لا تعني الصحة مجرد غياب المرض وإنما وفرة الحيوية. وتسمى الصحة الإيجابية أحياناً بالصحة الوظيفية الفعّالة والتي يمكن قياسها بما يلي:
● الأداء – كيفية قيامك بالفعاليات الجسمية والعقلية.
● غياب المرض – الأعراض المرضية.
● العمر المديد مع دوام الصحة.
إني أعتقد بأن تجربة المعنى العميق للصحة يمكن تحقيقها من قبل الجميع فهي تتصف بمستوى عالٍ من الطاقة المستمرة الصافية، والتوازن العاطفي، وحدة التفكير، مع الرغبة بالمحافظة على لياقة وتأهيل جسمي والاهتمام المباشر بما يناسب أجسامنا وما يحفز صحتنا، وماهية حاجاتنا بأي لحظة. تتضمن هذه الحالة الصحية القدرة على مقاومة الأمراض الالتهابية وتلك القاتلة كأمراض القلب والسرطان. وبالنتيجة سيتم إبطاء عمليات تقدم العمر (الشيخوخة) وسيصبح بمقدورنا أن نحيا حياة طويلة وصحية. كما لا تعني الحياة بمعناها العميق غياب الألم أو التوتر وإنما التمتع بها والشعور بالعرفان الحقيقي لاكتسابك جسماً صحياً تتمكن بواسطته من ممارسة مِتَع متعددة في هذا العالم. وبالنسبة لي لا يعد هذا مجرد اعتقاد وإنما تجربة عايشتها شخصياً وشهدتها في ناس آخرين ممن عملت معهم لسنين طويلة منذ ابتدأت متابعة برنامج التغذية المُثلى (Optimum nutrition). فالصحة بالنسبة لي ليست حالة مستقرة وإنما هي رحلة غير منتهية من التعلم الذاتي بعد معاناتي من الأمراض والاختلالات في التوازن، وسلسلة من الاكتشافات المستمرة لمستويات أعلى وأصفى من الطاقة. فمن جميع هذه الخبرات وتلك التي اكتسبتها من خلال العمل مع آلاف الناس ممن يعانون من أنواع متعددة من الأمراض، أصبحت مقتنعاً تماماً أنه بواسطة التغذية المناسبة وأداء التمارين، والعيش بمناخات وظروف ملائمة مع الرغبة بتغيير الاعتقادات البالية والأنماط السلوكية التي تخلق التوتر والضغط النفسي، سنتخلص من معظم الأمراض دون الحاجة إلى الدواء أو العمليات الجراحية.
العناية الصحية – العمل الفاشل الأسرع نمواً
لا يوجد في الثقافة الغربية حقيقة ما يعلّمنا أن نكون أصحاء، وفيما عدا بعض التداعيات والحِكم التي تناولها آباؤنا ومعظمهم قضى أيامه الأخيرة في معاناة ألم، لم تعلمنا المدارس أو الجامعات ولا حتى أوساطنا الاجتماعية كيف نكون أصحاء. وقد تشن الدولة الحملات ضد التدخين أو الكحول دون توجيه صحيح وبنتائج قليلة.
ما نسميه بالعناية الصحية هي بالحقيقة عناية بالمرض. هكذا وصفها الدكتور Emanuel Cheraskin، الأستاذ الفخري في مدرسة الطب/جامعة ألاباما الذي استطرد قائلاً بأنها المهنة الفاشلة الأسرع نمواً حيث أن الطب الحديث قد فشل في تزويد الناس بالعناية الصحية الحقيقية وراح يجني الثروات من ورائها، فالعناية الصحية كما يقول الدكتور Cheraskin هي مجرد محاولات أولية لمنع تدهور المرض. وخذ مرض القلب كمثال: يتعرض حالياً كل إنسان باحتمال 50% للإصابة به خلال حياته وهو المسبب لـ 25% من حالات الوفاة دون سن الخامسة والستين. ويتعرض واحد من أربعة أشخاص للأزمة القلبية قبل سن التقاعد. ولقد أصبح معروفاً أن ضغط الدم العالي هو جرس إنذار جدي للإصابة بأمراض القلب والأوعية الخطرة. ويوحي الطب التقليدي في هذه الحالة بتخفيض الوزن وتناول العقاقير لتقليل الضغط دون الالتفاف جدياً إلى عوامل غذائية متعددة تقود للنتيجة عينها، فإن تناول 1000 ملغ من فيتامين C يخفض ضغط الدم معنوياً، إلا أن هذا نادراً ما يُوصّى به. كما أن 500 ملغ من فيتامين E كفيل بخفض خطر الإصابة بالأزمة القلبية بنسبة 75% حسبما أكدته دراسات واسعة المدى أجرتها كلية الطب في جامعة كامبردج.
وعلى عكس ما يعتقده العموم فإن خطر الموت من الأنواع الشائعة من السرطان في تزايد وليس في تناقص. وخذ سرطان الثدي الذي هو ثلث عدد السرطانات المشخّصة عند المرأة، فلو كان العلاج ناجحاً لتمكنت المصابات بسرطان الثدي أن يعشن أطول ويقل احتمال خطر الموت. فقد أخبرنا أن معدل البقاء خلال الثلاثين سنة الماضية قد ارتفع من 60 إلى 75 بالمائة، بينما ارتفع معدل الوفيات بالسرطان بشكل مستمر خلال نفس الفترة. فكل ما حصل هو أن الأمراض أخذت تشخص مبكراً وعليه بدت المصابة وكأنها تعيش أطول. فنحن نخسر في حربنا ضد السرطان وليس العكس.
ونسبة للخبير الطبي الدكتور John Lee فإن سرطان الثدي أصبح متكرر الوقوع ويظهر باكراً في حياة المرأة بالمقارنة مع منتصف الثمانينات، فقد أظهرت تقنية Mamograms تكلسات صغيرة تظهر في الثدي لم يكن من السهل تشخيصها سابقاً والعلاج التقليدي هو الجراحة المتبوعة بتناول العقار Tamoxifen. ويعتقد الدكتور Lee أن السبب الرئيسي لسرطان الثدي هو الاستروجن غير المُقاوم (Unopposed Oestrogen) الذي يتوازن طبيعياً في الجسم بواسطة البروجسترون. وهنالك عدد من العوامل تؤدي إلى هذه الحالة. ومنها التوتر العصبي مثلاً الذي يرفع مستويات الهرمون الكورتيزول المنافس للبروجسترون، والـ Xenoestrogens، الموجودة في الطبيعة ولا سيما في المبيدات (Pesticides) والبلاستيك، تستطيع أن تدمر الأنسجة وتزيد من خطر الإصابة بالسرطان في أواخر العمر.
وهنالك أيضاً عوامل غذائية لا بد من اعتبارها. ومع ذلك يستمر الأطباء في وصف الأستروجن غير المُقاوم للنساء على أساس العلاج الهرموني. وقد بين الدكتور Bergkvist في دراسة أجراها في اسكندنافيا أنه في حالة بقاء المرأة على علاج HRT (العلاج الهرموني) لمدة تزيد عن خمس سنوات فإنها تضاعف خطر إصابتها بسرطان الثدي. وفي دراسة لاحقة تابعت فيها مدرسة الصحة العامة بجامعة إمري 240.000 امرأة لمدة ثماني سنين وجدت فيها أن خطر الإصابة بسرطان المبيض القاتل يزيد بنسبة 72% عند النساء اللواتي يأخذن الاستروجين.
ولنأخذ مثلاً آخر، عند سن الستين يصاب تسعة من كل عشرة أشخاص بالتهاب المفاصل (Arthritis). وعندما يصبح الألم لا يُطاق، ينصح المريض بأخذ العقاقير الستيرويدية أو غير الستيرويدية المضادة للالتهاب. وفيما تعمل هذه العقاقير على تقليل الألم والورم، فإنها تسرّع تفاقم المرض. وفي الولايات المتحدة تكلف صناعة العقاقير غير الستيرويدية المضادة للالتهاب 9.5 مليار دولار: 5 مليارات دولار منها للعقاقير و4.5 مليار دولار لعلاج التأثيرات الجانبية. ويموت آلاف الأشخاص من التأثيرات الجانبية لهذه العقاقير وحدها. وفي الوقت نفسه فهنالك إثباتات بوجود بدائل غذائية أمينة لها نفس التأثيرات المضادة للالتهابات ولكن دون التأثيرات الجانبية المضرة.
وعندما تضع كل هذه المخاطر مع غيرها في معادلة صحية سيسهل عليك فهم سبب قَدَر الشخص العادي الحالي في أن يعيش متوسط حياة سقيمة أمدها 75 سنة يقضي آخر عشرين سنة منها بصحة معتلة، بالوقت الذي تؤكد الحقائق الطبية الثابتة أن متوسط عمر الإنسان يجب أن لا يقل عن المائة سنة. والمؤلم أن الإحصاءات لا تخبرنا بما يسر. ورغم كل تطورنا في مجال الطب الدوائي والجراحي وعلم التقنية الطبية أصبح الرجل البالغ سن الخامسة والأربعين اليوم لا يتوقع أن يعيش أكثر من سنتين نسبة إلى الرجل نفسه في عام 1920 الذي يتوقع أن يعيش لعمر 74 بدل 72. إن التعامل التقليدي مع مفهوم العناية الصحية يسير في طرق غير صحيحة وربما ما يحتاجه هو الطرق الجديدة.
الفكرة الجديدة للصحة
كبديل للفكرة السائدة، أن الجسم شبيه بالماكنة والمرض شبيه بمفتاح ربط حشر بين تروسها مما يقتضي تدميره بالدواء أو إزالته بالجراحة، بدأ علماء الطب بمفهوم جديد يعتبرون فيه الإنسان كنظام تكيفي معقّد أشبه بغابة ذاتية التنظيم بدل اعتباره كحاسوب معقد التركيب. انبثق مفهوم جديد للصحة يعتبر الإنسان وحدة كاملة مزودة بعقل وجسم مصممين لكي يتكيفا مع الصحة عند توفر الظروف الملائمة.
وبالطبع فإن القدرة على هذا التكيف ليست متشابهة عند جميع الناس. فقد وُلِدَ كل منا بنسب متفاوتة من القوة والضعف. فبعضنا لديه ما يسمى «بالجينات الجيدة» أو يأتي من «أصل» جيد وليس لبعضنا الآخر مثل ذلك. فعلى أساس هذا المفهوم الجديد تصبح صحتنا نتيجة التفاعل بين القدرة التكيفية الموروثة وظروفنا. وعلى المستوى الفيزيائي – الكيميائي مثلاً يكون التفاعل بين الجينات والمحيط. فإن كان المحيط عدائياً بالكفاية (تغذية سيئة، تلوث، تعرّض للفيروسات، حساسيات… إلخ). سنستوفي قابليتنا على التكيف وسنمرض. ولنعود إلى موضوع السرطان مرة أخرى: نحن نعلم أن الخطر يزداد بالتدخين، وبالإدمان الكحولي، والإكثار من تناول اللحوم، وأخذ بعض العقاقير والهرمونات، والتعرض إلى عوادم السيارات وغيرها من الملوثات… إلخ. من ناحية أخرى إن الأخطار تقل إذا تناولنا قسطاً وافراً من بعض الخضار والألياف والفيتامينات المقاومة للتأكسد كالبيتا كاروتين، فيتامين C وE، والعيش في ظروف غير ملوثة. وقد أظهرت بل أكدت الأحداث أن الصحة يحافظ عليها عندما يزيد عدد الإيجابيات عن السلبيات.
تشبه جدلية الجينات والصحة مسألة الدجاجة والبيضة. فالعلم يثبت أن الجينات تتأثر بالمحيط كما أننا بالوقت نفسه نتفاعل مع هذا المحيط. فقدرتنا على هضم بعض المغذيات على سبيل المثال تعتمد على وراثتنا. وأنا أعتقد شخصياً بأن مستقبل الطب سيركز مبدئياً على الوراثة وعلى طب المحيط الذي تلعب فيه التغذية دوراً رئيسياً كطريقة للتأثير على الصحة. الجينات، من ناحية أخرى، يصعب تغييرها بينما يمكن تغيير التغذية، عليه يُتوقع أن تلعب الأخيرة دوراً بالغاً في المفهوم الجديد للعناية الصحية، بالتضامن مع الاستراتيجيات الخاصة بتخفيض المواد المضادة للمغذيات (anti-nutrients) كملوثات البيئة، والمبيدات ومضافات الغذاء التي تتعارض جميعها مع التغذية.
تذكروا بأننا في مجال تحدٍّ دائم فليكن ذلك بشكل دخان عادم لا يمكن تفاديه أو زكام جار. ولكن ما نأخذه في أجسامنا – وليكن غذاءً صحياً أو مشروباً أو عقاراً أو مخدراً – يمكن أن يؤثر كثيراً على قابليتنا في البقاء أصحاء.