إن الدراسات الصادرة عن منظمة الصحة العالمية حديثاً تفيد بأن نصف العالم (الغني والفقير على السواء) سيعاني من وباء السمنة مع حلول العام 2015، وها نحن على الأبواب، نعم إنه وباء يضرب نصف سكان الكرة الأرضية، مع ما يشكل ذلك من أخطار صحية داهمة، على المدى القريب، المتوسط أو البعيد حيث ستودي بحياة الملايين من البشر، في العالم سنوياً؛ من خلال الأمراض التي يحدثها أو يساعد على حدوث اشتراكات بالتزامن مع مرض آخر يعاني منه الإنسان.
من تداعيات السمنة الأكثر حدوثاً: داء السكري، أمراض القلب والشرايين مع خطر تراكم الدهون، خصوصاً الكولستيرول والتريغليسريد على جدار الشرايين، السكتة الدماغية، وما إلى ذلك من قصور في وظائف الكلى والرئتين إلى ارتفاع ضغط الدم الشرياني ومضاعفاته الخطيرة.
متى نتكلم عن البدانة وما هي حدودها؟
تعرف البدانة بزيادة الكتلة الدهنية في جسم الإنسان، دون الأخذ في الاعتبار الزيادة في الوزن عموماً؛ لأن الزيادة في الوزن تشمل نمو العضلات والعظام وتراكم المياه في الجسم كذلك.
هناك قاعدة أساسية تمكن من احتساب الزيادة وتقوم على عملية قسمة الوزن بالكيلوغرام على حاصل مربع الطول بالمتر، وهو ما يعرف: مؤشر الكتلة الجسدية. لحسابها اضغط هنا
• تتراوح النسبة العادية لهذا المؤشر لدى الإنسان، غير المصاب بالبدانة بين 20 و25.
• تبدأ البدانة عند زيادة المؤشر بين 25 و30.
• عندما يصل المؤشر إلى 30 إلى 35 تكون السمنة قد حصلت.
• وفي حال تجاوز المؤشر الرقم 35 إلى 45 فذلك يشير إلى مرحلة السمنة الخطيرة.
يمكن استعمال مقياس آخر لمراقبة البدانة، وذلك عن طريق قياس محيط الخصر من الورك إلى الورك دائرياً (الزنار) وحيث تكون النسبة الطبيعية بين 80 و100 سنتمتر لدى الرجال، وبين 75 و88 سنتمتراً عند النساء.
ما هي الأسباب الطبية المرضية للسمنة؟
• العامل الوراثي: يلعب العامل الوراثي دوراً مهماً في انتقال المرض من الآباء إلى أولادهم، حين يعاني أحد الأبوين أو كلاهما من البدانة، ما يرفع نسبة وجود أطفال في العائلة يعانون السمنة؛ هي حالات تتسم بارتفاع نسب الدهون والكولسترول في الدم.
• أسباب عائدة إلى الاضطراب في وظائف الغدد الصماء:
خلل في الغدة النخامية، الموجودة داخل الدماغ والتي تفرز من جملة إنتاجها الهرموني، هرمون النمو، الذي يؤدي في حال زيادة إنتاجيته إلى حالات مرضيه: ضخامة في حجم الجسم إلى علامات مرضية أخرى منها السمنة.
زيادة إفرازات هرمون الغدة الدرقية والغدة الكظرية إلى داء السكري (من النمط الثاني).
• نمط أو أسلوب أو طريقة الحياة العصرية وسلبياتها، إذ يتناول الإنسان بشكل دائم ويومي، كمية من الطعام زائدة عن استهلاكه، فتؤمن له كميات إضافية من السعرات الحرارية لا يستهلكها جسمه. ونظراً لوجود خلل في التوازن بين الطاقة الحرارية التي دخلت الجسم والكمية من هذه الطاقة التي استهلكت عند القيام بالنشاط، يضاف إلى ذلك أسباب أخرى لعدم الاستهلاك، أهمها قلة الحركة، عدم ممارسة الرياضة (الجلوس المتواصل أمام التلفاز وفي المكاتب وأمام الحاسوب واستعمال المصعد….)؛ كل ذلك يؤدي إلى تراكم الحراريات في الجسم في شكل دهنيات، أكان مصدرها الغذائي من النشويات والسكريات والحلويات أو من المواد الدهنية أو البروتينات، في حال تناول كميات كبيرة من اللحوم لأن الكمية الفائضة منها تتحول إلى مواد دهنية.
إرشادات ونصائح للوقاية من البدانة والسمنة
من الأهمية بمكان، لتفادي الوصول إلى مرحلة البدانة ومن ثم السمنة، الأخذ بالنصائح والإرشادات الآتية وتكون نقطة الانطلاق: اتباع نظام غذائي صحي متوازن ومتنوع.
1. احترام تناول ثلاث وجبات محددة يومياً، عدم إغفال فطور الصباح (الجسم بحاجة ماسة لها، وظائفه الفيزيولوجية «ارتاحت» في فترة النوم، وهي على أتم الاستعداد لاستقبال الأطعمة، هضمها وعدم تراكم الحراريات)، مع اعتماد وجبة الغداء كحصة أساسية من الغذاء اليومي، يتناول فيها صنف واحد من اللحوم مع خضار وبقول ونوع واحد من النشويات (خبز أو أرز أو معجنات).
2. الابتعاد كلياً عن الوجبات الدسمة أو المشبعة بالدهون أو الزيوت، خصوصاً إذا ما استهلكت عن طريق القلي (الفتة، المقادم، النخاعات، السلاسل وبيض الغنم، الغمة، الكرش والفوارغ!).
3. الاعتياد على تناول اللحوم (حمراء كانت أم بيضاء) بطريقة الشوي، فهي صحية أكثر ولا تحوي عندها على مواد دهنية مشبعة بالزيوت، كما يحصل في الأطباق المقلية عامة.
4. الإكثار من استهلاك الخضار والفاكهة، هي تعطي الإحساس بالشبع، دون أية عوامل ثانوية، وتؤمن للجسم المواد الضرورية التي يحتاجها في عملياته الأيضية كالكلسيوم، البوتاسيوم، المغنيزيوم، الزنك، النحاس، الحديد، الفيتامينات وبقية الأملاح أو المواد الضرورية.
5. الاعتياد على عدم تناول أي طعام بين الوجبات. وعدم إعطاء الجسم طاقات حرارية لا حجة له بها. لكن تناول الحصص اليومية من الفاكهة (حصتان على الأقل) بعيداً عن وجبة الطعام (بعد ساعتين مثلاً) كذلك الكمية المحددة من الحلوى.
7. عدم التأخر في تناول وجبة العشاء والتي يفترض أن تكون خفيفة، من الخضار أو السلطات، أو أنواع الخضار أو البقول المسلوقة، مع الإقلال من الفاكهة التي تحوي الكثير من السكريات (الموز، التين، العنب) أو مشتقات الفاكهة من المربيات.
8. القيام عن الطعام ولدى المرء الإحساس أن لديه الشهية، لكن ليس جائعاً، هذا ما يمنع التخمة التي تؤدي إلى البدانة.
9. تناول كمية كافية من المياه، يومياً، لتسهيل عملية الهضم وتجديد المياه الموجودة في الجسم، ما يسهّل وظيفة الكلى وطرحها للسموم خارجاً.
10. ترويض الجسد على القيام بالنشاطات الرياضية، كل حسب وقته، لأن قلة الحركة تؤدي إلى تخزين الحراريات في الجسم، لذا ينصح اتباع عادة رياضية كالمشي السريع أو السباحة أو ركوب الدراجة؛ لمدة 45 إلى 60 دقيقة، ثلاث أو أربع مرات أسبوعياً.
11. ينصح عدم اعتماد الوجبة الأساسية في المساء، لا سيما اللجوء إلى الراحة وعدم الحركة عند الانتهاء، لأن ذلك يؤدي إلى تراكم المخزون الحراري وازدياد الوزن، ومن الأفضل عدم تناول المواد النشوية والخبز مساءً، إلا إذا كانت كميتها محددة ومن ضمن الكمية المفترضة للوجبات الثلاث، كما من المهم التنبيه إلى تناول وجبة المساء ساعة ونصف أو ساعتين قبل الخلود للنوم.
12. العمل باكراً، ومنذ نعومة الأظفار على تعويد الأطفال والأولاد اتباع هذه القواعد الصحية والسليمة للتغذية، لنمو طبيعي خال، قدر الإمكان من الأمراض وبعيد عن السمنة وتداعياتها خصوصاً، ما يشكل درساً صحياً وقائياً ومفيداً على مدى أجيال صاعدة.
أسباب البيئة المولدة للسمنة
هناك عنصر من لوم الضحية في كل هذا، والذي يتجاهل الظروف البيئية التي تحفز السمنة والمرض، والتي تؤدي إلى ما يسمى الآن بالبيئة “المولدة للسمنة”. هناك خمسة عوامل رئيسية:
1. الوجبات المصنعة، والوجبات السريعة، والوجبات الجاهزة الرديئة هي من مسببات الإدمان. هذه الأطعمة مسببة للإدمان بيولوجيًا وتحفز الاستهلاك الزائد للسعرات الحرارية.
2. تأثير الشركات الزراعية الكبيرة يزيد من معدلات السمنة في جميع أنحاء العالم. تباع محاصيل الولايات المتحدة الفائضة بثمن بخس للبلدان الفقيرة، ما يدمر الاقتصاد الزراعي المحلي، ويؤدي إلى تنحية المزارعين، وبالتالي يوجد البطالة ويجعل البلدان النامية تعتمد على الأغذية المستوردة المعالجة وشراب الذرة.
3. التسويق الغذائي غير الأخلاقي والمتلاعب يحفز عادات الأكل. هناك القليل جدًا من السيطرة الحكومية على ممارسات تسويق شركات الغذاء الكبيرة، خاصة في مجال التسويق للأطفال. ترخص الحكومة موجات الأثير، لكنها لا تراقبها.
4. لا تتناول الأسر وجبات الطعام المطبوخة في المنزل معًا. لقد اختفى وقت وجبة الأسرة في معظم أمريكا. هناك العديد من الأسباب لهذا، لكن تم تعزيز ذلك إلى حد كبير بسبب انتشار وجبات الراحة أو الوجبات السريعة. أدى هذا إلى جيل من الأمريكيين الذين يواجهون صعوبة في التعرف على الخضار والفواكه في شكلها الأصلي، ولا يمكنهم الطهي إلا في الميكروويف.
5. السموم البيئية الوفيرة. هذه تسهم في زيادة الوزن، والسمنة، ومرض السكري. لا يتوجب علينا القلق وحسب حيال ما نأكله، لكن أيضًا حيال عبء البلاستيك والمعادن والملوثات التي ثبت أنها تسمم وتبطئ أيضنا وتؤدي إلى زيادة الوزن.
لكي نغير حقًا بيئتنا المولدة للسمنة نحتاج إلى إيجاد خيارات صحية للجميع. يجب علينا أن نركز على إجراءات محددة يمكننا اتخاذها شخصيًا وسياسيًا ومجتمعيًا لتغيير مشهدنا الغذائي.