عند مواجهة خطر أو إصابة ما، يسمح لنا ردّ فعل الجسم الالتهابي بمحاربة الفيروسات أو البكتيريا وإزالة الخمج وترميم الأنسجة المتضررة. ولكن الجسم يخطىء أحياناً فيعتبر الأمور غير المؤذية خطرة مما يؤدي إلى حالة التهاب قوية غير ملائمة. وعوضاً عن المساهمة في شفاء الجسم، يسبب الالتهاب الألم، المعاناة، تضرر البنى والأعضاء الحيوية وحتى الوفاة. يمكن أن يدوم هذا النوع من الالتهاب القوي يومين فقط أو يمكن أن يستمر لأشهر أو سنوات. بحسب نوع ردة الفعل المنيعة ومكان حدوثها في الجسم، يمكن أن تكون النتيجة عدداً من الأمراض من حمى الكلأ إلى الربو وإلى الطفح الجلدي فالتهاب المفاصل الرثواني وغيره من الأمراض الأخرى المنيعة للذات.
الأرج والحساسية
إنّ حالات الأرج شائعة جداً لذا اختبرها الجميع تقريباً في وقت أو في آخر. تشير الدراسات إلى أن ثلثنا يعاني من حالات الأرج الشائعة تجاه غبار الطلع، بوغ العفن، هبرية الحيوانات الأليفة، عث الغبار أو الصراصير. إلى حدّ ما، تعني الإصابة بالأرج الإعياء من جرّاء التعرض لشيء غير مؤذ بالنسبة إلى معظم الأشخاص الآخرين. عملياً، تعني الإصابة بالأرج أن الجسم يكوّن نوعاً محدداً من الجسم المضاد (الغلوبولين المناعي E) كردّ فعل على بروتين خارجي. إنّ ردود الفعل التي لا تشمل الغلوبولين المناعي E يمكن أن تُمرض المرء ولكنها ليست أرجية. مثلاً، إنّ ردود الفعل الالتهابية التي تشبه النوبات الأرجية يمكن أن تنتج عن إثارة الأعصاب في المسلك الهوائي وتسمى ردود الفعل هذه بالحساسية الكيميائية أو المهيّجة، أو. فالعديد ممّن يدّعون أنهم حساسون تجاه دخان السجائر أو العطور هم في الواقع غير مصابين بالحساسية. إلا أن أطراف الأعصاب في الأنف والمسالك الهوائية تستجيب إلى هذه المواد المهيّجة. يعاني بين 15 و 30% منا من الحساسية تجاه المواد الكيميائية مثل دخان السجائر، الروائح والعطور، المنظفات وغيرها من المذيبات عند مستويات لا تشكّل الأذى عادةً.
عند التنفس، يدخل الهواء إلى المنخرين صعوداً إلى المسالك الأنفية نزولاً إلى الحلق (البلعوم) فالقصبة الهوائية (الرغامى) وعبر الأنابيب القصبية المتغصنة فإلى الجيوب الهوائية الصغيرة للرئتين حيث ينتشر الأكسجين في الدم. يُعرف هذا المجرى بالمسلك الهوائي. مع كل نفس، نتنشق أكثر بكثير من مجرد أكسجين. فبعض الأمور في الهواء التي نتنفسها هي عبارة عن اجسام حية مثل البكتيريا والفيروس والفطريات وأبواغ العفن. وبعض الأمور الأخرى الموجودة في الهواء هي سامة مثل أول أكسيد الكربون، ثاني أكسيد الكبريت الموجود في عوادم السيارات، أدخنة الأفران، دخان المدافىء والأدخنة المتصاعدة من أجهزة الطبخ العاملة على الغاز. أما الأمور الأخرى فهي مجرد مواد مهيّجة مثل الدخان والغبار وأنواع عديدة من الأدخنة.
يتفحص الجسم كلّ ما نتنشقه مع كل نفس. إنْ كان ما نتنفسه عبارة عن أجسام حية أو خطرة، يحاول الجسم مكافحتها. وبالطبع، ينتج الجسم الالتهاب متى حارب الجراثيم. بالنسبة إلى بعض الأشخاص السريعي التأثر، تؤدي المواد المستأرجة والمهيّجة في الهواء إلى التهاب المسالك الهوائية.
إنّ أولى مناطق الإحتكاك مع المواد المستأرجة والمهيّجة والجراثيم التي نتنشقها هي بطانة الأنف الداخلية والجيوب الأنفية أي التجاويف الممتلئة بالهواء والواقعة فوق العينين وبينهما وتحتهما. تتعرض بطانة الأنف الداخلية والجيوب الأنفية للهواء نفسه باستمرار وتصيبها بالالتهاب الأشياء ذاتها في الوقت ذاته مما يؤدي إلى التهاب الأنف والجيوب الأنفية. ويسبب ذلك كل تلك الأعراض الأرجية المألوفة مثل العطس، الأنف الراشح، الاحتقان الأنفي والجيبي وصداع الجيب. كما تؤدي الحساسية إلى أنف مثير للحكاك فيما تسبب المواد المهيّجة شعوراً بالحريق.
الربو
بالإضافة إلى المسالك والجيوب الأنفية، يمكن أن تصاب أجزاء أخرى من المسلك الهوائي بالالتهاب بما في ذلك الأنابيب القصبية (المسببة لالتهاب القصبات). الربو نوع من التهاب القصبات الذي تثيره عدة أشياء مثل المواد المستأرجة والملوِّثة والرياضة والهواء البارد الجاف وأحياناً الإرهاق العاطفي لدى الأشخاص السريعي التأثر. عند الإصابة بنوبة ربو، تلتهب الأنابيب القصبية فيضيق المسلك الهوائي سامحاً للقليل من الهواء بالمرور. تتقلص العضلات في جدران الأنابيب القصبية فتضيّق المسلك الهوائي أكثر فأكثر. فتصبح عملية التنفس صعبة ويؤدي تدفق الهواء القسري عبر الأنابيب الضيقة إلى صوت صفير يُدعى الأزيز مع أنه من الممكن حدوث التهاب الربو بدون أزيز. يمكن أن يزول الربو إنْ إستطاع المصاب بالربو تنشق هواء نظيف خالٍ من الغبار، الأدخنة أو أي أمر يثير الالتهاب لهذه النوبة بالذات.
من وجهة نظر بيولوجية، يُعدّ تضيّق الأنابيب أمراً جيداً لأنه يقلّص كمية الهواء المستنشَق مما يخفف من دخول كمية المواد المستأرجة والمهيّجة إلى الرئتين. لذا، يعتبر تضيّق الأنابيب القصبية عملية وقائية للجسم. ولهذا السبب، يمكن أن تؤدي العلاجات التي تحسن حالة الأزيز بدون التخفيف من حدة الالتهاب إلى الوفاة بسبب الربو. من خلال فتح الأنابيب القصبية لزيادة تدفق الهواء والتخفيف من الأزيز، يدخل المزيد من الأشياء المسببة للالتهاب إلى الرئتين فيزداد الالتهاب سوءاً وتنسدّ أحياناً المسالك الهوائية تماماً من جراء المخاط الذي يجف مشكّلاً سدادات سميكة. يجب أن تُعطى الأدوية المضادة للالتهاب بالتزامن مع الأدوية التي تفتح المسالك الهوائية.
يسود وباء الربو حالياً في الولايات المتحدة ولا أحد يعلم السبب. عام 1929، أصيب بالربو واحد من بين مئتي شخص. وحالياً، من المقدّر أن شخصاً من بين عشرين بالغاً وواحداً من بين أربعة أطفال يعاني من الربو. كذلك، تزداد أمراض التهاب المسالك الهوائية الأخرى بما في ذلك التهاب الجيوب الأنفية والحساسية من غبار الطلع. شاع التهاب العيون في صفوف العاملين في أماكن ملوثة حيث تتواجد الأدخنة المهيّجة لدرجة ظهور عبارة متلازمة العين الوظيفية في الطب.
يتم التحقيق في ثلاثة أسباب محتملة لزيادة حالات الربو والتهاب الجيوب الأنفية: الفرضية الكيميائية التي تحمّل تلوث الهواء كامل المسؤولية؛ فرضية الفيروس التي تلقي اللوم على العدوى الفيروسية؛ وفرضية حفظ الصحة التي تفترض أن معايير النظافة العالية توقعنا في المشاكل.
الفرضية الكيميائية
كانت الحساسية تجاه غبار شجر الأرز الياباني نادرة جداً في اليابان قبل الخمسينات من القرن العشرين إلا أنها شائعة جداً اليوم. سُجّل أول ظهور للداء في المناطق التي إستُعملت فيها المركبات وتساءل العلماء اليابانيون ما إذا كان ذلك أكثر من مجرد صدفة. خلال التجارب، وجدوا أن الحساسية تجاه نوع معين من البروتين تشكلت فقط عند تمازج هذا البروتين مع عادم الديزل. بعبارة أخرى، كان يتنشق اليابانيون غبار الأرز الياباني منذ بداية الزمان ولكن قلة منهم أصيبوا بالحساسية إلى أن راحوا يتنشقونه مع جزيئات عادم الديزل والملوثات الأخرى مثل الأوزون وثاني أكسيد الكبريت وأكسيد النتروجين. تأكدت هذه النتائج في دراسات أخرى لذا نعلم حالياً أن تلوث الهواء يساهم في الحساسية.
على الرغم من أننا نميل إلى التفكير بالحساسية على أنها حالة من الزكام الخفيف، إلا أن الالتهاب يمكن أن يكون انتشارياً في بعض الأحيان. عندما كنت طبيباً مقيماً في جامعة روتشستر، عاينت شاباً يدعى هال أُدخل إلى وحدة العناية المكثفة خلال موسم غبار الرّجيد حيث صُنّفت حالته بالطارئة. كانت صحته جيدة في السابق ولم يُصب قط بنوبة ربو إلا أنه عانى من حساسية خفيفة تجاه غبار الرّجيد وتم ضبطها بمضادات الهستامين التي تباع بدون وصفة طبية. ذات يوم، سقط بعض من المذيبات والحبر على الأرض في المطبعة حيث كان يعمل. كان هال بالقرب من الأدخنة وسرعان ما راح يصدر أزيزاً وشعر بانقطاع في التنفس للمرة الأولى في حياته. منذ تعرضه لهذه الحالة، أصيب هال بالربو المزمن الذي دام بعد إنتهاء هذه الحالة بفترة طويلة. مع بداية موسم غبار الرّجيد كل سنة، تتحول حالة الحساسية الخفيفة سابقاً إلى نوبة ربو مهلكة.
منذ ذلك الوقت، إمتلأت الكتب الطبية بتقارير مماثلة عن الربو المزمن والتهاب الجيوب الأنفية التي أطلقها التعرض لأي من المواد المهيّجة التنفسية. ما إنْ يبدأ الالتهاب، يمكن أن يدوم أشهراً أو سنوات. لهذا السبب يؤدي الالتهاب إلى إطلاق بروتين يدعى عامِل النمو العصبي ويفعل كما يدل اسمه أي تُنمّي بطانة المسلك الهوائي أطراف عصبية حسية جديدة للاستجابة إلى المواد المهيّجة. ويتم إطلاق مواد أخرى تسبب انهيار خلايا بطانة المسالك الهوائية وتعرّض الألياف العصبية للخطر مما يجعل المسلك الهوائي مفرط الاستجابة إلى أصغر الاستجابات. الأمر شبيه بحكّ جرح غير ملتئم. لو كانت البشرة طبيعية، لما سبب الحكاك الألم. ولكن إنْ تم كشط طبقتين من البشرة والكشف عن الأعصاب، مجرد لمسة صغيرة تسبب الألم. مع مرور الوقت، نصبح مفرطي الحساسية لدرجة أن أي شيء سيثير الالتهاب مما يؤدي إلى أعراض الحساسية أو الربو.
فرضية الفيروس
تحارب أجسامنا الفيروسات بالالتهاب وما يسبب الربو هو التهاب المسلك الهوائي. تؤدي إصابة المسلك الهوائي بالفيروس إلى الالتهاب بالإضافة إلى تضرر مماثل للذي يسببه التعرض للمواد الكيميائية. في كلتا الحالتين، إنّ تضرر خلايا بطانة المسلك الهوائي يعرّض الأعصاب الحسية. تطلق هذه الأخيرة مواد كيميائية تدعى الببتيد العصبي، والتي ينتج عنها المزيد من الالتهاب. تؤدي بعض الفيروسات إلى الربو المزمن أكثر من غيرها ربما لأن الفيروسات المختلفة تطلق أنماط مختلفة من الالتهاب. بالنسبة إلى المصابين أصلاً بالربو، غالباً ما تطلق عدوى فيروسية نوبة الربو. يمكن أن يؤدي الفيروس الأنفي الذي يسبب الزكام الشائع إلى وهيج الربو. ويمكن أن تكون الإنفلونزا كافية لإرسال شخص مصاب بالربو إلى المستشفى. وقد يخضع المصاب بالربو لحقنة الإنفلونزا كل سنة.
فرضية حفظ الصحة (أو فرضية التلاؤم)
تفيد فرضية التَّصحاح (حفظ الصحة) بأن النظافة المفرطة تؤدي إلى الحساسية والربو. تبين النظرية أنه في حال تعرّض الأطفال لعدد كبير من المنبهات المنيعة المختلفة (المواد المستأرجة والمهيّجة) في الطفولة المبكرة، يعتاد جهازهم المناعي على عدم الاستجابة إلى أمور مثيرة للحساسية مثل الغبار وغبار الطّلع. من الصعب دراسة هذه الفرضية بسبب شمول عوامل مختلفة. مثلاً، أظهرت دراسة حديثة تقارن بين الأُسر التي تعمل بالزراعة وتلك غير العاملة بها في ألمانيا وسويسرا والنمسا أن نسبة الذيفان الداخلي وهو مركب جدران البكتيريا الخلوية، أكثر ارتفاعاً في المزارع. وتبين أن الأطفال الذين ترعرعوا في مزارع ذات نسبة عالية من الذيفان الداخلي أصيبوا بدرجة أقل من الربو، التهاب الجيوب الأنفية والحساسية. إذاً، الكثير من البكتيريا يعادل القليل من الربو. على الرغم من أن ذلك يدعم فرضية التصحاح، إلا أن هناك عوامل أخرى لم تكن جزءاً من الدراسة التي قد تكون أحدثت فرقاً. مثلاً، ربما قليلاً ما أصيب أطفال المزارع بعدوى فيروسية وقليلاً ما تعرضوا لعوادم السيارات وغيرها من ملوثات الهواء في المدينة أو لأنواع مختلفة من المواد المهيّجة الداخلية.
قد يبدو كل ذلك مربكاً لأنه كذلك. أحياناً، يرتبك المحققون الطبيون من كثرة التقارير المتضاربة. ما الذي يسبب أوبئة الربو والتهاب الجيوب الأنفية والحساسية؟ هل هي المواد الكيميائية، الفيروسات أو علم حفظ الصحة؟ والتخمين الأفضل هو الخيار الرابع: جميعهم. فكل الفرضيات مرتبطة ببعضها البعض وجميعها تسبب الالتهاب. مثلاً، يمكن أن تؤدي المواد المهيّجة الكيميائية الصادرة عن دخان السجائر إلى التهاب المسلك الهوائي لدى المدخنين وغير المدخنين من حولهم. وتسبب بعض الفيروسات التهاب المسلك الهوائي. كل واحدة فيها تسبب التهاباً خفيفاً ولكن عند جمعها تشكّل داءً.
زاوية أخرى من الالتهاب قد تؤثر أولاً على الانتشار المتزايد للربو وهي السمنة. فازدياد حالة الربو قد يحاذي ازدياد السمنة في الولايات المتحدة. أظهرت الدراسات التي تطرقت إلى هذه العلاقة أن زيادة الوزن، أقله لدى النساء، تزيد من خطر الإصابة بالربو في كل الأعمار. كذلك، أظهرت الدراسات ارتباط بعض المأكولات بالربو لدى المراهقين وخاصةً المأكولات الجاهزة الغنية بالدهون وهي من النوع الذي تقدمه مطاعم المأكولات السريعة التحضير. نعلم أن السمنة تزيد من حدة الالتهاب في الجسم. وندرك أن المأكولات المقلية الغنية بالدهون تساهم في السمنة وأن هذه الأخيرة مرتبطة بالربو. كذلك، أظهرت دراسة أن تحسناً يطرأ على وظيفة الرئتين والأعراض والصحة ككل لدى المصابين بالربو والذين يعانون من زيادة الوزن بعد أن ينقصوا الوزن. هل من الممكن أن يكون الالتهاب المزمن المنخفض المستوى الذي ينتج عن زيادة الوزن كافياً لتعريض صحة أحدهم للربو؟ ما زالت البحوث حول هذا الموضوع مستمرة ولكنها مجرد إمكانية.
الالتهاب المرئي: البشرة
البشرة مكان حيث يمكن رؤية الالتهاب والشعور به وفي بعض الحالات شمّه. هناك دعابة دائمة تنتقل إلى طلاب الطب كل عام والذين يدرسون الأمراض الجلدية ألا وهي وجود ألفي داء جلدي، عدا عن أنواع سرطان البشرة، وعلاجين فقط: أدوية لقتل الخمج وادوية لإخماد الالتهاب. تطلق العدوى الجلدية الالتهاب فيظهر على شكل طفح أو تورّم. إنّ العلاج بالمضادات الحيوية الملائمة لقتل الجراثيم، أكانت بكتيريا، فطريات أو فيروسات، يزيل مصدر الالتهاب وعادةً ما يختفي الطفح.
هناك طريقتان أساسيتان، غير الجراثيم، يمكن أن تؤديان إلى التهاب البشرة. قد يكون هناك استجابة منيعة حيث تتفاعل خلايا T والخلايا المنيعة الأخرى مع أشياء موجودة على البشرة، أو استجابة تهيّج حيث تتفاعل الخلايا العصبية مع أشياء موجودة على البشرة. ينتج الطفح الجلدي الأكثر شيوعاً المعروف بالتهاب الجلد التماسِّيّ عن لمس شيء مهيّج. أما اللبلاب السام فهو طفح جلدي يسببه الاحتكاك بمادة صمغية في أوراق نبات اللبلاب. تتفاعل خلايا المناعة مع مادة كيميائية موجودة على ورقة اللبلاب السام فيظهر الطفح بحدة حيثما يتم لمس الورقة. صدق أو لا تصدق، إنّ المادة الكيميائية ذاتها المسببة لطفح الليلاب موجودة أيضاً على قشرة المانغا (لذا، حذاري من انتزاع الفاكهة الموجودة داخل القشرة!) وفي قشرة البلاذر (ولكن ليس في قلب الجوزة). يجب الحرص عند التعامل مع البلاذر على عدم الاحتكاك بالقشور.
الشرى طفح جلدي على صورة بثور مثيرة للحكاك من جراء مادة الهستامين الكيميائية المثيرة للحساسية والتي تطلقها الخلايا البدينة. وهذا الطفح مؤشر واضح على وجود ردة فعل التهابية حادة في الجسم. يمكن أن يحدث الشرى إنْ تغلغلت مادة غريبة تحت البشرة مثل السم من لسعة النحلة، أو من تناول طعام أو دواء ما، أو تنشق شيء. مثلاً، بعض المصابين بالحساسية تجاه غبار الطلع يعانون من الشرى خلال مواسم الطلع.
ويمكن أن يصاب المرء بالطفح الجلدي من جراء تنشق مواد كيميائية في الهواء وهي حالة مسماة بالتهاب الجلد التماسِّيّ عبر الهواء. فيظهر الطفح الجلدي بدون أن تمسّ المادة الكيميائية البشرة. وينتقل موقع الالتهاب من المجرى التنفسي إلى البشرة. تحدث ظاهرة الإنتقال هذه في أشكال عديدة من الالتهاب. تم التعرّف على أكثر من أربع مئة مادة كيميائية يمكن أن تسبب التهاب الجلد التماسِّيّ عبر الهواء بما في ذلك المواد الكيميائية المستعملة في دهان الجدران.
كما أن الالتهاب المرتبط بعدة أمراض منيعة للذات يمكن أن يظهر على البشرة. على سبيل المثال، غالباً ما يظهر الطفح الجلدي مع الذأب ونادراً ما نراه مع التهاب المفاصل الرثواني.
الأمراض المنيعة للذات
يبحث جهاز المناعة الدائم الحذر عن الخلايا الدخيلة للقضاء عليها. عند اكتشاف خلية خبيثة أو بروتين غريب، لا يتم تدميره وحسب ولكن تطلق الخلايا المنيعة أيضاً جهاز الإنذار وتطلب الدعم. وسرعان ما تهب معظم الموارد الجسدية للبحث عن أي خلايا أخرى شبيهة بالخلية الدخيلة لمهاجمتها والقضاء عليها.
وأحيان، يخطىء جهاز المناعة فيهاجم أنسجة الجسم السليمة. يخلط بين خلايا الجسم والخلايا الدخيلة فيحارب خلايا الجسم. ولكن لا يهاجم كل أنسجة الجسد لأنها لا تشبه بعضها البعض. إنّ الخلايا المنيعة مبرمجة لمهاجمة النسيج الذي تعتبره غريباً لأنه يحمل شفرة بروتين معين. لذا، يعتمد نوع المرض الذي ينتج عنه على نوع النسيج المُستهدف. فقد يهاجم المرض نوعاً معيناً من النسيج الجلدي ويؤدي إلى طفح جلدي مخيف، أو جزءاً من الجهاز العصبي ويقطع جهاز التواصل في الجسم، أو النسيج الضام في الجسم فيسبب ألماً وضعفاً رهيبين يجعلان الجسم يشعر بالوهن، أو أنسجة محددة في القلب، الرئتين أو الكبد مؤدياً إلى تضرر خطير في الأعضاء.
تعتبر الأمراض المنيعة للذات من بين أعظم ألغاز الطب. فهي تهاجم أنسجة الجسم الطبيعية والسليمة ولكننا لا نعلم السبب في معظم الأحيان. إنها تصيب النساء ثلاث مرات أكثر مما تصيب الرجال ولكننا نجهل السبب. وغالباً ما تصيب الأشخاص في مقتبل العمر أي بين سن العشرين والخمسين ولكننا نجهل السبب. تزداد وتخف حدة العديد من الأمراض المنيعة للذات واضعةً صحة المريض في دوامة ولكننا لا ندري ما يزيد من حدتها أو يجعلها تختفي. ما ندركه هو أن الأمراض المنيعة للذات لا يمكن معالجتها، وكلما زاد وقت نشاط المرض وتسببه لردود فعل التهابية، كلما زاد الضرر.
المنبهات المنيعة للذات
في بضع حالات، اكتشف العلماء أن عدداً من العوامل البيئية بما في ذلك العوامل المعدية، المواد الكيميائية والأدوية يمكن أن تطلق داء منيعاً للذات. على سبيل المثال، إنّ فقر الدم الانحلالي المنيع للذات، وهو داء يفرز فيه الجسد أجساماً مضادة لخلايا الدم الحمراء، يمكن أن ينتج عن استجابة منيعة إلى البنسلين (بالإضافة إلى مجموعة من الأدوية الأخرى). ما يحدث هو أن البنسلين يرتبط بالجزيئات على سطح خلايا الدم الحمراء فيغيّر بنيتها الكيميائية. أحياناً، يلاحظ جهاز المناعة هذه البنية الجديدة فيطلق جهاز الإنذار ويعتبر خلايا الدم الحمراء بكتيريا غريبة. وتصبح خلايا الدم الحمراء مغطاة بالأجسام المضادة مما يطلق الآليات التي تفجر أغشية الخلية وتقضي عليها.
هناك منبّه آخر يُدعى التمويه الجزيئي. عندما يصادف الجسم فيروساً، يباشر في مهاجمته. يستعد جهاز المناعة ويكوّن أجسام مضادة للبروتينات الفيروسية ثم يدمر الفيروس. والآن لنفترض أن البروتين الفيروسي يبدو شبيهاً لبروتين على خلية طبيعية. ماذا يحدث؟ يستعد جهاز المناعة ويدمر الفيروس ولكنه يجهز أيضاً على كل خلايا الجسد التي تحمل بروتيناً مماثلاً. هذا ما يحدث عندما يصاب المرء بداء السكر من النمط1. يدمر جهاز المناعة عن طريق الخطأ جميع الخلايا التي تفرز الإنسولين في البانكرياس. يملك المصابون بداء السكر من النمط 1 جينةً تشفّر نوعاً خاصاً من البروتين على الخلايا التي تفرز الإنسولين ويجب أن تكون عرضةً للفيروس الفريد الذي يحمل بروتيناً مماثلاً. لذا، يلعب كلّ من علم الوراثة والبيئة دوراً في إحداث الداء.
الأمراض الوعائية الكولاجينية
نجهل أسباب معظم الأمراض المنيعة للذات. إلا أن فئة الأمراض المنيعة للذات المعروفة بالأمراض الوعائية الكولاجينية والتي تضم الذأب الحمامي الجهازي (المعروف بالذأب) والتهاب المفاصل الرثواني وتصلب الجلد تنتج جميعها عن التعرض للمواد الكيميائية والمخاطر البيئية. في هذه الحالات، يكوّن جهاز المناعة أجساماً مضادة لمجموعة من البروتينات الطبيعية الموجودة في الجسم البشري مما يؤدي إلى التهاب الأوعية الدموية والأنسجة الضامة بما في ذلك بطانة المفاصل الزليلية. يكون التكهن متغيراً جداً وفي أسوأ الحالات تلتهب الأعضاء الحيوية وتتعطل.
الذئبة الحمراء أو الذأب الحمامي
يعود أصل كلمة ذأب إلى الكلمة اللاتينية التي تعني ذئباً لأن الطفح الجلدي الذأبي قد يبدو شبيهاً بعضة الذئب. يتمتع المصابون بالذأب بجهاز مناعة يكوّن أجساماً مضادة للمواد الكيميائية الموجودة بشكل طبيعي في الجسم بما في ذلك الحمض النووي الريبي المنقوص الأكسجين وبعض البروتينات الموجودة في الصبغيات. قد يكون هناك التهاب في أعضاء متعددة بما في ذلك البشرة، المفاصل، القلب، الرئتين، الدماغ والكليتين. يمكن أن يبدأ الداء ببطء فيتسم بأعراض غير واضحة مثل التعب والآلام غير المحددة. مع تطور الذأب، ينتشر الالتهاب في كامل الجسم وقد يؤدي في أسوأ الحالات إلى فشل العضو.
تزداد نسبة الأميركيين المصابين بالذأب على الرغم من أن لا أحد يعلم السبب. ندرك أنه ينتشر في العائلات وأن الخطر يزداد لدى هؤلاء الذين يحملون واسمات بروتينية معينة على سطح الخلايا. كما يُعتقد بشدة أن بعض المواد السامة البيئية تلعب دوراً في الإصابة بالذأب. نعلم أن بعض الأدوية والأطعمة وملوثات الهواء يمكن أن تستحث الذأب. مثلاً، إنّ علاج بروكيناميد procainamide (من صنف البروكان procane والبرونستيل pronestyl) المستخدم لمعالجة نبضات القلب غير المنتظمة يمكن أن يسبب أعراض الذأب لدى حوالى 25% من الذين يتناولون الدواء. كما أن ممارسي رياضة كمال الأجسام الذين يتناولون الستيروئيد البنائي يمكن أن يصابوا أحياناً بالذأب المرتبط بالدواء.
من الصعب تحديد الروابط بين المواد الكيميائية البيئية والأمراض المنيعة للذات لأننا لا نعرف دائماً ما يحتويه الهواء من حولنا. يمكن أن تمتص أجسامنا المواد الكيميائية السامة كخليط معقد بجرعات غير معروفة وأحياناً من مصادر مجهولة. لا الأطباء ولا مرضاهم يدركون وقت، ماهية أو كيفية تعرض المرضى للعديد من المواد الكيميائية قبل التشخيص. مع ذلك، يُشتبه ببعض مسببات الذأب. توجد مادة كيميائية معينة في “غذاء صحي” مزعوم ألا وهو بذور الفصفصة النيئة الشبيهة بتلك المعلقة بالبراعم ويُعتقد بأنها تسبب الذأب لدى البعض ولكنها بالتأكيد تسبب الذأب لدى القرود. كذلك، ترتبط الابتعاثات الصناعية بخطر الإصابة بالذأب. عندما توجه العلماء إلى غاينزفيل في ولاية جورجيا، وهي بلدة تتعرض منذ مدة طويلة للابتعاثات الصناعية، اكتشفوا أن المقيمين معرضون للإصابة بالذأب تسعة أضعاف أكثر من غير المقيمين فيها.
يشكّل المالثيون مثلاً آخر وهو مبيد هوام مستخدم بشكل واسع في الولايات المتحدة. يعتبر المالثيون بشكل عام أقل سمّية من المبيدات الأخرى بالنسبة إلى البشر لذا تم استخدامه على نطاق واسع في حالات حيث تكون نسبة التعرض لها عالية. عندما يتم الكشف عن الحشرات في فلوريدا أو كاليفورنيا، تُرشّ مساحات واسعة بالمالثيون بواسطة الطائرات والطوافات. على الرغم من عدم إثبات واقع أن التعرض للمالثيون يسبب الذأب لدى الأشخاص، لكننا نعلم أنه يسبب الذأب ويؤدي إلى تطوره لدى الفئران ذات الاستعداد الجيني المحدد.
إنْ كان بالإمكان تحديد العامل البيئي الذي أطلق الذأب وإزالته، يتحسن بعض المرضى مع اختفاء كل أعراض المرض. ولكن في معظم الحالات، لا يمكن تحديد الأسباب. لذا، يصبح من المهم إزالة أي مصدر محتمل للالتهاب بغض النظر عن السبب الأساسي. مثلاً، يجب أن يتجنب المصاب بالذأب تنشق المالثيون إنْ كان يقيم في مكان يُرشّ بهذه المادة.
التهاب المفاصل الرثواني (الروماتويد)
إنّ التهاب المفاصل الرثواني هو الأكثر شيوعاً من بين الأمراض الوعائية الكولاجينية فيصيب حوالى شخص واحد بين كلّ خمسين أميركياً. وهو أساساً مرض يصيب المفاصل. يشعر مرضى هذا الداء بالتصلب عند النهوض في الصباح أو عندما يجلسون بلا حراك لفترة قصيرة نسبياً ولكنهم يصبحون أقل تصلباً عند التحرّك. تتورم المفاصل وتصبح مؤلمة عند التحرّك وسريعة العطب. مع تقدّم التهاب المفاصل الرثواني، يمكن أن تتلف المفاصل وينتج عنها تشوهات. عادةً ما تصيب التشوهات اليدين ولكن يمكن أن تتلف أيضاً مفاصل الورك والركبة. يمكن أن يمتد الالتهاب إلى أعضاء أخرى مثل القلب ويمكن أن تلتهب الأوعية الدموية مسببةً الضرر في أنحاء الجسم.
تطرقت الدراسات إلى العلاقة بين التهاب المفاصل الرثواني والتعرض للعوامل البيئية ولكن لم يتم توضيح أي نمط. أظهرت بعض الدراسات أن العمال في بعض الصناعات (مثل الزراعة، التعدين و التحريج) عرضةً للإصابة بالتهاب المفاصل الرثواني أكثر من العاملين في المجالات الأخرى. مثلاً، يمكن أن يتعرض عمال مناجم الفحم لنوع من التهاب المفاصل الرثواني الذي يصيب الرئتين.
أحياناً، يرتبط التهاب المفاصل الرثواني بحساسية مفرطة تجاه الطعام. عام 1999، أظهرت مجلة طبية أن بعض المصابين بالتهاب المفاصل الرثواني ولكن ليس جميعهم إستفادوا من التغييرات في أنظمتهم الغذائية. منذ ذلك الحين، ظهرت دراستان علميتان بالغتا الأهمية. أولاً، أخضع الدكتور هوغن ومساعدوه في أوسلو، النروج مجموعة من المصابين بالتهاب المفاصل الرثواني ل”نظام غذائي أساسي” صنعي خالٍ من البروتين يتألف من مجموعات مركّبة مخبرياً من الأحماض الأمينية، السكريات، الدهون، الفيتامينات والمعادن. للمقارنة، تناولت مجموعة أخرى من المصابين بالتهاب المفاصل الرثواني الطعام الطبيعي. بما أنه يُفترض بشكل عام أن البروتين في الطعام يسبب ردود فعل التهابية، جاء هذا النظام كطريقة لجعل الطعام خالياً من البروتين مع الحفاظ على المواد الغذائية المهمة الأخرى في النظام الغذائي. فإنْ كان الالتهاب مرتبطاً بالطعام، يجب أن يخفف هذا النظام الغذائي من حدة الأعراض. في الواقع، إنّ المرضى الذي خضعوا للنظام الغذائي الخالي من البروتين أظهروا تحسناً في المفاصل مقارنةً مع المجوعة التي تناولت الطعام العادي الغني بالبروتين.
في دراسة أخرى، قارن الباحثون آثار النظام النباتي (نظام غذائي بدون تناول الحليب، البيض أو أي منتجات حيوانية أخرى) مع نظام غذائي صحي ولكن غير نباتي لدى المصابين بالتهاب المفاصل الرثواني. بعد مرور سنة على بدء النظامين الغذائيين، تحسّن 40% من المرضى الخاضعين للنظام الغذائي النباتي مقابل 4% فقط من الذين خضعوا للنظام غير النباتي. وأظهرت دراسة ثالثة جرت في وحدات المراقبة البيئية على مرضى التهاب المفاصل الرثواني بإتباع هواء البرستين والإطّراح الغذائي، تحسناً في واسمات المرض. تفيد هذه الدراسات أنه بإمكان المصابين بالتهاب المفاصل الرثواني تخفيف الألم وخطر الإصابة بتضرر إضافي في المفاصل عبر التخلي عن البروتينات الحيوانية في نظامهم الغذائي.
إذاً، ما المغزى بالنسبة إلى مصاب عادي بالتهاب المفاصل الرثواني؟ من الواضح أن بعض المصابين بالتهاب المفاصل الرثواني يتماثلون للشفاء بعد إطّراح طعام أو أكثر من نظامهم الغذائي. للأسف، لا يفعل ذلك البعض الآخر. والسبب المحتمل هو أن جميع المصابين بالتهاب المفاصل الرثواني قد يعانون من الحساسية المفرطة ولكن تجاه أمور مختلفة. قد تكون الحساسية تجاه الطعام من شخص ما، ومن شخص آخر تجاه المواد الكيميائية، الأدوية، بكتيريا أو فطريات تعيش داخل البشر وقد يكون أي شيء آخر. إنّ إزالة هذا الشيء المحدد يجب أن يساعد على تحسين الأعراض ولكن تكمن المشكلة في اكتشاف المسببات لدى كل مريض. ويمكن تحقيق ذلك عبر التخفيف من كمية المواد الكيميائية في المنزل ومراقبتها ومعرفة الأطعمة التي تثير الحساسية من خلال التخلي عن البعض منها.
تصلب الجلد
يعتبر تصلب الجلد الداء الأكثر خطورة بين الأمراض الوعائية الكولاجينية. تعود عبارة تصلب الجلد إلى الأصل اليوناني، (soleros) تعني تصلباً و(derma) تعني جلداً. يمكن اعتبار تصلب الجلد جموحاً لعملية الشفاء. فبعد التعرض للإصابة، تبدأ الخلايا المنيعة المعروفة بالخلايا اللمفية سلسلة من العمليات الجزيئية التي تؤدي بالخلايا الخاصة (الأرومات الليفية) إلى تكوين الكولاجين والبروتينات الأخرى، وهي البروتينات نفسها التي تبقي خلايا الجسد متماسكة. إنّ الأرومات الليفية مسؤولة عن مداواة الجروح وتكوين الندبات. يشبه تصلب الجلد نظام التجميع بدون زر التعطيل. تُكوّن وتودع كميات كبيرة من الكولاجين وبروتينات النسيج الضام مما يسبب تصلب أكثر للبشرة. تصبح الأصابع صلبة وغير قابلة للإستعمال وبسبب تصلب البشرة حول الفم، يصبح من الصعب الأكل أو التكلّم. مع تطوّر المرض، ينتشر هذا التصلب في أنحاء الجسم. عندما يتصلب القلب، الرئتان أو الكليتان، تتعطل وظائف هذه الأعضاء في النهاية.
تبين أن عدداً من العوامل البيئية قد تكون أسباباً محتملة لتصلب البشرة، مماثلة أو شبيهة بآثار تصلب الجلد. من بينها نذكر غبار السليكا وكلوريد الفينيل. يمكن أن يتعرض العمال لغبار السليكا من السفع الرملي، التعدين، حفر الأنفاق وصناعة الزجاج. أما كلوريد الفينيل فيُستعمل لصناعة كلوريد الفينيل المتعدد المستخدم في أنبوب كلوريد الفينيل المتعدد، الأثاث، الألعاب، التنجيد، الحصائر بالإضافة إلى العديد من المنتجات الأخرى. عُرف العمال في مصانع كلوريد الفينيل المتعدد بإصابتهم بالأعراض الشبيهة بتصلب الجلد. (لم يكن هناك أي حالات موثقة عن داء كلوريد الفينيل المرتبط بإستعمال منتجات المستهلك؛ تقتصر المشكلة على عمال المصنع.)
هل يمكن التخفيف من حدة الأعراض؟
اكتشف العديد من المصابين بالأمراض المنيعة للذات صدفةً أو عمداً مادة كيميائية واحدة أو أكثر موجودة في الطعام، الهواء أو الماء ويعتقدون أنها تثير الأعراض التي يشعرون بها. أحياناً يختفي المرض عندما يتجنبون هذه المواد. ولكن هذه الأنواع من المقاربات البيئية لا تساعد البعض الآخر. ما من فحص بسيط يُخبر من هو المستفيد من المقاربة البيئية ولا يوجد فحص يبين الأسباب البيئية المحتملة. أحياناً تُعرف الأسباب البيئية المحتملة ويمكن البحث عنها في حالة معينة. ولكن في معظم الأحيان، تكون بكل بساطة عملية المحاولة والخطأ.
بالنسبة إلى مَن يعاني من داء منيع للذات، يصبح السؤال عندئذٍ: لمَ لا تُجرّب مقاربة بيئية للسيطرة على الداء؟ على الرغم من أن عملية تبيان الأسباب البيئية المحتملة محبطة وطويلة الأجل، إلا أن فرصة مداواة داء منيع للذات عبر تجنب طعام، دواء أو نشوق تستحق عناء المخاطرة بالنسبة إلى معظم المرضى.
الروابط
إذاً، ما المغزى من كل ذلك في سياق الأمراض الالتهابية الأخرى؟ مثلما قد تظن، هناك روابط ولكننا غير أكيدين منها بعد.
من الشائع لدى المصابين بداء واحد منيع للذات أن يصابوا بداء مختلف منيع للذات – وهو عامِل آخر يؤكد صحة أن للالتهاب روابط بعيدة المدى. مثلاً، تبين أن المصابين بداء الدرقية المنيع للذات معرضون لخطر الإصابة بالذأب، وقد أبلغ العلماء عن وجود علاقة بين التصلب المتعدد وداء السكر من النمط 1.
كذلك، اكتشف العلماء أن المصابين بالذأب والتهاب المفاصل الرثواني هم أكثر عرضةً للإصابة بالتصلب العصيدي مما يؤدي إلى حدوث نوبة قلبية قبل الأوان. كما أن المصابين بداء حوالى السن معرضون لخطر الإصابة بكلّ من التهاب المفاصل الرثواني وداء القلب. أظهرت دراسة أخرى أن مرضى الذأب معرضون بنسبة عالية للإصابة بالشقيقة، وهو داء التهابي آخر.
وقد تظهر علاقة أكثر عمقاً تدخل في طبيعة الالتهاب الجهازية. لنأخذ بعين الاعتبار الإرهاق النفسي. نعلم أن الإرهاق يمكن أن يسبب نوبة ربو – كما أنه يزيد داء القلب سوءاً وقد يؤدي إلى متلازمة المعى المتهيّج، ويجعل الطفح الجلدي أسوأ ويسبب نوبات من الأمراض الالتهابية المنيعة للذات. وماذا يفعل الإرهاق بالجسم؟ إنه يزيد من الالتهاب.
والمغزى هو، عندما يتفشى الالتهاب، يمكن أن يُصيب كل شيء بطريقه. من حسن الحظ أن هناك عدة أمور يمكننا فعلها لحماية أنفسنا من مصادر الالتهاب المتعددة
تأليف: د. ويليام جويل ميغز