علم الصحة النفسية يتعامل مع السلوك والسمات المميزة لحالات السواء وعدم السواء، والعوامل المؤدية إلى التمتع بمظاهر الصحة النفسية أو الشعور بانحرافها واعتلالها، وما يتبع ذلك من أساليب التوافق والتكيف سواء كانت سلباً أو إيجاباً.
وتعمل التعريفات المختلفة للصحة النفسية على تحديد مجالاتها وأهدافها ووسائلها وما يرتبط بها من عمليات داخلية أو خارجية وسنستعرض فيما يلي بعضاً من تعريفات الصحة النفسية.
الصحة النفسية هي السواء
تعني كلمة السواء في اللغة “الاعتدال والاستقامة” ويمكن الاستدلال من ذلك إلا أن السواء يعني الاعتدال في السلوك وعدم الانحراف عن المعايير السائدة والمتفق عليها أو فعل الأمور الشاذة، أما في العلوم الطبيعية فإن مفهوم “السواء” يشير عادة إلى حالة من التوافق في النظم والوظائف العضوية لأحد الأعضاء أو أجزاء الجسم كله، ويصبح الجسم في هذه الحالة عديم السواء إذا زادت نسبة سكر الدم أو أصيب الشخص بقرحة في جدار المعدة على سبيل المثال، ولذا يكون من السهل على الطبيب المعالج معرفة الخط الفاصل بين السواء وعدم السواء، أما في المجال النفسي فإنه يصعب رسم الخط الفاصل بنفس الدقة التي يتبعها الطبيب للتميز بين السواء وعدم السواء. والسواء أمر نسبي فما يراه أحدهم سوياً قد يراه غيره غير سوي ومرفوض.
تعريف منظمة الصحة العالمية
“الصحة النفسية هي حالة من الراحة الجسمية والنفسية والاجتماعية وليس الخلو من المرض”.
وقد حاولت منظمة الصحة العالمية الابتعاد عن التعريف الطبي المحدود الذي يعني بالخلو من المرض، وتبنت وجهة النظر النفسية والاجتماعية التي تنظر إلى الإنسان ككل وليس مجرد مجموعة من الأجهزة المنفصلة التي يعمل كل منها على حدة ويرى هذا التعريف أن الشخص المتمتع بالصحة النفسية هو المتوافق مع نفسه ومجتمعه والخالي من أعراض الاضطرابات الجسمية ذات الأصل النفسي أو الاضطرابات الجسمية ذات الأصل النفسي أو الاضطرابات النفسية ويمكن تلخيص ما يشير إليه التعريف فيما يلي:
أ- خلو الشخص من الأعراض الجسمية ذات المنشأ النفسي.
ب- فعالية الشخص في تأدية أعماله.
جـ- نظرة الشخص إلى الأمور بواقعية وعدم تهربه من المسؤولية.
تعريف الجمعية الوطنية الأمريكية للصحة النفسية
ويشير هذا التعريف إلى مجموعة من مظاهر السلوك الذي يتحلى بها المتمتع بالصحة النفسية، وتشمل:
أولاً: الشعور بالرضى عن النفس، ويشمل:
أ- عدم الاستسلام للعواطف والمخاوف والغضب والحب والغيرة والشعور بالذنب والقلق وتركها تطغى على الجوانب الأخرى.
ب- عدم الاستسلام للفشل.
جـ- القدرة على التحمل والبعد عن التعقيد في نظرة الإنسان إلى نفسه وإلى الآخرين.
د- الالتزام بالواقعية في تقييم القدرات الشخصية بدون نقص أو مبالغة.
هـ- احترام النفس.
ثانياً: القدرة على تقدير الآخرين، وتشمل:
أ- القدرة على منح الآخرين الحب.
ب- القدرة على إقامة علاقات شخصية طيبة.
جـ- احترام الآخرين.
د- الشعور بالانتماء إلى المجموعة.
هـ- الشعور بالمسؤولية تجاه الزملاء والجيران.
ثالثاً: القدرة على مقابلة متطلبات الحياة وتشمل:
أ- التعامل مع المشاكل بجدية وقت ظهورها.
ب- تحمل المسؤوليات والوفاء بالالتزامات.
جـ- القدرة على إعادة تشكيل البيئة متى سمحت الظروف بذلك.
د- العمل على التخطيط للمستقبل.
هـ- تحديد الأهداف بواقعية.
أي أن الفرد المتمتع بالصحة النفسية السوية لديه القدرة على الشعور بالرضا في حالات العمل والراحة على حد سواء والقدرة على مبادلة الآخرين حباً بحب وهو راضٍ عن نفسه في معظم الأحوال ولديه القدرة على مواجهة المواقف الصعبة بنجاح.
أهمية الصحة النفسية
إن انتشار الاضطرابات النفسية والعقلية بعد الحرب العالمية، وظهور الحركات الاجتماعية والإنسانية التي تؤكد على حقوق الإنسان في الحرية والأمان، كان من بين الأسباب القوية التي أدت إلى الاهتمام بالصحة النفسية والتأكيد على أهميتها في تحقيق حياة كريمة للفرد في تنمية المجتمع وازدهاره.
أهمية الصحة النفسية للفرد
تعد الصحة النفسية مهمة جداً للفرد لأنها تميزه بالخصائص الآتية:
أ- فهم الذات: أي القدرة على معرفة الذات، حاجاتها وأهدافها.
ب- وحدة الشخصية: أي الأداء الوظيفي الكامل التناسق للشخصية والتمتع بالنمو والصحة.
جـ- التوافق: أي التوافق الشخصي (الرضا عن النفس) والتوافق الاجتماعي.
د- الشعور بالسعادة مع النفس: أي الإحساس بالراحة والأمن والطمأنينة والثقة ووجود اتجاه متسامح مع الذات واحترامها وتقبلها ونمو مفهوم ايجابي نحوها وتقديرها حق قدرها.
هـ- الشعور بالسعادة مع الآخرين: أي حب الآخرين والثقة بهم واحترامهم.
و- القدرة على مواجهة مطالب الحياة: أي النظرة السليمة الموضوعية للحياة ومطالبها ومشاكلها اليومية والعيش في الحاضر والواقع، المرونة والايجابية وتحمل الصعوبات.
ز- السلوك العادي: أي السلوك المعتدل المألوف الغالب على حياة غالبية الناس والعمل على تحسين مستوى التوافق النفسي.
أهمية الصحة النفسية للمجتمع
الصحة النفسية مهمة للمجتمع لمؤسساته المختلفة (الأسرة، المدرسة…الخ) فالصحة النفسية ضرورية لجميع أفراد الأسرة، إذ تؤدي صحة الأبوين النفسية إلى تماسك الأسرة بما يساعد على خلق جو ملائم لنمو شخصية الطفل المتماسكة. كما أن العلاقات السوية بين مختلف أفراد الأسرة تؤدي إلى نموهم النفسي السليم.
هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، تعد الصحة النفسية ضرورية للمدرسة، ذلك أن العلاقات السوية بين الإدارة والمدرسين وبين المدرسين أنفسهم تؤدي إلى نموهم النفسي السليم، كما أن العلاقات الاجتماعية في المدرسة، بشكل عام، تؤثر على الصحة النفسية للتلميذ، فالعلاقات الجيدة بين المدرس والتلميذ تؤدي إلى النمو التربوي والنفسي السليم له.
وعلى ذلك فإذا وفرنا طفولة سعيدة لأبنائنا كانوا الأكثر احتمالاً راشدين أسوياء خاليين من العقد والاضطرابات. فمرحلة الطفولة هي المرحلة التي تتكون فيها جذور الشخصية وأحولها الأولى. ولذلك للأب والأم أهمية كبيرة وتأثير كبير على شخصية الطفل.
وخبرات الطفل مع المعلمين والأصدقاء والكبار عامة أما تعزز أو تعدل خبرات الطفولة. ويذهب أنصار المدرسة السلوكية في علم النفس إلى اعتبار الشخصية نتاج للمكافآت أو العقوبات المرتبطة بالسلوك في البيئة الاجتماعية. لا يستطيع أحد أن ينكر خبرات البيئة في صقل وتشكيل أو الاحتفاظ بأنماط التفكير والسلوك. ولكن يلاحظ على الأطفال الرضع أن لديهم أنماطاً خاصة في التعبير عن ذواتهم قبل أن يكتسبوا أية خبرة اجتماعية أو بيئية.
هناك بعض السمات التي تحددها الوراثة أو العوامل البيولوجية. لون البشرة وطول القامة وشكل الشعر. وخضوع الطفل إما إلى الإحباط أو الإشباع وغير ذلك من الخبرات يؤدي إلى ظهور الفروق الفردية بين الأطفال في شخصياتهم. وخبرة الفطام المبكر قد تؤثر في شخصية الفرد بعد ذلك. وهناك دراسات أيدت وجود سبب ورائي إلى حد ما في القدرات وسمات الشخصية والميول المهني وما إليها.