التصنيفات
صحة ورعاية الطفل

الرضاعة الاصطناعية | إرشادات يتوجب على الأم مراعاتها عند اعتماد الرضاعة الصناعية

عند طرح موضوع الرضاعة وتغذية المولود الجديد، من الطبيعي والمنطقي أن ندع الأم تتخذ قرارها الشخصي والحر بعيداً عن أي وسيلة ضغط لحثها على الرضاعة من الثدي، وتجنباً لحملها على الشعور بالذنب إذا ما أحجمت عن ذلك.

لذا فإن معظم جمعيات أطباء الأطفال في العالم تفضل أن تكون الأم في جو نفسي مريح عند أخذ القرار بالرضاعة الاصطناعية، بعد التشديد على فوائد الرضاعة الطبيعية من الثدي وما تؤمنه من عوامل العلاقة النفسية الخاصة، بين الأم ورضيعها، وسبل الوقاية من الأمراض التي يمكن أن يتعرض لها المولود الجديد.

بالرغم من أن الرضاعة الطبيعية من ثدي الأم تعتبر أعلى قيمة من الحليب الاصطناعي (وكله مشتق حالياً من حليب البقر)، نجد الملايين من أطفال العالم يعتمدون هذه الطريقة الاصطناعية من الرضاعة ومنذ ولادتهم.

ومع تطور الأوضاع الاقتصادية، الاجتماعية والثقافية وانفتاح سوق العمل أمام المرأة، إذ أصبحت تتبوأ العديد من المراكز والوظائف التي حصرت بالرجل، خلال العقود الماضية في الكثير من بلدان العالم المتحضر، نجد المرأة قد تخلت عن أغلى ما يمكن أن تعطيه لوليدها.

هذه الأسباب الجوهرية وأهمها عمل الأم خارج المنزل وغيابها لساعات طوال، تفرض عليها في أغلب الظروف اللجوء إلى الرضاعة الاصطناعية وتجعلها قليلة الاستعداد لإرضاع وليدها. في حين تعتقد أمهات أخريات أن الرضاعة من الثدي يمكن أن تحد من نشاطهن أو يتوجسن أن يخف الحليب لديهن فجأة، بينما يرى غيرهن أن الرضيع يكتسب وزناً أكثر بواسطة القنينة نظراً لتوافر كمية الحليب الموجودة تحت الطلب، أو أن الرضاعة من الثدي أصبحت غير مقبولة أو غير متداولة اجتماعياً في أوساط ومعتقدات أخرى ولأسباب جمالية خارجية ربما، مع ما يجري حالياً في مختلف أرجاء العالم من تركيز على إبراز محاسن الوجه ومفاتن الجسد عند المرأة وفي أدق التفاصيل، دون سهو عن الدأب في محاولة استغلال جسد المرأة في الإعلانات التجارية. وللأسف الشديد؛ هل يبقى بعد ذلك مكان لحضن دافئ ليكتنف ويحتضن طفلاً رضيعاً؟!

إن للرضاعة الاصطناعية وصفاتها الطبية وفوائدها في حالات عديدة تستدعي اللجوء إليها، نذكر منها: عدم توافر كمية كافية من حليب الأم (في حال التوائم مثلا) وهنا تصبح الرضاعة مختلطة أو غير ممكنة خلال فترة غياب الأم العاملة خارج المنزل، أو وجود عائق عضوي في الثدي (خصوصاً الحلمة) ما يجعل الرضاعة الطبيعية صعبة المنال، أو إصابة الأم أو الرضيع بمرض، حاد أو مزمن، يوجب وقف الرضاعة من الثدي والاستعانة بتركيبات خاصة من الحليب الاصطناعي (كالتحسس على سكر «لاكتوز» في الحليب، وهو خلل بيولوجي شائع الوجود نسبياً، نظراً للنقص الحاد أو النسبي، المرحلي أو الدائم، لدى الطفل لمادة «لاكتاز» وهو خمير نوعي يعمل على هضم السكر المذكور وتحويله إلى مادة سكرية أخرى قابلة للهضم السريع، وإلا فإن الطفل سيعاني اضطرابات معوية حادة (إسهال، استفراغ) وما لها من مضاعفات على نموه في هذه الفترة المهمة من حياته. لذا من الأهمية بمكان تشخيص هذا الخلل باكراً وعدم اللجوء إلى العلاجات التي تتبع في كثير من الحالات، كأن يعالج الاستفراغ الحاد أو الإسهال المزمن نسبياً وكأنه التهاب جرثومي في الأمعاء، وهذا خطأ فادح؛ من هنا ضرورة الإسراع إلى استشارة الطبيب الاختصاصي للأطفال. وهذا ما يحدث تقريباً في الحالات التي يعاني فيها الرضع تحسساً على بروتين الحليب (أكان من الثدي أو اصطناعياً) أو من أي مادة عضوية أخرى تدخل في تركيبة هذا الحليب.

تبدأ الرضاعة الاصطناعية، كالرضاعة من الثدي، منذ الساعات الأولى بعد الولادة وعلى وتيرة ثمان إلى عشر رضعات في ال 24 ساعة (رضعة كل ساعتين تقريباً) مع زيادة كمية الحليب وإنقاص عدد الرضعات أسبوعياً ثم شهرياً مع نمو الطفل السريع في الأشهر الثلاثة الأولى خصوصاً.

إرشادات صحية ينصح بها ويتوجب على الأم مراعاتها عند اعتماد الرضاعة الاصطناعية

بناء على ما تقدم هناك إجراءات عملية وإرشادات صحية ينصح بها أطباء الأطفال ويتوجب على الأم الأخذ بها ومراعاتها عند اعتماد الرضاعة الاصطناعية؛ ويأتي في طليعتها اختيار صنف الحليب المناسب لصحة المولود الجديد بالتشاور مع طبيب الأطفال، حيث توجد حالياً أصناف عديدة من تركيبات مسحوق الحليب تؤمن الغذاء المناسب للمولودين الجدد كل حسب وضعه الخاص: طفل وُلد في أوانه (تسعة أشهر أو ما يقاربها) أو قبل الأوان (طفل خديج)، او الأطفال الذين يعانون من تحسس ما على مادة تدخل في تركيب الحليب (لاكتوز، بروتين أو غير ذلك كما ذكرنا آنفاً). من هذه الإرشادات:

1. اعتماد بصورة دائمة، القاعدة الذهبية في الرضاعة بالقنينة (البيبرون) ألا وهي التعقيم للوقاية من انتقال العدوى بالجراثيم، من خلال الماء الذي يستعمل لجعل الحليب محلولاً، وإصابة الرضيع بالالتهاب الحاد في الأمعاء، لذا يتوجب تعقيم كامل أدوات الرضاعة، وليس غسلها وتنظيفها فقط، مما يستوجب وضع القنينة والحلمة البلاستيكية وحلقة القنينة في محلول معقّم على البارد (سائل أو أقراص) وتنقع لمدة محددة، أو غليها على النار لمدة ربع ساعة وفي وعاء خاص تبقى فيه جميع الأدوات والقناني معقمة وحاضرة تحت الطلب. على أن يبقى الوعاء محكم الإغلاق وبعيداً عن متناول الأولاد أو التلوث (غبار، حشرات..)، ليعاد، بعد استعمالها، غسلها جيداً بالصابون ثم غليها بهدف تعقيمها في كل مرة.

2. السهر الدائم على تعقيم الماء المستعمل لتحضير الحليب من خلال عملية التذويب للمسحوق، وهذا الماء يوفر بالتالي كمية السوائل التي يحتاجها جسم الطفل عموماً لتأمين عمليات الوظائف البيولوجية (حاجة الطفل اليومية، أي كل 24 ساعة، من الماء تتراوح في حالة الصحة بين 80 و120 ملليلتراً في كل كيلوغرام من وزن الطفل، حسب عمره وحاجاته الخاصة). يحفظ الماء المعقم في قناني خاصة، نظيفة ومعقمة بدورها، ليكون حاضراً وجاهزاً للاستهلاك، أو الاعتماد على عبوات المياه المعدنية، وهي مضمونة التعقيم ولا تستدعي الغلي ويمكن تفتيرها لتسهيل عملية تذويب مسحوق الحليب وجعله قابلاً للهضم بسرعة.

من المهم لفت الانتباه في هذا المجال إلى أن أغلب العبوات الكبيرة من الماء التي تباع في الأسواق أو التي يتم تأمينها إلى البيوت، هي مكررة ولكنها في أغلب الأحيان غير معقمة، لذا من الواجب أخذ الحيطة والحذر عند استعمالها لدى الرضع.

3. الالتزام باحترام تعيير كمية مسحوق الحليب الموجب إذابتها بمقدار محدد من الماء، حتى إذا ما اختلفت المقادير زيادة أو نقصانا، جعلت الطفل الرضيع عرضة لاضطرابات معوية أو مضاعفات سلبية تؤثر على نموه الجسدي والذهني في حال دوام هذا الخطأ التقني.

4. فيما يختص بعملية الرضاعة في حد ذاتها، ينصح بحضانة الطفل بوضعية مريحة، كما في الرضاعة من الثدي، وأن يكون في حالة جوع وشهية للطعام، كامل الوعي وفي وضع دافئ ونظيف؛ مع الانتباه أن تكون القنينة خالية من الهواء والرضاعة مستقيمة لا يشوبها أي اعوجاج يمكن أن يعيق انسياب الحليب.

أما حرارة القنينة والحليب المحلول داخلها، من الأفضل أن تكون موازية لحرارة جلد الطفل، إذ بإمكان الأم الاطمئنان والتأكد من ذلك عندما تقوم بقلب القنينة رأساً على عقب وسكب بضع نقاط على راحة كفها فتتأكد من مستوى درجة حرارة المحلول.

كما يجب التأكد من سعة أو ضيق فتحات الرضاعة، بأن تكون مناسبة لشهية الطفل وسرعة ابتلاعه، فلا تكون ضيقة مما يتعب الرضيع (يتوقف عن إكمال وجبته)، أو واسعة فتكون سبباً في ابتلاع الهواء والتشردق، مع إمكانية مرور الحليب خطأً باتجاه القصبة الهوائية وما لها من مضاعفات إذا ما تكرر الحادث.

هذا مع العلم أن الطفل في الأشهر الأولى يكون بحاجة طبيعية للتجشؤ ليتخلص من كمية الهواء التي ابتلعها مع الحليب، وهي حركة ضرورية لاتقاء ارتداد الحليب من المريء، ومريحة معوياً للطفل إذ تتيح له التخلص من الغازات التي تجمعت في الأمعاء وسببت له المغص والانتفاخ.

5. تبقى الإشارة إلى أن الوقت اللازم للرضاعة يدوم بين 15 و25 دقيقة، حسب رغبة الطفل وشهيته؛ وفي كل الأحوال لا يجب إعطاء الرضيع كمية من الحليب تفوق حاجته ورغبته، مع عدم اللجوء إلى إرغامه على ذلك.

من هنا يمكننا الاستنتاج كم هي متعددة العوامل السلبية، والخطيرة بعض الأحيان، التي يتعرض لها الرضيع من تغذيته بالطريقة الاصطناعية: أولاً عامل العدوى بالجراثيم والطفل في مرحلة بناء جهازه المناعي في هذه الفترة الحرجة من حياته، ثانياً الأخطاء التقنية التي يمكن أن تشوب عملية التحضير، وهي كثيرة، ما يؤثر سلباً على نموه، ثالثاً القلق والأرق لدى الأم التي تنهض ليلاً، ولعدة مرات، لتحضير وجبة رضيعها، رابعاً وليس أخيراً وهذا هو الأهم: الفوائد العديدة التي يجنيها الطفل من خلال الرضاعة من الثدي والتي تفوق بكثير الرضاعة الاصطناعية.