إنّ الشيخوخة المعافاة ليست حادثاً عارضاً. كما أنها لا تنتج بمحض الصدفة عن العوامل الوراثية أو عن ظروف معينة. إنها تتطلب في الحقيقة تخطيطاً دقيقاً ومدروساً والتزاماً بنمط حياة معين يتركز على عدد من الأمور الحيوية، كالتغذية السليمة والنشاط الجسدي والروحي والاجتماعي المنتظم إضافة إلى الموارد المالية الملائمة. وأفضل المتقدمين بالسن هم ذوو التفكير الإيجابي، العمليون في اتخاذ القرارات والمتمتعون بحسن الاطلاع والمعرفة. إنهم الأشخاص الواقعيون، الذين يعرفون بأن اكتساب المزيد من الحكمة في الحياة قد يصاحبه نقص في القدرات الجسدية.
إن كنت قد تجاوزت الأربعين من العمر، لا بد من أنك قد واجهت بعض الحقائق المقترنة بعملية التقدم في السن. فنظرت على الأرجح إلى وجهك في المرآة لتلاحظ ظهور مزيد من التجاعيد أو لاحظت بأن الأوجاع والآلام تدوم لفترة أطول بعد عدة جولات للغولف. ولا شك بأنك وجدت نفسك تقدر مبلغ المال الإضافي الذي تحتاج إليه شهريا لتأمين تقاعد مريح.
وفي الواقع، نادرا ما نولي موضوع الشيخوخة اهتماما يذكر قبل بلوغ العقد الرابع أو الخامس من عمرنا، علما أنّ هذه العملية تبدأ منذ لحظة ولادتنا. ففترات الطفولة والمراهقة والشباب يسودها عادة اعتقاد بالأبدية والخلود. ولا نتقبل حقيقة أنّ العمر يتقدم بنا فعلا إلا عندما نبدأ بملاحظة التغييرات الجسدية التي تطرأ علينا. وحين نبدأ برؤية آبائنا وأصدقائنا يشيخون – ويموتون أحيانا – عندها فقط يراودنا احتمال أن نواجه يوما نهايتنا نحن أيضا.
وإن كنت تفوق الستين من العمر، فقد سبق واختبرت على الأرجح بعض التغييرات الناجمة عن التقدم بالسن ولكنك أدركت أيضا بأن الحياة التي تنتظرك هي أطول مما كنت تتوقع. وربما أنت تعتني بأبوين في عقدهما الثامن، لم يخطر لهما يوما ولا حتى في أغرب أحلامهما، بأنهما سيعيشان هذا العمر المديد. وقد يشارف الستيني على التقاعد من دون أن يعلم كيف سيستغل وقت فراغه، بينما يتساءل آخرون إن كانت الأيام الهانئة التي سيقضونها في السفر أو في لعب الغولف ستحقق لهم ما يشتهونه من الرضى الذاتي.
ومهما كانت التجارب التي تمتحننا بها الحياة، تبقى الشيخوخة أكثر ما نخشاه. ولكن تتوفر أمامنا اليوم خيارات لا تحصى عوضا عن الاستسلام للكبر. لا بل بوسعنا أن نجعل من فترة الشيخوخة أفضل سنوات حياتنا. وحتى لو استتبع ذلك تعديلا في سلوكنا أو تغييرا في بعض مبادئنا المتأصلة، تظل فرصة اختيار كيفية تقدمنا بالسن متاحة أمامنا. وكما قال عازف البيانو الشهير يوبي بلايك في عيد ميلاده المئة، “لو علمت بأنني سأعمّر حتى هذه السن، لأوليت نفسي عناية أكبر.”
ماذا نعني بالشيخوخة؟
لقد تغير مفهومنا للشيخوخة مع مرور الزمن، بالرغم من عدم تبدل بعض معتقداتنا حولها. فالتقاعد بسن 65 عاما كان يعني بأن حياة المرء قد شارفت على نهايتها. وحين بدأ العمل بالضمان الاجتماعي عام 1935، كانت مدة الحياة المتوقعة تقارب 63 عاما. وتصور المسؤولون بأنه سيتوفر عدد كبير من العمال الأصحاء لدعم القلة من الناس الذين سيبلغون هذه السن وان هؤلاء القلة الذين سيتقاضون معاشا شهريا لن يطول بهم العمر بأية حال. أما اليوم، فقد ارتفع معدل الحياة بحيث صار معظم المتقاعدين يعتمدون على مساعدة الضمان الاجتماعي لحوالى عقدين من الزمن. بعبارة أخرى، لم يعد يمكن اعتبار من يبلغ 65 سنة عجوزا بعد.
في الواقع فإن التطورات التي أحرزت في القرن المنصرم في مجالات الطب والعلم والتكنولوجيا قد أتاحت لنا جميعا فرصة الاستمتاع بحياة أطول وأكثر صحة. فارتفع متوسط العمر المتوقع عند الولادة بين عامي 1900 و2000 من حوالى 47 سنة إلى 76 سنة، محققا زيادة بنسبة 62 بالمئة خلال فترة حياتنا على هذا الكوكب.
ويصبح حظك أوفر إن تمكنت من تخطي علل الطفولة والأمراض المعدية والسرطان ومرض القلب. على سبيل المثال، يمكن للمرأة التي تبلغ الخمسين من عمرها اليوم من دون إصاباتها بالسرطان أو بأمراض القلب أن تتوقع العيش حتى سن 92. أما المرأة التي تبلغ اليوم 65 سنة وتتمتع بصحة جيدة، فيمكنها أن تتوقع العيش حتى سن 84.
ولا يزال نصف الذين عاشوا حتى 65 على قيد الحياة حاليا. لا بل إن الأشخاص الذين يبلغون 85 سنة وما فوق هم أسرع القطاعات الديموغرافية نموا في الولايات المتحدة، بالرغم من أنّ عدد المعمرين حتى سن المئة يتعاظم هو أيضا.
من الواضح أنّ مفهومنا للشيخوخة قد تغير تماما وهو سيستمر بالتحول مع بلوغ 78 مليون شخص سن التقاعد. ففي الولايات المتحدة من المتوقع بحلول عام 2050 أن يكون ثمة ملياري شخص بسن الستين وهو رقم يعادل العدد الحالي لسكان شمال أميركا وأوروبا والهند. ويبحث الخبراء اليوم في ما يمكن أن يفعله العدد الضخم من المتقاعدين بنظام الضمان الاجتماعي في أميركا، علما أنّ تأثيره سيطال كل شيء، من العناية الطبية إلى العائلات ومن التوظيف إلى أسعار العقارات.
أواسط العمر
قد لا يرغب المرء بحياة أطول إن كانت سنواته الإضافية عبارة عن فترة من العذاب تتضاعف فيها احتمالات تدهور صحته وعافيته. غير أنه يبدو بأننا نمضي وقتا أطول في أواسط العمر وهي مرحلة وضع لها علماء الاجتماع اسم “Middlescence” أو ما ندعوه بسن الكهولة، مشبهينها بسن المراهقة أو “Adolescence” التي يكون فيها الإنسان غير مستعد تماما للمرحلة التالية من حياته.
وتمتد الكهولة من سن الأربعين إلى الستين تقريبا وكانت تدعى في ما مضى أواسط العمر أو خريف العمر. أما اليوم فهي غالبا ما تمثل فترة نمو وتجدد، حيث تكون الفرصة لا تزال متاحة أمام المغامرة التي كانت وقفا على الأصغر سنا في الماضي. خذ مثلا على ذلك معدل الإنجاب الذي ارتفع بين النساء ما فوق الأربعين من العمر في الولايات المتحدة بنسبة 50 بالمئة في العقدين المنصرمين. وفي ذلك تقول غيل شيهي في كتابها “سبل جديدة” (New Passages) الصادر عام 1995، أنّ تأخير سن الإنجاب لعشر أو عشرين سنة “قد يكون أكثر التحولات الإرادية جذرية في دورة الحياة”.
ولكن السنوات الإضافية قد تعني أيضا بالنسبة إلى البعض إمضاء وقت أطول في حالة من العجز وهو أمر عائد جزئيا إلى تقصير الدولة في تعزيز الشيخوخة المعافاة. فمنذ قرن من الزمن كان متوسط الإنسان البالغ يقع فريسة المرض بنسبة واحد بالمئة في حياته. أما اليوم فإن متوسط الشخص البالغ يمضي أكثر من 10 بالمئة من حياته وهو يكافح الأمراض. ذلك أنّ التطور الطبي قد قضى على كثير من الأمراض التي كانت تتسبب بوفاة الناس في شبابهم، إلا أنّ العلم فشل في معالجة الأمراض المزمنة التي تصاحب عملية التقدم بالسن. وبالرغم من أننا نعتني بأنفسنا بصورة أفضل كمجموعة، إلا أننا لا نزال نلحظ ارتفاعا كبيرا في معدلات البدانة والخمول والتدخين وفرط استهلاك الكحول.
الفروقات بين الجنسين
تعيش المرأة أطول من الرجال. ففي معظم البلدان المتقدمة بوسع المرأة أن تتوقع العيش لسبع سنوات أكثر من الرجل، علما أنّ الفرق يزداد في بعض البلدان، كروسيا مثلا. وفي الولايات المتحدة فإن نصف النساء اللواتي تخطين 65 عاما هن من الأرامل.
هل السبب بيولوجي؟ لا يوافق علماء الشيخوخة على هذه الفرضية في الواقع. بل يقولون بأنه ناجم عن سلوك الجنسين طيلة حياتهما. فيقر الباحثون أنه باستطاعة الرجال تجنب 70 بالمئة من الأمراض التي تصيبهم عبر الخضوع للفحوصات المنتظمة والاعتناء أكثر بأنفسهم.
ما الذي تفعله النساء إذا ولا يفعله الرجال؟ الحقيقة أنّ النساء هن أكثر ميلا لمراقبة نظامهن الغذائي وممارسة الرياضة وطلب المشورة الطبية فضلا عن ابتياع كتب العناية الذاتية والالتحاق بالنوادي الصحية. كما تجري النساء الصور الطبية التي تؤدي دورا حيويا في إنقاذ حياة المرضى لمرات أكثر بكثير من الرجال. أضف إلى أنّ الرجال ينشأون على المقاومة والتحمل ولا يعبرون عن وعيهم الذاتي إلا للاشتكاء من الأوجاع والآلام.
لا يتعلق الأمر بالتقاعد
لا يتحول المرء فجأة إلى “عجوز” حين يبلغ الخامسة والستين أو يصبح جدا أو حين تبلغ المرأة سن اليأس. إنك تصبح مسنا حين تعتقد بذلك، حين “تقبل المكوث في حالة من السبات والاعتماد على الآخرين وتحد من نشاطك الجسدي والذهني بشكل ملحوظ كما تقلص عدد الأشخاص الذين تتفاعل معهم”، كما كتب الرئيس السابق جيمي كارتر في كتابه الصادر عام 1998، “فضائل التقدم بالسن”.
بعبارة أخرى، إنّ النسبة الأكبر من عملية الشيخوخة تتم في التفكير والسلوك، لا بل النسبة الأكبر تقريبا. فبينما يشيخ الجسد، يبقى الذهن بمعظمه شابا بقدر ما تشعر أنت بذلك. فإن كنت تتوقع أن تعيش حياة طويلة مفعمة بالنشاط والمرح وغنية بالعلاقات الاجتماعية، سيتحول هذا الاعتقاد إلى مخطط داخلي يرسم ملامح واضحة لمستقبلك. أما إن اقتنعت بأن الشيخوخة تمثل مرحلة من الفراغ والاكتئاب والمرض، فستجد نفسك على الأرجح تعيش خيبة ذهنية تؤدي بك بالتأكيد إلى عجز جسدي. بالتالي، فإن التوقعات السلبية تدفع الإنسان بشكل عام على التقدم بالسن بصورة أسرع مما خططت له الطبيعة.
لكل شيء تأثيره
بالطبع ليست الهواجس الذهنية المسؤولة الوحيدة عن عملية التقدم بالسن. فنوعية الحياة في فترة الشيخوخة ستشكل تراكما لجميع العادات والمعتقدات والتجارب وأنماط السلوك التي اعتمدتها طيلة حياتك. هل تعتقد مثلا أنّ التمارين الرياضية مفيدة للصحة؟ وهل طبقت ذلك عمليا بالسير لمدة 30 دقيقة يوميا؟ إن كان جوابك إيجابيا فإن صحتك في السبعين ستكون أفضل ممن يظن أنّ الرياضة هي مضيعة للوقت. هل أنت شخص يرى في الكبوات الصغرى تحديات شخصية أو تظن بأن الفشل هو مؤامرة حيكت ضدك؟ فقد أظهرت الأبحاث أنّ المتفائلين يعمّرون أكثر من ذوي النظرة المتشائمة في الحياة.
والواقع أنّ مراكز علاج الأمراض والوقاية منها تقدّر بأن أكثر من نصف صحتنا الكامنة على مدى الحياة يحددها سلوكنا وأفعالنا. فإضافة إلى موقفك من الرياضة والفشل، أجب على الأسئلة التالية: هل تدخن التبغ أو تمضغه؟ هل تفرط في استهلاك الكحول؟ هل أنت من أصحاب الوزن الزائد؟ فمستوى نوعية حياتك في فترة الشيخوخة قد يعتمد على أفعال لا تبدو بذات أهمية، كأن تستعمل المراهم الواقية من الشمس أو تضع حزام الأمان. باختصار، إن لكل شيء تأثيره.
الاحتمالات كثيرة
إنّ أطفال أربعينيات القرن العشرين كانوا في طليعة قطاع من المسنين الذين رغبوا بإحداث واقع جديد لأنفسهم في سن الشيخوخة، يتضمن وقتا كبيرا من الفراغ بعد تقاعدهم. ماذا فعلوا بهذا الوقت؟ بعضهم أراد البدء بأعمال جديدة، بينما تابع آخرون تحصيلهم العلمي. منهم من اتخذ لنفسه هوايات جديدة، فتعلم استعمال الحاسوب أو سافر في رحلة حول العالم ومنهم من تطوع في خدمات معينة أو أمضى وقته في العناية بأحفاده.
وفي معظم الأحوال كان عليهم ملء أوقاتهم بأنفسهم. فبالرغم من أنّ الباحثين في المجال الطبي قد سخروا اهتماماتهم لإيجاد طرق لعلاج الأمراض التي كانت تهدد حياة الإنسان، فإن أحدا منهم لم يفكر كيف سيملأ كل هؤلاء الرجال والنساء الناضجين وقتهم في السنوات الإضافية من حياتهم. وربما لهذا السبب، يجد كثير من المتقاعدين أنفسهم يبحثون عن عمل ذا قيمة يشغلون به وقتهم، بينما يمضي 40 مليونا منهم 43 ساعة في المتوسط في الأسبوع أمام شاشة التلفاز.
كيف تشغل وقتك
لا شك بأن النشاطات المخصصة للمسنين ستواصل نموها. وكما أنّ أعدادهم المتزايدة قد ألهمت ابتكار الكثير، من برامج الحفاظ على الشباب إلى مستحضرات إزالة تجاعيد الوجه، من شأن السنوات الزائدة أن تفتح فرصا جديدة أمام المسنين، في مجالات التطوع والسفر والتربية.
ولكن إياك والاكتفاء بانتظار مهمتك الجديدة في الحياة. فحتى ولو توفرت لك برامج منظمة جديدة سيظل عليك اتخاذ قرارات بشأن كيفية تمضية السنوات الأخيرة من حياتك. وهذا ما لا يمكن لأحد غيرك التقرير بشأنه.
وسيكون لقرارك أهمية قصوى. فبالنهاية، لن يتمثل هدفك الأساسي في الحفاظ على حياتك لأطول فترة ممكنة فحسب، بل في الاستمتاع بكل فرصة تتيحها لك الحياة للفرح والإنتاج والرضى الذاتي. ومن شأن السنوات الأخيرة من الحياة أن تشكل بالتالي فترة من التجدد، يمكن معها بحث الخيارات والاحتمالات المطروحة، خاصة إن اقترنت بالصحة والعافية الجسدية، فتتحرر فيها ربما من بعض المسؤوليات، كتربية الأولاد أو تأخذ على عاتقك مسؤوليات جديدة، كالعناية بوالديك مثلا. وما تختاره لملء وقتك هو أمر تحدده أنت وحدك.
ما هي الاحتمالات المطروحة أمامك؟
يتمحور السؤال الكبير حول كيفية تأثير تقدمك بالسن على صحتك. فإن كنت بصحة جيدة في سن 65 أو 70، فثمة أنماط حياة عديدة ومتنوعة مطروحة أمامك مع تقدمك بالسن. أما إن أقعدك المرض فإن خيارك سيكون محدودا بما يسعك القيام به في سنوات الشيخوخة.
ومما يثير العجب أنّ الموروثات الجينية مسؤولة عن ثلث آثار عملية الشيخوخة فقط، أما الباقي فهو ناجم عن نمط الحياة والبيئة بصورة رئيسية. فإن توفي أبواك نتيجة لنوبة قلبية مثلا، يمكنك الميل للاعتقاد بأن نهايتك ستكون مشابهة. ولكن وبالرغم من أنك قد تملك تأهبا وراثيا للإصابة باعتلال القلب، إلا أنّ النظام الغذائي والرياضة والأدوية وتجنب التدخين، تؤدي جميعها دورا حيويا في إمكانية الإصابة بمرض القلب. مما يعني بالتالي بأنك تملك بعض القدرة على السيطرة على كيفية تقدمك بالسن وأنّ لذهنك وعواطفك أهمية بالغة.
نمط الحياة وتأثيره على عملية الشيخوخة
لا شك بأن نمط الحياة الذي نتبعه في سن الشباب والكهولة تظهر عواقبه علينا في مرحلة الشيخوخة. فالسنوات التي نمضيها في تدخين التبغ، مع قلة ممارسة الرياضة والإكثار من الطعام ينجم عنه ضرر جسدي غالبا ما يعزى خطأ إلى التقدم في السن. واستنادا إلى دراسة أجراها مؤخرا باحثون في جامعة ستانفورد، فإن متوسطي العمر الذين راقبوا أوزانهم ومارسوا الرياضة ولم يدخنوا لم يعيشوا فترة أطول فحسب، بل أصيبوا بسنوات أقل من المرض وكانوا أقل اعتمادا على الآخرين مع تقدمهم في السن.
ولكن، هل من الممكن إلغاء تأثير العادات السيئة التي مارسناها طيلة حياتنا؟ يقول الباحثون أنّ الأوان لا يفوت أبدا على التخلص من آثار أفعالنا. ولنأخذ التدخين مثلا على ذلك. فحين نقلع عن التدخين، يبدأ احتمال إصابتنا باعتلال القلب بالانخفاض على الفور تقريبا. وفي غضون خمس سنوات، لا نعود معرضين لأمراض القلب أكثر بكثير من الأشخاص الذين لم يدخنوا أبدا. إلا أنّ الأمر يستغرق 15 عاما لتقليص احتمالات إصابتنا باعتلال رئوي ومع ذلك فإننا لن نتمكن أبدا من تقليص الخطر ما لم نقلع عن هذه العادة المؤذية.
أما بالنسبة إلى الرياضة، فقد أظهرت الدراسات أنّه حتى الأشخاص الهزيلون من المقيمين بدور المسنين يمكنهم زيادة قوة عضلاتهم ذات الرأسين، لا بل وأكثر من ذلك، إن هم التحقوا ببرامج التقوية البدنية.وستتحسن أيضا صحتهم العامة وقدرتهم على تأدية نشاطاتهم اليومية. ولكن حين يتوقف التدريب تزول منافعه لاحقا. بالتالي يجب أن تشكل تمارين زيادة القوة أو المقاومة البدنية جزءا من برنامج رياضي كامل.
ابدأ الآن
مهما كان سنك اليوم، بإمكانك، لا بل يتوجب عليك، البدء بالاستعداد لسنوات شيخوختك. وإن كنت كهلا، فلا يزال أمامك متسع كاف من الوقت لكي تعد لشيخوختك، أكان ذلك بمباشرة برنامج رياضي أو باعتماد نظام غذائي أفضل أو بصقل مهاراتك الاجتماعية. أما إن كنت متقاعدا فلم يفت الأوان بعد لكي تقرر كيف ستمضي السنوات العشر أو العشرين أو الثلاثين المقبلة وإلى أي مدى تريدها أن تكون ممتعة بالنسبة إليك. فقد ترغب مثلا بالتعلم والسفر أو تثقيف نفسك في مجال الحواسيب وقد تفضل التطوع في المدرسة المحلية. باختصار، يمكنك أن تختار نوع الحياة الذي تريد وأنت سيد قرارك هنا.
ماذا ستتعلم؟
مرّن عقلك
لا تأخذ بالتوقعات التي تقول بأن خلايا الدماغ تبدأ بالموت مع التقدم في السن. فقد أظهرت الأبحاث بأن الأشخاص الناشطين هم أكثر ميلا للحفاظ على نشاطهم العقلي والجسدي والتمتع بالنتيجة بحياة أفضل. بالتالي، كن منفتحا على فرص التعلم الجديدة.
حافظ على نشاطك الجسدي
إن كنت شخصا خمولا في الثمانين من عمره، فإنك قد تستعمل نصف قوتك الجسدية أثناء الاستحمام. غير أنه يمكنك تفادي ذلك بالتمرين المنتظم. والواقع أنّ التمارين الرياضية هي أهم عامل للتقدم بالسن بصورة سليمة. إذ تتيح لك اللياقة البدنية أداء وظائفك اليومية بشكل أفضل والتمتع بحياة أطول وبقوة أكبر لمواجهة المشاكل الصحية أو الإقلاع عن العادات السيئة. وليس عليك الانضمام إلى النادي الصحي المحلي لتحافظ على نشاطك الجسدي، بل اعثر عن فرص يومية تتطلب منك مزيدا من الحركة الجسدية، كالسير والسباحة وركوب الدراجة وهي تمارين سهلة على المفاصل.
كل جيدا
إنّ أمهاتنا كنّ على حق. فالإكثار من الفواكه والخضروات والحبوب الكاملة لا يفيدنا فحسب، بل يطيل حياتنا أيضا، شأنه في ذلك شأن الحد من الدهون والكولسترول والسكر والصوديوم. ويتضمن النظام الغذائي المرتبط بالشيخوخة الصحية الإكثار من الماء أيضا.
الإقلاع عن العادات السيئة
من غير الممكن طبعا استبعاد جميع عوامل الخطر من حياتنا، إلا أننا نملك القدرة على التحكم ببعض الأمور المضرة بصحتنا. فإن كنت ترغب بعيش حياة طويلة والتمتع بصحة جيدة، تجنب فرط استهلاك النيكوتين بجميع أشكاله، بما فيها السجائر والدخان المستعمل ومضغ التبغ.
راقب مواقفك
لأفكارنا وهواجسنا تأثير بالغ علينا. ولكن من الضروري للمرء أن يركز في حياته على الأمور الهامة ويتجاوز المشاكل البسيطة. والواقع أنّ قدرتك على تخطي المشاكل وتمتعك بحس من المرح هما عاملان يساعدان على العناية بالصحة. ذلك أنّ كثرة القلق تستنفد طاقة الجسد وحيويته. وكما تقول المحدثة والكاتبة لوريتا لاروش في كتابها، “استرخ، فالحياة قصيرة”، الصادر عام 1998، “ما من أحد قال وهو على فراش الموت، ليتني لم أكثر من الضحك في حياتي”.
غذّ روحك
كن مؤمنا. فمهما كان مصدر إلهامك، من الأهمية بمكان أن تحدد روحانيتك وأن تمارسها. واستنادا إلى الأبحاث، فإن الأشخاص الذين يعتمدون على الصلاة يتجاوزن التجارب الصعبة في حياتهم بسهولة أكبر، كما يحصلون أيضا على دعم معارفهم الذين ينتمون إلى الجماعة نفسها.
حافظ على اتصالك بالآخرين
إنّ البقاء على صلة وثيقة بالعائلة والأصدقاء هي من أبرز مؤشرات الحياة المديدة. أما عن مدى أهميتها، فتشير الإحصاءات إلى أنّ معدل الوفيات بين الأشخاص الذين بلغوا الخامسة والسبعين وما فوق ويعيشون بمفردهم يرتفع إلى ضعف ما هو عليه بين من يعيشون مع آخرين. ويمكنك إقامة علاقات اجتماعية أيضا عبر التطوع في مجموعة دعم اجتماعي أو الانضمام إليها. ونمّ علاقاتك كذلك مع الأصدقاء الأصغر سنا الذين يضفون على حياتك شيئا من الحماس، بينما يزودك الأكبر سنا بحكمتهم.
خطط للمستقبل
مهما فعلنا فإننا لن نوقف عملية شيخوختنا. غير أننا نستطيع أن نقرر الكيفية التي ستتم بها من بعض الوجوه. فكّر بالتالي بأوضاعك المالية وبترتيباتك الحياتية المستقبلية وما أمنته لأحبائك. وتأكد من تحديد الأمور الهامة بالنسبة إليك اليوم وما سيزداد أهمية مع مرور السنوات. فالغنى ليس شرطا أساسيا من شروط السعادة ولكن يمكنك أن تضمنها بتخصيص ميزانية للنشاطات التي تحبها ولنمط الحياة الذي تقدره.
ولا شك بأن التأكد من إكتمال تمويل خطة التقاعد أمر ضروري ولكن عليك التفكير أيضا كيف ومع من تودّ تمضية وقتك، ما هو نوع الحياة التي تريدها وأي شخص ترغب بأن تكون. فمن البديهي أننا لا نتقدم بالسن فجأة وأن شيخوختنا ستشكل امتدادا لما نحن عليه الآن ولما سيطرأ علينا خلال حياتنا ولأية تغييرات نحدثها لتحسينها. وتذكر بينما أنت تتصفح هذا الكتاب وتفكر بحاجتك إلى تعديل نمط حياتك، بأن سنوات الشيخوخة من شأنها أنّ تكون من أغنى فترات حياتك، إن أردت لها ذلك. فالقرار – بمعظمه – بيدك.
توصيات ونقاط يجدر أخذها بالاعتبار
● افترض أنك ستعيش لمدة طويلة جدا.
● من شأن فترة الكهولة أن تكون أفضل سنوات حياتك.
● خطط للعقد الأخير من حياتك.
● قد تتقاعد عن العمل أبكر مما كنت تتوقع. خطط لهذا مسبقا.
● قم بجردة لاهتماماتك ومواهبك. وكن عمليا في إيجاد طرق لاستخدامها.
● كن مستعدا لإعادة اكتشاف نفسك.
● ضع قائمة بالمهارات والعلاقات المفيدة لك. وحين تخسر وظيفتك ستربح مهنة تحبها.
● اعثر على مشاغل وهوايات وفرص تطوع تشعرك بالرضى عن نفسك.
● كن خلاقا ومنفتحا في مسألة خوض تجارب جديدة، من شأنها أن تشكل تحولا إيجابيا في مسار حياتك.
● ابق على اتصال بالعائلة والأصدقاء والرابطات.