تعد الحمى الروماتزمية أو الرثوية من أكثر الأمراض إصابة للجهاز المفصلي لدى الأطفال والأولاد، لارتباطه الوثيق بالالتهابات والإنتان في اللوزتين وحالات الخناق الحاد التي تسببها جرثومة العقدة الرئوية، وما تحدثه هذه الأخيرة من مضاعفات على مستوى أعضاء الجسم، منها ما له علاقة بموضوع البحث: الكليتان والقلب.
وكانت ولا تزال هذه الجرثومة تترك بصماتها على صحة الأطفال من خلال تداعياتها المختلفة.
يصيب هذا المرض الأطفال والأولاد، ذوي الاستعداد، بين سن 4 و12 عاماً، مع ملاحظة نسبة عالية للإصابة بين 4 إلى 6 سنوات وندرة الحالات قبل هذين العمرين. ويأتي هذا المرض ليتمركز في المفاصل بعد فترة 15 إلى 21 يوما تلي حصول الإنتان في اللوزتين أو الخناق الحاد، وتبلغ نسبة هذه الإصابات 3 % عموماً؛ كما يمكن أن تحصل إصابة المفاصل نتيجة التهاب الجيوب الأنفية، بعد تكوين دمل أو خراج في اللثة، أو بعد الإصابة بداء الحمى القرمزية. ويلاحظ تراجع حدوث المرض في البلاد المتقدمة صناعياً وعلمياً، ودوام حدوثه في البلاد الاستوائية مع الإشارة إلى وجود استعداد شخصي في بعض العائلات.
وتعتبر الإصابة الروماتزمية ردة فعل مناعية متفاوتة لأنسجة محددة في الجسم، على الإنتان البكتيري الذي تسببه الجرثومة المذكورة، فهي من فئة مضادة ومحللة للدم، يرد عليها الجهاز المناعي للجسم بإنتاج أجسام تصيب، إلى الجرثومة، بروتينات الجسم عن طريق ردة فعل متقاطعة.
العلامات السريرية للإصابة
بعد مرور فترة تتراوح بين أسبوعين وأربعة أسابيع على الالتهاب الحاد في اللوزتين، يمكن تسجيل أربعة أنماط أو أشكال سريرية من إصابة المفاصل:
1. الشكل الأول يسمى تناذر التهابي ويتكون من ارتفاع في الحرارة يترافق مع شحوب، زيادة في التعرق، تعب عام وآلام في الرأس يصاحبه في بعض الحالات نزف من الأنف.
2. الشكل الثاني يجمع علامات هضمية خادعة، تشمل نقصاً في الشهية للطعام، تقيؤا وإسهالاً أو إمساكاً يترافق مع ألم في البطن ويمكن أن يوجه التشخيص بالخطأ على حالة تشبه التهاب الزائدة الدودية.
3. تناذر مفصلي قد يرتدي أشكالا سريرية عديدة: ففي بعض الحالات تسجل إصابات في المفاصل بطريقة متزامنة أو متلاحقة، وهي حالة نادرة ولكنها نمطية حيث نستنتج إصابة العديد من المفاصل الضخمة (الكتف، الكوع، الرسغ، الورك، الركبة، الكاحل..)، ويتبين عند الفحص السريري أنها في حالة احمرار، ساخنة عند الجس، مؤلمة ومتضخمة الحجم. تختفي هذه الإصابة بعد بضعة أيام من دون أية تداعيات في أغلب الأحيان، إذ هي متحركة تنتقل من مفصل إلى آخر. وفي حالات أخرى يصيب المرض مفصلاً واحداً، كالورك مثلاً ويتصاحب ذلك مع ارتفاع في الحرارة وتعب عام. كما يمكن للمرض أن يظهر على شكل ألم خفيف، مصيباً عدة مفاصل مع ارتفاع في الحرارة، ولا يرافقه أي تغير من علامات الالتهاب الموضعي.
4. تناذر قلبي، حيث تحصل إصابة في القلب بعد فترة أسبوعين أو ثلاثة تقريباً من إصابة المفاصل، وتظهر على شكل ضيق في التنفس، ألم في الصدر، تسارع في دقات القلب وغالباً ما يظهر الفحص المتأني للقلب وجود نفخة صوتية في القلب لم تكن موجودة من قبل، أو خفوت واضح في صوت دقات القلب، أو غيرهما من العلامات التي تشير إلى إصابة أخرى في القلب (على مستوى أحد الصمامات، عضلة القلب..).
الفحوصات المساعدة للتشخيص
• تقدم الفحوصات والتحاليل البيولوجية إثباتات هامة للتشخيص الإيجابي، حيث يستتبع ارتفاع نسبة الكريات البيضاء في الدم (خصوصاً تلك الفصيلة منها التي تشير إلى إصابة بكتيرية)، وعلامات واضحة للالتهاب مع ازدياد سرعة تخثر الدم وزيادة نسبة البروتين سي. والأهم من ذلك الزيادة الواضحة والعالية في نسبة أنزيم نوعي في الدم، ما يؤكد الإصابة البكتيرية النوعية.
• أما بقية الفحوصات فتشمل صورة شعاعية للصدر (الرئتان والقلب) والصورة الصوتية والدوبلر للقلب التي تمكن من إثبات وجود تضخم في القلب أو أي إصابة أخرى، أو وجود سائل داخل البلورا (غشاء الرئة) أي ذات الجنب، كما أن تخطيط القلب الكهربائي يعطي علامات واضحة في حال الإصابة.
• ويمكن للطبيب أن يستعين بعلامات سريرية واضحة تتجمع مع بعضها لتحدد تشخيص الإصابة بداء المفاصل، ومن هذه العلامات: برهان وجود إنتان بجرثومة العقدية الرئوية مع وجود تناذر التهابي وإصابة وحيدة أو متعددة للمفاصل أو إصابة في القلب.
سبل الوقاية
تجدر الإشارة إلى أهمية المعالجة السليمة والكافية للالتهابات التي يتعرض لها الأطفال والأولاد، خصوصاً في اللوزتين، والامتناع عن المعالجة الذاتية (التي تعد استهتاراً بصحة وحياة هؤلاء الأطفال)، والرجوع دائما إلى الطبيب المعالج الذي يمكنه وحده أن يصف الدواء المناسب بعد الاحاطة بجميع المعطيات والفحص السريري ما يمكنه من دقة التشخيص. من هنا يمكن القول إن الالتهابات المتكررة للوزتين تستلزم علاجاً وقائياً في معظم الحالات، وذلك تفادياً لحصول تداعيات كثيرة منها: داء المفاصل الحاد، وربما استوجب وضع الطفل الصحي، استشارة طبيب الأنف والأذن والحنجرة لإجراء عملية استئصال اللوزتين في بعض الحالات.