ما هو الربو؟
إن الربو مرض رئوي مزمن. يتميز، من منظور المريض، بأعراض متباينة في الشدة والتواتر ومتصلة بالرئتين وعملية التنفس. لا يشكو مريض الربو المعتدل من أعراض معظم أيام السنة، بينما يحتاج مريض الربو الشديد الحدة إلى عدة أدوية رئوية يوميا وبانتظام تضمن عودة الأداء الوظيفي الرئوي إلى حاله، وبالتالي عودة المريض إلى حالة خالية من الأعراض. أما مرض الربو في أقسى مظاهره، فهو يشكل خطرا على حياة المريض مما يستدعي تكرار دخوله المستشفى، وتأثر نوعية حياته تأثرا بالغا، وقد يفضي به إلى الموت. رغم كل ما تقدم، ما زال لدى أخصائيي الربو قناعة بإمكانية شفاء أقسى حالات الربو. إن الرعاية الطبية السليمة والتعاون المثمر بين الطبيب والمريض حتما سيؤديان إلى حياة كاملة النشاط ومريحة.
حتى المصابون بشدة بداء الربو يمكن معالجتهم بنجاح.
ما عدد الأميركيين الذين يعانون من مرض الربو؟
يعتبر الربو مرضا رئويا شائعا جدا، يطال مختلف الأعمار، ابتداء من سن الطفولة إلى سن الكهولة. يعاني سبعة عشر مليون أميركي من الربو، منهم 6.3 مليون من الأولاد تحت سن الثامنة عشرة. يعتبر الربو أكثر الأمراض المزمنة شيوعا عند الأولاد، وبالتالي هو السبب الرئيسي للتغيب عن المدرسة وعن خسارة أكثر من مليون يوم مدرسي سنويا. أظهرت دراسة أجرتها المراكز الأميركية للوقاية من الربو سنة 2001، أن 11.3 مليون معاينة في العيادات الخاصة، و1.3 مليون معاينة في عيادات المستشفيات و1.7 مليون معاينة في أقسام الطوارئ هي لمرضى الربو، كما أن 4.269 حالة وفاة تعزى إلى مرض الربو في نفس الفترة الزمنية. إن نتيجة هذا الإحصاء تشير إلى وفاة ما لا يقل عن اثني عشر فردا يوميا في الولايات المتحدة الأميركية بسبب مرض الربو. تحدث هذه الوفيات في زمن خطى فيه العلم خطوات هائلة نحو فهم أفضل لهذا المرض. لم تكن الرعاية الطبية قط بهذا المستوى ولم يصل الطب إلى علاج وأدوية بفعالية عالية وهامش أمان كما هي عليه اليوم. ورغم هذا، ما زال هناك حالات ربو دون تشخيص ودون علاج مجد مما يشكل عبئا هاما على الصحة العامة.
يعتبر الربو مرض الطفولة المزمن الأكثر شيوعا.
جدول رقم 1 – الربو في الولايات المتحدة الأميركية
= يوجد ما يقارب 17 مليون أميركي مصاب بالربو، منهم 6.3 مليون ولد تحت سن الـ 18 سنة.
= تم سنة 2001 فقط، تعداد 11.3 مليون زيارة لأطباء عيادات من مرضى ربو، 1.3 مليون زيارة لعيادات المستشفيات، 1.7 مليون زيارة لطوارئ المستشفيات.
= تم البلاغ عن 4.269 وفاة من مرض الربو سنة 2001 في الولايات الأميركية.
= تقدر تكاليف الرعاية الصحية لحالة الربو بـ 14 بليون دولار أميركي سنويا.
= يعتبر مرض الربو المسؤول عن ما يقارب 14 مليون يوم غياب عن المدرسة سنويا، و14.5 مليون يوم غياب عن العمل سنويا.
هل حقا أن الربو في ازدياد؟
نعم، هناك حالات ربو في الولايات المتحدة الأميركية أكثر من أي وقت مضى. إن انتشار الربو في تزايد مستمر فى كافة البلاد الصناعية. تعني كلمة انتشار، علميا، العدد الإجمالي لحالات الربو في مجموعة سكانية معينة في محطة زمنية معينة. إن هم الأطباء الأول في المناطق العمرانية (المدنية)، مثل أجزاء من هارلم ومن جنوب برونكس في مدينة نيويورك هو مرض الربو، الوباء الذي انتشر بين الأطفال وبات يشكل أزمة صحية حقيقية.
ملاحظة جاما:
هل الربو أكثر شيوعا في المناطق العمرانية منه في المناطق الزراعية؟ إن عوامل البيئة في المدينة مهمة جدا، ولكن كثيرا من المؤثرات التي تتواجد في البيئة العمرانية قد تتواجد أيضا في المناطق الزراعية مثل المركبات العضوية السريعة التبخر (الطلاء، بخاخ الحلالة، المواد المنزلية المطهرة وخلافها)، مزيل الدهان، الخشب المتعفن في المباني القديمة، والدخان الكثيف المتصاعد من النار المضرمة في الغابات من قبل محبي العطلات الريفية. لقد أمضيت طفولتي في بلدة صغيرة ليس فيها صناعة ثقيلة ولا أي سبب آخر لتلوث البيئة، ورغم هذا كنت أصاب سنويا بالحساسيات الموسمية، كالزكام والخانوق المصاحب بأزيز مستمر.
ما سبب شيوع مرض الربو؟
بناء على بيانات قدمتها لجنة الدراسة الاستطلاعية للصحة القومية سنة 2001، تبين أن مرض الربو شائع جدا، إذ إنه يصيب أميركيا من كل عشرة في فترة معينة من عمرهم. ليس واضحا لم أصبح الربو هذا المرض المزمن الواسع الانتشار. هناك نظرية تعتبر أن الأطباء أصبحوا أكثر قدرة على التشخيص الصائب للمرض، وبالتالي أدق تحديدا لهوية المرض وأكثر دقة في تعداد حالات الربو. لكن، وللأسف، عكس هذه المقولة هو الصحيح: يتم إغفال تشخيص الربو مرارا، بالتحديد بين كبار السن والمراهقين وخاصة المراهقات. الواقع أن الربو أصبح أكثر شيوعا. تعول النظرية الأرجح على تأثير العوامل البيئية المتنوعة. أصبح تدخين النساء، مثلا، مقبولا به اجتماعيا بعد الحرب العالمية الثانية. بالتالي، أصبح الرضع لأمهات مدخنات أكثر عرضة لتحول حالة الأزيز إلى حالة ربو عند بلوغهم سن الطفولة. يلعب تزايد ملوثات الهواء والجزيئات الموجودة في المناطق العمرانية أو الصناعية دورا هاما. لذا، يعتبر أخصائي الربو أن تفعيل قوانين منع التدخين في كل الأماكن المغلقة خطوة حاسمة باتجاه تحسين نوعية الهواء، كما هو الحال في مدينة نيويورك.
يعتبر مرض الربو مرض أطفال، هل هذا صحيح؟
غالبا ما يشخص الربو في الأطفال فهو أكثر الأمراض المزمنة شيوعا في سن الطفولة. هذا لا يعني أن الربو مرض الطفولة حصرا. يؤثر الربو أيضا في البالغين. تم تشخيص حالة كثير من مرضى الربو في سن متقدمة. مع أن إصابة بعض البالغين قد ترجع إلى سن الطفولة، غير أن آخرين أصيبوا بالربو للمرة الأولى في سن البلوغ. بالنتيجة، يصيب الربو كل الأعمار.
ليس الربو مرض الطفولة فحسب.
كيف تعمل الرئتان عند الإنسان؟
تعتبر الرئتان جزءا من الجهاز التنفسي (الصورة 1). إن إلقاء نظرة شاملة على تركيبة الرئتين، والدراسة التشريحية لهما، هي الطريقة المثلى لفهم عملها (الصورة 1). بيدأ الجهاز التنفسي البشري بالأنف متضمنا الممرات الأنفية، التي تسمح للهواء بالمرور في الحلق والدخول إلى الرغامى. يتموضع الرغامى تحت الحنجرة، ويستطيع المرء لمسه في الجزء الأمامي للرقبة ليلتف نزولا خلف القص دخولا إلى القفص الصدري الأعلى. ينقسم الرغامى إلى فرعين: القصبة الرئيسية اليمنى والقصبة الرئيسية اليسرى. تمرر القصبة الرئيسية اليمنى الهواء من وإلى الرئة اليمنى، وتمرر القصبة الرئيسية اليسرى الهواء من وإلى الرئة اليسرى.
تسمى المنطقة عند انقسام الرغامى إلى القصبة الرئيسية اليمنى واليسرى بالجؤجؤ. بعد الانشطار، يتجه كل من القصبة الرئيسية اليمنى والقصبة الرئيسية اليسرى إلى الرئة المرادفة لها. ويتتالى الانقسام إلى ممرات أنبوبية أصغر فأصغر مشكلة شجرة الرغامى – القصبي. تستمر القصبات بالانقسام إلى أن تنتهي بالتقسيم الأصغر: القصيبة. تفضي كل قصيبة إلى أكياس هوائية في الرئة تسمى الأسناخ (الحويصلات).
الأسناخ كناية عن بنى رئوية متخصصة. إنها تسمح للهواء المستنشق الغني بالأكسجين بالدخول إلى الجسم، كما تسمح للهواء المفتقر إلى الأكسجين الغني بثاني أكسيد الكربون بالخروج منه (الصورة 1ب). إن الأكسجين لازم للحياة، ويؤدي الحرمان منه إلى الموت السريع. تزود الرئتان الجسم بالأكسجين، وتخرج عملية الزفير الهواء المستعمل الغني بثاني أكسيد الكربون. يعتبر ثاني أكسيد الكربون من الفضلات الناتجة عن عملية الاستقلاب في جسم الإنسان. إن التراكم الشاذ لثاني أكسيد الكربون في الجسم وفي الدم مضر بالصحة، ويلاحظ هذا التراكم في حالات معينة من الفشل الرئوي. تسمى العملية المسؤولة عن قبط (امتصاص وتمثل) الأكسجين والتخلص من ثاني أكسيد الكربون بعملية التنفس. تعتبر عملية التنفس الوظيفة الأساسية المعول عليها في الرئتين والجهاز التنفسي. يشير الأطباء أحيانا إلى عملية التنفس بعملية “تبادل الغاز”. تجري عملية تبادل الغاز على مستوى الأسناخ في عمق الرئتين. تجري عملية تبادل الأكسجين وثاني أكسيد الكربون على امتداد منطقة متخصصة حيث التماس وثيق بين الكيس الهوائي (السنخ) والشعيرات الدموية الدقيقة. يحيط الفراش الشعيري الدموي بالأسناخ على امتداد الغشاء الشعيري – السنخي. إن ارتفاع مستوى ثاني أكسيد الكربون في الدم عن المعدل الطبيعي يؤدي إلى تراكم إضافي للمواد الحمضية في الدم مما يؤدي إلى قصور تنفسي.
شكل رقم 1 (A) الرئتان والتنفس: تشريح. (B) الرئتان والتنفس: عملية التنفس (الشهيق والزفير).
هل يستمر تطور الرئتين بعد الولادة؟
أجل، تواصل الرئتان النمو والتطور بعد الولادة. إن الوحدات الرئوية المتخصصة بتبادل الغاز المسماة بالأسناخ، حيث يتم استبدال الأكسجين بثاني أكسيد الكربون، تتطور بعد الولادة. في الواقع، أن أكثرية الأسناخ الرئوية – تقريبا 85% منها – تتكون بعد الولادة في فترة السنوات الثلاثة الأولى. في خط مواز مع تطور الأسناخ، يكتمل مدد الدم في شبكة الشعيرات الدموية فترة الولادة حتى سن الثلاث سنوات. تتطور الخلايا المخاطية أيضا بعد الولادة.
تعتبر السنوات الثلاث الأولى من حياة الطفل هي الفترة الأكثر عرضة للأمراض حيث إن غالبية الحويصلات الهوائية (الأسناخ) تتكون بعد الولادة. قبل حقبة المضادات الحيوية، وفي فترة تكون الحويصلات، كانت الإصابة بداء الرئة الوخيم أو السل عند الأطفال تؤدي إلى درجة من القصور التنفسي. من هنا ضرورة نشوء الرضيع والطفل في بيئة نظيفة من دخان التبغ وغيره كي تحظى الرئة بالحد الأقصى من النمو والتطور (النضج).
بعد السنة الثالثة، تكون الرئتان قد تكونتا ولكن لم يتم نموهما. وكما تستمر أجسامنا بالنمو مرورا بالمراهقة وصولا إلى سن الرشد، كذلك تستمر الرئتان في النمو. تشكل سن المراهقة الفترة الثانية الأكثر عرضة للأمراض. دلت بعض الدراسات العلمية مؤخرا أن وظيفة الرئتين التنفسية عند المراهقين المدخنين أقل حتى من المتوقع مقارنة بالمراهقين الصحيين غير المدخنين. من اللافت في الدراسة أن القصور التنفسي عند المراهقات المدخنات أكثر منه عند المراهقين المدخنين.
ما هي مسببات الربو؟
ليس هناك سبب واحد سهل التحديد يؤدي إلى مرض الربو.
ليس هناك سبب واحد سهل التحديد بل عدة أسباب تتفاعل مع عدة عوامل تؤدي إلى مرض الربو. تشير بعض الدراسات إلى العائلة كعامل مسبب، أي أن استعداد الفرد للإصابة بالربو له أساس وراثي. إذا أصيب أحد الوالدين أو كلاهما بالربو، يكون الولد أكثر عرضة للإصابة مقارنة بمن لا تاريخ له للمرض في عائلته. وعلى نحو مماثل، في دراسات أجريت على مجموعات كبيرة من التوائم، حول موضوع الحساسية والربو، تمت المقارنة بين مجموعة توأمي البيضة الواحدة ومجموعة توأمي بيضتين. تبين أن عنصر الوراثة ملازم لنشوء مرض الربو غير أن الأسلوب غير معروف. يسعى العلماء حول العالم إلى معرفة الأساس الكروموسومي للربو. توصل بعضهم إلى نتائج مثيرة للاهتمام في بحثهم في جينات مختلفة متواجدة في الكروموسومات، غير أن الوحدة البيولوجية للوراثة الخاصة بالربو ما زالت غير معروفة. إن التقدم في علم الأحياء الجزيئ يبشر بالتوصل يوما إلى اكتشاف ليس فقط الجينات المسؤولة عن مرض الربو، ولكن أيضا الجينات المسؤولة عن تعديل حدة الربو، وبالتالي إلى علاج جينات التعديل هذه.
لاحظ الأطباء منذ زمن أن التهابات فيروسية معينة لها علاقة بتطور مرض الربو عند الفرد المتأهب. يصف الأطباء الفيروسات” المولدة للربو” بتلك التي تسبب بداية التهابات تنفسية نمطية بكل أعراضها لتنتهي بالمريض إلى حالة شبيهة بالربو. تترافق حالة الربو مع الأرجية خاصة عند الأولاد والمراهقين. وتكون أكثر شيوعا في المصابين بفرط الحساسية الوراثي، التهاب الأنف التحسسي، والأكزيما. بعض أنماط الربو، وتسمى بالربو المهني، على صلة بما يتعرض له الفرد في الأماكن الصناعية.
إن المفهوم السائد للربو، مبنيا على الملاحظات السابقة والكم الهائل من الأبحاث في هذا المجال، يرجح أن تفاعلا مركبا بين الفرد “القابل” وحالات بيئية معينة يسبب حالة الربو (شكل 2).
ملاحظة جاما:
من المهم التذكر دائما أن الربو مرض مراوغ: إن تغييرات الطقس، الجسيمات الحاملة للرطوبة، الدخان، المركبات العضوية الطيارة كلها قد تسبب أعراض الربو. في المدينة، حيث الترميمات والبناء، إصلاح الطرقات، تنظيف أجهزة التدفئة، وما يتطاير من المداخن في أي وقت، من المهم إبقاء العين (وبقية الحواس) ساهرة على بيئة دائمة التحول.
هل تسبب الحساسيات (الأرجيات) مرض الربو؟
يتوقف الجواب على ما تعني كلمة “تسبب”. إن الحالة التي يطلق عليها اسم الربو مرض يختلف عن الحساسية. غير أن تعايش الربو والحساسية في الفرد الواحد وارد في معظم الأحيان مما يزيد من احتمال تشخيص ربو في فرد يعاني من حساسيات هامة. وقد تؤدي هذه الحساسيات، كمستحث خارجي، إلى تفاقم حالة الربو وتزايد أعراضه. مثال على ذلك، طفل يعاني من الربو ويتحسس من القطط. سيثير تعرضه للقطط أعراض الربو لديه. أي أن تعرضه للقطط سيؤثر سلبا في الربو، غير أنه لن يكون سببه.
إن تعايش الربو والحساسية في فرد معين متكرر الحدوث.
يسمى أكثر التفاعلات التحسسية قساوة بالتأق أو فرط الحساسية. إذا تركت حالة فرط الحساسية دون علاج، قد تصل تفاعلاتها إلى الجهاز التنفسي والرئتين مؤدية إلى التشنج القصبي وتضيق الممرات الهوائية، مع الوذمة والانتفاخ في الممرات
العوامل البيئية المحتملة في نشوء حالة الربو
يعكس نشوء الربو تأهبا خاصا متأصلا أو جينيا لهذا المرض. بالإضافة إلى ذلك، إن تأثيرات البيئة لها أهميتها في ظهور الربو السريري. ما زال التفاعل الدقيق بين العوامل البيئية والعوامل الوراثية، المؤدي إلى حالة الربو، غير مفهوم بما فيه الكفاية. لقد لوحظ، ومنذ زمن، أن بعض التعرضات البيئية ترتبط باستفحال حالة الربو، بينما أنواع أخرى من التعرضات قد تمنع أو تؤخر نشوء الربو في الأفراد السريعين التأثر به. تشكل هذه العلاقات المعقدة مدار أبحاث جارية على مستوى الجزيئيات، في الحيوانات المخبرية وفي المجتمعات الإنسانية.
شكل رقم 2 العوامل البيئية المحتملة في نشوء حالة الربو
الهوائية. كما أن التجاوب التحسسي التأقي قد يسبب أزيزا، سعالا، وصعوبة التنفس – وهي أعراض لا تختلف عن الربو –. إن تفاعل فرط الحساسية هو استجابة لعدة عوامل منها سم النحلة وبعض الأدوية، وهو بحق حالة طوارئ طبية إذ يحمل في طياته خطرا على الحياة.
هل الوقاية من الربو ممكنة؟
ينصب العلاج المعاصر لحالة ربو تم تشخيصها على الوقاية من الأعراض كقصور التنفس، انزعاج في الصدر، سعال، إنتاج المادة المخاطية، وأزيز. إن القصد من وصف بعض أدوية الربو المسماة بالدواء المراقب (أو الضابط) هو المحافظة على وظيفة الرئة الطبيعية، والوقاية من تفاقم مرض الربو أو الوقاية مما كان يسمى نوبة ربو. يبقى التعرف على مستثيرات الربو عند الفرد كمنحى وقائي آخر في مواجهة سورة (تفاقم) الربو.
إن الوقاية من نشوء الربو في فرد ما هو موضوع بحث بالغ الأهمية. إن الجميع، من مرضى إلى أخصائيي رئة وحساسية وأخصائيي علم المناعة، مهتمون بالتوصل إلى فهم الأسباب الأصلية للربو. حتى الآن، لم تتوفر الوقاية الكاملة من نشوء الربو. حيث إن الربو مرض عائلي، أي متوقع في بعض العائلات أكثر من غيرها، لذا يكون للطفل المنتمي إلى عائلة مماثلة إمكانية أكبر لنشوء الربو. يقدم الأطباء في حالة طفل كهذا، اقتراحات قد تخفف من حدة الحساسية أو الربو في حال ظهوره. استنادا إلى أبحاث في مجال الأمراض السارية، يستطيع الطبيب أن ينصح الاهل المصابين بالربو والحديثي العهد بالأبوة باتباع إرشادات خاصة للعناية بالمولود الجديد. تتعلق معظم الإرشادات بغذاء الطفل ومحيطه، كأن نرى، مثلا، أن اقتصار غذاء الطفل على حليب أمه في الستة أشهر الأولى على الأقل، يؤدي إلى تأخير أو حتى تأجيل نشوء الحساسية والربو. كذلك فإن تناول الطعام الجامد غير مستحب في طفل قابل للربو. كذلك في الطفل الدارج، يجب الابتعاد عن الأطعمة الباعثة للحساسية. تتضمن الأطعمة المسؤولة عن معظم حالات الأرج الغذائي عند الأولاد حليب البقر، البيض، المكسرات، والسمك. بتحديد أكثر، إن 90% من مجمل التفاعلات الأرجية الغذائية سببها ثمانية أطعمة هي: حليب البقر، البيض، الفستق (ويعتبر من البقول لا من المكسرات)، المكسرات (مثل الجوز، الكاجو والبندق)، الأسماك، المحار، الصويا، والقمح. إضافة إلى الإرشادات الغذائية، يشدد الأطباء على أهمية خلو المنزل من التدخين 100%. قد ينصح البعض، أيضا، أن تخلو غرفة النوم من كل الأشياء القادرة على التقاط الغبار مثل الشراشف، دمى الحيوانات المحشوة، والسجاد الممتد على كامل أرض الغرفة.
ما هي “فرضية” علم حفظ الصحة؟
إن فرضية حفظ الصحة هي نظرية تحاول تفسير ازدياد انتشار الحساسية والربو في الأمم الصناعية المترفة، وتجهد في تبيان العوامل المسؤولة عن نشوء الربو عند الأفراد.
طور عالم الوبائيات البريطاني دافيد ستراكان الفرضية سنة 1989 إثر دراسة مستفيضة لملفات صحية لـ 17.000 طفل. تقول النظرية إن الأنتشار المتزايد لأمراض الربو والحساسية يقابله انتشار متناقص في الأمراض المعدية عند الأطفال. على مدى 100 سنة الأخيرة، ومع عوامل التمدين، التقدم في الصحة العامة، تحسن المرافق الصحية، وتبني المحيط السكني الأنظف، ومع اكتشاف المضادات الحيوية، تراجعت الأمراض المعدية عند الأطفال. وخلال نفس الفترة الزمنية، ازدادت نسبة حدوث أمراض الربو والحساسية. إن فرضية حفظ الصحة تربط بين هاتين المطالعتين، وبالتالي تقترح أن انخفاض التعرض لمحيط غير نظيف، وانخفاض التعرض لعوامل الأمراض المعدية في محطة زمنية معينة في حياة الطفل، يؤديان إلى انخفاض في أداء الجهاز المناعي عنده. بالتالي، تنهار عملية نضج الاستجابة المناعية مما يزيد من قابلية الطفل للإصابة بالتحسس أو الربو.
أجريت أبحاث في مجال الأوبئة على مجموعات كبيرة من الناس فيها المصاب وغير المصاب بالربو. بينت هذه الأبحاث أن هناك عنصري بيئة يشكلان حماية ضد الإصابة بالربو: الدوام في حضانة يومية قبل بلوغ السنة الواحدة، ووجود كلب في منزل العائلة قبل وبعد ولادة الطفل. يدعم العنصران كل أوجه فرضية حفظ الصحة إذ ينتج عن التعرض “للقذارة”، ولبيئة غير صحية انخفاض في مستوى حدوث الربو في المجموعة السكانية. لا يزال البحث جاريا في مجال فرضية وقاية الصحة. هل هناك سن محدد لتحفيز الجهاز المناعي عند الطفل بطريقة معينة مثل عوامل بيئية معينة أو فيروسات تمنع عنه نشوء الربو؟ إذا، وفي حال كهذه، من الممكن تطوير تدخلات معينة أو أدوية تعدل من إمكانية تعرض الطفل للربو. إن فرضية وقاية الصحة ما زالت موضوع خلاف، وتمثل في الوقت الحاضر نظرية مثيرة للاهتمام ولكن غير حاسمة.
ما هي النظرة المعاصرة للربو، وكيف تختلف عن النظرة التقليدية؟
اعتبر الربو، ولسنوات مضت، مرض تضيق الممرات الهوائية أو التضيق القصبي. من وجهة نظر تقليدية، عندما تضيق الممرات القصبية وتنقبض، خاصة تلك القصبات المحاطة بألياف عضلية متخصصة، تصبح نوبة الربو حتمية، أي أن انقباض الأنابيب القصبية هو الحدث الأساس عند مرضى الربو. كان محور علاج الربو يرتكز على محاولات رد الممرات التنفسية المنقبضة عن انقباضها. بالتالي، كان أهم ما يتضمنه علاج الربو، بمجرد ظهور الأعراض وإثباتها، العمل على التخلص من تضيق الممرات الهوائية. كان التركيز على علاج أعراض “النوبة” أكثر مما هو على الأساليب الواقية منها..
يقر المنظور المعاصر للربو أهمية التضيق القصبي، غير أنه ينسب له دورا ثانويا. إن اللاعب أو المتهم الرئيسي في الربو هو الالتهاب. في النموذج المعاصر للربو، يتراوح المرض بين فترات ينشط فيها المرض ويتفاقم، وفترات ساكنة من التحسن الظاهري (الهدأة) (جدول رقم 2). عند تفاقم الربو، ينشط الالتهاب في رئتي المريض. يؤدي الالتهاب، في حال عدم علاجه، إلى استثارة الغدد المخاطية وتزايد إفرازاتها، مما يسبب في تضيق في الممرات الهوائية أو انقباضا في القصبات. يسبب المخاط المتزايد السعال، بينما يسبب الانقباض القصبي (التضيق) أعراض تضيق النفس، الأزيز، والضيق في الصدر.
لدى مرضى الربو ميل طبيعي لنشوء استجابة التهابية متزايدة في الرئتين. بتعبير آخر، لدى مرضى الربو حالة رئوية متأصلة تسمى “قرارة التفاعل المفرط”. عند الاشتباه بإصابة مريض بالربو أو بتفاعل رئوي مفرط، يستعين الأطباء لتقييم الحالة باختبار رئوي متخصص يسمى اختبار تحدي المثاكولين (اختبار التحريض القصبي). يرجح أن نزعة ارتفاع قرارة التفاعل المفرط عند الفرد وراثية. إن ارتفاع قرارة التفاعل المفرط يبرر، مثلا، كون مريض الربو أكثر حساسية عند تنشق المؤثرات البيئية المختلفة مثل الهواء البارد، الروائح الحادة، أو دخان السجائر. يبدي الباحثون اهتماما كبيرا بوجود فرط التفاعل القصبي مما يحثهم على التفكر وإعمال النظر في دواء يقوى على تعديل التفاعل القصبي المفرط عند الفرد وبالتالي يخفف من قساوة حالة الربو لديه.
إن “اللاعب” أو “المتهم” الرئيسي في الربو هو الالتهاب.
جدول رقم 2 – الربو: الساكن مقابل المتفاقم
الربو الخامل، الخالي من الأعراض |
الربو الناشط، الشديد الوطأة (المتفاقم) |
الالتهاب غائب، هامد |
الالتهاب شديد |
الممرات الهوائية خالية من المادة المخاطية |
تزايد في إنتاج المادة المخاطية يؤدي إلى السعال، إخلاء المادة |
أنابيب الهواء سا لكة، مفتوحة “تماماً” |
تضيق أنابييب الهواء، تتقلّص تسبب أزيزاً، ضيقاً في الصدر ضيقاً في |
يعتبر الربو، في المفهوم السائد أساسا، مرضا التهابيا يليه، نتيجة لتصاعد الاستجابة الالتهابية، تضيق وتقلص تشنجي في الممرات الهوائية. يفتح هذا المفهوم آفاقا في المجالين العلمي والعملي، أي يسمح بالتدخلات الوقائية والعلاجية بأدوية أوضح هدفا. إن السيطرة على التهاب الممرات الهوائية والحد منها يؤدي إلى التمكن من الحد من أعراض الربو ويعيد للرئة وظيفتها الطبيعية، ويؤدي أيضا إلى تكهن ممتاز لعواقب المرض، ويؤمن للمريض أسلوب حياة سليمة. عند حصول سورة ربو، يجب أن يكون العلاج فوريا ومتضمنا مضادا للالتهاب، إضافة إلى العلاج الخاص بالتضيق القصبي. أدى الاعتراف بأهمية عنصر الالتهاب في مرض الربو إلى فهم أفضل للربو، وإلى نشوء علاج أكثر فعالية.
كثيرا ما تكون سورة الربو متوقعة وحتمية عند التعرض لعوامل معينة مثل حلول برد الشتاء. يصاب بعض الأفراد بنوبة كل خريف عند تغير الفصل ويضطرون إلى الاستغناء عن الروتين اليومي بما في ذلك العمل أو الدراسة أو نشاطات ترفيهية. إن علاج الأعراض المعترف بها لنوبة ربو، في المفهوم التقليدي، يتضمن دفعة من الأدوية بعضها يعطى في العيادة وأكثرها في المستشفى. بينما تركز مثلا، النظرة المعاصرة للربو على المقاربة الوقائية (جدول رقم 3). إن مريض الربو الذي تزداد حاله سوءا كلما اقترب تغيير الفصل، يتوجب عليه تناول الأدوية المضادة للالتهاب عند اقتراب فصل الشتاء. عند السيطرة بنجاح على الالتهاب، والتنبه لعلامات وأعراض المرض المبكرة، نستطيع تحاشي النوبات ونتلافى الاختلال في نمط الحياة.
جدول رقم 3 – النظرة المعاصرة لمرض الربو
إن النظرة المعاصرة لمرض الربو تؤكد على دور بالغ الأهمية للالتهاب.
بالتالي، يتضمن العلاج المعاصر للربو على:
= تجنب العوامل التي تزيد من التهاب الرئة
= تناول الأدوية المضادة للالتهاب
لقد جانبت النظرية التقليدية الصواب حين أعطت الدور الاساس لتضيق الممرات الهوائية (تضيق القصبات الهوائية)
إن التضيق للقصبات الهوائية أو تضيق الممرات الهوائية هو نتيجة لعامل إثارة أقوى هو: التهاب الممرات الهوائية.