الأطباء الألمان هم أول من وصف هذا المرض. فأطلقوا عليه اسم German measles نظراً لتشابه بعض علامات المرض وخصوصاً الطفرة الجلدية. وهو مرض فيروسي يسببه rubella virus شديد العدوى، يؤمن مناعة قوية وشبه دائمة لمن يصاب به، ينتشر في فصل الربيع خصوصاً.
العدوى
في شكله المكتسب تنتقل العدوى بالحصبة الألمانية عن طريق المجاري الهوائية العليا، بواسطة رذاذ العطس، السعال أو التكلم، حيث تعشش الجرثومة في البلعوم (أسبوع قبل وأسبوعان بعد ظهور المرض). هو يصيب الأطفال بين 5 و9 سنوات خصوصاً ويمكن أن يصيب الكبار.
الحصبة الألمانية مرض سليم وعابر في أغلب الأوقات، لا يؤثر على صحة المصاب ولا يترك أي أثر إلا بعض المضاعفات في حالات نادرة، وفي كثير من الأحيان يمر المرض وكأنه إصابة فيروسية بسيطة، ويشخص بطريقة رجعية عند استنتاج بعض العلامات المميزة له.
الأعراض
في حالاته الظاهرة يتميز المرض بارتفاع معتدل للحرارة التي لا تتجاوز 38.5 درجة مئوية، يرافقها آلام في المفاصل والعضلات وظهور انتفاخ في الغدد اللمفاوية في منطقة الرقبة (وراء الأذنين وفي مؤخرة الرأس) وطفرة جلدية لا تدوم طويلاً، تبدأ في الوجه وتمتد سريعاً إلى الجذع والأطراف العليا، على شكل بقع حمراء قانية، مستثنية الظهر والأطراف السفلى. في اغلب الأحيان تختفي الطفرة خلال ثلاثة أيام وتبقى الغدد اللمفاوية متضخمة على شكل كتل صغيرة غير مؤلمة ويمكن أن تدوم عدة أسابيع. ويشكل وجود هذه الغدد عاملاً مهماً للتشخيص وخصوصاً عندما يعاين الطبيب الطفل المصاب بعد اختفاء الطفرة الجلدية، حيث يبعث استنتاج وجود الغدد على الشك بالحصبة الألمانية، ليتثبت بعدها من الإصابة بالمرض سابقاً، وذلك من خلال تحليل مخبري للدم الذي يبرهن علامات نوعية للمرض (هبوط عدد الكريات البيضاء عموماً، ارتفاع نسبة فئة نوعية من هذه الكريات وتدعى الخلية البلازمية التي تلعب دوراً في إنتاج الأجسام المضادة لهذا المرض في الدم والتي يمكن بدورها زيادة نسبة هذه الأجسام في الدم أيضاً)؛ كل ذلك يشكل عوامل مهمة للتشخيص الإيجابي. ومن مضاعفات هذا الشكل المكتسب، نشير إلى إصابة المفاصل على عدة مستويات، لتتلاشى بعد عدة أسابيع وأقل من شهر، والالتهاب السحائي الشوكي.
خطر إصابة المرأة الحامل
يكمن الخطر في المرض عند إصابة المرأة الحامل (في فرنسا 90 % من النساء لديهن مناعة ضد المرض إما عن طريق الإصابة في الطفولة وإما بواسطة اللقاح، ما يعني أن كل واحدة من عشر نساء غير ملقحة يمكن أن تصبح معرضة للإصابة بالمرض خلال الحمل)، ما يؤدي إلى:
الشكل التكويني لدى الجنين وخصوصاً في الفصل الأول من الحمل، تاركاً بصماته من خلال تشوهات خلقية تزداد خطورة عندما يكون الحمل في أسابيعه الأولى (90 % قبل الأسبوع التاسع، خطر العدوى عالية جداً قبل سبعة أسابيع و25 % في الأسبوع 23)، تتم عدوى الجنين عبر المشيمة ويبقى المولود الجديد المصاب حاملاً للفيروس لعدة أشهر، ما يشكل مصدراً للعدوى. ومن مضاعفات المرض الخطيرة: الإجهاض التلقائي، أو الموت داخل الرحم وإذا ما أكمل الحمل ثباته من الممكن حدوث الولادة قبل أوانها.
ومن التشوهات الخلقية نذكر الإصابات في السمع أي الصمم، والبكم وهما يترافقان معاً في أغلب الحالات (ويظهران لاحقاً خلال الطفولة؛ مرض الساد أو الماء الزرقاء في العين، العمى، والماء الأسود. هذا إلى تشوهات على مستوى الدماغ: ضمور الدماغ والتأخر الذهني؛ وتشوهات في شرايين القلب والجهاز البولي التناسلي وغيرها.
وسائل الوقاية
1. التركيز على التلقيح المبكر ضد هذا المرض لدى البنات والصبيان على السواء، بهدف الحماية الذاتية للبنت فيما بعد عندما تصبح شابة وتقبل على الزواج، ومن ثم الصبيان لحماية النساء الحوامل في البيئة العائلية وفي المجتمع (المدارس، دور الحضانة، الجامعات…).
يعطى اللقاح ضمن لقاح الحصبة – حصبة ألمانية وأبو كعب (MMR) على دفعتين: الأولى بين 12 و18 شهراً والثانية بين 5 و7 سنوات.
2. العمل على تلقيح الفتاة الشابة التي لم تحصل في طفولتها على اللقاح، وحتى قبل الزواج يمكن الحصول على هذا اللقاح مع إبقاء فترة أربعة أشهر بين تاريخ التلقيح وبداية الحمل (تحسباً لأي إصابة للجنين، نظراً لأن اللقاح محضر عن طريق جرثومة (الحصبة الألمانية) حية، ولكنها مخففة مفعول المرض بحيث تؤمن المناعة فقط)، ويمكن في هذه الفترة اللجوء إلى وسيلة منع حمل (ويسري هذا الأمر كذلك إذا ما أعطي اللقاح بعد الزواج).
3. طلب تحليل مخبري للدم قبل الحمل أو في بدايته للوقوف على نسبة الأجسام المضادة للحصبة الألمانية، ومعاودة الفحص بعد فترة 15 يوماً في حال الشك بوجود المرض.
وهكذا نستنتج، وبعد عقود من وضع اللقاح قيد التداول، أن نسبة الإصابة بالحصبة الألمانية قد انحسرت بشكل لافت للنظر، وأصبح المرض من الأمور التي يركز عليها أطباء الأطفال بالتذكير الدائم للقاح من جهة، والأطباء الأخصائيون بالأمراض النسائية من خلال المراقبة بشكل جدي ودقيق قبل إقدام المرأة على الحمل من جهة ثانية، ما أدى إلى الانحسار شبه الكامل للتشوهات الخلقية الناجمة عن هذا المرض.