كان متأخّرا عن الاجتماع، وقد حمل محفظته الجلدية وانطلق إلى المصعد؛ وعندما لاحظ أنه قد مضت عدة ثوان، قرّر أنه سيكون أسرع إذا صعد المجموعة المتواصلة الثلاث من درجات السلّم. وبعد الطابق الثاني، توقّف ووضع يده على صدره، وأخذ بعض الأنفاس العميقة؛ كما شعر بشد وضيق خلف القص وبدا يتنفّس بصعوبة؛ وبعد أن استراح بضع دقائق، زال الانزعاج.
يمثّل الوصف أعلاه أحد أكثر نماذج الأعراض شيوعا في داء الشرايين الإكليلية – الذبحة الصدرية.
الانزعاج في الذبحة
عندما لا يتلقّى العضل القلبي كفايته من الأكسجين والعناصر المغذّية، تستعمل الخلايا القلبية مخازنها الخاصة من الطاقة للضخّ؛ لكن هذه العملية تعمل لفترة قصيرة فقط قبل أن تتاذّى هذه الخلايا بشكل دائم.
وعلاوة على ذلك، تؤدي هذه العملية إلى تشكّل نواتج لا يمكن نزعها بكفاءة بسبب انسداد الجريان الدموي، والذي سبّب المشكلة أولا؛ وقد أشير إلى أنّ تشكّل هذه النواتج الضارّة مثل الحمض اللبني (اللاكتيك) هي السبب للألم في الذبحة والنوبات القلبية، مثلما يؤدي تشكّل حمض اللاكتيك في عضلاتك الأخرى إلى ألم عندما تجهدها بالعمل.
أسباب الذبحة الصدرية
الذبحة هي عرض ينجم عن نقص تروية العضلة القلبية؛ ويمكن أن تتفاوت درجة التضيّق الإكليلي، حيث تتراوح من انسداد جزئي في أحد الأوعية إلى انسداد واسع في عدة أوعية.
ما مدى خطورة الذبحة الصدرية؟
عندما لا تحدث الذبحة إلا بعد إجهاد فيزيائي غير مألوف، فلا حاجة لتغيير كبير في طراز الحياة للحيلولة دون حدوث الألم؛ غير أنّ بعض الناس يعانون من نوبات متواترة للذبحة خلال الأنشطة اليومية الروتينية؛ ويمكن أن تغيّر طراز حياتهم اليومية بحيث لا تقوم بأية تمارين مجهدة؛ ومن اللافت للنظر أنّ شدة الأعراض لا ترتبط مباشرة بعدد الشرايين الإكليلية المسدودة؛ إذ يمكن أن يؤدّي الانسداد الشديد في فرع صغير لشريان إكليلي إلى انزعاج كبير لدى شخص يفوق بكثير الانزعاج الناجم عن التضيّق الشديد في الجذوع الشريانية الإكليلية الرئيسية في شخص آخر.
لا يكون لدى بعض المصابين بالإقفار ألم صدري ذبحي نموذجي، بل يعانون من ضيق التنفّس أو – بدرجة أقل شيوعا – من التعب أو الضعف كعرض وحيد أو رئيسي لنقص المؤونة القلبية (الإقفار)؛ ومع ذلك، مهما تكن الأعراض الناتجة، يمثّل داء الشرايين الإكليلية نقص مؤونة العضل القلبي، وينبغي مراقبة طبيبك لذلك.
من يصاب بالذبحة الصدرية؟
الذبحة شائعة، لكن يندر أن تحدث قبل عمر 30 سنة في الرجال وبعد ذلك في النساء؛ ويعاني نحو 3 ملايين شخص في الولايات المتحدة من الذبحة، وتظهر 300000 حالة جديدة سنويا.
أنماط الذبحة
يمكن تقسيم الذبحة المرتبطة بانسداد الشرايين الإكليلية حسب نموذجها المتوقّع خلال فترة طويلة (الذبحة المستقرّة Stable Angina) أو إلى ذبحة حديثة أو مترقية (الذبحة غير المستقرّة Unstable Angina)؛ وهناك نمط ثالث من الذبحة هو الذبحة المتغيّرة Variant Angina، وهو غير مرتبط بتكوّن لويحة في الشرايين، بل ينجم عن تشنّج العضل المحيط بالشرايين الإكليلية.
الذبحة المستقرّة
عندما يبقى نموذج الألم الصدري بلا تغيير من حيث شدته وتواتره ومدته لعدة أسابيع أو شهور، يدعى الذبحة المستقرّة؛ ويمكن التكهن بالأعراض نوعا ما، وهي تحدث بالمقدار نفسه من الجهد أو الكرب نسبيا.
وتكون المشكلة الرئيسيّة في الذبحة المستقرّة هي وجود انسداد ثابت في الجريان الدموي عبر شريان إكليلي أو أكثر بسبب لويحة عصيدية تصلّبية؛ وهذا ما يؤدي إلى تضيّق قطر الشريان الإكليلي بحيث يمكن أن يصل مقدار محدود من الدم الذي يحمل الأكسجين والعناصر المغذّية إلى العضل القلبي.
يجب أن يعلم بوب أنه يواجه مشكلة في صعود الأدراج؛ وهو يعاني من الألم الصدري نفسه في كل مرّة كان يجهد فيها نفسه السنة الماضية.
يمكن أن يكون الجريان الدموي كافيا للقلب عندما يكون بحالة الراحة؛ غير أنك عندما تجهد نفسك، لا يسمح الانسداد بزيادة الجريان الدموي تلبية لزيادة متطلّبات القلب؛ حيث تتجاوز حاجة القلب من الأكسجين ما يصله منه؛ فيحدث نقص مؤونة (إقفار) العضلة القلبية، مما يؤدي إلى أعراض الذبحة؛ وقد تكون المعالجة بالأدوية كافية لتدبير الذبحة المستقرّة.
الذبحة غير المستقرّة. تشير إلى نموذج الأعراض عندما تكون الذبحة حديثة أو طويلة المدة أو الأشد أو الأكثر تواترا أو تثار بكرب أو جهد أقل أو تحدث خلال الراحة أو لا تستجيب كثيرا للأدوية المستعملة في تفريج الانزعاج.
وبعد شهر أو أكثر، بدأ بوب يعاني من ألمه الصدري بعد بضع خطوات فقط، وأحيانا خلال مجرّد القراءة أو مشاهدة التلفاز.
يدلّ وجود الذبحة غير المستقرّة على أن الحالة الخفية (المستبطنة) هشة ومتفاقمة؛ وبما أن هذا النموذج يحدث قبل ظهور النوبة القلبية، يدعى «الذبحة السابقة للاحتشاء Preinfraction Angina» أحيانا.
لم يكتشف الباحثون تماما ما يحدث خلال الذبحة غير المستقرّة؛ ولكن قد تكون مرحلة من داء الشرايين الإكليلية تسوء فيها شدة الانسداد بشكل متقطّع ثم تتحسّن بشكل دورات متكرّرة.
لقد بيّنت بعض الدراسات أن الشرايين الإكليلية لدى الأشخاص المصابين بالذبحة المستقرّة تكون ذات سطح داخلي (بطاني) أملس خال من الجلطات الدموية، أما المصابون بذبحة متفاقمة فيكون لديهم تقرّح وخشونة في الطبقة البطانية، بينما توجد جلطات دموية تتشكّل وتذوب بشكل منفرد في الذبحة غير المستقرّة غالبا.
عندما تحدث الذبحة خلال الراحة، لا يكون القلب بحاجة إلى أكسجين إضافي، لأنه لا يوجد جهد إضافي؛ لذلك، ينبغي أن تكون المشكلة نقصا مفاجئا في المدد الدموي؛ وقد يكون ذلك ناجما عن أحد أمرين:
الأول، تستطيع الأوعية الدموية الإكليلية – مثل كافة الأوعية الدموية – أن تتوسّع أو تتضيّق كخاصية ناظمة سوية؛ وعندما يأمر الجهاز العصبي الشريان بالتضيّق، ويكون قد تعرّض قبلا لتوّه لانسداد شديد بلويحة عصيدية تصلّبية، يمكن أن يتوقّف الجريان الدموي غير الكافي أصلا بشكل حاد.
أما السبب الثاني المحتمل لنقص الإمداد الدموي فهو أنّ اللويحة التصلّبية العصيدية تكون عند الموضع الذي يكون فيه اضطراب الجريان كبيرا (مثل الانحناء في الشريان)، وعندما تكون بطانة الوعاء الدموي (البطانة الوعائية) تالفة جزئيا ومضطربة الوظيفة؛ ويؤدي هذا الضرر إلى تلازن (تلاصق) الصفيحات على ذروة اللويحة العصيدية التصلّبية؛ ويؤدي التلاصق الإضافي للحطام إلى إعاقة الجريان الدموي أكثر؛ وبعد أن تتكدّس الصفيحات إلى درجة معيّنة، يمكن أن تنحلّ الكتلة الصفيحية أو تتحطّم وتتحرّك، وبذلك يعود الجريان الدموي كما كان في مستواه دون المثالي السابق.
يمكن أن تكون إحدى هاتين الآليتين مسؤولة عن النموذج المتذبذب للذبحة غير المستقرّة؛ وبما أن الذبحة غير المستقرّة حدث خطير، يوصي طبيبك عادة بدخول المستشفى للاستقرار والتقييم والمعالجة الإضافية.
الذبحة المتغيّرة
يمكن أن تتشنّج الألياف العضلية المحيطة بالشرايين الإكليلية في بعض الأشخاص.
عندما يحدث ذلك، يمكن أن تتضيّق اللمعة (الجزء الأجوف من الشريان) عند موضع ما بشدّة أو حتى تنغلق مؤقتا؛ وقد تحدث عدة مشاكل، بما في ذلك نقص المدد (إقفار) الصامت والذبحة والنوبة القلبية.
تختلف الذبحة المتغيّرة (تدعى ذبحة برنزميتال Prinzmetal، والذي كان أول طبيب وصف نموذج أعراضها) عن النمط المألوف للذبحة، حيث تكون الحاجة إلى الدم الغني بالأكسجين أكثر مما يأتي منه؛ ففي الذبحة المتغيّرة، قد يحدث التشنّج حتى بغياب الحاجة الزائدة؛ أو بعبارة أخرى، يتوقّف الإمداد الدموي إلى درجة أقل من المتطلّبات الدنيا للعضل القلبي حتى عندما يكون في حالة الراحة؛ ويمكن أن تحدث ذبحة شديدة مع التشنّج، لكن بعض الناس لا يعانون من أعراض (نقص المدد الصامت).
يمكن أن يحدث التشنّج من دون سبب واضح، لكنه قد ينجم أيضا عن كرب انفعالي (عاطفي) قوي أو التعرّض للبرد أو استنشاق دخان السجائر.
تميل أعراض الذبحة المتغيّرة إلى الاختلاف عن نموذج الذبحة المستقرّة أو غير المستقرّة؛ حيث تكون الذبحة المتغيّرة شديدة بشكل نمطي وتدوم لفترة وجيزة وكثيرا ما تحدث ليلا وتوقظك من النوم؛ وتكون اضطرابات النظم القلبي الشاذة شائعة خلال فترات انقطاع الجريان الدموي، والتي قد تؤدي إلى الغشي.
هل الذبحة مؤلمة دائما؟
يمكن أن يؤدي نقص الأكسجين عن القلب – الإقفار – إلى ألم يدعى الذبحة؛ لكن قد يكون الإقفار «صامتا» أيضا، فلا يؤدي إلى أي ألم حتى خلال النوبة القلبية؛ وقد وجدت دراسة كبيرة للمقيمين في مستشفى فرامنغهام Framingham أن %35 من النوبات القلبية تحدث عند النساء و%25 عند الرجال لم يعلم المصابون أنها كذلك مطلقا؛ وقد ذكر نحو نصف الذين خضعوا للدراسة عدم شعورهم بالأعراض، واعتقد النصف بأن الأعراض كانت ناجمة عن حالة أخرى، مثل عسر الهضم.
كما بيّنت الدراسات أنّ زهاء %50 من حالات الانسداد في الشريان الإكليلي لا تؤدي إلى أية أعراض مطلقا؛ ويمكن أن يؤدي الإقفار (نقص المدد) الشديد الناجم عن الانسداد في عدة شرايين إكليلية إلى أعراض هامة لدى بعض الناس، بينما لا تؤدي إلى أية أعراض لدى البعض الآخر؛ كما قد يكون نقص المدد (الإقفار) «صامتا» لدى بعض المرضى بسبب الفوارق في إدراكهم للألم؛ فعلى سبيل المثال، قد يكون لدى المصابين بداء السكر نقص بالإحساس بالألم بسبب التلف الذي يحدث للأعصاب.
قد لا يدرك بعض الناس المشكلة القلبية إلى حين ظهور أعراض قصور القلب الاحتقاني – التعب الشديد بالجهد وضيق التنفّس، لا سيّما عند الاستلقاء.
معلومة
من بين كافة الأدوية المحظورة، ربما يكون الكوكايين سبب أكثر الوفيات الناجمة عن المرض القلبي؛ ويمكن إرجاع ذلك إلى المضاعفات القلبية الوعائية الأخرى أيضا، مثل متلازمات الألم الصدري والنوبات القلبية والسكتات واضطرابات النظم القلبي المميتة وغير المميتة والتهاب العضلة القلبية والتهاب الشغاف والوذمة (الإستسقاء) الرئوية والخثار الوعائي واعتلال العضلة القلبية التوسّعي.
فبعض هذه المضاعفات الخطرة على الحياة قد تحدث حتى في أولئك الذين يجرّبون تعاطي الدواء لأول مرة؛ كما يكون المسنّون المصابون بشذوذ الشرايين الإكليلية وآفات الأوعية الدماغية في خطر أكبر، وكذلك الحوامل وأجنتهنّ.
معلومة
يمكن أن تكون الحميات الغذائية النباتية فقيرة بالدهن الكلي والدهن المشبع والكولستيرول، مما ينقص خطر السمنة والداء القلبي الإكليلي وارتفاع ضغط الدم وداء السكر وبعض أشكال السرطان؛ لكن يجب أن لا يكون الاعتماد على الطعام النباتي لفترة طويلة.
وعلى العموم، يؤمّن الغذاء المتوازن الذي يحتوي على ضروب مختلفة من الفاكهة والخضروات والحبوب والبقول – مع ما يكفي من السعرات الحرارية اللازمة لتلبية حاجاتك من الطاقة – كلّ ما يحتاج إليه الجسم البشري للصحة تقريبا؛ لكن الفيتامين B12 يأتي من مصادر حيوانية طبيعية فقط، وهذا ما يمثّل مشكلة للنباتيين بشدّة؛ ويمكن الحصول على مصدر موثوق من الفيتامين B12 من بعض حبوب الفطور المدعّمة ومشروبات الصويا الغنية وبعض أصناف خميرة الجعة، بالإضافة إلى مستحضرات الفيتامين.
معلومة
عندما تعاني من ألم صدري خلال الراحة، قد تكون مصابا بالذبحة المتغيّرة أو ذبحة برنزميتال Prinzmetal`s Angina؛ وتعدّ مضادات الكالسيوم والنترات فعالة جدّا في الوقاية من التشنّج الإكليلي في هذا النمط من الذبحة.
تميل ذبحة برنزميتال إلى أن تكون شديدة لفترة من الزمن، ثم تتناقص شدتها، لكن تبقى بحاجة إلى المعالجة بالأدوية؛ وقد يكفي 6-12 شهرا من المعالجة الدوائية؛ ولكن في بعض الحالات، يلجأ إلى رأب الأوعية الإكليلية عبر اللمعة من خلال الجلد (التوسيع بالبالون)، لا سيّما إذا أدى الانسداد إلى تشنّج. تذكّر: قد يكون للألم الصدري عدد من الأسباب، ويمكن ألا يكون دائما دليلا على الذبحة.