لفترة طويلة، اعتقد العلماء أن الدهون المشبعة – النوع الموجود في اللحوم، الأجبان كاملة الدسم، الزبد، الحليب البقري، القشدة، المثلجات وزيوت جوز الهند والنخيل – كانت سببًا رئيسيًّا للإصابة بأمراض القلب. ولكن هذا الاعتقاد مر بتحول كبير مؤخرًا؛ حيث اكتشف الباحثون المزيد عن الدهون المشبعة. وأشاروا إلى أن العلاقة بين الدهون المشبعة وأمراض القلب معقدة أكثر مما كنا نعتقد في السابق.
وهذا هو الاعتقاد الحالي. تزيد الدهون المشبعة من البروتينات الدهنية منخفضة الكثافة وهي مضرة لقلبك. ولكن يبدو أنها تزيد كوليسترول البروتينات الدهنية عالية الكثافة (الكوليسترول المفيد) أيضًا وتقلل الدهون الثلاثية، والذي يفيد القلب.
في الواقع، تظهر الدراسات الحالية أنه يمكن للدهون المشبعة أن يكون لها أثر إيجابي وسلبي على صحة القلب. وتدعم الدراسات السكانية الأخيرة هذه الفرضية (وهي الدراسات التي تُجْرَى على أعداد كبيرة من الأشخاص عبر فترات طويلة من الزمن)، فقد اكتشفوا أنه لا يوجد دليل قوي حول ارتباط استهلاك الدهون المشبعة بالخطر المتزايد للإصابة بأمراض القلب. فلا يبدو أنه يُزيد أو يقلل من هذا الخطر.
بالطبع، رأينا تلميحات بشأن ذلك عندما تجلت المفارقة الفرنسية. وهذه المفارقة هي الاكتشاف الذي وضح انخفاض معدلات إصابة الفرنسيين بأمراض القلب مقارنة بمن يتبعون نظمًا غذائية تحتوي على نسبة أكبر من الدهون المشبعة، ما دعا الباحثين للتساؤل حول إذا ما كانت الدهون المشبعة حقا سببا للإصابة بأمراض القلب.
وبشكل منفصل، نعرف أيضا أن الدهون الأحادية غير المشبعة (الموجودة في الأسماك، المكسرات، زيت الزيتون، الأفوكادو وما شابه ذلك) نافعة لقلبك. فقد كشفت الدراسات أن الأشخاص الذين تتضمن نظمهم الغذائية العديد من الدهون غير المشبعة، أقل عرضة للإصابة بأمراض القلب.
لذلك، لا ندري وجهتنا – هل نستمر في تناول الدهون المشبعة أم نبقى بعيدًا عنها؟
تعتمد الإجابة على ما تقارنه بها. لا أقصد التهرب من الإجابة، لكنه حقًّا سؤال معقد. إليك ما يتوقف عليه الأمر: عندما يستبدل الأشخاص بالدهون المشبعة دهونًا غير مشبعة صحية، فذلك يفيد صحة قلوبهم. ولكن إذا استبدلوها وتناولوا النشويات البسيطة – الدهون المتحولة وغيرها من الأطعمة غير الصحية، فإنها تضر بصحة قلوبهم.
يتضح الآن أن الدهون المشبعة يمكن أن تكون مفيدة ومضرة – بعبارة أخرى، محايدة. ولكن الدهون غير المشبعة نافعة، والدهون المتحولة مضرة. لذلك، يتعلق كون الدهون المشبعة خيارا أفضل على ما تقارنه بها بالفعل. فكر في الأمر بهذه الطريقة. تخيل أنك تنظر إلى قائمة العشاء وبها ثلاثة خيارات متساوية من حيث السعرات الحرارية: دجاج مقلي تم خبزه وطهيه بسمن يحتوي على دهون متحولة، شريحة لحم فيليه (من الخاصرة)، وسمك السلمون المشوي. أيهما تطلب؟
السلمون هو الخيار الأفضل لأنه غني بالأحماض الدهنية أوميجا 3 الصحي المفيد لقلبك. قد تكون شريحة اللحم الفيليه والتي تحتوي على دهون مشبعة، محايدة فيما يخص صحة قلبك. وتكون أفضل إذا كانت من بقرة تتغذى على العشب. ولكن الدجاج المقلي مضر قطعًا لقلبك.
لذلك، عند المقارنة بالدجاج المقلي، فإن شريحة اللحم البقري المغذى على العشب خيار أفضل. ولكن عند المقارنة بشريحة اللحم البقري، يصبح السلمون هو الخيار الأفضل.
نصيحتى؟ اطلب السلمون معظم الأوقات، تناول شريحة اللحم البقري في بعض الأحيان. وتجنب الدجاج المقلي إلى حد كبير طوال الوقت. بعبارة أخرى، اجعل الدهون المشبعة في الحد الأدنى، ولكن لا بأس من الاستمتاع بها في بعض الأحيان. فكر في اللحوم الحمراء، الزبد، الأطعمة الدهنية الغنية بالدهون وغيرها من الأطعمة الغنية بالدهون المشبعة على أنها أطعمة نتناولها في بعض الأحيان بكميات قليلة.
يتلخص الأمر في اتخاذ خيارات معقولة. أود أن تختاروا الأطعمة الطبيعية التي تحتوي على نسبة من الدهون المشبعة بدلًا من الأطعمة غير الطبيعية الغنية بالنشويات البسيطة والدهون المتحولة. تناول جزءًا صغيرًا من المثلجات الحقيقية بدلا من وعاء كبير من المواد المزيفة. تناول شريحة صغيرة من جبن الشيدر بدلا من شريحة عملاقة خالية من الدهون غير المرغوب بها والتي لها مذاق يشبه البلاستيك. اطهِ البروكلي بقليل من الزبد بدلا من كتلة من السمن النباتى. فهمت الفكرة؟
لكن لم يُحسم أمر الدهون المشبعة بعد. أعتقد أننا سنسمع المزيد حول هذا الموضوع في المستقبل القريب، حيث يدرسه الباحثون على نحو أوثق، لذلك ترقب حتى نعلم المزيد.