يعد السعال الديكي، أو الشاهوق، من الأمراض الانتقالية شديدة العدوى وسريعة الانتشار من منطقة إلى أخرى حيث يشكل في بعض المناطق أو البلدان وباء كامناً.
وإذ بدا في العقود الأخيرة أن المرض مال إلى الانقراض أو الانحسار، نظراً لتطور اللقاحات وتنظيم حملات التلقيح الجَمَاعية، لاسيما في البلاد المتقدمة علمياً والمتطورة صحياً (كندا، الولايات المتحدة، فرنسا، فنلندا…)، فإن المرض لا يزال منتشراً في بلاد العالم الثالث، والتي هي في طور النمو، حيث تحصل 90 % من الإصابات في العالم وذلك تبعاً للإحصاءات التي أظهرت إصابة ما بين 40 و60 مليون شخص وما يربو على 300 ألف حالة وفاة سنوياً.
ينتشر هذا المرض في المجتمعات التي تعاني تدنياً أو انعداماً للعناية الصحية الأولية، بخاصة في الأماكن التي تأوي معسكرات التهجير والتجمعات السكانية الكثيفة حيث يسيطر الفقر، أو أثناء القبوع في الملاجئ في حالات الحرب، والحشر في الأماكن الضيقة عند وقوع الكوارث الطبيعية؛ مما يسهل انتقال العدوى بين المجموعات البشرية وانتشارها بسرعة.
تكمن خطورة المرض عند إصابة الأطفال، الرضع وحديثي الولادة منهم، إذ كلما أصيب الرضيع باكراً كلما ارتفعت درجة الخطورة، عندما نعلم أن نسبة الوفاة يمكن أن تصل إلى 95 إلى 97 % في الأسبوع الأول من العمر. وعامل الخطورة هذا نابع من أن الطفل الرضيع لا يمتلك في دمه المناعة المكتسبة من دم أُمه، أي الأجسام المضادة ضد السعال الديكي بخاصة، وهي مناعة تمر عبر الحبل السري من الأم إلى الجنين خلال فترة الحمل، خصوصاً إذا كانت قد تلقّت لقاحات أكسبتها مناعة كافية وموقتة للرضيع، تقيه لبضعة أسابيع بعد الولادة، ريثما يبدأ الحصول على اللقاحات بدوره.
السعال الديكي مرض انتقالي، سببه بكتيريا نوعية
السعال الديكي يشكل التهاباً جرثومياً من فصيلة البكتيريا تسمى Bordetella pertussis، يلتقطها المصاب عن طريق المجاري الهوائية. وسيلة الانتقال تحصل عبر رذاذ اللعاب للمريض في فترات السعال، العطس أو التكلم. مكمن الإصابة هو القصبة الهوائية، مع إمكانية الوصول إلى الرئة وإصابتها بالجرثومة، مؤدية إلى ذات الرئة (الالتهاب الرئوي الحاد pneumonia). هذا إلى جانب مضاعفات خطيرة في بعض الحالات، نذكر منها التهاب الدماغ، أو اضطرابات عصبية على مستوى الجهاز العصبي المحيطي مثل التشنج (Convulsion)، أو تداعيات أخف خطورة كبروز فتق في الصرة (Umbilical hernia) المتأتية من شدة ضغط السعال على عضلات البطن الطرية والتي هي في طور النمو في هذه الفترة من عمر الرضيع.
ما هي الأعراض الأساسية للسعال الديكي؟
يحصل انتشار المرض في جميع فصول السنة وخصوصاً في الربيع، أما علاماته السريرية فهي تتلخص بحصول سعال ناشف، حاد وشبه دائم، يتكرر على وتيرة نوبات سعال تحدث في فترات متفرقة من النهار، لتشتد أغلب الأحيان ليلاً. وتترافق في معظم الأوقات مع استفراغ متكرر؛ مكونه ثالوث عوارض الشاهوق: سعال حاد، يتكرر ليلاً، مسبباً استفراغاً.
كذلك يتميز سعال الشاهوق بشدة الضغط الميكانيكي الذي يحدثه مسبباً انحسار كمية من الدم، الذي يسري في عروق الرأس والجبهة، يظهر في الوجه والخدين على شكل احمرار مائل إلى الزرقة (cyanosis) مع صعوبة في التنفس (dyspnea) يمكن أن تتفاقم لتؤدي إلى توقف التنفس عند الرضيع (apnea) مع وجود الخطر الداهم لحصول الوفاة اختناقاً (asphyxia)، وهو ما يشكل، حسب الإحصاءات الفرنسية، ثالث سبب للوفاة عند الرضيع عائد إلى مرض انتقالي.
يعتبر الشاهوق مرضاً شديد الخطورة في مرحلة الطفولة الأولى، بخاصة عند حديثي الولادة، هو منهك ومؤرق للطفل، متعب للأهل.. ومزعج للطبيب في آن، نظراً لأن أهل الطفل لا يدركون عموماً أن هذا الداء يستوجب فترة طويلة للشفاء (ربما امتدت لعدة أشهر)، وأن العلاج المتبع من قبل الطبيب في هكذا إصابة، هو لتخفيف حدة السعال والعمل على إراحة الطفل قدر المستطاع ومن ثم محاولة الوقاية من حصول مضاعفات على عدة مستويات (القصبة الهوائية، الرئتان، الجهاز العصبي…). وخير علاج لهذا المرض هو الوقاية باللقاح.
الوقاية ضد مرض السعال الديكي
التلقيح ضد الشاهوق، أفضل وسيلة وقائية لحماية الأطفال ضد هذا المرض الخطير. وعند حصول المرض ليس هنالك علاج فعال ومبرمج كما هو متوافر في حالات كثيرة من الأمراض الانتقالية لدى الأطفال، لذا نرى الطبيب في وضعية لا يحسد عليها عند علاج المرض من ناحية، ومن ناحية ثانية عدم اقتناع الأهل أن المرض يمتد لهذه الفترة الطويلة، بينما الواقع يقول بلسان الطبيب: لماذا هذا الإهمال في عدم حصول طفلكم على اللقاح؟
تبدأ عملية التلقيح عند بلوغ الطفل الرضيع شهره الثاني، من خلال لقاح خماسي، والذي يشمل إضافة إلى الشاهوق: شلل الأطفال، الخانوق، الكزاز (أو التيتانوس) وسحايا الأنفلونزا. يعطى هذا اللقاح على ثلاث دفعات تفصل بينها فترة تتراوح بين شهر واحد أو شهرين. ويعاد التلقيح بدفعة تحصين (أو تذكير) بعد مرور عام على الدفعة الثالثة (أي بين 15 و18 شهراً).
أما بالنسبة إلى اللقاح فقد كان يحوي في مراحل تحضيره الأولى على الجرثومة كاملة، وقد عولجت بطريقة بيولوجية خاصة تحت تأثير درجة عالية من الحرارة، وكان يسبب بعض الأعراض الجانبية، منها ما كان حاداً وله تداعيات (احتقان حاد مكان حقنه في العضل أو تحت الجلد مع حصول حالة اهتراء، ارتفاع حاد للحرارة الداخلية وحصول هزة الحائط، إمكانية التعرض لمضاعفات على مستوى الجهاز العصبي….)؛ من أجل ذلك تكاثفت الأبحاث البيولوجية التي أدت إلى تطوير اللقاح، بحيث أصبح لا يحتوي على خلية البكتيريا (التي كانت السبب الرئيس للمضاعفات)، وإنما على البروتين الذي تتكون منه الجرثومة. هذا اللقاح الجديد المتطور، ناقص الخلية (لا خلوي acellular) يؤمن فعالية أعلى من اللقاح الأولي، وأضحى أكثر احتمالا من اللقاح الكامل (خفت مفاعيله الجانبية بنسبة ملحوظة)، وقد اعتمد منذ سنوات للتلقيح منذ الشهر الثاني ضمن اللقاح الخماسي آنف الذكر.
ظهور مرض الشاهوق لدى الأولاد والكبار
أثبتت دراسة فرنسية أجريت على نطاق ثمان محافظات فرنسية، أن نسبة 32% من المواطنين البالغين (18 عاماً وما فوق) والذين يعانون من سعال دائم ومتكرر، بدون ارتفاع حرارة، يشكلون نسبة عالية للعدوى بمرض السعال الديكي للأطفال والرضع. لهذا السبب عمدت المؤسسات الطبية الفرنسية، ومن ثم الأوروبية، والتي تشرف على التلقيح وتعنى بالأمراض الانتقالية، إلى إدخال لقاح جديد بدون خلية خصّص لذوي الأعمار من 12 سنة وصاعداً لتلقيحهم ضد الشاهوق لوقايتهم أولاً وحماية الأطفال من العدوى من خلالهم، بعدما تبين أن مصدر عدوى الأطفال الرضع بهذا المرض، يعود إلى نسبة عالية من الأولاد الأكبر سنا (ومن ثم البالغين) الذين لم يحصلوا على لقاح تذكيري ضد الشاهوق منذ طفولتهم (نظراً للعوامل الجانبية للقاح قبل تطويره).