إذا سألتَ خبراء في حقل التقدّم بالعمر عن أفضل التدخّلات لتفادي تأثيرات التقدّم بالعمر على الدماغ، أو في بعض الحالات مرض مرتبط بالعته، فسيجيبون على الأرجح تمرين، تمرين، ومزيد من التمرينات. التمرين هو الطريقة الرئيسة والأسهل حتى الآن التي يمكن بها إحداث تغيير في صحتنا، فجهاز قلبي وعائي سليم طريقة ممتازة للحفاظ على الصحة، لا بسبب الفوائد الواضحة لرشاقتنا وسلامتنا العامة فقط، إنما لأنها طريقة ممتازة للحفاظ على دماغ سليم. عموماً، عندما نقرّر الذهاب للجري، أو المشي، أو السباحة، نلاحظ إلى أي حد يتحسّن مزاجنا بعد ذلك، وإذا ثابرنا على هذا، فسيتحسّن مستوى رشاقتنا وستصبح أجسامنا أفضل شكلاً. على كل حال، سيستفيد دماغنا في الواقع من أنواع النشاطات هذه أيضاً، وفي هذا الموضوع سأفحص الدليل الحالي عن هذه الصلة بين القلب والرأس، وأبرز أهمية الحفاظ على الرشاقة والنشاط لا لأجسامنا فقط إنما لأدمغتنا أيضاً.
تدفق الدم والدماغ
عندما نفكّر في الخلل المعرفي، نتساءل فوراً عمّا يجري في الدماغ، ولماذا وكيف يحدث التلف، وتثير أبحاث تركّز على هذه القضايا كل أنواع الأسئلة المثيرة للاهتمام. مثلاً، هل الخلل المعرفي مشكلة ذاكرة أم تخطيط؟ إذا كان كذلك، فهل يمكننا تحديد المنطقة الخاصة ضمن الدماغ التي تتأثر به؟ أيضاً، قد نتساءل إلى أي حد تبدو المنطقة المتأثرة كبيرة أو صغيرة، وما الأجزاء التي لم تتأثر؟ بالنسبة إلى أطباء سريريين، مهم أن يفحصوا مباشرة ما يجري ويفهموا أين بالضبط يحدث الخطأ. هناك، طبعاً، كل أنواع الأسئلة المنطقية التي يمكن طرحها، وبوصفي عالم أعصاب وباحث سريري يمكن أن أخبرك أن هذه بؤرة اهتمام دراسات عديدة، وربما أهم تلك الأسئلة هو، ما الذي يجري قبل أن يقع الضرر؟ بكلمات أخرى، ما الحال السابقة التي قد تسهم في ظهور الوضع الراهن؟ في سنوات حديثة، كان التركيز أكبر على نظام دعم الدماغ، وفيه البنية الوعائية ولماذا وكيف قد تسهم في صعوبات أو مرض معرفي. أحد أمثلة بروز هذه القضية إلى الواجهة هو عبر أبحاث الجلطة، ففي حال حدوث جلطة، يُحرم الدماغ من تدفق دم كافٍ إلى منطقة معينة، أو يحدث تمزّق ينتج عنه نزيف في الدماغ. من هذا الفهم الأساسي، نعرف أن اضطراباً في تدفق الدم يؤدي إلى حالٍ يعاني في الدماغ من مشكلة، وفي بعض الحالات قد تكون مميتة، لذا نعرف من أمثلة جلطات أن تدفق دم جيد يعني دماغاً سليماً، ومشكلات في تدفق الدم تعني دماغاً معتلاً. إضافة إلى هذا الدليل الفيسيولوجي من أبحاث الجلطة، يعرف باحثو العته الآن أن قضايا وعائية ضمن الدماغ قد تسهم أو تسبّب خللاً معرفياً. في الواقع، في العقد الماضي، كان ثاني أشهر نوعٍ من العته بعد داء ألزهايمر هو “العته الوعائي”. حالياً، على كل حال، لقد تطوّر هذا المصطلح ليشمل كل القضايا الوعائية والمعرفية ويُشار إليه الآن على أنه “خلل معرفي وعائي”، ويحظى باهتمام أكبر، ما ينتج عنه أبحاثاً أكثر بشأن طريقة تأثير هذا المرض، وتدفق الدم إلى الدماغ، على القدرة المعرفية.
الخلل المعرفي الوعائي
يبدو أن الجماعة السريرية تستخدم مصطلح الخلل المعرفي الوعائي تفضيلاً على العته الوعائي؛ لأنه أكثر شمولية لأنواع مختلفة من الاضطرابات وحالات الخلل المعرفية التي تجري نتيجة صعوبات في الجهاز الوعائي، ويتضمن هذا نوبات في الدماغ نتيجة جلطات صغيرة (نوبات إفقارية عابرة TIA)، وجلطات كاملة، أو شيء يدعى اعتلال المادة البيضاء (آفات المادة البيضاء)، التي تُعرّف عموماً بأنها هجمة وعائية على الدماغ عبر سلسلة من عمليات النزيف المجهرية. لا تكون حالات النزيف المجهرية هذه مرئية في فحوص مقطعية محوسبة منتظمة، وتتطلّب عادة تقويم تصوير رنين مغناطيسي لرؤية الحد الكامل للضرر. في الواقع، ينبغي استخدام تصوير رنين مغناطيسي حين يكون هذا ممكناً؛ لأن دقّته أفضل على بنى الدماغ ويمكن أن يقدّم صورة أوضح للأضرار التي قد يواجهها المرء، في حين قد تُغفل صور شعاعية فقط مناطق من الضرر. لدى إجراء مزيد من الفحص، يمكن ربط مناطق محدّدة في الدماغ بحالات خلل معرفي قد تطوّرت أو ربما تتطوّر في المستقبل.
أظن أنه مهم أن نلاحظ هنا أن تغييرات قد تجري بمرور الوقت وتكون دقيقة، أو ربما تكون هناك حادثة تسبّب تغييرات في الأداء المعرفي للفرد، والمشكلة مع التزايد الدقيق هو أن التغيير المعرفي بمرور الوقت لا يكون ملحوظاً بسهولة لأسر تَعدُّ غالباً هذه المخاوف جزءاً طبيعياً من التقدّم بالعمر. سبب حدوث هذا هو أن أفراد الأسرة يحاولون إيجاد طريقة لحماية أنفسهم وأحبائهم نفسياً من مرض قد يؤثر كثيراً على حالهم الراهنة، وإذا لم تكن هناك قضايا وهذا تقدّم طبيعي بالعمر، فلن يكون هناك سبب للخوف أو سبب لإجراء فحوصات. أرجو أن تُبقي في الذهن، على كل حال، أن إجراء فحوصات طبية مهم جداً إذا كانت مشكلات معرفية تؤثر على حياتك اليومية.
إذا شعرت بحال معرفية عامة وعُرّفت على أنها خلل معرفي وعائي، فستكون مصاباً بمتلازمة تحدث نتيجة إصابة وعائية في الدماغ. كما وُصف آنفاً، قد يحدث هذا نتيجة عوامل عديدة، قد يكون أحدها جلطة، ما قد يؤدي إلى تغيير مهم في قدرة المرء المعرفية أو حالات خلل مرتبطة بالعته.
يغطي الخلل المعرفي الوعائي كل المخاوف المرتبطة بحالات العجز المعرفي التي قد تطوّرت من أساس وعائي، وفيها العته والخلل المعرفي المعتدل الذي ظهر على أنه نتيجة تلف (ثغرات في الدماغ) بسبب قضايا تدفق الدم. عند تشخيص العته نتيجة مشكلة وعائية، لابد من وجود خلل في الأداء في حقلين معرفيين على الأقل (مثل تنفيذ/انتباه، ذاكرة، أو قدرة بصرية مكانية، أو لغة) كما يُقاس عبر اختبار معرفي، ويتطلّب هذا اختباراً مسبقاً، وأن يُظهر الاختبار الجديد تراجعاً كبيراً في حقلين على الأقل، وبرهاناً أيضاً على أن القضايا تتداخل بنشطات المرء اليومية (يُستخدم دليل تخطيط حين يكون ممكناً). يُشخّص مرض وعائي محتمل حين يكون هناك دليل تخطيط دماغي مرتبط بحادثة (مثال: جلطة) ينتج عنها قضايا معرفية، أو عندما يُظهر تخطيط دماغ مرضاً دماغياً وعائياً في منطقة مرتبطة بمشكلات معرفية يعاني منها الفرد، ولابد أن يحدث هذا بمعزلٍ عن أي تاريخ تدهور معرفي.
يُشخّص مرض وعائي محتمل حين يُصاب شخص بخلل معرفي ويكون هناك دليل من تخطيط الدماغ يشير إلى مرض دماغي وعائي. على كل حال، يُستخدم تشخيص مرض وعائي ممكن إذا لم تُحدّد صلة بين حادثة وعائية وخلل معرفي جديد في المرء، أو لم يكن هناك دليل تخطيط كافٍ، بالرغم من ظهور دليل سريري، يشير إلى مشكلة وعائية، أو لم يكن ممكناً إنجاز تقويم خلل معرفي ملائم. تنتج قضايا أخرى عن هذا التشخيص منها صعوبة تمييز أعراض مرض عصبي آخر (مثال: باركنسون أو داء ألزهايمر) عن أعراض مشكلة وعائية، أو إذا كان للفرد تاريخ من اضطرابات تأيض أو نفسية قد تؤثر على الأداء المعرفي، أو الإصابة بمرض سرطان. من ثم، عند التشخيص بعته وعائي محتمل أو ممكن، مهم، وإن يكن هذا صعباً أحياناً، تصنيف العوامل الأخرى التي قد تُحدث صعوبات معرفية.
تؤثر مشكلات وعائية بنحو معتدل أيضاً على الأداء المعرفي، وقد اقترح باحثون اسماً لمثل هذه الحالات: خلل معرفي معتدل وعائي. يضم هذا النوع من الخلل نوعين فرعيين يرتبطان بفقدان الذاكرة (خلل ذاكرة) أو عدم فقدانها (لا تتأثر الذاكرة)، من ثم إذا كان خلل معرفي معتدل وعائي يتضمن مشكلات بالذاكرة، فسيكون هذا النوع المرتبط بفقدان الذاكرة، وإذا لم يكن كذلك، يكون من نوع عدم فقدان الذاكرة. على كل حال، قد يضم كلاهما مجالات معرفية أخرى أو حقلاً واحداً فقط، ومثل العته الوعائي، ينبغي أن يكون هناك دليل عن تدهور في القدرة المعرفية كما يظهر عبر اختبار معرفي. على كل حال، قد يتأثر، أو لا، الأداء اليومي لنشاطات مختلفة.
في حال خلل معرفي معتدل وعائي محتمل، مثل عته وعائي سيتضمّن هذا التشخيص خللاً معرفياً مع دليل تخطيط مرافق عن مرض دماغي وعائي. لتحديد هذا التشخيص، لن يكون للمريض تاريخ تدهور سابق لحادثة دماغية وعائية معينة ينتج عنها عجز جديد، وإذا كان هناك دليل تخطيط واضح فيما يتعلق بأن جزء من الدماغ يبدو متأثراً، أو دليل معرفي مرتبط بهذا العجز المعرفي، فقد تُشخّص إصابتك بهذا المرض. بنحو مشابه للتشخيص الوعائي، من أجل تشخيص ممكن للإصابة بخلل معرفي معتدل وعائي، ينبغي ألا تكون هناك علاقة واضحة بين حادثة دماغية وعائية وبداية الخلل المعرفي، وعدم توافر أو فقدان معلومات تخطيط بالرغم من الأعراض السريرية التي تشير إلى خلل معرفي معتدل وعائي، و/أو عدم قدرة على تنفيذ تقويم معرفي ملائم، أو صعوبة في تمييز أعراض عن مشكلة عصبية أخرى. أيضاً، إذا كان للمرء تاريخ من اضطرابات تأيض أو نفسية يمكن أن تؤثر على الأداء المعرفي، يصبح التشخيص صعباً. أخيراً، إذا كان الفرد قد أُصيب أو يتعامل مع نموذج من السرطان، يصبح التشخيص مشكلة. من ثم بنحو مشابه لعته وعائي ظاهر، قد يكون تمييز حالات مرضية أخرى عن مشكلات وعائية معتدلة صعباً جداً ومستحيلاً تقريباً من دون إجراء بضع محاولات من اختبارات عصبية نفسية مُحكمة، والحصول على أدلّة تخطيط عبر تصوير بالرنين المغناطيسي.
تبقى مدى المسؤولية الوعائية في المراحل الباكرة من أمراض مثل ألزهايمر (أو العته) قضية رئيسة لباحثين، وبالرغم من معرفة وجود صلة بينها منذ سنوات عديدة، إلا أن فهم آلية عمل العلاقة سيكون بالغ الأهمية في السنوات القادمة.
زوّد الخلل المعرفي الوعائي باحثين بقدرة تصنيف أنواع عجز معرفي جرى ملاحظتها بمواجهة اضطرابات وعائية، ويرغب أفراد شُخّصت إصابتهم بهذا المرض أو قد تعرّضوا لجلطة أو نوبة فقر دم زائلة بمعرفة ما يعنيه هذا لهم، وقد يتساءلون: ما مضامين صحة دماغي حين أتقدّم بالعمر؟ ماذا إن أُصبت بحادثة دماغية وعائية خطرة؟ ماذا إن أظهرت “صور دماغي” مشكلة وعائية مهمة؟ سيمعن القسم الآتي النظر إلى القضية المرتبطة بهذه الأسئلة لتقديم فهم كامل عمّا قد يتوقّعه المرء وما يمكن أن يفعله بمواجهة هذه القضايا المعرفية المحتملة.
ما خطر العته بعد حادثة دماغية وعائية؟
قبل وصف ما يمكن للمرء أن يتوقّعه فيما يتعلق بقضايا وعائية ضمن الدماغ، أظن أنه مهم مراجعة مدى أهمية خطر التحوّل إلى تشخيص عته بعد التعرّض لحادثة دماغية وعائية (مثال: نوبة إفقارية عابرة أو جلطة). يكون التشخيص بعته، طبعاً، أمراً بالغ الأهمية لأفراد وأسرهم، لكن ما الصلة، مثلاً، بين الجلطة والعته؟ عموماً، يزداد خطر التعرّض لمرض مرتبط بالعته بعد الإصابة بجلطة كثيراً، وتتنوّع التقارير بهذا الشأن، لكنني سأستعرض بعض هذه الأبحاث لتقديم فهم جيد عمّا يمكن توقّعه.
يفحص باحثون وأطباء سريريون يتعاملون بانتظام مع أفراد يعانون داء ألزهايمر هؤلاء المرضى للتوثّق من قضايا وعائية ذات صلة ويسألون عن تاريخ سريري، مثل حوادث مرتبطة بجلطة، ويريد سريريون فهم القضايا الأساسية والتوثّق من تقويماتهم. بالاستفادة من التخطيط (مثال: تصوير بالرنين المغناطيسي)، يتمتعون بقدرة أكبر على تحديد مشكلات وعائية مثل مرض مادة بيضاء واحتشاء صامت كبير أو صغير (قد حدث من دون ملاحظة الفرد). يصبح اكتشاف هذه القضايا معاً أكثر شيوعاً، وليس لأن هذه الحوادث تزداد (على كل حال، هناك حجة ينبغي توضيحها هنا: في عالم الوجبات السريعة المتنامي، تزداد هذه القضايا كثيراً نتيجة حميتنا)، إنما لأن القدرة على اكتشاف هذه العلاقة قد أضحت أكثر فاعلية في سنوات حديثة.
على كل حال، الحصول على فهم دقيق لمستوى هذه العلاقة صعب؛ لأن كل دراسة تُنفّذ على هذا الموضوع مختلفة تماماً فيما يتعلق بالأفراد، وأنواع القضايا الوعائية (جلطة كاملة أو نوبة إفقارية عابرة) التي يُبلّغ عنها، أو أي أفراد تجري متابعتهم. أحد الموضوعات العامة في هذه الأبحاث هو أنه إذا أُصيب شخص بعته قبل الجلطة، أو كان العته ملحوظاً بعد حدوث جلطة، ينتج في كلتا الحالتين زيادة معدّل الوفاة أو دخول الفرد في وحدة العناية وقتاً طويلاً.
أبدى باحثون اهتماماً كبيراً أيضاً بفهم التوقيت بين جلطة وعته وقد فحصوا المعدّلات النسبية لذلك، وتشير تقارير إلى أن نسبة حدوث عته في مدّة ثلاثة شهور بعد الإصابة بجلطة تراوح بين 13.6 و32 بالمئة. تتذبذب هذه النسب بناءً على طريقة الإبلاغ عن حال الجلطة، وتضمين أو استثناء معيار معين في البحث (مثال: إذا كان أفراد مصابون بخلل معرفي، أو هناك مشكلة عصبية أخرى، أو التواصل صعباً بالنسبة إلى المريض، ما يستثنيهم في بعض الدراسات من البحث)، ونوع الجلطة التي تُفحص، أو عوامل وعائية أخرى مثل فرط توتر الدم أو التليّف الشرياني (عدم انتظام ضربات القلب). أيضاً، قد يتأثر الخلل المعرفي الذي ينتج عن جلطة بعوامل مثل مستوى تعليم المرء وعمره، وقد أظهر بحثٌ أن أفراداً أصغر سناً يقلُّ لديهم احتمال الإصابة بعجز معرفي بعد جلطة، وأفراداً قد حصلوا على مستوى أعلى من التعليم تنخفض لديهم إمكانية التعرّض لمشكلة معرفية بعد جلطة، وأولئك الأصغر سناً والأعلى تعليماً يتعرّضون لضرر أقل في الجانب الأيسر من أدمغتهم. هذا مهم لأن مناطق على الجانب الأيسر من الدماغ مسؤولة أساساً عن الكلام واللغة، وأي ضرر يصيبها يُحدث خللاً معرفياً كبيراً بسبب تأثر التواصل سلباً. فيما يتعلق بكون العمر والتعليم عاملين في الأداء المعرفي. أظن أن هذا قد يحدث لعدّة أسباب. تعليم أعلى مرتبط بالقدرة على إنشاء مجازات جديدة في الدماغ، التي يمكن أن تعوّض عن الضرر ضمن الدماغ وتحافظ على النقل العصبي (الرسائل الدماغية) ما يعني أن دماغك يستطيع بعث رسائل وتلقيها بالرغم من الضرر، غالباً باستخدام طرق بديلة، وفيما يتعلق بالتقدّم بالعمر، أدمغتنا وأجسامنا مصممة للتعافي من الإصابة بغض النظر عن أي عمر. على كل حال، عندما نكون أصغر سناً، تتمتع أدمغتنا وأجسامنا، لأسباب عديدة، بالقدرة على التعافي بسرعة أكبر، من ثم في مدة ثلاثة شهور، نتوقع أن يسجّل أفراد أصغر سناً نقاطاً أفضل، وهم يفعلون. لا يعني هذا أن التعافي إلى الحد نفسه مستحيل لأفراد أكبر سناً، وفي الواقع أظن أن الأمر يستغرق وقتاً أطول، وأن هؤلاء الأفراد ينبغي أن يعملوا فقط بجهد أكبر قليلاً لتحقيق المكتسبات والوصول إلى المستوى ذاته من العافية.
بالرغم من أن البحث قد ركّز على أوقات قصيرة حين تحديد مدّة لظهور حالات خلل مرتبطة بعته بعد جلطة، لم ينتهِ هذا البحث بعد ثلاثة شهور أو ستة وقد تابع أفراداً أوقاتاً أطول كثيراً. أظهرت دراسة سكّانية نُفّذت على امتداد 7.3 سنوات في هولندا على 6724 فرداً أن أولئك الذين تعرّضوا لجلطة قد تضاعف لديهم احتمال الإصابة بمرض مرتبط بالعته، ومعدّل العته هذا جدير بالملاحظة؛ لأنه حدث حتى عندما أزال الباحثون الوظيفة المعرفية والتدهور ما قبل الجلطة من تحليلهم. هذا يعني أن أفراداً يبدو أنهم يعانون تدهوراً قبل الإصابة بجلطة قد أُبعدوا من الحسابات، وحتى بعد أن أُبعد هؤلاء الأفراد أشارت النتائج إلى تضاعف احتمال الإصابة بمرض مرتبط بالعته بعد حادثة جلطة. هذه النتائج مهمة؛ لأنها تدل على أن مشكلات وعائية مرتبطة مباشرة بسلامة دماغ المرء وتزيد احتمال تأثر الشخص بخلل معرفي موهن. على العكس، لقد تبيّن أيضاً أن 16 إلى 18 بالمئة تقريباً من الأفراد الذين أُصيبوا بجلطة قد عانوا مرضاً مرتبطاً بالعته أيضاً، ويُظهر هذا الدليل بوضوح وجود علاقة وثيقة بين الصحة الوعائية وسلامة الدماغ.
نوبة إفقارية عابرة والعته
يصعب التوثق من حدوث نوبة إفقارية عابرة؛ لأن أفراداً قد لا يبلّغون دائماً مركز رعاية صحية بعد الإصابة بأعراضها (تشبه أعراض جلطة لكن لا تدوم إلا بضع دقائق أو ساعات). نظراً إلى عدم ديمومة الأعراض، يغض أفراد غالباً الطرف عن إبلاغ مستشفاهم أو طبيبهم العام بذلك، من ثم قد يكون الحصول على فهم حقيقي للعواقب طويلة الأمد لهذا النوع من الحوادث صعباً. إضافة إلى هذا، ولأن نوبة إفقارية عابرة تركّز أساساً على سمات مادية، لم تُجرَ أبحاث كثيرة فيما يتعلق بتأثيراتها على قدرة الدماغ المعرفية، خاصة تلك المتصلة بالعته. في الواقع، وجدتُ دراسة واحدة فقط قد فحصت تأثيرات حادّة وطويلة الأمد متعلقة بنوبات إفقارية عابرة والقدرة المعرفية بمرور الوقت. تذكّر أن نوبة إفقارية عابرة قضية سريعة الزوال متعلقة بمشكلة وعائية أساسية ويمكن أن ينتج عنها، مثلاً، فقدان رؤية أو تشوّشها، أو جَمجَمَة أو قضايا تنسيق. قد تكون هذه الأمور مخيفة جداً، لكن عندما تنتهي هذه المشكلات بسرعة، يشعر أفراد بالراحة ويعودون إلى نشاطاتهم العادية، فيضع الناس الحادثة خلفهم، ولا يكون التوثّق مما جرى أولوية لهم. في بيئات رعاية صحية، يكون التركيز على مخاوف بدنية متعلقة بهذه الحادثة، وهي بالغة الأهمية إن عانيت، مثلاً، من مشكلات في رؤيتك. على كل حال، بعد انتهاء المشكلة، قد يتساءل المرء عن التأثيرات الدائمة على الدماغ، وما قد يتوقّعه الشخص بشأن قدرته المعرفية في الأيام والسنوات القادمة؟ لقد أظهر بحث عن هذا الموضوع أن أفراداً يعانون نوبة إفقارية عابرة أو جلطة ثانوية تنخفض قدرتهم المعرفية حتى بعد استعادة قدراتهم البدنية، سواء على المدى القصير (بعد سبعة أيام من الحادثة) أو المدى الطويل (بالمعدّل بعد أربع سنوات). في الواقع، تبين أن مرضى يعانون مشكلات معرفية بعد سبعة أيام من نوبة إفقارية عابرة أو جلطة ثانوية يزيد احتمال إصابتهم بعته شديد خمسة أضعاف مقارنة بأفراد لم يكونوا، عند تقويمهم الأوّلي، عند المستوى نفسه من الخلل المعرفي. على كل حال، بعد ثلاثين يوماً، تسجّل كلتا المجموعتين (أولئك الذين يعانون مشكلات معرفية، والذين لا يعانون شيئاً) نقاطاً معرفية متماثلة، ما يدل على أن العافية قد تحقّقت إلى حدٍ معين للمجموعة التي قد عانت من خلل معرفي ملحوظ، لكن بالرغم من هذا التعافي، كما يظهر بعد متابعة أربع سنوات، يبقى بعض الأفراد في دائرة خطر الإصابة بعته شديد. يقترح مؤلفو هذه الدراسة أن هذه النتائج تشير إلى مجموعة ثانوية من الأفراد الذين يكونون عُرضة لقضايا معرفية بعد الإصابة بنوبة إفقارية عابرة أو جلطة ثانوية، وأن هذه المجموعة ينبغي أن تخضع لاختبار معرفي للمساعدة في تحديد مشكلات مستمرة. أخيراً، لاحظ هذا البحث أيضاً أن مرضى مصابين بخلل معرفي أوّلي كانوا نسبياً أقل تعليماً واحتمال ارتباكهم في أثناء التقويم أعلى. هذه النتائج، كما أظن، مهمة جداً؛ لأنها تربط مباشرة مخاوف وعائية ثانوية بالعته، وينبغي أن يكون ارتفاع احتمال تطوّر عته شديد خمسة أضعاف في بضع سنوات فقط أمراً بالغ الأهمية لأفراد يصبحون أعضاءً في هذه الشريحة السكانية.
إضافة إلى هذا، لقد أظهر باحثون أيضاً أن خطر العته ازداد بنسبة 33.1 بالمئة في أفراد أُصيبوا بنوبة إفقارية عابرة في أربعة أسابيع قبل جلطة وبنسبة 26.8 بالمئة لأفراد عانوا من هذه النوبة قبل أكثر من أربعة أسابيع من إصابتهم بجلطة. من ثم، في كلتا الحالتين، التعرّض لنوبة إفقارية عابرة يزيد كثيراً خطر إصابة المرء بعته، وينبغي أن تتوثق مؤسسات الرعاية الصحية من إيصال هذه الرسالة إلى هؤلاء الأفراد، وتوفير وقاية لتفادي مضاعفات إضافية قد تظهر، وستظهر، في ذلك الوقت.
كيف وفي أي عمر قد أُصاب باحتشاء دماغي؟
أولاً وقبل أي شيء، سأقول إن إيجاد احتشاء دماغي (منطقة فقدان أنسجة) ضمن دماغ فرد كبير السن أمر شائع، ويوجد احتشاء مزمن في ثلث إلى نصف الأفراد كبار السن. يمر احتشاء في دماغ المرء غالباً مرور الكرام، ويُصاب أشخاص كثيرون بما يدعى احتشاء صامت، ما يعني حدوث فقدان أنسجة في دماغك لكن من دون أن تلاحظ أن هذا قد جرى، ببساطة لعدم وجود علامات سلوكية تنبّهك له. هناك عدّة نشاطات فيسيولوجية تُنفّذ روتينياً في الدماغ لا نشعر أو نعرف بها – مثلاً، إزالة أنسجة ميتة أو محتضرة. لن تُلحظ حادثة مثل هذه بسبب عدم ظهور أعراض سلوكية، من ثم عدم تأثر أداء المرء، وإحدى الأسئلة الرئيسة التي قد يطرحها أفراد متقدّمون بالعمر هي: ما مدى شيوع هذا النوع من الحوادث حين أتقدّم بالعمر، خاصة إن كنت موفور العافية؟ كما قلت سابقاً، يقترح باحثون كثيرون أن حالات الاحتشاء ليست نادرة، ويمكن أن يتوقع أفراد أصحاء كبار السن رؤية فقدان أنسجة (أذيّات، احتشاء) أكثر من عموم السكان بنسبة 5 بالمئة بعمر الستين و35 بالمئة بعمر التسعين. من ثم، إحدى الآليات التي تسهم في خفض أنسجة دماغ المرء هي ببساطة التقدّم بالعمر.
من النظرة الأولى، قد يظن المرء أن هذه مشكلة كبيرة، وأنك في دائرة الخطر إن كنت ضمن هاتين الفئتين العمريتين، لكن مهم النظر إلى الأمر من الزاوية الصحيحة. بالرغم من أن فقدان أنسجة دماغية يعد بالتأكيد اهتماماً رئيساً حين يتقدّم المرء بالعمر، إلا أن المعدلات التي قدّمتها آنفاً تستند إلى متوسط شريحة سكانية محدّدة، وهؤلاء لا يمثّلون بالضرورة أفراداً قد قطعوا شوطاً طويلاً في حماية أدمغتهم بالاشتراك بفاعلية في تمرينات عقلية أسبوعية (تلميح، تلميح). كما قد أوضحت، يتمتع حتى أفراد يعانون داء ألزهايمر بالقدرة على تعديل أداء دماغهم، ومهم أيضاً الإشارة إلى أن الدماغ لا يعمل بعزلة، وإذا واجهت إحدى الطرق مشكلة، يستطيع الدماغ، مثلاً، استخدام عشرين طريقاً أخرى لنقل الرسائل نفسها (نظرية الاحتياطي المعرفي). قد يعتمد عدد المسالك أو الأقنية ضمن دماغ المرء التي تتعامل مع قضايا مثل اضطراب وعائي على عدّة عوامل، وإحدى العوامل التي تثير الاهتمام حالياً هي صحة المرء البدنية العامة، وربما يلقي فهم هذه العملية بعض الضوء على هذه الصلة، التي سأناقشها أدناه.
تزداد حالات الاحتشاء الدماغي حين يتقدّم المرء بالعمر، لكن سؤالاً آخر قد تطرحه هنا هو: إذا عانيت من احتشاء واحد، فهل من المحتمل أن أُصاب بالمزيد؟ تابع باحثون في إحدى الدراسات أفراداً متوسط أعمارهم واحد وسبعون عاماً (إجمالي 1077 مريضاً، ما تعد عينة جيدة الحجم لهذا النوع من الأبحاث) مدّة 3.4 سنوات، وأظهروا أن معدّل التعرّض لاحتشاء جديد (صامت أو عَرضي) كان نحو 14 بالمئة؛ أغلبيتها (12 بالمئة) من النوع الصامت. كان العامل المؤثر على هذه الزيادة هو العمر، وفي أثناء 3.4 سنوات، وصلت نسبة إصابة أفراد باحتشاء في المجموعة العمرية من ستين إلى تسعة وستين عاماً إلى 8 بالمئة، في حين إنها لأولئك بين الثمانين والتسعين 22 بالمئة. كان معدل إصابة النساء أعلى من الرجال، لكن أعلى قليلاً فقط والفرق ليس كبيراً، من ثم يمكن التأكيد أن النساء لن تتفوقن إنجازاً على الرجال، وهذا في هذه الحال على الأقل شيء جيد حقاً. المثير للاهتمام أن باحثين لاحظوا أيضاً أن أولئك الذين أُصيبوا باحتشاء دماغي سابق قد ازدادت فرص تعرّضهم لحادثة أخرى 2.9 مرة، وبقي المعدّل على حاله مع التحكّم بعوامل صحية أخرى، مثل فرط التوتر الشرياني، والسكري، والتليّف الشرياني. هذا يعني أنه بالرغم من إمكانية معاناة المرء من مشكلة صحية إضافية، إلا أن التعرّض لقضية وعائية دماغية يبدو أفضل مؤشر على أنك ستُصاب بأخرى. على كل حال، تزيد معظم عوامل الخطر القلبي الوعائي المؤهّبة لجلطة عموماً (مثال: فرط التوتر الشرياني، التدخين، السكري) الخطر الأوّلي لأي نوع من الاحتشاء الدماغي.
ما قد يكون مهماً لملاحظته هو أن عدّة قضايا وعائية تجري في الدماغ في هذه الشريحة السكانية كانت نتيجة حالات احتشاء صامتة، وهذا يعني أنك إذا لم تكن تخضع لاختبارات روتينية ومنها تصوير برنين مغناطيسي، يمكن أن تختبر حالات احتشاء دماغي صامتة عديدة من دون أن تلحظ ذلك. يشير هذا إلى أهمية الاشتراك في عادات جيدة بغض النظر عن أي علامات بدنية قد تتلقاها، أو لا، من جسمك، خاصة حين تتقدّم بالعمر.
على كل حال، إذا لاحظت أشياء أو تعرّضت لحادثة واضحة مثل جلطة، قد تتساءل: هل يمكنني استعادة مستواي ذاته من قدرتي المعرفية؟ أولاً وقبل كل شيء، هذا سؤال تصعب الإجابة عنه مباشرة؛ لأنه لا تحدث جلطتان متماثلتان. هناك نوعان شائعان من الجلطات التي تؤثر على الدماغ بطرق مختلفة هما نقص التروية والنزيف، ويحدُّ الأول من تدفق الدم في حين إن الآخر ينتج عن نزيف دماء في الدماغ، وكلاهما ضار جداً لصحة دماغك، لكن مدى الضرر قد يختلف قليلاً وفقاً لنوع الجلطة التي قد حدثت ومكان ومساحة الدماغ التي تأثّرت. تؤثر كل هذه العوامل على نتائج التعافي، ومع إبقاء هذه المعلومات في الذهن، يمكن أن أجيب بأمان عن السؤال آنفاً بكل من نعم ولا (أدرك أن هذا ليس مقنعاً جداً)، ونظراً إلى وجود متغيّرات عديدة في التعافي من جلطة، وفيها نوعها، وحجمها والمنطقة التي أصابتها، والفرد، ووقت الحصول على الرعاية، وغيرها، لا يستطيع المرء تقديم إجابة محدّدة عمّا سيحدث للقدرات المعرفية نتيجة جلطة. على كل حال، ما يمكنني إبلاغك به هو أنه بعد الإصابة بجلطة، يمكن أن تتوقع خللاً معرفياً وقتاً طويلاً، واقترح بعض الباحثين أن هذا يجري بمعدّل 35 بالمئة تقريباً. سيستعيد عدد من الأفراد تلقائياً قدرتهم المعرفية بعد إصابتهم بجلطة، ومجدداً قد تختلف أنواع الاضطرابات المستمرة، وربما يعاني الشخص خللاً معرفياً صغيراً جداً إلى مؤثر كثيراً. بالرغم من أن باحثين أكّدوا عدم وجود تقدّم كبير حالياً في برامج التدريب المعرفي لضحايا الجلطة، سأقترح أن هذا سيتغير في السنوات القادمة، وأظن أن البحث يقطع خطوات واسعة في تحديد نوع المهمات والبرامج التي قد تكون مفيدة معرفياً لأفراد في المراحل الخطرة التالية لجلطة. على كل حال، كما لاحظنا آنفاً، هناك عدد من الاهتمامات العالقة وينبغي أن ينتبه أفراد لها ويتخذوا كل الإجراءات اللازمة لمعالجة الوضع.
عقل سليم، جسم سليم؟
يفهم معظم الناس أننا إذا تمرنّا وتدرّبنا، يمكن أن نتوقع فوائد صحية عامة لجسمنا، لكن وجود فائدة لدماغنا، بنحو خاص، ليس في طليعة أفكار أشخاص كثيرين حين يشتركون في مثل هذه النشاطات، بالرغم من أن هذه هي الحال. لقد أثبت الدليل أن أفراداً يشتركون في نشاط بدني منتظم يمكن أن يتوقعوا رؤية فوائد معرفية، وأشارت معظم الأدلّة الباكرة عن هذا الموضوع إلى أن التأثيرات كانت مرتبطة بزيادة في حال نشاط المرء العامة. هذا يعني أن أفراداً أنجزوا مهمات معينة بنحو أفضل ببساطة؛ لأنهم كانوا في حال إدراك نتيجة نوعٍ من النشاط البدني، وقد أشار فحص عدّة دراسات أبحاث إلى أن الأداء المعرفي يمكن أن يتحسّن بعد برنامج تمرينات منتظم. على كل حال، أظهر هذا البحث أيضاً أن الأداء المعرفي قد يتأثر سلباً في أثناء الدقائق العشرين الأولى من التمرين، خاصة إذا كان التمرين جرياً على بساط متحرّك مقارنة بمهمة مثل استخدام دراجة هوائية ثابتة. هذا مفهوم لأن موارد الدماغ ستُستخدم بنحو أكبر لإبقاء المرء مركّزاً على الجهاز الثابت والتوازن، بخلاف الوضع على دراجة ثابتة، وعموماً فقد اقترح هذا البحث، الذي فحص خمسين دراسة، أنه يمكن رؤية أفضل فائدة للقدرة المعرفية بعد عشرين دقيقة من انتهاء التمرين، مقارنة بمقاييس معرفية نُفّذت قبل أو في أثناء برنامج التمرين. الأهم أن أعظم تحسّن في القدرة المعرفية بعد برنامج تمرين يُلحظ في مهمات سرعة معالجة (فيها إجراءات ردود أفعال) وذاكرة. مهم أن نتذكّر أن هذه النتائج تتذبذب بناءً على نوع التمرين الذي يؤديه المرء ونوع المهمة المعرفية التي تُنجز، ولا تعد كل التمرينات ملائمة، ولم يثبت أن أداء كل المهمات المعرفية قد تحسّن، وقد أوضحت ببساطة هنا التمرينات التي تبين أنها الأفضل فائدة.
بالرغم من إمكانية ملاحظة فوائد، قد يتساءل المرء: ماذا يجري في الدماغ؟ إذا عرفنا أن برامج تمرينات مستدامة معينة قد تبدّل بإيجابية أدائنا المعرفي، يبقى السؤال: كيف يتأثر دماغنا بطريقة تحسّن الأداء المعرفي؟ أولاً، تعدُّ أجسامنا التمرينات إجهاداً، لذا تتبدّل كيمياء دماغنا بنحو ملائم للتعامل مع بداية هذا الجهد. على كل حال، هذا الإجهاد ليس مشابهاً لحالات أخرى (كما يؤمل) ويرى جسدك التمرين على أنه نشاط مرحّب به، من ثم تتغيّر تركيزات النواقل العصبية التي تستجيب للجهد، وبنحو خاص في التمرين، تتبدّل مستويات تركيز نواقل عصبية مثل نورادرينالين، ودوبامين، و5-هيدروكستريبتامين (5-HT)، وكورتيزول في الدماغ بطرق فريدة. مثلاً، نورادرينالين ودوبامين مادتان كيميائيتان تحسّنان نقل الإشارات ضمن الدماغ، وزيادة كمية هاتين المادتين اللتين يفرزهما الجهاز العصبي المحيطي نتيجة التمرين المستمر قد تساعد في زيادة إشارات الدماغ وتحسّن بذلك الأداء المعرفي. سبب عدم تأثير مواد كيميائية أخرى من جهازك العصبي المحيطي على دماغك أيضاً هو أن حاجز الدم-الدماغ (الذي يحمي دماغك من سموم ضارّة وفرط مواد كيميائية مؤذية) يمرّر مواد كيميائية معينة فقط، وتستطيع هاتان المادتان المرور بسهولة أكبر من أخرى. من ثم، تحفيز أجهزة المرء الدورية الدموية هي إحدى نظريات سبب وجود هذه المواد الكيميائية في الدماغ والتحسّن المعرفي. إضافة إلى هذا، تعمل هذه النواقل العصبية بالتحديد على أجزاء من الدماغ مهمة لمعالجة المعلومات وتخزينها، وهذه نظرية واحدة فقط عن أن التمرين قد يغيّر الأداء المعرفي. العملية معقّدة جداً، تتداخل فيها عوامل كثيرة، وقد قدّمت تفسيراً موجزاً ومحدوداً جداً فقط عن طريقة تغيير كيمياء دماغنا، وبالرغم من ذلك أظن أن هذا الشرح قابل جداً للتطبيق؛ لأنه يساعد في تفسير أهمية مدّة التمرين في تغيير القدرة المعرفية، وأن الأمر يستغرق عشرين دقيقة أو نحو ذلك لجعل مواد كيميائية تنتقل من جهازك المحيطي إلى دماغك بكمية كافية وإلى مناطق محدّدة.
أخيراً، أودُّ فحص أبحاث التمرينات فيما يتعلق بالقدرة المعرفية في أفراد متقدّمين بالعمر؛ لأن بعض المعلومات السابقة التي قدّمتها في هذا الموضوع ركّزت على أفراد بين عمري الثامنة عشرة والثلاثين. بحثت مقالة حديثة في إحدى عشرة دراسة منفصلة تفحص برامج تدريب والنتائج المعرفية المرتبطة بها في أفراد أصحاء تبلغ أعمارهم خمسة وخمسين عاماً وأكبر. تنوّعت هذه الدراسات بشأن نوع التدريب، لذا فحص المراجعون تمرين الأيروبيك مقارنة بأنواع أخرى (مثال: برامج مرونة أو توازن وبرامج تمرينات قوة). تحديداً، أظهرت برامج أيروبيك تغييراً أكبر في مهمات مثل سرعة معالجة، وذاكرة متأخرة، وتركيز بصري، وإضافة إلى هذا، حين مقارنتها بأفراد أكبر سناً لا يشتركون في تمرينات، شوهدت مكتسبات أخرى أيضاً في انتباه سمعي وإجراءات وظيفية حركية. المثير للاهتمام أن أفراداً استطاعوا زيادة رشاقتهم التنفّسية القلبية أظهروا في الوقت نفسه تحسّناً في المعرفة. من ناحية، تشير هذه المراجعة أن هناك عدداً من الوظائف المعرفية التي لا تتأثر بتدخلات رياضية، ولذا ينبغي تشذيب النتائج؛ ومن ناحية أخرى، تدل أيضاً على أن نمط حياة نشيط بدنياً لأفراد متقدّمين بالعمر قد يحسّن الرشاقة، ما يؤثر بالمقابل إيجابياً على القدرات المعرفية.
خاتمة
أحياناً، مع تنامي الأدلّة، سيغدو أكثر وضوحاً أن مشكلات قلبية وعائية مرتبطة بعدّة قضايا سلامة معرفية ودماغية، وفيها أمراض. في بعض الحالات، أظن أن الصلة بين قضايا قلبية وعائية والصحة الدماغية الوعائية ستكون بالغة الأهمية، وإضافة إلى هذا، قد تكون عوامل مهمة لسلامة قلبية وعائية عامة مماثلة لتلك التي تضمن صحة دماغية وعائية جيدة. من ثم، قد يكون صعباً فهم مشكلات صحية وعائية جيداً؛ لأنها ترتبط بكل من الدماغ والجسم، لكن هذا ربما يكون شيئاً جيداً؛ لأن باحثين، وأطباء سريريين، والشعب عموماً سيكون لديهم إدراك أكبر لارتباط الجهاز الوعائي بصحة الدماغ، وما يؤثر على الجسم عموماً قد يكون له تأثير كبير أيضاً على الدماغ. من ثم، المضي قدماً لفرد متقدّم بالعمر يعني أن سلامة الجهاز الدماغي الوعائي ستكون أساسية لضمان سلامة الدماغ. هناك طبعاً، كما في كل الأمثلة، استثناءات لهذه النظرية، لكنني أظن عموماً أنه مع تقديم مزيد من الأدلّة، ستغدو الصلة أكثر وضوحاً. إذا تساءلت عمّا ينبغي أن تفعله لمساعدة دماغك، يمكن أن أنصح بالتمرين، والتمرين، ومزيد من التمرينات.
أقدّم أدناه قائمة بعلامات وأعراض شائعة لحادثة مرتبطة بجلطة، وأفضل نصيحة يمكنني تقديمها إذا اختبرت أو شخصاً تعرفه أياً من هذه الأعراض هي الذهاب إلى مركز رعاية صحية بأسرع ما يمكن.
العلامات الخمس لجلطة:
1. ضعف – فقدان القوة في الذراعين أو الساقين وخدر محتمل في الوجه.
2. صعوبة في الكلام – مشكلات في فهم الكلام أو الحديث وارتباك مفاجئ.
3. مشكلات رؤية – صعوبة في الرؤية بنحو ملائم.
4. صداع – حاد وغير عادي.
5. دوار – فقدان التوازن مترافقاً مع هذه الأعراض الأخرى.
تذكّر، كما ورد آنفاً، أن هذه قد تكون قصيرة المدّة. على كل حال، لا يزال مهماً إجراء فحص طبي بسرعة – الوقت مهم جداً في هذه الحالات.
قد يكون تذكّر الاختصار “و-ذ-ك-و” حين يتعلق الأمر بتحديد أعراض جلطة مفيداً جداً.
و = وجه
• ابتسامة غير منتظمة
• خدر/ذبول وجهي
• اضطراب رؤية
ذ = ذراعان وساقان
• ضعف
• خدر
• صعوبة في المشي
ك = كلام
• جَمجَمَة
• كلمات غير ملائمة
• صمت
و = وقت
• الوقت حاسم
• اتصل بالطوارئ