التصنيفات
صحة ورعاية الطفل

السرقة عند الأطفال

السرقة هي استحواذ الطفل على ما ليس له فيه حق، وبإرادة منه. وأحيانا باستغفال مالك الشيء المراد سرقته أو تضليله.

السرقة بذلك تعتبر انحرافا واضحا عن مسار السلوك الصحيح والسوي. وبما أن هذا الانحراف يمارس ضمن المجتمع، وتكون آثاره السلبية على المجتمع نفسه، فيمكن تصنيفه ضمن الشذوذ الاجتماعي الذي يعرف بأنه الشذوذ الذي تكون سببه البيئة التي ينشأ فيها الطفل والمجتمع الذي يعيش فيه. وبما أن البيئة تختلف من مكان إلى آخر كان لزاما أن تكون مختلفة في مدى تأثيرها ونواحي تأثيرها على الطفل الذي يعيش فيها. وعندما تكون هذه البيئة مبنية أو متضمنة على بعض مناحي الشذوذ الاجتماعي سواء أكان هذا الشذوذ كليا أم جزئيا فإن الطفل سيكون حتما المرآة التي تعكس مجتمعه وبنيته ومناحي انحرافها إذا كانت منحرفة، ولهذا فإن معايير ودرجات السرقة تختلف من طفل إلى آخر باختلاف الطبقة الاجتماعية والبيئية. فمثلا لن ترى طفلا من بيئة غنية يسرق ليستر جوعه أو ليستر عورته، ولن تصادف طفلا آخر من بيئة فقيرة ومعدومة يسرق تمثالا جميلا ليضعه في بيته ويجلس متأملا إياه. إذا البيئة هي التي تزرع الاتجاه المنحرف داخل الطفل وتنميه وتوجهه لسد احتياجاتها واتجاهاتها. فالأهل يزرعون نواة السرقة على غير قصد، كأن تقوم الأم بإخفاء الحلوى عن الطفل في مكان لا يعرفه، وكم من الأطفال هم الذين يبذلون جهدا في البحث والتنقيب عن الحلوى، ويجدون لذة عارمة في اكتشافها وتسجيل الانتصار على الأم.

أشكال السرقة عند الأطفال

1. السرقة الكيدية

بعض الأطفال يلجؤون إلى سرقة الأشياء عقابا: إما للكبار، أو لأطفال مثلهم حين يصيب هنا الشخص المسروق الهلع والفزع، وذلك نتيجة وجود كراهية أو دوافع عدوانية تجاه الآخرين.

2. السرقة كحب التملك

إن الأمر ينطوي على إشباع حاجات بدأت مع النزوع إلى استحواذ على مستوى من العاطفة في مراحل النمو النفسي الأولي برغبة الرضيع في الاستئثار بالأم. يدفعه نجاحه إلى محاولات الاستحواذ على أشياء أخرى. إن هذا الأمر ظاهرة طبيعية إن ظلت ضمن الحدود القيمية التي تتيح للطفل فرصة لتحقيق كيان ووجود متميز مزود بمستلزمات بسيطة كاللعب  والممتلكات الخاصة التي تساعده في الاستقلالية. فالطفل يشعر بميل  شديد إلى الملكية، حتى ولو كانت ملكية الأشياء تافهة، وعلى الأهل أن ينموا الشعور الطبيعي.

3. السرقة كحب للمغامرة والاستطلاع

قد نرى على سبيل المثال بعض الأطفال ينتظرون غياب حارس الحديقة للسطو على قليل من أزهارها أو ثمارها التي قد لا تكفي طيرا، إن دافع السرقة هنا ليس الجوع والحرمان، ولكن حب الاستطلاع والمخاطرة وروح المغامرة. ومن الممكن أن يسرق الطفل طعاما لم يره من قبل، ولم يتذوقه.

4. السرقة كاضطراب نفسي

إن العوامل النفسية وراء السرقة كثيرة ومتشعبة. ولا يمكن تفسير سلوك السرقة بدافع واحد مثل الحاجة إلى النقود أو الجوع أو الاستطلاع، وقد تتفاعل الدوافع النفسية مع عوامل بيئية. وقد تكون السرقة جزءا من حالة نفسية أو ذهنية مرضية يعاني منها الطفل، وتظهر بشكل اضطراب سلوكي مثير له دوافعه النفسية العميقة، ناتج عن صراعات مرضية شاذة في نفس الطفل لا يمكن معرفتها إلا بالتحليل النفسي.

وقد شاهدت الحياة العملية طفلا نتيجة استقراء بنائه النفسي قائما على الأخذ فقط دون العطاء ونتيجة لتصوره أن الحياة عبارة عن أخذ فقط دون عطاء.

5. السرقة لتحقيق الذات

قد يلجأ الطفل إلى السرقة لإشباع ميل أو رغبة يرى فيها نفسه سعيدا أو ظهرت بصورة أفضل، كالذي يسرق نقودا للذهاب إلى ألعاب الحاسوب ليحكي عن أحدث الألعاب والمهارات التي يتميز بها عن غيره من الأطفال أو يسرق ليركب دراجة مثلا مثل أصحابه. وربما كان فشله الدراسي خلق محاولة تعويضية بالظهور ماديا على غيره من الأطفال.

6. السرقة نتيجة الحرمان

تعويضا للحرمان الذي يعانيه الطفل فقد يلجأ إلى سرقة ما هو محروم منه أو ما يساعده على الحصول على ما حرم منه، فأكثر السارقين نشؤوا في بيئات فقيرة لم تتمكن أن تقدم لهم ما يحتاجونه من غذاء ولباس، أو أنهم نشؤوا في بيئات منحطة أخلاقيا، أو في أسر متفككة ليس هناك أم أو أب يحاول أن يردع الطفل، ويبعده عن مثل هذه الأعمال التي يعتبرها المجتمع آثاما كبيرة.

أسباب السرقة عند الأطفال

1. أخطاء التنشئة الأسرية

إن أساليب القسوة في المعاملة الوالدية والعقاب المتطرف والتدليل الزائد تسهم في لجوء الطفل إلى السرقة، إذا رافق ذلك عدم تعويد الطفل على التفرقة بين ممتلكاته وخصوصيات الآخرين، أو لم تحترم ملكيته. والقدوة غير الحسنة لها دور فعال في ممارسة الطفل لهذا السلوك. كما أن السرقات التي يقوم بها الطفل في البيت غالبا ما يغض الطرف عنها، وعادة ما يعتبرها أحد الوالدين أو كلاهما أمورا لا مبرر لتضخيمها. وأحيانا تقوم الأم بإخفاء الأمر، فيكون ذلك كله نذير سوء مستقبلا، إذا سوء تصرف الوالدين أو ضعف شخصيتهم أو الأسلوب الذي يتيح تقييد حرية الطفل يؤدي إلى الانحراف.

2. رفاق السوء

وجود الطفل في وسط جماعة تمارس السرقة أو هو أحد سلوكياتها يجعله ينقاد لأوامرها، حتى يحصل أو يحافظ على مكانته فيها. وكذلك الطفل الذي يرافق أحد أفراد أسرته أثناء الشراء، ثم يراه يخفي بعض الأشياء ولا يدفع ثمنها، فسوف يقلده، وبخاصة إذا لمس نجاح المهمة. وربما اعتبر الطفل هذا الأمر انجازا عظيما عندما يسمع تفاخر السارق الكبير أمام الآخرين، أو يسمع أن ذلك الكبير قد سرق حاجات صديقه مكيدة له وانتقاما منه. وعلى كل حال فالطفل الذي ينشأ ويترعرع في بيئة تعتدي على ملكية الآخرين ينتظر منه غالبا أن يسير في دربهم.

3. الشعور بالنقص وتعويض مشاعر الدونية والتمييز بالفضائل

قد تكون رغبة الطفل في الحصول على المركز الوسط بين أقرانه الذين يقللون منه، مما يدفعه إلى السرقة من أجل شراء ما يستطيع أن يتفاخر به أمامهم، ولكي يعطي أصحابه، ويصبح بذلك محبوبا ومقبولا بينهم. كما أن الشخصية المرفوضة في محيطها الاجتماعي تنمو بشكل عدواني حاملة لعقد الظلم والتعويض السلبي. ولكن يكون هدفها خيرا، فقد يسرق الطفل من أجل تقديم معونة إلى رجل عجوز، أو من أجل التبرع وهو خطأ في الحسابات.

4. رد فعل عدواني تجاه الآباء أو الزملاء

تنعكس بعض أنماط عدوانية الأطفال في صورة انتقام من الوالدين ضد سلطتهم وتسلطهم، أو في صورة سرقة واستحواذ على ممتلكات الأطفال الآخرين عقابا لهم.

مثال: طفلة تبدو عليها البلادة، ليس في هيئتها ما يجذب، أما استعدادها العقلي فمتوسط، وكانت في السادسة من عمرها. تعودت أن تأخذ الأدوات من أدراج التلميذات وجيوبهن. وحين أخذت إلى عيادة الطبيب اندفعت تقول إنها لم تكن مذنبة، واندفعت تتحدث عن حياتها المدرسية والمنزلية وعن ميولها وعما تحب. ولكن قالت: لا يحبني أحد، لست أدري لماذا. فالبنات لا يملن إلي، بل يعتدين علي بالضرب والكيد. لهذا كنت أسرق ممن لا أحبهن. وهكذا كان سبب السرقة الانتقام.

5. وسائل الإعلام المتطرفة

إن تركيز بعض وسائل الإعلام على أحداث تنطوي على السرقات، والأساليب التي تمارس كخدع، وإظهار السارق كبطل يعطي الأطفال نماذج تؤثر على البناء القيمي لهم وعلى دور الأسرة.

6. هوس السرقة

يظهر في نوبات لدى الأطفال الأكبر سنا “الطفولة المتأخرة” هوس السرقة، حيث يرتاح الطفل عندما يسرق. إذ يشعر الطفل بالتوتر الشديد قبل ارتكاب فعل السرقة، ويشعر بالهدوء عند اقترافها.

7. الفقر

أي الوضع الاقتصادي للأسرة، ولكن لا يكون الفقر عاملا مباشرا بحد ذاته. ولكنه يولد على الأقل حالات اجتماعية وفردية تساعد على الإجرام، وخاصة في المدن حيث المنتجات الاستهلاكية.

8. الغيرة

الغيرة من امتلاك بعض الأطفال لأشياء لا يستطيع الطفل الحصول عليها، قد تدفع هذا الأخير إلى التفكير في اختلاسها أو سرقتها. وقد لا ينتفع بشيء مما سرقه، فنجده يحطمه أو يتلفه أو يدمره.

نتائج السرقة

مهما كانت السرقة وحجمها أو سببها، فإنها شذوذ يؤدي إلى عدم تلاؤم الطفل مع المجتمع الذي يعيش فيه. وهذا يؤدي بالضرورة إلى نفور المجتمع منه، ونفوره من المجتمع. وكثيرا ما يشكل هذا عنده نوعا من العقد النفسية، فينطوي على نفسه ويبتعد عن كل إنسان. ونظرا لأنها تلحق الضرر بالمجتمع، لأنها تمس بتملك الأشخاص والجماعات، فإن القانون يعاقب عليها وكذلك المجتمع والأديان السماوية، فقد شددت في معاملة السارقين.

علاج السرقة عند الأطفال

حتى نتمكن من وضع العلاج الصحيح للسرقة يجب أن نكون على علم بحقيقة سلوك السرقة أهو مكتسب أم موروث؟ وذلك من أجل تحديد طريقة المعاملة معه.

السرقة سلوك اجتماعي يمكن اكتسابه عن طريق التعلم. ثم إن الطفل الذي لم يتدرب على أن يفرق بين خصوصياته وخصوصيات الآخرين وملكيته وملكية الآخرين في محيط أسرته، يصعب عليه بعد ذلك أن يفرق بين حقوقه وحقوق الآخرين، إذا الأمانة سلوك مكتسب، ولا يورث. وهي من العادات التي يعلق عليها المجتمع أهمية كبيرة. لذلك على الأسرة أن تعود الطفل التفريق بين ما يخصه وما يخص غيره. وتستمر عملية التفريق هذه في المدرسة.

عند دراسة طفل يتميز بالسرقة، يجب تحديد نوع أو حجم السرقة الذي يقبل عليها، وكذلك العوامل الكامنة خلف ذلك السلوك. فمتى عرفت الأسباب، سهل العلاج. وأهم ما في العلاج الوسائل التربوية السليمة والمدروسة وأبرزها:

1. أن نحترم ملكية الطفل، ليحترم ملكية غيره.

2. تعويده طلب الاستئذان إذا ما أراد أخذ شيء يخص غيره.

3. عدم  التشهير أمام رفاقه إذا ما ضبط سارقا، بل معالجة مشكلته على حدة وبهدوء واتزان، حتى لا تخلق منه سارقا حقيقيا.

4. زرع القيم الدينية و الأخلاقية في الأسرة.

5. عدم التمييز والتفضيل بين الأخوة.

6. ضرورة مراقبة الوالدين قبل تكون عادة السرقة عند الطفل عملا بالمثل الشعبي “المال السائب يعلم الناس الحرام”، حتى ولو كانت التربية سليمة وحكيمة، فوضع المال في مكان محافظ عليه كي تكون له حرمته ومهابته أمر ضروري.

7. لا تصف الطفل بصفات لصوصية ” أنت لص… أنت سارق “، ولو تهكما، فقد يستسيغ اللقب فيسعى إليه، ولاسيما أن فيه نوع من الانتصار على الكبار. وهذه أمنية تدغدغ أحلام الصغار.

8. إعطاء مصروف الجيب للأطفال بين الحين والآخر، ومراقبة كيفية إنفاقهم بطريقة عفوية، دون إشعارهم بأننا نقوم بعملية مراقبتهم.

9. الابتعاد عن رفقة السوء، وخلق الهوايات النافعة لملء الفراغ، وإلا فإن هذا النوع يملأه رفقة السوء.

10. ردع الطفل عن فعل السرقة وعدم التهاون، حتى ولو كان الأمر صغيرا. لأن الأمور الصغيرة تتطور إلى أمور خطيرة مع تقدم قدرة الطفل العقلية، المثل القائل “من يسرق بيضة يسرق جملا “.

كما يجب اتباع العلاقة المثالية وهي التي تقوم على أساس الحرية وعلى مبدأ إعطاء المعلومات، وليس التعليمات. فهذه العلاقة تعلم الأطفال الاعتماد على النفس وتحمل مسؤولية ما يفعلون، ومن الجدير بالذكر أن معالجة السرقة تكون بالقضاء على الدوافع الكامنة وراءها، وليس ذلك بالقصاص الجسدي أو الضرب المبرح، كما تجرى العادة في بعض الأسر.

النتيجة

إن في أعماق الطفل مهما كانت درجة انحرافه جانبا من النبل الأخلاقي والصدق والأمانة. فيجب استغلال هذا الجانب من خلال التربية السليمة. وعندما تكون التربية غير سليمة، فيجب أن لا نلقي اللوم على الطفل الذي انجرف مع سوء تربيته وإهمال جانب الخير. فهو في دائرة الانحراف، وهو قليل الخبرة والمعرفة بأمور الحياة. لذلك يجب دوما ربط النتيجة بالسبب والظروف المحيطة، لكي تكون الحياة عادلة ومنطقية ما أمكن.

تأليف: أنس شكشك