التصنيفات
صحة ورعاية الطفل

الحمى المالطية Brucellosis

تشكل حمى مالطا (Maltese fever) المثل الواضح لانتقال الأمراض التي تصيب الحيوان إلى الإنسان. وتأتي العدوى إما بطريقة مباشرة مع الحيوان، فيتم انتقال الجرثومة بواسطة الجلد أو الأغشية (العين مثلاً)، وإما بصورة غير مباشرة عن طريق الجهاز الهضمي، من خلال تناول لحم الحيوان المصاب أو الحليب ومشتقاته.

يعود سبب الإصابة إلى جرثومة من فئة العصيات، وقد عُزلت للمرة الأولى على يد الطبيب الإنكليزي «بروس» (Bruce) في العام 1887، وكان ذلك في جزيرة مالطا في البحر الأبيض المتوسط، وبعد وفاة أربعة جنود بريطانيين أصيبوا بحمى خبيثة بعد تناولهم حليب ماعز طازجاً (غير مغلي وغير معقم)؛ وقد وجدت الجرثومة في طحال الجنود المصابين بهذا المرض، والذي سمي منذ ذلك الحين بحمى مالطا، كذلك سميت مجموعة العصيات «بروسيلا» (Brucella)، نسبة إلى الطبيب الذي اكتشفها.

يتواجد المرض في عدة بلدان ضمن الحوض الشرقي للبحر الأبيض المتوسط، بين قطعان الماشية والماعز، وكذلك في الأميركيتين الوسطى والجنوبية وفي بعض أنحاء أفريقيا، كما يمكن للعدوى أن تتم عن طريق حيوانات أخرى مصابة كالخنازير والكلاب.

تبقى بعض المهن معرضة أكثر من غيرها للإصابة: كالأطباء البيطريين، عمال المسالخ، المزارعين، الصيادين… إذ ينتقل الوباء بحمى مالطا من خلال تناول الإنتاج الحيواني غير المبستر (غير المعقم) لا سيما الحليب والزبدة والبوظة. ويمكن للجرثومة أن تبقى حية لمدة ثلاثة أسابيع، وانتقال العدوى من إنسان إلى آخر نادر الحدوث، إلا في حالات: نقل الدم أو زرع نخاع العظم أو من خلال المشيمة من الأم إلى الجنين، أو عند الولادة. وقد أدت وسائل التعقيم والاحتياطات الصحية إلى تدني نسبة الإصابات بشكل كبير في البلاد الصناعية المتقدمة؛ وتحدث العدوى غالباً لدى السياح والزائرين الذين يشاطرون أهل البلد المضيف عاداتهم الغذائية.

تحصي منظمة الصحة العالمية خمسمائة ألف إصابة سنوية في العالم، ولا يزال المرض منتشراً في دول حوض البحر الأبيض المتوسط، حيث النقص في قواعد النظافة العامة وتدني وسائل التعقيم وشح المياه وغياب المراقبة الصحية على المنتجات الحيوانية (ألبان وأجبان بخاصة).

العلامات السريرية للحمى المالطية

بعد العدوى، من خلال الجلد أو الجهاز الهضمي، تستقر الجرثومة بادئ الأمر وتتكاثر في العقد اللمفاوية، لتنتقل إلى الدم مشكلة حالة إنتان حاد لتنتشر منه إلى الطحال والكبد ونخاع العظم والخصيتين، ليتطور المرض إلى:

1. المرحلة الأولى وهي مرحلة عدوى الدم، أو الغزو الأول، يصاحبها ارتفاع حرارة متواصل وتعرق ليلي بخاصة وآلام في المفاصل والعضلات. ويبحث الفحص السريري عن التضخم في الكبد والطحال والغدد اللمفاوية؛ إذ يمكن لهذه المرحلة أن تبقى في حدودها الأولى متمركزة بشكل هادئ ولفترة تدوم أسابيع. ويتم التشخيص من خلال اختبار مصلي نوعي؛ ويمكن أن يتحول إلى شكل «تيفوئيدي» مع ارتفاع حرارة مستمر، آلام ونفخة في البطن مع انخفاض سرعة النبض معاكساً لارتفاع الحرارة. وهذه العلامة الأخيرة من علامات حمى التيفوئيد، مما يدعو للاشتباه بهذا المرض، وهناك إمكانية تمركز الإصابات العظمية في العمود الفقري، الورك أو الركبة (عند الأطفال) والخصية وصولاً إلى التهاب السحايا (غشاء الدماغ) والدماغ.

2. أما المرحلة الثانية فهي بؤرة «البريسولوز» التي تعتبر مرحلة متأخرة وذات تمركز ثانوي ويمثل 20 إلى 40 % من الحالات. وبعد مرور ستة أشهر تقريباً، مع التمركز العظمي المفصلي في 75 % من الإصابات لاسيما في فقرات الظهر والديسك وفي الحوض، يتم التشخيص عن طريق الفحص بالأشعة السينية لاحقاً. من هنا أهمية الفحص بالتقنية الحديثة: الرنين المغنطيسي أو المسح الطبقي بالكمبيوتر (CT/Scan)؛ كما يمكن للإصابات أن تتموضع في السحايا والدماغ والكبد والأعضاء التناسلية (الخصية، الأنبوب..). وتبقى الإصابة الأكثر وقعاً في القلب (بطانة القلب، الشغاف أو التامور….)، أو الإصابات المتعددة للأحشاء مع إمكانية القصور الكبدي والكلوي، ما يؤدي إلى الوفاة في 80 % من هذه الحالات المتأخرة. من هنا ضرورة الاستفادة من التقنيات الحديثة، التي ذكرناها أعلاه، لتحديد أماكن المرض باكراً قبل استفحاله.

3. أما المرحلة الثالثة فتتمثل بالإصابة المزمنة غير المتمركزة، مسبوقة بالبريسلوز الحاد، وهو يجمع: الوهن العام والتعرق مع الاحتفاظ بوضع صحي عام لا بأس به.

وسائل التشخيص

• من الناحية البيولوجية يجري الزرع المخبري للدم، ويتكرر في فترات ارتفاع الحرارة الشديد (39 وما فوق)، ويمكن أخذ عينات نسيجية موضعية كذلك للزرع.

• يعتمد التشخيص كذلك على فحص نوعي تشخيصي لمصل الدم عند المصاب، وفحوصات أخرى يمكن أن تؤدي دورها من خلال فحص المصل أيضاً.

• إلى جانب التحليل العادي للدم، الذي يظهر وجود انخفاض نسبة الكريات الحمراء عموماً، مع ازدياد نسبة الخلايا البيضاء من الفئة اللمفاوية، هبوط نسبة الصفائح الدموية، مع تحلل في الدم وفقر فيه، كلها علامات مهمة تساعد في تشخيص المرض.

ما هي سبل الوقاية؟

يمكن أن نستنتج مما تقدم الوسائل الآيلة إلى عدم الإصابة، أو الطرق الكفيلة بتجنب التقاط العدوى بهذا المرض، إن من خلال التعاطي مع الحيوانات الحاملة للجرثومة (الماعز في بلادنا خصوصاً)، والامتناع عن تناول اللحوم النيئة، أو من خلال استهلاك الحليب ومشتقاته (لبن الماعز والأجبان)، بالعمل على تعقيم الحليب قبل تناوله سواء كمادة أساسية، أو بعد تحويله إلى مادة استهلاكية أخرى (اللبن الرائب هو الأكثر شيوعاً وبخاصة في المناطق الجبلية وفي الأماكن التي لا تخضع للمراقبة الصحية من قبل وزارتي الصحة العامة والزراعة، على غرار ما يجري مراقبة ذلك عادة في المعامل التي تنتج هذه المواد) أو من خلال بسترة الأجبان والبوظة التي يدخل الحليب في تركيبتها.