تبقى العناية الصحية بالأطفال عاملاً أساسياً لوقايتهم من الكثير من الأمراض التي يتعرضون للإصابة بها في هذه المرحلة الهامة والحساسة من حياتهم. ومن الملاحظ في عصرنا الحاضر أن العناية بالأطفال تمر في مرحلة حرجة لاسيما في المجتمعات المتقدمة صناعياً والمتطورة صحياً في آن، حيث دخلت المرأة الأم ميدان العمل من بابه الواسع، ما خفض من عدد الساعات التي يفترض بها تمضيتها في عناية أطفالها كماً ونوعاً، هي تعود من العمل مرهقة جسدياً ونفسياً في كثير من الأوقات ما يؤثر سلباً على تأمين العناية ومن ثم الوقاية لهؤلاء الأطفال، وهذا ما يحث الرجل على المساعدة بعناية الأطفال في العائلة، إذ نرى الأم تهتم بأمور التغذية والنظافة والكساء ويساهم الأب في الأمور التدريسية والتسلية والرياضة؛ هذا ما يجري حالياً في البلدان التي تهتم برعاية الطفولة ومنها كندا وأستراليا وبريطانيا والولايات المتحدة الأميركية وغيرها.
• من أهم القواعد السليمة للنظافة العامة يأتي تعقيم المياه التي تستعمل في تحضير غذاء الأطفال، والرضع منهم خصوصاً، لاسيما في الأشهر والسنوات الأولى من العمر نظراً، لضعف وهشاشة جهازهم المناعي الذي هو في طور الاكتساب والتكوين، بهدف حمايتهم من التقاط الجراثيم التي تعرضهم للالتهابات المتكررة، والتي في حال حصولها تشكل عائقاً أمام نموهم الجسدي والذهني وصولاً إلى الإعاقة في هذه المرحلة الدقيقة من حياتهم. لذا يتوجب تعقيم المياه والأوعية المستعملة في تغذية الأطفال وخصوصاً عند استهلاك المياه المعبأة في عبوات قد تكون مكررة وخالية من الترسبات (كلس، رمل، تراب) ولكنها غير معقمة، من هنا أهمية تعقيمها قبل استعمالها لدى الأطفال (يمكن الاطلاع على طرق التعقيم في مكان آخر من هذا المؤلف).
• من المفيد الإشارة إلى محاولة الاستغناء عن «اللهاية» الشائعة الاستعمال لدى الرضع، وفي مختلف الأوساط الاجتماعية، لما تنطوي عليه من سهولة انتقال الجراثيم إلى فم الطفل لا سيما عند تعرضها للسقوط أرضاً، وبعيداً عن مراقبة الأهل وتلوثها بالميكروبات والحشرات وفي مقدمتها الحامل الأول للجراثيم: الذباب.
• إلى جانب العناية بالماء، من المهم الانتباه جيداً إلى كساء الطفل، من جهة نظافة الثياب والقيام بكيها عند اللزوم، ويفضل اختيار نوعية الثياب من القطنيات والابتعاد عن الألبسة التي تدخل في تكوينها المواد الاصطناعية، الصوف أو النايلون للوقاية من تحسس الجلد (خصوصاً الملابس الداخلية) أو تنشق أجسام مثيرة للحساسية على مستوى الأنف أو القصبة الهوائية (لاسيما عند الأطفال ذوي الاستعداد)، وأن تتلاءم كمية الثياب ونوعيتها مع تقلبات الطقس وتغير الفصول، والارتفاع أو الهبوط المفاجئ لدرجات الحرارة، والتصرف الأكثر حصولاً في هذه الحال يميل إلى التدفئة (تخوفاً من مجاري الهواء الباردة..) أكثر من اللزوم، ما يضر بصحة الطفل مع دوام الحال وتكراره، عندما نعلم أن المهم هو احتفاظ جسم الطفل (وليس الجلد) بدرجة حرارة داخلية مستقرة تساعد على تركيز هذه الحرارة بمستواها الفيزيولوجي الطبيعي (في حدود 37 درجة مئوية)، وإلا تعرض الطفل لخسارة كمية من المياه والأملاح نتيجة الإفراط في التعرق وتسرع وتيرة التنفس، وهما عاملان مسببان لارتفاع درجة الحرارة الداخلية وصولاً إلى حالات التجفاف والدخول في حلقة مفرغة، ليتساءل بعدها الأهل عن أسباب كل ما يحصل!؟ ونذكر هنا الزنار الذي يضعه الأهل حول صدر الطفل الرضيع ويقومون بشده ليعيق حركته وتنفسه في بعض الحالات اعتقاداً منهم بفائدته لعدم «تلوّي» الطفل! أو لمنع «هبوط رفشه»! كلها تصرفات لا تمت إلى الطب والعناية الطبية بصلة!؟
• في مجال النظافة الجسدية للمولود الجديد، يستحسن غسل كامل جسمه في الساعات الأولى بعد الولادة وعدم الانتظار حتى سقوط حبل الصرة، الذي يستغرق فترة تتراوح بين أسبوع أو أسبوعين في معظم الحالات، مع إعطاء هذه المنطقة الحساسة والطرية العناية اللازمة نظراً لشمولها على مدخل هام لتسرب الجراثيم من خلال الشرايين الموجودة داخل الحبل، لذا يتوجب تنظيفها بمادة معقمة، يصفها الطبيب، وتضميدها بالشاش المعقم مع تغييره يومياً ومتابعة استعمال المعقم بعد سقوط الصرة حتى مرحلة الجفاف. بعد إتمام حمام الطفل ينصح تدليك جسمه بقليل من زيت الزيتون، ما يشكل طبقة واقية للتحسس ومغذية للجلد، وعدم الركون كثيراً إلى الدعايات التي تروج للعديد من المراهم أو المحاليل، وأغلبها تحوي مواد معطرة تخبئ خلف رائحتها الزكية مواد كيماوية ربما كانت غير موائمة للطبقة السطحية لجلد الطفل حيث يتكون أحد مصادر الدفاع المناعي للجسم. ويعتمد الحمام اليومي للرضيع في أوقات يخلد بعدها إلى مهده، وينصح توقيته صباحاً أو مساء أو خارج نطاق الزيارات أو فترات الخروج من المنزل حصوصاً في الطقس المتقلب أو العاصف.
• ومن المفيد القيام بتنظيف طيات الجلد على مستوى البطن، الصرة، الفخذين والرقبة حيث تترسب بقايا الصابون والبودرة والمراهم فتكون سبباً للتحسس الجلدي، الاحمرار ومن ثم الالتهاب، كما وينصح باستعمال الشاش الناعم أو القطن المعقم، لتنظيف مدار العيون ومدخل الأنف ودائرة الأذن، واستعمال شامبو طبيعي أو صابون زيت الزيتون لغسل الجسم وكذلك فروة الرأس بعد دلكها بأنامل الأصابع (وقد قلمت الأم أظفارها!).
كما ينصح بتقليم أظفار الطفل باكراً، فالأظفار الطويلة في هذا العمر تكون طرية وحادة في آن، والطفل الذي ينمو في أشهره الأولى بوتيرة سريعة ربما أدت إلى إيذائه شخصياً من ناحية، وشكلت مكاناً لتجمع الجراثيم تحت الأظافر. وهذا الملاك الوافد معرض بطريقة غريزية لوضع أصابعه في فمه.
• بالنسبة إلى تنظيف الأذن من المادة الصمغية التي تفرزها بشكل طبيعي، من الأهمية معرفة أن هذه المادة حاجة ضرورية لحماية حاسة السمع في وظائفها المتعددة، كونها تقف حاجزاً منيعاً أمام ولوج الأجسام الغريبة والحشرات إلى داخل مجرى الأذن في قسمها الخارجي (وكم من أجسام غريبة أخرجناها من مجرى الأذن الخارجية: نملة، بعوضة.. بقايا ورق محارم أو أقسام ممحاة، ولن ننسى حبة قمح وقد فرخت في المجرى!) ومن المهم التنبه أن هذه المادة تفرز في مدخل هذا القسم، لذا يتوجب لتخفيف كميتها عدم إدخال العود القطني بعيداً عن هذا المجرى الذي يمتد ليصل إلى محاذاة الطبلة، أي بداية الأذن الوسطى، وفي أغلب الأحيان تعمد الأمهات إلى الضغط بعيداً في هذا المجرى، ما يؤدي إلى تراكم المادة الصمغية أمام الطبلة وقربها. ومع مرور الوقت تشكل هذه المادة مصدراً لالتقاط الجراثيم وعند جفافها تتكوّن منها كتل صغيرة جامدة وقاسية تتجمع في محيط الطبلة ما يؤثر سلباً على مستوى السمع إذا لم يعمل على إزالتها بواسطة الطبيب (وهذا ما يشكل عائقاً له لرؤية الطبلة خلال فحصه الدوري للأطفال، ويضطر للقيام بإزالتها أولاً إما عن طريق الغسيل أم بواسطة علاج طبي)؛ من هنا النصيحة بالاكتفاء وبحذر تحريك عود القطن (بعد التخفيف من دائرته القطنية قليلاً) عند المدخل الخارجي للأذن فقط (أي ما يوازي أقل من سنتيمتر لدى الطفل الرضيع).
• الانتباه الدائم إلى تغيير حافظات الطفل في كل مرة يطرح فيها البراز أو البول داخلها، للوقاية من إصابة مؤخرته والمنطقة الأمامية كذلك بالاحمرار أو «التسميط» وما يلي ذلك من أوجاع، ومن ثم التقاط الجراثيم ومنها الفطريات الجلدية. كما وينصح بالإقلاع عن استعمال بودرة التالك أو غيرها من المساحيق ما يشكل سبباً أساسياً للتسميط عندما نعلم أن البول والبراز يسبحان أغلب الأحيان في وسط حامض المفعول، فيؤدي تفاعلهما مع مختلف أنواع البودرة إلى إصابة الجلد والطيات المحاذية لهذه المنطقة من جسم الطفل. لذا يفضل استعمال كريم أو مرهم يحمي الجلد ويمنع هذه المضاعفات المزعجة للطفل والمؤدية إلى أحد أسباب البكاء وهو الوسيلة الوحيدة المتوافرة للطفل، ليعبر فيها عن انزعاجه أو وجعه في هذه الحالة.
• أما عن تبرز أو تبول المولود الجديد فإنه يحدث في الساعات ال 24 الأولى بالنسبة إلى البول وربما لوقت أكثر من ذلك بساعات بالنسبة إلى الخروج (الذي يتكون في اليومين الأولين من مادة زفتية اللون، يفتح لونها تدريجاً لتستقر على لون أصفر متعدد الدرجات).
• فيما يختص بالأعضاء التناسلية ينصح بإجراء عملية الختان لدى الصبي مباشرة في الأيام الأولى بعد الولادة لأنها أقل ايلاماً، وعند إجرائها لاحقاً وقد بلغ الطفل من العمر أشهراً، يتوجب إجراء العملية تحت البنج العمومي. بعد ختام الختان تعطى العناية اللازمة لتنظيف الجلدة المتبقية من الختان وغسلها عند كل حمام بالصابون للوقاية من تجمع بقايا الماء والصابون بين الجلدة وغشاء مؤخرة العضو الذكري للوقاية من الاحتقان أو الالتهاب.
• أما بالنسبة إلى البنت (المولودة جديداً وفيما بعد) لا بد من لفت النظر إلى أمور عملية مهمة عند القيام بالتنظيف بعد التبرز، بأن تجري طريقة التنظيف من الأمام إلى الخلف، وليس العكس، لمنع التقاط الجراثيم الموجودة في البراز من خلال إدخالها إلى المهبل، ما يؤدي إلى التسبب بالتهابات موضعية في هذا العضو مع إمكانية انتقال العدوى إلى مجرى البول (الإحليل) المتاخم لمدخل عنق الرحم.. ومنه إلى المثانة والكلى.
هنا من المفيد الإشارة إلى أنه لدى المولودة الأنثى، وبعد أيام قليلة من الولادة، يظهر في بعض الحالات، إفراز كمية قليلة من الدم من خلال المهبل، لعدة أيام… هي بمثابة «دورة شهرية»! لمرة واحدة، إلى أن تبلغ لاحقاً، وهي ناجمة عن مفعول بقايا من هرمون الحمل وقد وصلت إلى دم المولودة بواسطة الحبل السري عند الولادة. إنها حالة لا تستدعي القلق، طبعاً بعد مراجعة الطبيب الذي وحده يؤكد التشخيص وليس نتيجة الاستنتاج الذاتي. كذلك وبعد أيام من الولادة يمكن الاستنتاج، لدى المولودة الأنثى خصوصاً، وجود احتقان في الثديين بدرجات متفاوتة تؤدي إلى الألم والصراخ من قبل الطفل، وهي حالات ليست نادرة الحدوث ولا تدعو إلى القلق لأنها نتيجة تفاعلات هرمونية لمرحلة ما بعد الولادة، لتختفي من ثم بعد عدة أيام.
• التنبه الدائم لقياس حرارة الطفل الداخلية في كل مرة تشعر فيها الأم أن طفلها متوعك، متوتر، هامد، يرفض الطعام أو ليس عنده شهية كافية، وعند استنتاجها لأية علامة مرضية أو غير طبيعية. وحينذاك مراقبة تطور الحرارة بتسجيلها على جدول يومي، صباحاً، ظهراً ومساء وعدم الاستعجال بإعطائه أي دواء مضاد حيوي أو الركون لرأي الجارة! بل العودة إلى الطبيب واستشارته بشكل دائم عند كل حالة تساوي فيها درجة الحرارة أو تتجاوز 38.5 درجة مئوية.
تعتبر درجة الحرارة بين 36.5 إلى 37.5، درجة مئوية، المستوى الطبيعي للحرارة الداخلية عند الأطفال الذين قيست حرارتهم عن طريق الشرج (تبقى هذه الطريقة القديمة! هي الأدق تعبيراً رغم وجود التقنيات الجديدة،) على ألا يدخل رأس ميزان الحرارة أكثر من مستوى المعدن وإبقائه داخل الشرج ممسوكاً بواسطة سبابة وإبهام اليد، والطفل في وضعية الاستلقاء على الظهر بعد رفع ساقيه نحو البطن باليد الأخرى، لمدة لا تتجاوز الدقيقة الواحدة. هذه الوسيلة هي المثلى والأكثر دقة من الوسائل الأخرى التي تتأثر بتقلبات حرارة الجلد أو حرارة الطقس الخارجي. كما يلفت الانتباه إلى مسح ميزان الحرارة بالمعقم ونفضه إلى دون مستوى 37 درجة، قبل وضعه في الشرج (الزئبق الموجود داخل الميزان قابل للتمدد تلقائياً عند تعرضه لدرجة حرارة عالية، كأشعة الشمس أو أي مصدر حراري آخر). كما هنالك حالات مرضية (تسمم غذائي، التهاب فيروسي، تسمم في الدم، التهاب السحايا لدى حديثي الولادة…) تؤدي إلى هبوط الحرارة دون ال 36.5 درجة مئوية، وليس إلى ارتفاعها)
• لا بد في هذا المجال من التنبيه عند استعمال التحاميل لتخفيض الحرارة القيام بوضعها عن طريق الطرف الدقيق أولاً، ما يمنع انزلاقها لحظات بعد وضعها، وكأن الطفل لم يحصل على دواء (وهنا لا بد من لفت الانتباه إلى أن امتصاص المادة الفعالة داخل التحميلة بواسطة شرايين الشرج، يحصل خلال فترة 20 إلى 30 دقيقة بعد وضعها، ليطرح الجسم من ثم مادة الشمع التي تغلفها، وفي كثير من الحالات يعتقد الأهل أن الطفل أخرج التحميلة، فيعمدون إلى وضع ثانية، أو ثالثة مكانها، وهذا خطأ كبير يجب استدراكه لئلا يؤدي ذلك إلى مضاعفات لا تحمد عقباها..) وفي أغلب الأوقات تحفظ التحاميل في البراد (على مستوى 8 درجات)، فإذا وُضعت توّاً ببرودتها الزائدة في شرج الطفل يمكن أن تحدث نزيفاً موضعياً (في غشاء الشرج) نتيجة الفرق الشاسع بين حرارة التحميلة وحرارة جسم الطفل (أي أكثر من 30 درجة)، لذا يستحسن القيام بغمس رأس التحميلة بقليل من زيت الطعام قبل وضعها تفادياً لأي مضاعفات.
• بالنسبة إلى النفخة في الأمعاء عند الأطفال، فهي موضوع واسع ومتعدد الأسباب يبقى في أغلب الحالات علامة حميدة وغير معبر عن أسباب مرضية جدية، تنتج عموماً عن ابتلاع كمية من الهواء خلال عملية الرضاعة (بواسطة القنينة خصوصاً) لتشكل غازات تتجمع في أمعاء الطفل وتؤدي إلى النفخة ومن ثم الانزعاج والبكاء، فالتبرم بحركات في ساقيه وحركة تنفس متنحنحة؛ وللتخفيف من هذا العارض من المهم الانتباه إلى فتحة الحلمة المطاطية للقنينة فإذا كانت واسعة أكثر من اللزوم، تؤدي إلى تدفق الحليب في فم الطفل بوتيرة سريعة فيبتلع معها كمية من الهواء، أو لدى الأطفال الشرهين إذ يمتصون الحليب بسرعة مع كمية من الهواء. ومن الأسباب الأخرى عندما تكون درجة الحليب باردة أو عند استهلاك تركيبة من الحليب لا تتوافق مع عمر الطفل. ينصح في هذه الحالات عدم الإفراط باستعمال العقاقير المضادة للنفخة حيث يحتوي البعض منها على مادة تؤدي إلى الإمساك وتزايد النفخة، وندخل عندها في دوامة حلقة مفرغة.
• تبقى النفخة عارضاً صحياً فيزيولوجياً في معظم الحالات، إلا إذا ترافقت مع علامات هضمية أخرى (إسهال حاد، استفراغ متكرر أو أي علامة مرضية أخرى تشير إلى عدم احتمال هذا النوع أو ذاك من الحليب، وجود التهاب في الأمعاء…) ما يستوجب استشارة الطبيب.
• أما عملية بزوغ «أسنان الحليب» عند الرضع فهي تشكل «قصة طويلة» مع الأمهات اللواتي يرجعن أغلب الحالات المرضية إليها، وهذا خطأ يتوجب عدم الأخذ به أو الاعتماد عليه، رأفة بالطفل الذي يعاني في أغلب الأوقات حالة مرضية حادة يترافق مع فترة بزوغ الأسنان، التي تبدأ عادة في سن 7 إلى 8 أشهر وتحدث ألماً مصدره الاحتقان في اللثة وارتفاع في الحرارة لا يتجاوز ال 38.5 درجة مئوية، يحتفظ الطفل خلالها بشهية طبيعية (بعد إعطائه المسكن للألم)؛ ونذكر في هذا المجال النظرية الطبية التي تقول إنه في حال بزوغ الأسنان عند الطفل فإن جهازه المناعي يتجه نحو الاحتقان في النيرة، ويمكن عندها لأية جرثومة أن تغتنم الفرصة لتصيب الطفل في عضو ما من جسمه (إسهال حاد ناتج عن إنتان، التهاب الأذن الوسطى، إصابة القصبة الهوائية…) بينما يمكن أن يترافق بزوغ الأسنان عادة مع طراوة في براز الطفل مع عدم وجود علامات إنتان.
• يمكن أن يتأخر بزوغ الأسنان بعد سن 8 أو 9 أشهر، وطالما أن الطفل بصحة جيدة ولديه شهية جيدة للتغذية وطبيب الأطفال يطمئن أن ليس هنالك من علامات نقص في النمو والطفل يحصل على جرعته اليومية من الفيتامين دال (400 إلى 800 وحدة كل يوم) للوقاية من مرض الكساح ونقص النمو وهشاشة العظام مع الأخذ في الاعتبار حالات النقص أو الإهمال في استعمال هذا الفيتامين الموجب إعطاؤه ابتداء منذ بلوغ المولود الجديد شهره الأول لمدة يحددها الطبيب
• أما عن مرض تسوس الأسنان فقد شكل فيما مضى آفة منتشرة بين الأطفال. نظراً للنقص الحاد في العناية بالفم والأسنان، إذ أصاب هذا الخلل في العقود الماضية نسبة تتراوح بين 15 و30 بالمئة من مجموع تلاميذ المدارس، هذا إلى جانب الوضع الاقتصادي والمعيشي (لسوء ونقص التغذية دور في تفشي المرض) ومستوى التثقيف الصحي لمختلف شرائح المجتمع والذي يلعب دوره في هذا المجال.
نرى في أيامنا الحاضرة (وهذا ما يستنتجه الأطباء الذين يهتمون بالصحة المدرسية) التحسن الملموس في تطور هذا المرض حيث تدنت الإصابات إلى نسبة 10 إلى 15 % تقريباً، وهو يعود في حيز كبير منه إلى دور الطب الوقائي (استعمال فيتامين دال، إدخال مادة الفلور في العلاج الوقائي…) والنشاط التوجيهي والإرشادي للصحة المدرسية.
لذا ينصح بترويض الطفل على استعمال فرشاة الأسنان بدءاً من عمر السنتين والتركيز على فترة قبل النوم للوقاية من بقايا فضلات الطعام في الفم، والسكاكر والحلويات خصوصاً، حيث يمكن لجرثومة محددة ومعروفة بشغفها للغليكوز أن تنمو وتعمل على الفتك بالأسنان وإصابتها بالتسوس، هذه البكتيريا هي من فصيلة «ستربتوكوك».
وقد تبين حديثاً أن تسوس الأسنان يعتبر من الأمراض المعدية (بسبب هذه الجرثومة)، هو قابل للانتقال من شخص إلى آخر وأن مناعة الأطفال ضد هذه الجرثومة ضعيفة جداً، وهم معرضون للإصابة بها بنسبة كبيرة، خصوصاً من قبل الأشخاص الذين يعتنون بهم، وعلى سبيل المثال (عن طريق الأم التي تتذوق الطعام لتتأكد من أنه ليس ساخناً) وهو أكبر مثال على كيفية نقل البكتيريا إلى الأطفال.
لن ننسى وسيلة أخرى لنقل هذه الجرثومة (أجل! والكثير غيرها) وذلك من خلال تقبيل الطفل على شفتيه!؟ نعم..عادة يجب الإقلاع النهائي عنها كونها لا تزال تمارس في بعض المجتمعات الشرقية. وهي خطأ كبير لا يغتفر حتى لا نقول «من الحب ما قتل»!
• فيما يعود إلى فترات النوم عند الطفل، من الطبيعي أن ينعم هذا الملاك، الذي أدخل السعادة إلى القلوب، أن يحصل على قسط واف من النوم، إذ هو بحاجة ماسة للنوم والراحة لمدة 10 إلى 12 ساعة ليلاً، وفترة نهارية تتراوح بين 3 إلى 4 ساعات. ويتمتع في أوقات الوعي بغذائه مرفقاً بخدمات النظافة وكل ما من شأنه تأمين فترة النوم بهدوء، توفره حضانة عاطفية واطمئنان. ينطبق نظام النوم والغذاء على فترات النهار والليل، إذ يترتب على الأم السهر على تغذية وليدها ليلاً، ما يستلزم الاستيقاظ مرتين أو ثلاث لتأمين الغذاء اللازم لنمو سريع للطفل وخصوصاً في الأشهر الثلاثة الأولى من العمر (هو يضاعف وزن الولادة عند بلوغه 3 إلى 4 أشهر، ليبلغ من ثم ثلاثة أضعاف وزن الولادة عند إتمامه العام الأول)؛ نلفت الانتباه إلى وجوب تأمين كل مستلزمات الهدوء للطفل إن بإبعاده عن مشاهدة التلفاز في هذا السن، حتى لو كان المشهد صوراً متحركة، أو بعدم اللجوء إلى حمله وضمه بين الذراعين لفترات طويلة، إلا في حالات تستدعي ذلك (حالات ضيق لسبب محدد: جوع، مغص، ارتفاع حرارة، مرض..) وخارج هذا النطاق يجب تعويد الطفل على النوم في مهده ولو بكى لفترة قصيرة، في محاولة ابتزاز برئ، فعليه أن يتعود على هذا النظام تدريجاً ويستوعب مع الوقت أن لا مجال للمساومة! هو يود البقاء بين الأهل والأقارب لأنه «يأنس» للغنج والدلال وكثرة الاهتمام، ما يحفزه على السير قدماً في اللعبة ويؤثرها على فترات نومه وغذائه. ومع الوقت يكتسب الأهل الدراية والخبرة في التعاطي مع طفلهم، ما يمكنهم من تمييز العلامات المرضية المصحوبة بالبكاء والتي تستدعي استشارة الطبيب، عن العادات التي يسعى الطفل لكسبها في هذا الجو العائلي الدافئ، المغمور بالسعادة لقدومه، مهيئاً له كل وسائل الراحة، العناية والدلال!
• من المهم الإشارة إلى حالات البكاء أو الأرق التي تنتاب الطفل خلال فترة النوم ليلاً، أن هذه الاضطرابات لا تعبر بالضرورة عن الشعور بالجوع، ولذلك يجب التنبه الدائم إلى مراقبة حفاظ الطفل وتغييره سريعاً في حال التبول أو التبرز. كما ويجب تنبيه الأم إلى الامتناع عن تناول الأدوية المنبهة، المسكنة، أو أي عقار آخر قبل استشارة طبيبها الخاص (تطول لائحة الأدوية التي تمر عبر الحليب خلال الرضاعة من الثدي). وتسدى النصائح للأم بالاعتدال في تناول المنبهات (الشاي، القهوة، الكاكاو، المشروبات الغازية التي تدخل في تركيبتها مادة الكولا… ومشروبات العصر المنشطة!) وكلها تؤثر من خلال الرضاعة على وتيرة نبضات قلب الرضيع، مزاجه، تغذيته ونومه. ومن الوسائل الواجب التفكير بها في الحالات التي يعبر فيها الطفل عن الانزعاج، التوتر، أو عدم النوم، بواسطة البكاء، هي المسارعة، ودون تردد، إلى قياس حرارته الداخلية (وعدم الاكتفاء بجس حرارة الجبين)، إذ ربما هو في طور حضانة جرثومة ما. على سبيل المثال (رشح فيروسي، بداية التهاب بكتيري في الأذن الوسطى الأكثر شيوعاً لدى الأطفال الرضع أو أي مرض آخر يستدعي زيارة طبيب الأطفال). وهنا نشدد على أن كل طفل يعاني من ارتفاع في درجة الحرارة 38.5 ولفترة تدوم 48 ساعة، وبغياب أية علامة مرضية أخرى مرافقة، الامتناع عن إعطاء الطفل أي دواء (ما عدا مخفض الحرارة) والقيام باستشارة الطبيب دون تأخر.
• لا بد قبل الختام من التطرق إلى غرفة الطفل والتي تشكل عاملاً أساسياً من وسائل العناية وتأمين متطلبات الراحة والأمان لهذا الضيف الغالي، إذ يفترض أن تهيأ له غرفة هادئة ونظيفة، معرضة لأشعة الشمس مع تهويتها بشكل يومي، ونسبة الرطوبة فيها غير مرتفعة لاسيما إبان فصْلَي الشتاء والربيع.
• أما عن سرير الطفل، فهو عرشه المفضل!، يقضي فيه أفضل أوقات النوم الضرورية لنموه، من دون أن يحتوي أية مادة اصطناعية في مكوناته (الفرشة، الوسادة والأغطية) وتفضل مادة القطن على سواها؛ والانتباه إلى أن تكون الوسادة في وضعية موائمة، لينة وغير قاسية وبارتفاع يناسب طريقة نوم الطفل، وأن يوضع رأس الطفل على أحد جانبيه خلال النوم للوقاية من التقيؤ وارتداد الطعام نحو القصبة الهوائية تفادياً لخطر الاختناق (ما يشكل أحد الأسباب المفترضة للموت المفاجئ لدى الرضيع في وضعية النوم على الظهر أو على البطن). كما يفترض أن يكون سرير الطفل آمناً إن بالنسبة إلى مدى ارتفاعه، أو بما يخص قضبان جوانبه فلا تكون متباعدة بطريقة تسمح للطفل، فيما بعد، حشر رأسه بين اثنتين منها؛ كما من المهم حماية الطفل من الحشرات والناموس.
من المهم أيضاً أن يتعود الطفل على النوم في غرفته، ومنذ أشهره الأولى، على أن يترك باب الغرفة مفتوحاً وقد أنيرت بضوء خافت.
في ختام هذه المجموعة من الإرشادات والنصائح العائدة إلى العناية الصحية لدى الأطفال، لا بد من التطرق إلى موضوع التغذية والتدابير الوقائية لديهم، ابتداء من لحظات ما بعد الولادة وحتى بلوغهم العام الأول. وهنا لا بد من التركيز على أهمية هذه الفترة من التغذية، خصوصاً في الأشهر الثلاثة الأولى إذ أن أي نقص أو عوز من المواد الأساسية التي يتكون منها حليب الطفل (بروتين، دهنيات، مائيات الكربون أو سكريات) إلى جانب أي نقص آخر في المواد الضرورية لنمو الأطفال (فيتامينات دال، مجموعة فيتامين ب، حديد، كلس…) تطبع أثرها السلبي والواضح على هذا النمو، منها ما هو قابل للتعويض ومنها ما يترك أثره الدائم خصوصاً على مستوى الدماغ؛ من هنا تأتي أهمية الفحص الدوري والشهري من قبل الطبيب الأخصائي للأطفال، وإن كانوا في كامل الصحة، لمراقبة النمو (الجسدي والذي يشمل كسب الوزن الطبيعي، الطول، وقياس محيط جمجمة الرأس للاطمئنان عن نمو الدماغ داخلها، إلى النمو الحركي والنفسي) ومراقبة التغذية والبدء بإعطاء الطفل لقاحاته وهو في الأسبوع السادس من العمر؛ وهذا الثالوث: تغذية صحية وسليمة، مراقبة النمو، لقاحات يشكل العمود الفقري للطب الوقائي لدى المولود الجديد (يسمى هكذا حتى بلوغه ثلاثة أشهر) والرضيع (من ثلاثة أشهر حتى ثلاث سنوات).
• ينصح بدء الرضاعة من الثدي، لدى المولود الجديد الذي يتمتع بصحة جيدة، في الدقائق الأولى التي تلي الولادة، بعد تنظيف الطفل من الطبقة الدهنية التي تغلف جلده الطري، وفي نهاية الفحص الأول لطبيب الأطفال الذي يتأكد من صحة المولود الجديد من أي خلل أو عاهة تمنع أو تؤجل الرضاعة.
• أما عن فترات الرضاعة، ينصح بعدم اعتماد أسلوب حاد وقاس في التغذية، ومنها التقيد بساعات محددة للرضاعة، ويفضل إعطاء الطفل غذاءه من الثدي كل ساعتين أو على أبعد تقدير كل ثلاث ساعات، مع الأخذ في الاعتبار الكمية التي يمتصها خلال الرضعة الواحدة، ويستحسن أن تدوم بين 15و 20 دقيقة، لأنه في حال إدرار الحليب بشكل طبيعي كما ونوعاً، تشكل هذه الفترة وقتاً كافياً لشعور الطفل بالشبع والرضا، لنراه يغط في النوم عند الاكتفاء بعد هذا الجهد (عملية مص الحليب تمثل جهداً كبيراً عند المولود الجديد، وهي تعتبر علامة مراقبة هامة لاكتشاف أمراض لها علاقة بالجهد في هذا العمر الباكر، ومنها أمراض القلب ما يؤدي إلى ظهور علامات التعب والإرهاق وتغير لون الطفل عند الرضاعة).
• تجدر الإشارة إلى أنه في حال تابع الطفل مص الحلمة لفترة طويلة، يمكن أن يمتص كمية من الدم المتأتي من قنوات حليب الثدي والذي أفرغه من الحليب (هذا ما يحدث غالباً في الأيام الأولى من فترة الرضاعة وقبل اكتمال موجة إدرار الحليب، لذا من المهم أن تعمد الأم إلى المداورة بين الثديين لإشباع طفلها، ما يشكل عاملاً محفزاً لإدرار الحليب وعدم التعرض لهذا الإشكال)، وكمية الدم التي ابتلعها الطفل هي غير قابلة للهضم، يعود ويطردها خارجاً عن طريق الاستفراغ في أغلب الأحيان، مما يثير القلق والشك لدى الأهل أن نزيفاً ما في المعدة، وهذا ما يؤكده الطبيب فيما بعد، لذا يجب عدم الركون إلى الاستنتاج الذاتي في هذا الموضوع.
• من المهم المعرفة والاقتناع أن غذاء الطفل في الأشهر الخمسة الأولى يقتصر حالياً على الحليب والحليب فقط من دون التسرع بإعطائه وجبات غذائية أخرى، تفادياً لحصول تحسس في أمعاء الطفل، نظراً لعدم اكتمال وظيفة الخمائر (في الكبد والبنكرياس) التي تعمل على هضم المواد الأخرى، عندما نعلم أن الحليب وخصوصاً حليب الأم، يحتوي على جميع المواد الأساسية الضرورية لنموه؛ ما عدا النقص في فيتامين دال، والمساعدة بزيادة محلول الحديد بدءاً من الشهر الثالث (منذ الشهر الأول لدى الخدج والتوائم للوقاية من فقر الدم) لأن مخزون الحديد لدى المولود الجديد ينضب في هذا العمر.
• عند إكمال الطفل شهره الخامس يبدأ الغذاء عن طريق الملعقة والصحن، وتشكل شوربة الخضار المضاف إليها بروتين الحيوان (لحم العجل أو صدر الدجاج) التي تطحن بعد طبخها، أول وجبة متنوعة يحصل عليها الطفل، مرة واحدة يومياً وبكمية تتراوح بين 120 و180 غراماً، حسب رغبة الطفل، على أن تتحلى الأم بالصبر كي يتعود طفلها على تذوق هذا الطبق الجديد، ما يتوجب عليها عدم الملل ومحاولة التجربة لمرات ومرات. هكذا وجبة تشكل غذاء كاملاً متكاملاً ومتنوعاً (على أن تتنوع أشكال الخضار والبقول من طبخة إلى أخرى، مع الإشارة إلى عدم احتوائها لأي نوع من المواد الدهنية أو الزبدة ؛ وهنا لا بد من التشديد على المحافظة التامة والدائمة على عملية الغسل والتعقيم وطريقة حفظها في البراد (الثلاجة) في مستوعبات بلاستيكية صغيرة الحجم، معقمة ومحكمة الإغلاق (يمكن للأم تحضير طبخة لعدة أيام) لتعاد وتسخن الوجبة مباشرة قبل استهلاكها؛ وتوجد هذه الوجبة محضرة ومطبوخة ومعقمة في عبوات زجاجية صغيرة ويمكن الحصول عليها في الصيدليات. وبعد مرور أسبوعين على تركيز هذه الوجبة يمكن البدء بتعويد الطفل على كمية قليلة (20 إلى 30 غراماً كبداية)، من عصير الفاكهة (صنف واحد وليس كوكتيل) لمرة واحدة يومياً (مباشرة بعد الحمام مثلا) أو عصرونية صغيرة مؤلفة من صنفين من الفاكهة (تفاح مبروش موز ناضج أو إجاص أو دراق بدون القشرة)، والابتعاد عن أصناف الفاكهة الأخرى (الفريز، التوت) وإكمال وجبته من الحليب.
• في الشهر السادس يبدأ الطفل بتذوق طبق جديد يرغبه الأطفال عموماً، يتكون من مستحضر غذائي يحوي مجموعة أصناف من الحبوب مضافاً إليها الحليب وبنكهات مشهية (سيريال مع حليب). يؤمن هذا الطبق كمية وافية من النشويات الضرورية للنمو ومتمماته من مجموعة فيتامين ب؛ يمكن تقديم هذا الطبق في وجبة المساء، لينام مكتفياً ثم مستيقظاً في الصباح مغرداً كعصفور!
• هنا تتساءل الأم، ها قد ألغينا وجبتين من الحليب، ما هي الوسيلة للتعويض عنهما؟ لك الحق سيدتي أن تطرحي السؤال. التغذية بالحليب وحده لم تعد كافية في هذه المرحلة من نمو طفلك وما عليك إلا أن تزيدي كمية الحليب. الطفل الرضيع يمتص من الثدي الحليب بما يشفي غليله حتى الشبع، أما إذا كانت تغذيته بواسطة القنينة فما عليك إلا زيادة الكمية (من 210 إلى 280 ملليتراً فهو لم يعد بحاجة إلى الكمية نفسها التي كان يتطلبها قبلاً، وباستطاعته أن يعوض غذائياً بهاتين الوجبتين الأساسيتين لنموه في هذه الفترة وهذا هو المطلوب وليس زيادة الوزن وحده. طفلك في مرحلة اكتساب النمو الجسدي، الحركي، النفسي، الذهني، الاجتماعي والتفتح على كل ما يحيط به، وهذه الأطباق الجديدة تؤمن له كل ما يستلزم من مواد عضوية وفيتامينات وأملاح ومواد أساسية لنمو دماغه أيضاً… وهذا الأهم «ليس بالحليب وحده ينمو الطفل»، ولكن من المهم الإشارة إلى أن الطفل ابتداء من الشهر السادس وحتى عمر الثلاث سنوات هو بحاجة إلى كمية يومية من الحليب الكامل الدسم تتراوح بين 500 و700 غرام، لتأمين ما هو ضروري من الكالسيوم لنمو العظام والأسنان خصوصاً.
• في الشهر السابع نتابع تنويع طريقة التغذية. الطفل في هذا السن يحصل على خمس وجبات رئيسة (3 وجبات حليب، وجبة خضار مع لحم أو دجاج أو كبد العجل، ووجبة الحبوب المطحونة والمطبوخة والمضاف إليها الحليب والحاضرة للاستعمال على شكل مسحوق)، يمكن في هذا السن إدخال صفار البيض الطازج، على شكل مسلوق بوتيرة ثلاث أو أربع مرات في الأسبوع، إما بواسطة الملعقة الصغيرة بالفم وإما بتذويبها في وجبة من وجبات الحليب، هذا الغذاء الجديد والقليل الكمية يؤمن للطفل ما يلزمه من الحديد للوقاية من فقر الدم، وكمية لا بأس بها من مادة «الكولسترول» والدهنيات الضرورية لنمو دماغه في هذه المرحلة المهمة من حياته. أما بالنسبة إلى زلال البيض، يجب عدم إعطائه للطفل قبل بلوغه العام الأول، نظراً للتحسس الذي يحدثه قبل هذا العمر ولعدة أسباب؛ يسري هذا الأمر كذلك بالنسبة إلى الأسماك وكل الأطباق التي تحتوي في تحضيرها على الزيوت والدهون أكانت مقلية أو مطبوخة، وكذلك الخضار النيئة.
• انطلاقاً من الشهر الثامن أو التاسع يمكن تنويع النظام الغذائي من خلال إدخال بعض الأطباق المحضرة في مطبخ البيت، شرط ألا تحوي على مواد دسمة أو التوابل أو القثاء (البصل، الثوم)، إذ يمكن حينئذ أن نستبدل بوجبة الشوربه وجبة من طبخ البيت (على سبيل المثال بازيلا أو لوبيا خضراء أو قلب أرضي شوكي مطبوخ مع لحم العجل). وقبل إضافة المواد الدسمة والتوابل، تقطع منها وجبة للطفل مضافاً إليها كمية مناسبة من الأرز المطبوخ جيداً (ما يساوي مجموع المزيج وزن 200 إلى 250 غراماً)، يطحن المزيج ويضاف إليه رشة من ملح الطعام ومقدار حبة بندق من زبدة المارغارين. كما يمكن إعطاؤه وجبة الكوسا المحشي بلحم العجل والأرز، بدون توابل ومواد دسمة حيث يعمل على طحنها، لتشكل وجبة كاملة الغذاء للطفل.
• في الشهر العاشر يزداد النظام الغذائي تنوعاً إذ يصبح بإمكان الطفل التمتع بنكهات جديدة كمكعبات الجبن الخفيفة الدسم، الياغورت (اللبن أو الزبادي) الممزوج بقطع صغيرة ويسيرة البلع من الفاكهة (تفاح، مشمش، كرز…) والمحضرة في عبوات صغيرة معقمة ومحكمة الإغلاق، كذلك القليل من اللبن الرائب أو المهلبية، إلى بسكوتة محضرة من الحبوب المطبوخة سريعة الهضم… كل ذلك على شكل عصرونية مع قليل من الفاكهة المسحوقة.
• ها قد بلغ الطفل عامه الأول وقد اكتسب الكثير من القدرات الجسدية والنفسية وبدأ يتفتح على محيطة العائلي والخارجي (هو يميز بين القريب والغريب منذ عدة أشهر) يتمتع الآن بعدة مهارات، هو يبتسم جيداً ويضحك وبدأ يلفظ كلماته الأولى، خطا خطواته الأولى على درب المشي الطويل، وزيادة على ذلك يمتلك في فمه ثماني أسنان، هو سعيد بتحريك بعضها على بعض، أضحى يتذوق الطعام جيداً، يحبذ هذا الطبق من الطعام ويرفض ذاك… يحتفل لأول مرة بعيد ميلاده في جو عائلي مغموراً بالحب والعطف والهدايا، يقطع قالب الكاتو.. يتذوقه بشغف بين أسنانه بعد أن يطفىء شمعته الأولى المميزة.
في هذا العمر يمكن للطفل، أن يحصل على وجبات تسمى نصف جامدة وسريعة القضم، من الآن وصاعداً يستطيع أن يتلذذ بأكل البيضة المسلوقة كاملة، وتذوق أصناف السمك المشوي جيداً (الفيليه أولاً مع الانتباه للحسك طبعاً). بعض أنواع الحبوب المطبوخة (العدس، الشوفان..) وبكمية محدودة، أو قطعة من الخبز أو البسكويت تذوب في فمه، ينتشي بها بين أسنانه القواطع. وحوالي السنتين تكون قد ازدادت لديه قدرة العلك والمضغ وطحن الطعام وقد اكتملت في فمه أربعة أضراس وأربعة أنياب… هو جاهز للتغذية بكل أنواع الطعام وألوانه تقريباً. يبقى الانتباه الدائم إلى وجوب تناول أنواع الطعام بصورة تدريجية، فلا بد أن تفصل بينها فترات محددة كما ينبغي. وتعويد الطفل منذ الصغر على وجبة غذائية متكاملة، تخييره بصنف واحد بين أصناف عديدة، إذا وُجدت، وعدم الخلط بين عدة أنواع من الأطباق في الوجبة الواحدة.