعصائر، والمشروبات الكحولية وغير الكحولية، ومنتجات اللبان، وغيرها بهدف إثراء هذه الأغذية بالمواد البروتينية وخفض نسبة الكربوهيدرات والدهون يُستخدم:

● كوسيط جيلاتيني في الحلويات الجيلية واللحوم والحلويات وصلصات اللحوم.

● كوسيط رابط في اللحم الرولو واللحم المعلب وأنواع الغريبة والأجبان ومنتجات الحليب، وغيرها.

● كمشكّل للقوام في راحة الحلقوم وفي حلوى الجوز والكريمات والسوفليه ومنتجات المخابز وغيرها.

● كوسيط لتصفية اللون في العصائر والبيرة والمشروبات الكحولية والخمور.

● يشكل طبقة في حالات تغليف الفاكهة واللحوم.

● كمكثف في بودرة المشروبات ومرق اللحم والصلصات والحساء والمحلبيات والجيلي والأشربة ومنتجات الحليب وغيرها.

● كمساعد في المعالجة في المحليات واللبان والدهون والفيتامينات والمواد الملونة والكبسلة الدقيقة.

● كمستحلب في الحساء والصلصات والمحليات ومنتجات اللحوم والكريمات وأنواع الغريبة واللبان ومنتجات الحليب.

● كعامل مثبت في الأجبان السائلة وفي الحليب بالشكولاتة واللبن والمنتوجات المثلجة والكريمات والحلويات المجمدة وغيرها.

● كعامل لصق في أنواع الغريبة ومنتجات اللحوم.

● كمنظم للتبلور في المثلجات والمنتجات المثلجة والحلويات المجمدة.

بينت المديرية العامة للحماية والرقابة التابعة لوزارة الزراعة مجالات استعمال الجيلاتين في تصريحها التالي: «يستخدم الجيلاتين بشكل عام كمكون غذائي يفيد في تكثيف القوام، وفي عملية التبلور في الحلويات والبسكويتات ومنتجات الحليب والصلصات والحساء والمشروبات ومنتجات المخابز، ويمكن استخدامه أيضا بشكل منفرد».

وفي قسم منتجات أخرى من أصل حيواني من المرسوم الخاص باللحوم يُذكر الجيلاتين كمنتج حيواني يمكن استهلاكه منفردا.

استخدام الجيلاتين في مجالات أخرى:

● يستخدم في صناعة الشامبو وغيره من منتجات العناية بالشعر والجلد.

● يستخدم في الصيدليات باعتباره مطرِّيا، وفي عملية الكبسلة.

● يستخدم في الطب في معالجة الصدمات، والحروق، والصدمة المرافقة لاتساع الأوعية، وسوء التغذية، والوذمة الناتجة عن نقص بروتين الدم، وفي معالجة الجروح والعمليات الجراحية ومعالجة الأظافر.

● يستخدم في البيطرة بدلا عن البلازما في جهاز الدوران، وفي الاستتباب (استقرار البيئة الداخلية للكائن الحي) ولأغراض التئام الجروح.

● يستخدم في مجال الصناعة في صناعة الغراء، وبدائل المطاط، والمواد اللاصقة، وأحبار الطباعة، ومكونات البلاستيك، وصناعة الحرير الصناعي، وأعواد الثقاب، وفلترات الضوء في المصابيح الفضية، وفي أفلام أجهزة التصوير، وأدوات الطباعة، والكثير غيرها.

كيف يصنع الجيلاتين؟

يصنع الجيلاتين من مواد تجمع من المسالخ مثل عظام وجلود وأنسجة الحيوانات. ونحتاج إلى 30–35 كلغ من المواد الخام للحصول على كيلوغرام واحد من الجيلاتين.

يتم نقع المادة الخام في الجير الكاوي أو في حمض من الأحماض مثل كربونات الكالسيوم. وإذا كان الجيلاتين معدا للاستخدام في المواد الغذائية، تضاف إليه المواد الملونة والمحليات حيث يكون قابلا للاستهلاك.

من أجل الحصول على جيلاتين من جلد الأبقار تتم أولا إزالة الشعر من الجلد، ثم يخضع الجلد من أجل تليينه لمعالجة بالكلس قد تستمر مدة 20 أسبوعا. إن عملية إنتاج الجيلاتين من جلود البقر ليست عملية اقتصادية بسبب ضخامة كمية الماء المستخدمة، والفضلات المائية المطروحة، وبسبب طول مدة العملية.

وبالإضافة إلى ذلك، إن جيلاتين البقر لا يتم تفضيله بسبب مرض جنون البقر الذي يعتقد أنه ناجم عن تغذي الحيوانات العشبية على نفايات وأغذية حيوانية مثل الدم.

أما جلد الخنزير فهو أكثر مصادر الجيلاتين اقتصادية وأكثرها شيوعا. يتم تنظيف جلد الخنزير بغليه في مذيب الصودا. ويعتبر تنظيفه أسهل من تنظيف جلد البقر حيث لا يحتاج كما هي الحال في جلد البقر إلى معالجة تستغرق أسابيع من الزمن. ولذلك، إن إنتاجه أسرع وأقل تكلفة. إن المسلمين الذين فقدوا تميّزهم عن العالم الغربي واندمجوا معهم في ثقافتهم لا يظهرون الإقبال الكافي على الجيلاتين البقري. وحتى لو توفر الإقبال، فإن غلاء سعر الجيلاتين البقري بالمقارنة مع جيلاتين الخنزير يتطلب منا استعدادا للدفع. إنه مما يدعو للأسف أننا لسنا مستعدين لدفع المزيد، حتى إنه ليس لدينا العدد الكافي من المستهلكين ممن لديهم الإقبال على جيلاتين البقر كبديل عن غيره من أنواع الجيلاتين.

هل هناك بديل عن الجيلاتين؟

الجيلاتين منتج حيواني 100 بالمئة، ولا يمكن أن يكون مصدره نباتيا.

إلا أن هناك مادة مكثفة تؤدي الدور نفسه الذي يؤديه الجيلاتين، وتتميز بأنها من مصدر نباتي؛ حيث يتم إنتاجها من خمس مواد نباتية مثل الغلوتين والأجار وصمغ زنتان والكاراجينان والبكتين.

الغلوتين نوع من أنواع البروتين المتوفر في الحبوب كالقمح.

● إن الغلوتين مادة متينة لها خاصية الالتصاق، وهي تتخلف عن غسل القمح أو غيره من الحبوب من أجل فصل الدقيق عن النشاء، وتعتبر بديلا عن الجيلاتين الحيواني. إلا أن هذا المنتج يفضل استخدامه في الغراء ومنتجاته أكثر من استخدامه في المواد الغذائية.

● الأجار وهو عبارة عن متعدد سكاريد طبيعي (E406) يستخرج في الولايات المتحدة الأمريكية وفي اليابان من طحالب بحرية متميزة تسمى rhodophyceae.

● الكاراجينان وهو عبارة عن متعد سكاريد طبيعي (E407) ويتم إنتاجه في أوروبا وآسيا وأمريكا من طحالب بحرية متميزة.

● البكتين وهو عبارة عن متعدد سكاريد طبيعي(E440) ويتوفر تقريبا في كل أنواع الفاكهة، وخاصة في التفاح والسفرجل والبرتقال. ينتج تجاريا من لب التفاح ومن قشر البرتقال.

● صمغ زنتان وهو عبارة عن متعدد سكاريد طبيعي (E415) يتم إنتاجه عن طريق مستصفرة الخردل المرجي من السكر والمولاس. يمنح ثخانة للقوام. يتميز بأنه عامل استتباب وبكونه مستحلِبا. عند الإفراط في استهلاكه فإنه يؤدي بسبب التخمر في الأمعاء إلى الغازات وإلى الشعور بالنفخة.

هل يؤكل الجيلاتين؟

هل تدل عبارة جيلاتين للأكل المكتوبة في الإتيكيات على أن ذلك الجيلاتين يمكن أكله حقا؟ وهل تدل عبارة جيلاتين بقري أو جيلاتين مسموح أكله على أن ذلك الجيلاتين مادة إضافة موثوقة وبريئة؟ إن كلمة للأكل يقصد منها خداع المستهلك؛ وهذا في غاية الوضوح، وذلك لأن كلمة جيلاتين بمفردها لن تطمئن بعض الزبائن. وفي حال كتابة جيلاتين بقري، سيظهر التحليل أن الجيلاتين ليس بقريا، وستترتب على ذلك إجراءات حقوقية، لأنها تعتبر تغريرا بالمستهلك. إن كتابة كلمة للأكل فيها مخادعة لكل من المستهلك والقانون. وهي تشكل مخرجا للمنتجين للتخلص من المساءلة القانونية، وتساعد في الوقت نفسه في رفع الانطباع السلبي الموجود لدى بعض الزبائن ذوي الحساسية تجاه الجيلاتين.

هل الجيلاتين مادة مغذية؟

إن الجسم البشري لا يحتاج في أي ظرف من الظروف إلى الجيلاتين. إن هذه المادة ليس لها أي دور في استمرار حياتنا أو نمونا. ولذلك ليس هنا مصطلح نقص في الجيلاتين. فالإنسان مثلا يستطيع أن يستمر في البقاء عبر تناول القمح فقط، ولكن لا يمكن لأحد أن يظل على قيد الحياة بتناول الجيلاتين فقط. وبطبيعة الحال، إن الجيلاتين لا يستهلك كمصدر غذائي قائم بذاته. وهو لا يحتاج إلى علكه في الفم، كما لا يحتاج إلى هضم في المعدة، ويتم هضمه بالكامل في الأمعاء. ولذلك يتم إطعام الجيلاتين للمرضى الذين أجريت لهم عمليات جراحية في المستشفى، من دون أن يوجه إليهم السؤال التالي: هذا طعام ذو مصدر حيواني وغير معروف المنشأ فهل تريد تناوله؟

إن مادة الجيلاتين أضحت السوار الذهبي لصناعة المتعة. ومن المحتمل أن تكون وسيلة إفساد للمسلمين تسبب لهم مشاكل في شخصياتهم. ينبغي على كل البشرية أن تتجنب الجيلاتين؛ إن لم يكن مصدره نباتيا.

مخاطر الجيلاتين والأمراض التي ينقلها

إن الكثير من الأمراض التي تصيب الحيوانات تنتقل إلى الإنسان عبر استهلاك الجيلاتين.

ولذلك، إن الغرب لا ينتج ولا يستهلك الجيلاتين البقري بسبب شبهة مرض جنون البقر. إن أفضل طريقة للوقاية من ذلك هي استخدام بدائل للجيلاتين الحيواني تكون ذات مصدر نباتي.

ولكن، لا بد أن نؤكد هنا أن الجيلاتين ليس حاجة غذائية ضرورية تستدعي الإنتاج.

إن المنتجين يتصفون بالجهل في كثير من الأحيان، كما أنهم في أحيان أخرى يخشون من التعامل مع البدائل لاعتبارات تجارية. حتى إن القانون لا يفلح في كثير من الأحيان في إجبار المنتج على التغيير. إن القوة الوحيدة التي تؤثر في المنتج هي المستهلك. وعندما يتعلم المستهلك الإعراض عن منتجات العرض هذه ويلتزم بذلك، فسيضطر المنتِج إلى تلبية لوازم الطلب حرصا على تسويق بضاعته، وسيتخلى عن بيع الجيلاتين.

إننا لا ندعي أن بدائل الجيلاتين هي في كل الأحوال مناسبة للصحة. إن الإنسان يمتلك مهارة سيئة في تحويل كل ما بين يديه من طهارات إلى دنس. لذلك، إن تلك النباتات قد يتم إفسادها عبر تعديلها جينيا، أو عبر استعمال مواد زراعية كيميائية قد تحولها إلى مواد ضارة. إلا أن خلو المنتج الحيواني من أي فائدة للمستهلك باستثناء المنفعة التجارية، بل على العكس كونه يشكل تهديدا بسبب احتمال نقله أمراض البلدان المصدرة له يجعل ترك استهلاكه ضروريا من أجل تجنب المخاطر المحتملة.

إنتاج الجيلاتين في أوروبا

يشرح هارون شيمشك طريقة إنتاج الجيلاتين في أوروبا قائلا: «إن سبب إعطائنا معلومات تفصيلية عن الجيلاتين والأغذية التي يدخل فيها الجيلاتين هو كون منشأ الجيلاتين في أوروبا بشكل عام هو الخنزير أو الحيوانات التي لم تتم تذكيتها بطريقة شرعية. إن الجيلاتين المنتج في أوروبا والمستعمل في المواد الغذائية يتم الحصول عليه بنسبة 90بالمئة من الخنازير، و10 بالمئة من الأبقار».

ونصادف في أحد المواقع التابعة لشركة ألمانية لتسويق مواد الإضافة هذه المعلومة المهمة والصادمة، حيث أورد الموقع أن: «90 بالمئة من الجيلاتين في أوروبا يتم تصنيعه من الخنازير».

إن معطيات تطبيقات التوقيع الإلكتروني لوزارة الاقتصاد DTM تشير إلى أن عمليات الاستيراد لا يتم فيها أي تمييز حسب منشأ المواد الغذائية؛ أي إن كانت من الخنازير أو الأبقار. أما من الناحية القانونية، فليس هناك أي حظر لاستيراد مواد منشؤها الخنزير أو استخدامها.

هل الجيلاتين حلال؟

ورد في موقع مواد الإضافة في الأغذية المعد من أجل جامعة فاغينغن هذه الفقرة في معرض ربط استهلاك الجيلاتين بأحوال المستهلك: «لا يصح استهلاكه للنباتيين الممتنعين عن اللحوم، والذين يتجنبون الحليب ومشتقاته بالإضافة إلى اللحوم. ولأن مصدر هذا المنتج ليس معروفا بشكل دقيق، فإن استهلاكه محدود لدى مجموعات دينية كالمسلمين واليهود. ومما يدعو للأسف أن المعلومات المتعلقة بمصدر هذه المادة تتوفر فقط لدى المنتجين. أما الجيلاتين الخاص الحلال فإن مصدر إنتاجه يقتصر على الأبقار». صرحت فيدرالية المسلمين الكوريين في إحدى نشراتها الأسبوعية أن فطيرة Orions Choco ليست حلالا. وبيّنت في نشرتها أن هذا البسكويت بالشوكولاتة ثبت احتواؤه على جيلاتين منشؤه الخنزير. كما أشارت أيضا إلى أن منتجات الألبان (Yoplait) لا تحل بسبب احتوائها على جيلاتين الخنزير. وإن دل هذا على شيء فهو يدل على أن المسلمين في البلاد التي يشكلون فيها أقليات أشد حساسية وحرصا في أمور الحل والحرمة في الأغذية. وهم يصدرون الفتاوى الخاصة بأوضاعهم، ولا يتركون جاليتهم نهبا للحيرة.

يقول الشيخ خير الدين قرمان: «ينبغي من أجل إصدار حكم الحرمة على أي طعام أو شراب، أو من أجل الامتناع عن ختمها بختم الحلال أن يصدر عليها ذلك الحكم من المذاهب الإسلامية المعتبرة كافة والعلماء المعتبرين. إن كانت هناك أكثر من فتوى (بالحرمة أو الكراهية أو الإباحة) متعلقة بأمر معين، فلا يجوز وصم ذلك الشيء بالحرام مطلقا، بل يقال إذا اقتضى الأمر: محرم حسب المذهب الفلاني، وحلال حسب غيره من المذاهب».

ومن أجل إصدار حكم على منتج من المنتجات بأنه حلال أو حرام ينبغي اتفاق المذاهب التي يتبعها سكان تلك المنطقة على الأقل على هذا الحكم. وينبغي أن لا يكون ذلك كافيا أيضا. إذ إن مادة ما قد تعتبر حلالا لعموم الناس، ولكنها تكون حراما على شخص بعينه بسبب الوضع الصحي لهذا الشخص. إن إطلاق صفة حلال أو حرام على منتج معين في غاية الصعوبة. والتحريم بالذات أشد صعوبة. إلا أن الواقع المعاصر ينفرد بوضع له أبعاد مهمة للغاية، وهذه الأبعاد سيكون لها دور في تعميق الجدل المتعلق بالحلال والحرام.

يقول الشيخ خير الدين قرمان: «هناك منتجات جديدة كالجيلاتين ومواد الإضافة. ويستعمل في صناعة قسم منها بعض أجزاء حيوانات نجسة مثل الخنزير. كما يتم الحديث عن أضرار صحية تسببها مواد الإضافة للإنسان. وهذان الأمران يسببان ضيقا للمسلم. لذا، يتم إدخال الكثير من الأطعمة والأشربة في قوائم الأطعمة الحرام بحجة استعمال أجزاء الخنزير في المواد الحافظة الموجودة في هذه الأغذية. وتنتقل هذه القوائم من يد إلى أخرى. وحسب علماء الفقه الإسلامي، إذا طرأت على المادة تغيرات فيزيائية كالذوبان والتجمد واليبس والامتزاج، أو تغيرات كيميائية كتحول الأشربة المسكرة إلى الخل، فإن الأحوال القديمة والماهية والأحكام المتعلقة بذلك تتغير أيضا. إن المادة المتغيرة تكتسب اسما جديدا كالخل والملح وتصبح حلالا».

إن أسبابا عديدة تجعل الموافقة على هذا الرأي أمرا صعبا، فالذين يدافعون عن حلّ هذه الأطعمة لا بد أنهم لم يطلعوا على تفاصيل الناحية التقنية لهذا الموضوع. إن المعلومات التي يبثها خريجو المنظومة التربوية العالمية ممن لا يتمتعون بورع ديني تبيّن أن الجلود والعظام قد تعرضت لتغيرات كيميائية، ولذلك لم تعد خنزيرا بل هي الآن جيلاتين، وأننا الآن وجها لوجه مع مادة جديدة. هناك فتاوى من قبيل: عند إضافة الملح إلى الكحول فإنها تتحول إلى خل؛ والخل في هذه الحالة حلال، والحيوان الذي سقط في الملح تحول إلى ملح، فهذا الملح حلال. هذه الفتاوى لا تخدم إلا مصالح الشركات العالمية القائمة على المتعة. وبدلا من أن تسهم في حل إشكالات المسلمين فإنها تولّد إشكالات واختلافات جديدة. علما أن التقنية الحديثة تستطيع أن تكتشف ما إذا كان الجيلاتين مصنوعا من الخنازير أم من الأبقار أم من الأسماك أو حتى من الجلود أو العظام.

إن هذه التحاليل أصبحت تتم في مختبرات أيّ جامعة خاصة، كما أصبحت ممكنة أيضا بعد محاولات حثيثة في مختبر متابعة مدينة إسطنبول التابع لوزارة الزراعة. مما يعني أن مصدر أي مادة غذائية يمكن كشفه بطريقة فعالة عبر تحليل الحمض النووي DNA أو عبر أي تقنية أخرى.

على سبيل المثال، إن المواد الغذائية التي أخضعت للمعالجة الصناعية لأي سبب من الأسباب يمكن إثبات مصدر محتواها الحيواني عبر اختبار يسمى Food Expert ID؛ مهما تعرضت لتغييرات في الحمض النووي DNA أو لغيره من التغيرات. إن بعض اليهود يستخدمون هذه التقنية للتحقق من منتجات الخنازير.

بالنسبة لي، إنني لا أقول بحل الجيلاتين المصنوع من الخنزير. وهذا يسري أيضا على الجيلاتين المصنوع من البقر، لأن الجيلاتين البقري المصنوع من العظام والجلود التي تجمعها مؤسسات اللحم من الفنادق والمطاعم لا يمكن لأحد أن يثبت أنه من حيوانات تمت تذكيتها بطريقة شرعية. فالمسألة من هذا المنظور على الأقل محاطة بالشبهات.

إن مناقشة هذه القضية في سياق الأمور المشتبهة، وهل تدخل في الحاجات الملحة؟ ستكون أكثر صوابا من مناقشتها في سياق الحلال والحرام. إن الأعداد القليلة من الذين يحللون هذه المنتجات لو قاموا بتوجيه توصياتهم بتجنب إنتاج هذه السلع المشبوهة إلى المنتجين المسلمين بمستوى توصياتهم الموجهة إلى المستهلكين نفسه لزال هذا الإشكال تلقائيا.

إن الحيل الشيطانية للسياسات الغذائية العالمية اليوم، وخططها لتوجيه البشرية عبر إفساد بطونها لا يمكن النظر إليها باعتبارها انحرافا شيزوفرينيا؛ لأن عملية التحكم بالبشرية كافة باستثناء بعض المميَّزين عن طريق الأغذية ليست نظرية فحسب، بل إنها خطة ومكيدة. وإن هذه الخطة بدخولها عالم التطبيق تستخف بالضرورات الدينية. إن الفتاوى التي تطرح من دون تبصر لطبيعة الاستخفاف الواقع ستبقى بعيدة عن حل المعضلات وعن الشبهات.

علينا أن لا ننسى أن الموضوع لا يختص فقط بالبعد التقني، بل له خلفية سياسية واقتصادية وجينية. إننا مضطرون للقول إن الكثير من المختصين في غفلة عن تفاصيل هذا المخطط. إن التغافل بشكل خاص عن مخطط إفساد ورع المسلمين عبر إفساد بطونهم هو في أحسن أحواله نوع من السذاجة.

إن التكرار له فائدة، وخاصة لأن المواد الغذائية ومحتوياتها هي السلاح الخطير المستخدم.

هل تنحل المشكلة إذا كان الجيلاتين بقريا؟

إن لحوم الأنعام التي تذبح لغير الله أي لا يذكر اسم الله عليها عند التذكية لا جدال في حرمتها عند المسلمين. لذلك، إن عبارة جيلاتين بقري المسجلة فوق منتج من المنتجات لا تشكل تعريفا كافيا بهذا المنتج. ولا ينبغي أن تكون كذلك؛ لأن لحوم البقر أو الضأن أو الجمال قد تكون محرمة أيضا. إذ إن جواز تناول هذه اللحوم مرتبط حسب ما ورد في القرآن الكريم بالأمور التالية:

● أن تُذبح قبل أن تُزهق روحها ذبحا يستوفي الشروط الشرعية.
● أن لا تموت خنقا بسبب إنسان أو حيوان آخر.
● أن لا تموت ضربا بالحجارة أو العصا أو غيرها.
● أن لا تموت من جراء وقوعها من مكان مرتفع.
● أن لا تموت منطوحة من حيوان آخر.
● أن لا تموت بسبب اعتداء سبع من السباع.
● أن لا تذبح على النصب والأصنام.
● أن يكون المذكي مسلما، وأن يذكر اسم الله عند الذبح (بأن يُقال: بسم الله، أو بسم الله والله أكبر)

وكل مالم يستوف الشروط السابقة فهو محرم.

إن الكثير من المنتجين يضعون عبارة جيلاتين بقري على المنتج بغية خداع المستهلك؛ لأن التشريع المتعلق بمصدر هذه المادة في بلد المنشأ لا يشترط الرقابة عليها.

إن أيا من منتجي الجيلاتين لا يمكن أن يقوم من الناحية التقنية أو الاقتصادية بذبح البقرة أو الخنزير من أجل إنتاج الجيلاتين بشكل خاص. إن المواد الأولية للجيلاتين – وهي عبارة عن عظام وجلود طازجة – يتم تأمينها من المسالخ ومؤسسات اللحوم وسلسلة المطاعم الفخمة ومطابخ الفنادق. ولو قبلنا جدلا أن البقر منشأ الجيلاتين، فهل نستطيع أن نخمن أن جميع الحيوانات التي جمعت بقاياها من هذه المصادر تمت تذكيتها وفق الشرع الإسلامي؟ من يضمن لنا ذلك؟ في هذه الحال، إن الجيلاتين الحيواني وغيره من مواد الإضافة الحيوانية مهما كان البلد المصدر لها موادّ تحمل عنصر الشبهة بالنسبة للمسلمين. وبسبب هذه الشبهة، إن عبارة جيلاتين بقري الموجودة على إتيكيتات هذه المنتجات لا تعني رفع الحرج عن تناولها.